اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

علوم وتكنولوجيا

• الكون والأسئلة الجوهرية -3- نظرية تعدد الأكوان بين الرؤية العلمية والرؤية الميتافيزيقية

د. جواد بشارة

الكون والأسئلة الجوهرية -3- نظرية تعدد الأكوان بين الرؤية العلمية والرؤية الميتافيزيقية

26/06/2011

 

كان الفيلسوف الإغريقي سقراط يقول : يبدو لي أن من غير المعقول محاولة معرفة وتفسير كل شيء مثل : لماذا تظهر الأشياء وكيف تظهر وكيف تختفي ولماذا، بل ولماذا توجد الأشياء أساساً.

 

في بدايات حياته العلمية تساءل آينشتين يوماً ما إذا كان لدى الله الخيار عند خلقه للعالم، إذا كانت هناك عملية خلق، وأضاف متسائلاً عما إذا كان هناك تفسير جوهري لخصوصية عالمنا. وقد عاد هذا السجال إلى الواجهة بعد ظهور فرضيات علمية عن إمكانية تعدد الأكوان إلى ما لا نهاية، أو ما صار يعرف بفرضية العوالم المتوازية. هناك عدة نظريات فيزيائية علمية بنيت على أسس مختلفة بيد أنها تلتقي على سيناريو، كان حتى الأمس القريب، محصوراً في مجال الخيال العلمي، والذي يقول : أن كوننا المرئي الشاسع، بملياراته التي لا تعد ولا تحصى من السدم والحشود المجرية ومليارات المليارات من المجرات والغازات الكونية وما بينها من مادة وطاقة، خفية أو مرئية، ليس سوى نموذج لكون عادي مبتذل من بين عدد لا متناهي من الأكوان المتشابهة أو المختلفة المتنوعة، بحيث لا يتجاوز حجمه حجم جسيم أولي صغير في أصغر ذرة مادية معروفة لدينا بالنسبة للكون المرئي ذاته. فهل سيكون بوسع الإنسان أن يتصور وجود أكوان أخرى غير كوننا المرئي، الذي يستحيل علينا نحن البشر سبر أغواره وكشف أسراره؟ في الواقع تطورت هذه الفكرة، والتي تقول أن عالمنا الذي نعرفه ونعيش فيه، ليس سوى جزء ضئيل جداً من عالم مطلق الأبعاد ولا متناهي، من التخيل الخرافي إلى التفكير العلمي، واقتحمت الحقل العلمي في أواسط القرن العشرين، عندما توصلت عدة نظريات كوزمولوجية إلى هذه الفرضية العلمية كنظرية الأوتار الفائقة والنظرية م M والميكانيك الكمي أو الكوانتي الخ.. أما قبل تلك الفترة فقد كانت الفكرة تقع ضمن إطار الميتافيزيقيا والخيال العلمي والتصورات الدينية الخرافية.

 

ففي القرن السادس قبل الميلاد تحدث الفيلسوف والمفكر الإغريقي آناكسيماندر بأول نظرية كوزمولوجية غير ميثولوجية وتطرق بها إلى فكرة ظهور عوالم جديدة إثر اختفاء أو اندثار عوالم قديمة. ومابين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد قال الفيلسوف الإغريقي ديموقريطس إن الذرات والعوالم موجودة بأعداد لا محدودة . وفي سنة 1440 قال الفيلسوف والثيولوجي أو رجل الكهنوت الألماني نيكولا دي كيه بتعدد العوالم حيث يتميز سكانها بعضهم عن بعض بخصائص وسمات خاصة ومختلفة. وفي سنة 1552 صرح الفيلسوف الفرنسي الإنساني فرانسوا رابليه بوجود عوالم متعددة، ووفق دورة الزمن تسقط حقائق في عوالم معدة لتقبلها حسب البنية أو الهيكيلية الثلاثية المرتبطة بالأفكار الأفلاطونية . وفي سنة 1584 دفع الفيلسوف والمفكر الإيطالي جيوردانو برونو حياته ثمناً لتمسكه بفكرة وجود عوالم متعددة ومتميزة بعضها عن بعض بخواص ذاتية، وتسكنها أنواع مختلفة من الكائنات الحية والعاقلة مثلنا وربما أفضل منا وأكثر تطوراً وتقدماً، حيث يقال أنه التقى بزوار من الفضاء فضاق نفسه بما عرفه من أسرار لم يستطع كتمها، إلا أن الكنيسة الكاثوليكية اتهمته بالزندقة وأحرقته حياً بتهمة الهرطقة. وفي سنة 1686 نشر الفيلسوف برنارد دي فونتنيل حوارات جسورة حول تعدد العوالم قال فيها: لا يمكن أن يكون عالمنا منعزلاً ووحيداً ولا بد أن تكون هناك عوالم أخرى نسخة طبق الأصل عنه، وقد يوجد فيها سكان هم عبارة عن نسخ أخرى عنا لكن مصائرها قد تختلف عن مصائرنا وحياتها تأخذ مناحي تختلف عما اتخذته حياتنا من مسالك. وفي عام 1710 تقبل عدد من العلماء والمفكرين والفلاسفة فكرة تقول بإمكانية وجود عدة عوالم ومن بينها، وربما أفضلها، كوننا المرئي، ومن أشهرهم لايبنيز وهو فيلسوف وعالم رياضيات ألماني. وفي سنة 1957 دخلت أطروحة العوالم المتوازية حقل الفيزياء المعاصرة من بوابة ميكانيك الكوانتا أو الكم على يد عالم الفيزياء الأمريكي هيغ إفيريت ومن بعده في ستينات القرن العشرين على يد عالم الفيزياء الروسي الشهير أندريه زاخاروف الذي قدم نظرية الأكوان المتوازية وأشاع مفهوم الكون التوأم وحاز بفضل ذلك على جائزة نوبل للفيزياء، ولم يتجرأ زاخاروف على البوح بسر توصله لهذه النظرية، والذي يتلخص بتسلمه لرسائل علمية محكمة الصياغة امن الناحية لتقنية والرياضية وبالرسومات البيانية اللازمة، أرسلت إليه من جهة مجهولة تسمي نفسها مجموعة علماء الأوميين القادمين من كوكب أومو . وفي سنة 1977 طرح الفيلسوف الأمريكي نيلسون غودمان فكرة وجود عدة عوالم حقيقية وليست افتراضية أو تخمينية، وهي متجاورة تتعايش جنباً إلى جنب، منها ماهو مرئي ومنها ما هو غير مرئي، لكن الاتصال فيما بينها معدوم وشبه مستحيل، وقد نشأت من خلال استخدام الرموز والمعلومة الرياضية. وفي سنة 1982 أدخلت فرضية الأكوان المتعددة إلى ميدان علم الكون الكوزمولوجيا من خلال شيوع سيناريو التضخم الدائم أو الأزلي على يد عالم الفيزياء الأمريكي من أصل روسي أندريه لايند. وفي سنة 1986 نشر الفيلسوف الأمريكي دافيد لويس فكرة أن كل ما يحدث في عالمنا يحدث أيضاً وبشكل حقيقي في عالم آخر قرين لعالمنا لكنه يقبع في أبعاد غير مرئية.

 

وقد حظيت فكرة تعدد العوالم بتأييد وقبول جماهيري واسع بفضل السينما وروايات الخيال العلمي، إذ أسالت هذه الثيمة لعاب كتاب السيناريو في هوليود والذين أطلقوا العنان لخيالاتهم الواسعة والغنية منذ عقود طويلة. فكان مسلسل ستار تريك Star Trek الذائع الصيت أفضل مثال على ذلك، وكذلك سلسلة الأفلام الحديثة المعدة عنه والتي تحمل نفس العنوان. ففي إحدى حلقاته المعنونة المرآة انتقل الكابتن كيرك فجأة ونتيجة لخطأ تقني إلى عالم آخر موازي كانت فيه الأدوار والشخصيات معكوسة لما هو عليه في العالم الأصلي فهو وفريقه يتشابهون بالشكل ويختلفون في الجوهر، فكان شبيه أو توأم الكابتن كيرك في العالم الموازي، قرصان يقود عصابة من القراصنة الشريرين. ونفس الأمر حدث في إحدى حلقات القصة المصورة للأطفال عن الرجل الفولاذي القادم من كوكب كربتون أي سوبرمان حيث كثيراً ما نرى هذا البطل الخارق يطير بسرعة تفوق سرعة الضوء وبالتالي يتمكن من التسلل إلى أكوان وعوالم أخرى ويعود إلى الماضي أو يذهب إلى المستقبل في رحلات عبر الزمن. ويتكرر نفس الموضوع عن تعدد الأكوان والعوالم مع المسلسل الشهير بوابة النجوم الذي استخدم مفاهيم علمية فيزيائية في العديد من حلقاته العديدة مثل البعد المكاني الرابع أو الأبعاد الفضائية القصوى أو الفضاء الأوسع والأكوان المتعددة والأكوان الكوانتية المتوازية ويعتمد مسلسل المنزلق كلياً على هذا المفهوم الأخير وبني برمته على أساسه حيث ينتقل الأبطال في جميع حلقات المسلسل من عالم إلى آخر، وكلها موازية لعالمهم الأصلي الذي يبحثون عنه بلا كلل للعودة إلى أهاليهم وأحبائهم ولكن في كل مرة يلتقون بمعارفهم ولكن بصورة مغايرة لحقيقتهم . فالأبعاد المكانية ثلاثة وهي الطول والعرض والارتفاع هي الوحيدة التي يستوعبها الحس البشري العام ويدرك الإنسان بفضلها وبواسطتها المكان الذي يحتويه ويقيم فيه ويستمد منه إحداثياته، مهما كانت تحركات الشيء في المكان ومهما كانت تموضعاته أو مواقعه والتي توصف أو تحدد بثلاث إحداثيات. وبفضل هذه الأرقام الثلاثة نستطيع أن نحدد موقع ومكان وعنوان أي شيء وأي جسم أو جرم سماوي في الكون المرئي سواء كان على بعد بضعة ملليمترات عن أنوفنا أو على أطراف أبعد مجرة قابلة للرصد والمشاهدة والقياس في كوننا المرئي. والحال أن فكرة البعد المكاني الرابع تعتبر تشويهاً لحسنا السليم. فمفهوم الأكوان المتعددة يطل على اللانهاية حيث كل السيناريوهات ممكنة وأحدها يقول بوجود كون شبيه بكوننا تماماً فيه نفس العدد والنوع من المجرات والكواكب والنجوم، ونفس المادة والطاقة الموجودتان في كوننا المرئي، وفيه أيضاً أرض كأرضنا بيد أن الفرق يكمن في التفاصيل الصغيرة مثل: أنني هنا في هذا الكون مازلت أكتب هذا النص بينما شبيهي أو توأمي في الكون الآخر الموازي ربما انتهى من الكتابة، أو ربما يكون قد نشرها، أو يكون قد كتب كتاباً كاملاً حول نفس الموضوع، أو أن يكون في رحلة صيد، أو يقوم بأي نشاط آخر. وقد يكون هناك كون آخر موازي لكنه يفتقد للنجوم والكواكب والبشر مثلنا بحيث تكون محتوياته تختلف كلياً عما نألفه من مكونات مادية وطاقوية. لقد تصدى لهذا الموضوع المثير علماء مرموقين ومحترمين نشروا كتاباً باللغة الانجليزية تحت عنوان: كون واحد أم أكوان عديدة تحت إدارة عالم الكونيات وعالم الفلك والفيزياء النظرية برنارد كار من جامعة الملكة ماري في لندن. كما نال الموضوع اهتمام العالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل للفيزياء سنة 2004 وهو دافيد غروس. وكان العالم الأمريكي ماكس تيغمارك قد اقترح تصنيفاً ذكياً لعدد من الأنواع المختلفة من الأكوان، حيث يعتبر كوننا المرئي أحد النماذج العادية الذي تنطبق عليه قوانين ومسلمات ومعادلات نظرية النسبية العامة لآينشتين وهو يتضمن كل ما يحيط بنا. ولكن بما أن سرعة الضوء في هذا الكون المرئي محدودة لا يمكن تجاوزها فإن ذلك سيحد بالضرورة من قدرتنا على الرصد والمراقبة والمشاهدة والحساب، بعبارة أخرى ستكون معارفنا الكونية محدودة . فهناك جزء بسيط جداً من هذا الكون المرئي يصل إلى أبصارنا ومداركنا وإن أبعد شعاع ضوئي وصل إلينا منذ الانفجار العظيم يعود إلى 13،7 مليار سنة ضوئية، وعلى أساسه قدر عمر الكون المرئي ــ أي ما يقطعه الضوء من مسافة خلال هذه المدة أي 13،7 مليار سنة ضوئية وبسرعة 300000 كلم/ثانية ـــ لذلك نوهت نظرية النسبية إلى أنه فيما يتعدى هذا الأفق الكوني المرئي والقابل للرصد والمشاهدة، قد يوجد فضاء لا متناهي وليس له حدود. ولكن ماذا يعني ذلك من وجهة النظر العلمية البحتة؟ لقد تمعن العلماء منذ أكثر قرن من الزمن في هذه الفرضية العلمية وحاولوا تكييف المعادلات الرياضية مع الواقع المرصود والمشاهدات المثبتة. من هنا اقترح العالم الأمريكي هيغ إيفريت أن يتم التعامل مع نظرية الكم أو الكوانتا بحذافيرها معتقداً أنها يمكن أن تصف الواقع رياضياً إلا أن معادلاتها الرياضية أعطت نتائج مختلفة ومتباينة ومفتوحة على لا نهائيات غير محدودة وكلها موجودة في مكان ما، سواء في كوننا المرئي و واقعنا الملموس أو في غيره من الأكوان التي لكل منها واقعه الخاص به. واعترف هيغ إيفيريت بعجزه عن تحديد العوالم المتوازية والواقع الموازي في كل منها مما دفعه للتصريح قائلاً: أنني واثق بأن في إحداها تعيش قطة شرودينيغر chat de وفي واقع آخر ، هو أيضاً حقيقي وملموس، تكون القطة ميتة وقد اشتهرت فرضية إيفيريت باسم العوالم المتعددة. بعبارة أخرى هناك الفضاء الخاص المحدود رغم شساعته المذهلة والموجود داخله كوننا المرئي بكامل مكوناته ومحتوياته، والذي لا نعرف بالضبط قطره الحقيقي ولا حجمه ولا شكله النهائي ولا معماريته ولا عمره الدقيق، وهو كون منظم وفق نسق تماثلي أو متناظر ومتناسق تسيره مجموعة من القوانين الجوهرية والثوابت الكونية التي يعتقد العلماء أنهم اكتشفوا أغلبها ويبحثون اليوم عن النظرية الجامعة أو الشاملة الموحدة لكافة القوانين الجوهرية الأربعة ـ أي الثقالة أو الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوة الذرية الشديدة والقوة الذرية الضعيفة ـ والتي من شأنها تفسير كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون المرئي، على الأقل من الناحية النظرية، وذلك منذ حدث الانفجار العظيم إلى يوم الناس هذا بيد أنه يستحيل على مثل هذه النظرية الكلية معرفة ماحدث بالضبط قبل الانفجار العظيم . وهناك الفضاء المطلق ، بكل ما لهذه العبارة من معنى، وهو المكان الذي لا حدود له ولا بداية ولا نهاية ويحتوي على عدد لا متناهي من الأكوان، وبذلك يعود العلماء لتبني فرضية تعدد الأكوان وتقبل فكرة أننا في كوننا المرئي برمته نعيش في حيز مكاني صغيرة جداً يشكل جزءاً لا قيمة له من كون مطلق متعدد الأوجه والماهيات والخصائص والمكونات، وكان من حسن حظنا أنه توفرت في كوننا المرئي الذي نعيش فيه الشروط والظروف الخاصة واللازمة والضرورية، بعد صيرورة طويلة ومعقدة جداً، استغرت مليارات المليارات المليارات المليارات من السنين، لظهور ونشأة الحياة بداخله وعلى أسطح العديد من كواكبه وأنظمته الشمسية المشابهة لنظامنا الشمسي أو المختلفة عنه بالتفاصيل والسمات والخصائص الخارجية وليس بالجوهر. أي أن كوننا المرئي قد لا يتجاوز حجم الكوارك في أصغر مكون من مكونات الذرة المادية فيه، مقارنة بالكون المطلق أي إنه ليس سوى جسيم لا متناهي في الصغر في جسد الكون المطلق الحي والعاقل والذكي والمستمر إلى ما لانهاية في عملية الخلق والتكوين الذاتي، وتنطبق عليه كل صفات الله المطلقة، أي يمكننا اعتباره بأنه هو الله المطلق. وكان الميكانيك الكوانتي هو الذي فتح الباب لمثل هذه الفرضيات العلمية شبه الخرافية. مما أتاح لعلماء مثل زاخارف وجون بيير بتي وماكس تيغمارت وغيرهم كثيرون، الاعتقاد بوجود أكوان توائم حيث لكل كون توأم شبيه كما هو الحال بوجود جسيم مضاد لكل جسيم مادي ومادة مضادة للمادة وطاقة مضادة للطاقة أي وجود نسخة مطابقة ومماثلة لكنها معاكسة بالشحنة في حالة المادة المكونة لكوننا المرئي، بيد أن المسافة التي تفصل بين التوأمين لا تقل عن 115(1010 ) من المتر. لذلك يصعب التقائهما. هذه هو النمط الأول من الأكوان الممكنة الوجود حسب تصنيف ماكس تيغمارك المشار إليه أعلاه. أما الصنف الثاني فهو أعقد بكثير وتفسره نظرية التضخم العظيم والتي قدمها سنة 1980 عالم الفلك والكونيات الأمريكي من أصل روسي أندريه لايند الأستاذ في جامعة ستانفورد ويقول فيها أن الكون المرئي الذي ندرسه كان شديد الحرارة والكثافة بدرجة لا يمكن تخيلها وعند لحظة 35- 10 من الثانية حيث حدث تضاعف غير مفهوم للكون الوليد لم تعرف أسبابه بعد، وبنسبة 1050، وهذا هو ما يفسر التماثل والانتظام والتناسق أو التجانس للكون. وتدعي نظرية أندريه لايند أن الزمكان  في حالة تضخم دائم ومستمر، أبدي وأزلي ، بمعنى آخر أن بعض المناطق الواقعة خارج الأفق الكوني المرئي المرصود، ما تزال تشهد مرحلة التضخم المتسارع، مما يقودنا إلى عدد لا متناهي من الانفجارات العظيمة على غرار انفجارنا العظيم وكل واحد من تلك الانفجارات العظيمة يؤدي إلى خلق كون مستقل. وهذه صيغة أكثر تعقيداً من سابقاتها لمفهوم تعدد الأكوان. ثم جاءت نظرية الأوتار بصيغها الخمسة، ومن بعدها نظرية الأوتار الفائقة ، لتعرض لنا صورة أكثر غرابة عرفت بصيغة الأكوان الفقاعات وهي رؤية اقتربت أكثر من نظرية الكون المطلق اللامحدود ، حيث كل فقاعة عبارة عن كون متكامل مثل كوننا المرئي يساويه أو أكبر أو اصغر منه بقليل أو كثير. وقد دافع عن هذه الرؤية ـ النظرية بحرارة عالم الفلك والفيزياء الكونية ليونارد سوسكايند الأستاذ في جامعة ستانفورد ووصف هذا التعدد الكوني بأنه بمثابة بنية أو تركيبة لا نهائية الأبعاد مكونة من عدد لا متناهي من الأكوان الفقاعات كفقاعات الصابون، ولكل واحد منها قوانينه وخصائصه وسماته وثوابته الجوهرية الخاصة به، بحيث أن لكل واحد منها ماهية تختلف عن ماهية الآخر. ثم جاء لي سومولاين من معهد بريميتر في كندا سنة 1992 ليقول بنظرية الانتخاب الطبيعي الكوني ، على غرار الانتخاب الطبيعي في حقل علم الحياة أو البيولوجيا عند داروين ، وعرفت بإسم نظرية الكم الثقالية أو نظرية الثقالة الكوانتية الحلقية أو الدورانية، حيث بالإمكان أن ينبثق كون كامل من داخل ثقب أسود. وعند ولادة كل كون جديد من رحم الكون السابق ( أو من مكوناته الآيلة للفناء ظاهرياً وهي الثقوب السوداء) تنتقل بالوراثة ـ مثلما هو الحال في انتقال الصفات الوراثية عند الأحياء ـ كافة القوانين الفيزياء المعروفة والمكتشفة أو الكامنة والخفية، ثم يحصل عليها تطور طبيعي أو عن طريق الطفرات والتحولات الجينية بسبب التقلبات والتحولات الكوانتية في مراحل القفزات ولم يفلح صاحب النظرية إلى اليوم في تحديد كيفية أو آلية انتقال القوانين الفيزيائية من كون إلى كون آخر يلد من رحمه كما تقول النظرية ويبقى السر دفيناً إلى أجل غير مسمى،وهكذا تظل نظرية تعدد الأكوان تتأرجح بين الرؤية العلمية والرؤية الميتافيزيقية. وكما كان الفيلسوف الإغريقي سقراط يقول : يبدو لي أن من غير المعقول محاولة معرفة وتفسير كل شيء مثل : لماذا تظهر الأشياء وكيف تظهر وكيف تختفي ولماذا، بل ولماذا توجد الأشياء أساساً.

 

د. جواد بشارة

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التعليقات   

 
-1 #1 موفق الجميلي 2015-12-24 09:48
نضرية كل شي ببساطه شديدين. سرعه الخلق= سرعه الفناء. ذلك ان المخلوقات لاوجود لها في ميقات الله. ان اهتزازها هو تسليحها ان كل ذراة الكون لا وزن لها عند خالقها
 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.