اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

علوم وتكنولوجيا

• الكون والأسئلة الجوهرية 2-2

الكون والأسئلة الجوهرية 2-2

03/06/2011

د. جواد بشارة

كان العالم الشهير ألبرت آينشتين يردد :" كل ما أرنو إليه هو أن أتمكن من قراءة تفكير الله من خلال العثور على النظرية الجامعة الموحدة والشاملة التي تفسر كافة قوانين الكون في جميع المستويات والأبعاد سواء اللامتناهية في الصغر أو اللامتناهية في الكبر.

من المتعارف عليه في الأوساط العلمية أن وظيفة العلم هي فهم قوانين وبنية ومعمارية أو هيكيلية العالم الفيزيائي الذي تدركه حواسنا الخمسة. ويجهد العلماء لإعطاء معنى لهذا العالم الذي نعيش فيه وهو عكس ما يصبو إليه رجال الكهنوت ومنظروا الفكر الديني الذي يعتبرون العالم لغزاً إلهياً عصياً على الفهم والإدراك البشري ويستحيل على الإنسان أن يسبر أغواره ويكشف أسراره، وما علينا سوى تقبله كما هو عليه ظاهره، وعدم البحث في باطنه، باعتباره معطى إلهي، كما علينا أن نتقبل كل الخوارق والغموض المحيط به لأنها من الأسرار الإلهية المقدسة التي لا يحق للبشر الدنو منها ناهيك عن التحرش بها ومقاربتها. هذا لا يعني أن العلم، بمستواه الحالي الذي بلغه بفضل مثابرة الإنسان وسعيه نحو التقدم ، في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، سيكون قادراً على فك طلاسم الوجود ومعرفة الحقيقة المطلقة وكشف ماهية وسر الخلق، ولكن مما لا شك فيه أن العلم يتقدم في كل يوم ويحقق اكتشافات ومنجزات جبارة، في كافة الفروع والاختصاصات، يفتخر بها الإنسان ويستغلها في تطويعه للطبيعة. ومع مرور الوقت، الذي يحسب هنا بملايين السنين، سيتوصل العلم حتماً، إلى الأجوبة المنتظرة على الأسئلة الوجودية المطروحة منذ فجر الإنسانية. لذلك لا يدعي العلم اليوم أنه يمتلك الحقيقة الكاملة والفهم الصحيح والنهائي لبنية العالم المادي وقوانينه التي تسيره. فهو يكتفي في الوقت الحاضر بالبحث والتقصي والمراقبة والرصد والتجريب وصياغة الفرضيات والنظريات العلمية والسعي إلى إثبات صحتها مختبرياً، لا سيما فيما يخص الظواهر المتكررة والتي يمكنه إخضاعها للتجربة. وكما نعلم، توجد فروع علمية ترتكز أساساً على الرصد والمراقبة أكثر من التجريب مثل علم الكون وعلم الأحياء والتطور البيولوجي. وكان أهم علم ابتكره الإنسان كأداة بحثية هو علم الرياضيات والذي يعتبر الأكثر نجاعة وفعالية وتجريدية، والقادر على إعطاءنا مفتاح فك أسرارا العالم المادي. كما أن العلم يظهر لنا في نفس الوقت و بصراحة كم هو غامض وعجيب هذا العالم الذي يضمنا والذي لا يمكننا الآن الإحاطة به ومعرفته بشموليته واتساعه لأننا ما نزال لم نتخط بعد عتبة الطفولة العلمية. وكانت الانعطافة العلمية الأهم قد حدثت في بداية القرن الماضي، أي القرن العشرين وظهور نظرية النسبية لآينشتين ونظرية الكم أوالكوانتا والتي تعرف أيضاً بفيزياء الكوانتا الأولى تخصصت بالعالم الماكروسكوبي والثانية بالعالم الميكروسكوبي، أي تبحث الأولى في الأشياء الكبيرة واللامتناهي في الكبر كالأرض والنجوم والكواكب والمجرات والسدوم والكازارات، بينما تبحث الثانية في عالم الذرات والالكترونونات والبروتونات والكواركات والجسيمات ما دون الذرية وعالم اللامتناهي في الصغر. ولقد كشفت لنا الفيزياء الكمية أوالكوانتية في بدايات القرن المنصرم أن الإلكترونات والفوتونات تتصرف أحياناً كموجات وأحياناً أخرى كجسيمات ، أي أنها تمتلك طبيعيتين في آن واحد، وهو أمر يصعب فهمه وتقبله من قبل العقول البسيطة. وأثبتت نظرية الكم أن الالكترونات والفوتونات لا تخضع لقوانين المنطق الكلاسيكي. بيد أن العالم الألماني هيزنبيرغ استوعب ذلك وأسس عليه مبدأ عدم الدقة أو اللايقين. فحسب هذا المبدأ فإن الزمن والطاقة يشكلان زوجاً كمومياً أوكوانتياً ، كما فهم هيزنبيرغ إن قانون حفظ الطاقة وديمومتها ـ أي استحالة فناؤها ـ لا يمنع من ظهور الطاقة عفوياً على مراحل أو فواصل زمنية تناوبية أقصر. وينطوي هذا الكشف على حقيقة أن أزواج الجسيمات، كالمادة والمادة المضادة ، يمكنها أن تنبثق فجأة من اللامكان المادي ، وسرعان ما تعدم إحداهما الأخرى على الفور في أقل من لمح البصر، حيث أن مبدأ اللايقين يحد من فترة حياتها. وحسب مباديء الرياضايات ومعادلاتها المعقدة، كلما احتاج الجسيم إلى طاقة لكي يوجد، كلما كانت كتلته مهمة ، كلما قصرت فترة وجوده حياً، وهذا ينطبق على كل شيء وليس على الجسيمات ما دون الذرية فقط وقد أثبتت التجارب العلمية صحة مبدأ اللايقين ومبدأ اللاحتمية ، وبدونهما لايمكن للشمس أن تضيء، ولاعتبرت درجة حرارة قلبها، التي تقدر بـ 16 مليون درجة، منخفضة للغاية وغير كافية لحدوث الاندماجات النووية لنواتات الهيدروجين من خلال تصادمها ولن يكون الاندماج النووي ممكناً إلا في حالة إدراج عاملي اللايقين واللاحتمية في الحسابات الرياضية، سيما أن مواضع نواتات الهيدروجين غير محددة بدقة تامة ويمكنها أن تتواجد في أي مكان داخل قطر مكاني ضيق مقرر تقديراً، وبالتالي فهي تقترب من بعضها البعض بما فيه الكفاية لكي تندمج. لذلك ينتشر تعبير يقول أن التموجات والتذبذبات والتغيرات أو التقلبات الكوانتية أوالكمية هي باب مفتوح على المعجزات. فبعض جوانب وسمات المكيانيك الكمي أو الكوانتي تسمح للجسيمات بتصرفات غير متوقعة وغير محسوبة. فبعض النتائج التجريبية لا يمكن شرحها أو تفسيرها إلا إذا اعتبرنا الجسيم الخاضع للتجريب يتواجد في مكانين في آن واحد، وهو أمر يستحيل تخيله من قبل هقل الإنسان المبرمج على الأبعاد المكانية الثلاثة والبعد الزمني الرابع. ولم يستسغ بعض العلماء هذا الاستنتاج العلمي الغريب لأنه بدا أقرب للميتافيزيقيا منه إلى الصيغة العلمية ومع ذلك فقد أقروه كحقيقة علمية لا تقبل الدحض ومثبتة مختبرياً.

 

يسعى الكثير من العلماء لكي يثبتوا عدم حاجة كوننا المرئي لعلة مسببة لوجوده أو لإله يخلقه، ويبحثوا عن دليل ليدعموا مقولة إن بالإمكان تفسير كل هذه الظواهر الطبيعية بطرق عقلانية ، وقد أصابتهم الحيرة عندما ثبت هذا السلوك الكوانتي ـ الكمي اللاعقلاني الذي جاء ليناقض مقولاتهم الكلاسيكية مما فتح الباب من جديد للسجال بين الماديين والمؤمنين بنظرية الخلق المستقل المباشر وأعاد من جديد بعث أطروحة الإله الخالق، والحال أن مبدأ اللايقين ومبدأ اللاحتمية لا يعنيان أن بالإمكان حدوث كل شيء خارج الضوابط. ففي كون لا نهائي الأبعاد، وحتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة جداً لكي يقع حدث ما، ضمن نطاق الإحتمالية العلمية، فإنه سيحدث لا محالة، ولكن إذا كانت فرص حدوثه تعادل صفر فإنه لن يقع أبداً حتى لو في فترة زمنية لا محدودة، والاستنتاج يقول أن القوانين الفيزيائية لا تزال ضرورية للتمييز بين الممكن، حتى لو كان هذا الأخير يقع في نطاق اللامحتمل، وبين المستحيل. وبالمقابل يكون كل شيء ممكناً بالنسبة للقدرة أو الإرادة الإلهية حتى في حالة حيلولة القوانين الفيزيائية التي تمنع الظاهرة الخارقة من الحدوث وهو الأمر الذي تسميه الأديان السماوية المعجزات الإلهية وخوارق الطبيعة كإحياء الموتى وغيرها. وقد اعترف آينشتين في آواخر حياته أن مبدأ اللايقين لا يدع بالضرورة مكاناً للتدخل الإلهي. وقد حسم أمره في نهاية حياته العلمية عندما رفض فكرة وجود الله عندما كتب سنة 1950، أي قبل خمس سنوات من وفاته:" إن تسمية الله بالنسبة لي ليس سوى تعبير عن ضعف الإنسانية ونتاج لهذا الضعف".

 

نوهت الكثير من المؤشرات إلى أن الكون مصمم من أجل احتواء الحياة بداخله، مما أنعش السجال القديم حول ضرورة التدخل الإلهي وحتمية وجود خالق لهذا الكون. وبفضل فهم أعمق للقوانين الفيزيائية، تمكن العلماء من دراسة ما يحتمل أن يكون عليه الكون المرئي لو حدث تغير، ولو طفيف جداً، في الثوابت الطبيعية. وكانت دهشتهم كبيرة عندما اكتشفوا، عن طريق المحاكاة الالكترونية بواسطة الحواسيب العملاقة المتطورة جداً، إمكانية وجود عدد لا نهائي من الأكوان المماثلة لكوننا المرئي أو المتميزة و المختلفة عنه، وتكون، إما موازية أو مجاورة له أو متداخلة معه ضمن أبعاد مكانية أخرى غير مرئية أو تقع خارج حدود الأفق الكوني المرصود حالياً والمعروف اليوم من جانب العلماء المتخصصين بعلم الفلك وعلم الكون. وأكتشف هؤلاء العلماء أيضاً أن أغلبية تلك الأكوان المتعددة والموازية الممكنة الوجود، قد لا تحتوي حياة في داخلها على غرار الحياة في كوننا المرئي. أطلقوا على هذه النتيجة النظرية تسمية التنظيم الدقيق والنهائي. إن أنصع مثال لهذا التنظيم الدقيق والنهائي هو سرعة تمدد الكون. فلو كانت هذه السرعة تفوق ما هي عليه الآن لكانت كثافة المادة أضعف بكثير وبالتالي لما أمكن للمجرات أن تتشكل. وبالعكس لو كانت تلك السرعة أبطأ لانكمش الكون على نفسه قبل أن يتوفر الوقت اللازم للنجوم والبشر أن يتكونوا ويتطوروا. فكون بمجراته ونجومه وكواكبه لا يمكنه أن يوجد إلا ضمن هذا البون من القيم القريبة من سرعة التمدد الحالية للكون المرئي. وعلى العموم فإن هذا التنظيم يستند إلى هذه التشكيلة الضيفة التي في نطاقها يمكن للثوابت الفيزيائية أن تولد الحياة، وبسبب هذه الدقة المتناهية المطلوب توفرها، يبدو أن أغلبية الأكوان المجاورة أو الموازية لكوننا المرئي لا يمكنها أن تحتضن الحياة التي نعرفها ـ ولكن ربما يكون فيها أنماط وأنواع أخرى من الحيوات التي لا نعرفها ولا يمكننا إدراك ماهيتها ـ لذلك تساءل العلماء عن سبب وجود الكون المرئي بهذه الصيغة بحيث استطاعت الحياة أن تظهر فيه وتزدهر وتنتشر مع أن هذه " المعجزة" بدت غير محتملة الحدوث. المثال الثاني لهذا التنظيم الدقيق والنهائي يتمثل بفرضية تكون الكاربون في الكون في مجاز ضيق وعسير، معرقل وخانق يطلق عليه العلماء تعبير أي النطاق الخانق للكاربون. فأصل خلايا الحامض النووي ADN

الحامل للحياة هو عنصر الكاربون وهو يتكون، كباقي العناصر الكيميائية، من جراء عملية الاندماج النووي الذي يحدث في قلب النجوم ، ومنه شمسنا بالطبع. هذا وقد تساءل العالم الشهير ستيفن هوكينغ:" لماذا أعيا الكون نفسه لكي يوجد؟ " .

 

في خمسينات القرن الماضي استخدم العلماء كل معلوماتهم التي توفرت لديهم آنذاك بشأن التفاعلات الذرية بغية وضع سيناريو قادر على تفسير تركيبة الكاربون وأطلقوا على ذلك تسمية تفاعل آلفا الثلاثي وتخيلوا مجموعة من تفاعلات الدمج النووي التي حولت ثلاث نوايا لغاز الهيليوم إلى ذرة كاربون واحدة لكنهم تعثروا فيما يتعلق بالمرحلة الختامية القصوى للعملية. إن ذرات الكربون لها خاصية لا يمكن توافرها في أي ذرة أخرى بالنسبة للحياة. لكن المعروف أن الكربون لم ينتج مباشرة من الانفجار العظيم ولكن تم تكونه بعملية بطيئة بمرور ملايين السنين وفي قلب النجوم. لو أن اختلافا قليلا جداً حدث في أي من الثوابت الفيزيائية لكانت النتيجة عدم تكون الكربون بهذه الكمية. ولا يمكن تصور وجود كائن بشري بدون عنصر الكربون. إن توافر الكربون هو أحد الشروط الأساسية من بين العديد من الشروط الأخرى لظهور الكائن الذكي والعاقل الذي هو الإنسان.

 

وقد أظهر عالم الفلك البريطاني فريد هويل أن سرعة التفاعل بين غازي البيريليوم والهيليوم ، آخر نواتين للتفاعل، غير متلائمتين ، وحسب ما نعرفه عن التفاعلات النووية ، فإن هذه العملية غير محتملة حيث من المفترض أن يكون الكاربون عنصراً نادراً في الفضاء والحال هو عكس ذلك تماماً حيث نجد أنه عنصر منتشر ومتوفر بكثرة ، وما لم تحل هذه المعضلة أو المفارقة أو اللغز، بقي موضوع تكون الكاربون بهذه الكميات غير واضح تماماً في ذلك الوقت. ولكن بما أن الكاربون متوفر بكثرة في الكون المرئي، فهذا يعني أنه يتكون في مكان ما ولسبب ما نجهله، خاصة وهو يلعب دوراً أساسياً وجوهرياً في ظهور الحياة على كوكب الأرض ـ وربما على غيره من كواكب مجرتنا درب التبانة، بل وربما في أحد كواكب أو أقمار نظامنا الشمسي ـ وهو ضروري لتطور الكائن البشري لكي ينضح ويصبح عاقلاً وذكياً ومفكراً في موضوع ومعضلة وسر وجوده. فمجرد وجود إنسان حي قادر على التفكير والتأمل والتساؤل ، يثبت أن عنصراً يتعلق بهذه الذرة مازال ملتبساً علينا ويفلت من قدرتنا على الاستيعاب مما دفع العالم فريد هويل ليتساءل بشأن تسارع سرعة التفاعل بين البيريليوم والهيليوم وأن التفسير الوحيد لديه هو أن هناك سر لا نعرفه في الطبيعة يقف وراء هذه المفارقة، وقد افترض هويل وجود طاقة كبيرة في الكاربون في بداية تكونه بيد أنه لم يحافظ عليها، فلو بقيت لعثر العلماء عليها وكشفها الباحثون، وهو التفسير الوحيد المقبول الذي سمح بحدوث التفاعل النووي بين البيريليوم والهيليوم قبل أن يعود الكاربون إلى الشكل الثابت الذي نعرفه به. وبسبب هذا الافتراض ظهر مبدأ الأنثروبي المشتق من الكلمة الإغريقية التي تعني " الإنسان" . فمجرد وجوده يسمح بالتفكير بما هو ممكن ومستحيل خلال الكون، بعبارة أخرى يتعين على دارسي قوانين الفيزياء أن يأخذوا بالاعتبار أنها صيغت لكي تسمح بظهور النوع الإنساني وقد دلت دراسات لاحقة أن مختلف العناصر الموجودة في الكون المرئي تشكل فيما بينها شبكة أو نسيج مرتب ومنظم تماماً، فلو عدلنا القوة النووية التي تربط بين النواتات الذرية، ولو بنسبة % 0.4 فقط فإن هذا التوازن الدقيق ينهار ويتحطم وتتحول النجوم إلى معامل لإنتاج الكاربون. ويحق لنا أن نتساءل لماذا تجمعت هذه العناصر الكونية بهذا التنظيم المدروس والدقيق للغاية؟ إن هذا الترتيب يمكن أن يفسر على أنه عمل هادف وهو أحد الأدلة على وجود نظام ذكي في الكون والذي يخضع له كل من الإنسان والطبيعة. ومن تجليات هذا التنظيم والتصميم المسبق، الثابت الكوني الكوزمولوجي والذي أعتقد بعض العلماء |أنه الطاقة المعتمة أو الداكنة الموجودة في الفراغ في الكوني الموجود بين الحشودأو السدوم من المجرات وبين المجرات والمنظومات النجمية، وإن هذا الثابت هو المتسبب في تمدد الكون ويعمل بعكس الجاذبية! وهذا الثابت من الكميات المهمة جدا لمعرفة الكون، فقيمته الرياضية تعتبر لغزاً يحير العلماء ويقع ضمن نطاق ضيق، فأي إضافة أو نقصان يؤدي إلى عدم وجود الكون بالصورة التي نراها عليه الآن. فلو كان الكون المرئي مختلفاً في قيمه الجوهرية عما هو عليه الآن لما تواجدنا هنا لنتناقش حول موضوعه. التقط أنصار نظرية الخلق الإلهي المباشر والمتدينون ورجال اللاهوت والثيولوجيون هذه الفكرة وقالوا أن يد الله هي التي أعدت هذا النظام الدقيق لهدف وغاية سامية ، و يحق لنا أن نتساءل إن كان هناك سبب آخر أعمق وأكثر غموضاً يقول أن الله صمم الكون بواسطة تلك القوانين الفيزيائية التي أوجدها خصيصاً لهذا الهدف، أي بغية ظهور الحياة، وهذا يتطابق مع الكائن الخالق الذي لا يتدخل في شؤون الكون بعد خلقه له بطريقة ما، كما كان يعتقد آينشتين في بدايات حياته العلمية .

 

إذا اعتقدنا أن بأن التنظيم والتماثل هو نتيجة لشكل من أشكال التطور الكوني، عندئذ يدخل حلبة التفكير مفهوم تعدد الأكوان ، الذي سنخصص له بحث مستقل نظراً لأهميته وتشعب مفاهيمه، وإذا صحت النظرية م ، التي ينادي بها اليوم ستيفن هوكينغ، لتعين علينا الغوص في تداعيات تعدد الأكوان وعلاقتها بمسألة الخلق. وهذه النظرية هي الأحدث في هذا المجال والتي تضم نظريات الأوتار الفائقة الخمسة التي سبقتها، حيث كل أنواع الأكوان ممكنة مع كل الترتيبات والتدابير الممكنة للثوابت الكونية الممكنة، بسبب وجود عدد لا متناهي من الأكوان، وحيث أن من الضروري والحتمي أن يسمح أحدها بظهور الحياة فيه، وهذا يعني أن كوننا المرئي ليس استثناءاً وليس وحيداً من نوعه بل هو وجه من وجوه الوجود اللامتناهي المكون من عدد لا متناهي من الأكوان المتعددة الأشكال والتكوينات والمحتويات، وتصادف أننا تواجدنا داخل أحدها ممن توفرت فيه التركيبة المناسبة لظهور الحياة وتطورها دون الحاجة لتدخل إلهي.

 

إن دراسة الأجرام السماوية والأنظمة الشمسية البعيدة أو المجاورة لنظامنا الشمسي في مجرة درب التبانة، سوف تفتح لنا آفاقاً كبيرة لفهم خارطة الكون المرئي خاصة بعد أن تم اكتشاف أكثر من 500 كوكب تدور حول نجوم تشبه شمسنا، ومن هنا يمكننا تخيل سبل أخرى لظهور أشكال أخرى للحياة قد لا تشبه الحياة التي على أرضنا بالرغم من ثوابت جوهرية مختلفة عن الثوابت الفيزيائية في كوننا المرئي. والجدير بالذكر وجود ظواهر غريبة عسيرة أو مستعصية على التفسير العلمي حالياً، تحدث فيكوننا ولا نعرف أسبابها وطبيعتها وغاية حدوثها، وكلما راقبنا ورصنا مكونات كوننا المرئي كلما انجلى الغموض عن العديد من الظواهر الغامضة والألغاز ، ولكن بموازاة ذلك تبرز أمامنا ألغاز أخرى جديدة إلى أن يتيسر لنا التوصل يوما ما إلى النظرية الجامعة والشاملة التي يمكنها شرح وتفسير كل حوادث الطبيعة والإجابة على أغلب التساؤلات الجوهرية الوجودية المطروحة . وقد صرح ستيفن هوكينغ أن: «العلم يتنبأ بأن هناك عددا لا متناهي من مختلف أنواع الأكوان سيُخلق بشكل عفوي من عدم، وإن الأمر برمته يعتمد على الصدفة». وهو يعتقد أن أجهزة البحوث الفضائية الحديثة – مثل مرصد بلانك الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية – قد تتيح لنا التعرف على طبيعة اللحظات الأولى لنشأة الكون ، وإن هذه النتيجة ليست بعيدة المنال. ويضيف أن هذا بدوره قد يؤدي إلى فهم الكيفية التي تكون بها كوكب الأرض وكيفية ظهور الحياة على ظهره. واستند ستيفن هوكينغ في أقواله إلى «نظرية م »، وهي مجرد تنظير رياضي واسع ومعقد يحوي نظرية أخرى تعرف باسم «السلسة» يقول العلماء إنها الأمل الأفضل للتوصل إلى «النظرية الشاملة لكل شيء». وتقول نظرية م إن الكون مبني على أحد عشر بُعداً أحدها هو الزمن والثلاثة أخرى هي الأبعاد المكانية المعروفة، الطول والعرض والعمق. أما بقية الأبعاد فهي بالغة الصغر ولا يمكننا رؤيتها، وربما يكون بعضها كبيراً لكنها متوارية عن أنظارنا وتقبع خارج الأفق الكوني للكون المرئي.

 

ويعتقد بعض العلماء أن تلك النظرية تتنبأ بإمكان وجود ما يسمى «التناظر أو التماثل الكبير» القائل إن لجميع الجسيمات «توائم أو قرائن» ثقيلة لكنها غير مكتشفة بعد. ومن الاكتشافات الأخرى الممكنة أيًضا وفقاً للنظرية نفسها ما يسمى جسيّم «بوزون هيغز» الأولي الذي يعتقد أنه يمنح الجسيمات الابتدائية كتلتها. لكن هوكينغ نفسه يعتقد أن من المستحيل التوصل الى هذا الجسيم داخل المختبر، بينما يأمل هيغز نفسه وكثيرون غيره العثور على جسيماته، المعروفة بجسيمات الله، في مسرع أو مصادم الجسيمات العملاق سيرن الواقع على الحدود الفرنسية السويسرية عندما يبلغ طاقته القصوى بعد بضع سنوات قليلة. يتبع

 

د. جواد بشارة

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.