اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• محمد علي ناصر العــلـوه جــي .. جواهري اخر .. احببناه

أ.د.صباح ناصر العلوه جي

محمد علي ناصر العــلـوه جــي ..

جواهري اخر .. احببناه

 

في صبيحة الاثنين السادس والعشرين من نيسان عام 2010 اطبق "الموت اللعين"على المتميز والمحاسب القانوني الفذ محمد علي العلوه جي، وفي ذكراه السنوية الاولى أحببت ان اكتب هذه الخواطر من االذكريات مهداة الى روحه الطاهرة .

اخي محمد علي... نم قرير العين ايها الحبيب، فما تركته فينا اكبر من ان يكتب وما تعلمناه منك اكبر من ان يقال. فهاهم ابناؤك وأخوتك وأخواتك يرفلون بالسمعة الطيبة التي اورثتهم اياها. وقبل اشهر قليلة كنت مع ابنك سرمد " في السويد " وهوعازم على انهاء دراسة الماجستير ثم الدكتوراه بأذن الله، واسعد مايكون بذكرك. وابنتي طيف لاتزال تذكرك كثيرا وتتذكر الخمسة آلاف دينار التي كانت تتسلمها منك عدآ ونقدا حين تقرأ لك ابياتا من شعر نزار قباني، وأحب أن أخبرك بأنها سوف تتخرج بعد اسابيع قليلة مهندسة كأخواتها. نحن في البيت، نذكرك دائما وكل من فيه يتسائل... أحقا رحل هذا المغرم بحب العراق كصاحبه الجواهري... ولا نزال نردد البيت الذي كنت تنشده دائما:  " انا العراق ، لساني فـمه ، ودمي فـراته ، وكياني منه اشطار "

هل تذكر؟ كيف اننا تجادلنا في عمان، حتى الصراخ ... وزعلت انا وقررت ان اترك شقتك ... لكنك لم تنم ورأيتك منذ الصباح الباكر واقفا لتمنعني من الخروج. ما اطيبك ايها الاخ الحبيب والصديق الصدوق والواهب الكريم في كل شي.

هل تذكر؟ عندما اهديتك اول كتاب قمت بتأليفه بعد حصولي على الدكتوراه من بريطانيا وكان يحمل في اول صفحة من صفحاته كلمات عبرت فيها عن ما اكنه لك من التقدير والعرفان قلت فيها :

"الى اخي محمد علي العلوه جي ...الذي كان وراء كل ما انجزت ...اهدي جهدي المتواضع "

 فما كان منك الا ان قبلت الكتاب وعمدته بجبينك... وما لبثت تشجعني وتبدي اعجابك بأي بحث او كتاب أنشره. انبؤئك اخي الحبيب، ان كتبي المؤلفة قد جاوزت الستة عشر كتابا تدرس في جامعاتنا وكلياتها، وان بحوثي المنشورة قاربت الخمسين، وان عدد من اشرفت عليهم من طلبة الماجستير والدكتوراه قارب الاربعين يعمل عدد منهم مساعدون لرؤساء جامعات عراقية مرموقة، واخرون مدراء عامون في الوزارات المختلفة، وان عدد مقالاتي المنشورة قد تجاوزت المائتين وخمسين. اقول هذا لأني اعلم ان هذه الاخبار تسعدك ايها الطيب المقدام والانيق النظيف. فما اعطر رائحتك وما ازكى عطرك الذي يفوح بطيب شذاه .

الكل يتسائل هل حقا قضى هذا المشرق المتألق " والفتى الممراح فراج الكروب ". فهنا اصدقاء ومعارف كثر ممن كنت تصرف لكل منهم راتبا شهريا في ايام المحنة والذي تجاوز عددهم الخمسين يذكرون كرمك. هل نسيت ما قلته لنا يوما " اصرفوا لفلان مبلغا شهريا... ولا تشعروه بذلك، فانه عزيز قوم ذل ".

هكذا كنت ايام المحن، مقداما كريما تخطر كالنسيم اللهاب، قتنعش الارض التي تمر فيها وتطيب الوجدان، فنم قرير العين، فأبيات الجواهري التي كنت ترددها لا تزال ترن في اذني. ولا زلت اتساءل... كيف كنت تحفظ هذا الكم الهائل من دواوين الجواهري و نزار قباني ومظفر النواب؟ ومن اين لمثلك هذه الذاكرة الفذة... رغم ما يضطلع به من الاعمال.

وحقا قال فيك الكاتب المبدع "عبد المنعم الاعسم" في مقالته ذائعة الصيت والتي نشرت في اماكن عديدة  "جواهري اخر ... فقدناه". ولم تكن جواهريا فقط، فقد كنت قبانيا ونوابيا. ولا ازال احفظ قصيدة مظفر النواب التي كنت تتغنى بها : " القدس عروس عروبتكم " المهداة الى الحكام العرب المتخاذلين وقصيدة اخرى كنت تحبها جدا

 " أحمل سلامي " :

يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي

يا حامل وحي الغسق الغامض .. في ظلمة أيامي

أحمل لبلادي حين ينام الناس .. سلامي

للخط الكوفي ...لجوامعها .. لشوارعها .. للصبر

لعلي يتوضأ بالسيف .... قبيل الفجر

انبئك عليا .. ما زلنا نتوضأ بالذل

ونمسح بالخرقة .. حد السيف

ما زلنا نتحجج بالبرد .. وحر الصيف

ما زالت عورة عمر بن العاص ... معاصرة

               تقبح وجه التأريخ

ما زال كتاب الله ... يعلق بالرمح العربية

ما زال ابو سفيان ... بلحيته الصفراء

يؤلب باسم اللات ... العصبــــيات القبلية

ما زال شورى النجار

               ترى معاوية خليفتها

                      وتراك زعيم السوقبة

لو جئت اليوم .. لحاربك الداعون اليك

وسموك شيوعيا !

ولا ازال احتفظ بجوابك الذي تسلمته منك اثناء دراستي في جامعة كامبرج ثم ادنبره وضمنته ابيات من شعر نزار قباني تتغزل ببغداد التي كنت تعشقها:

مدي بساطك واملئي اكوابـــي         وانسي العتاب فقد نسيت عتابي

عيناك يا بغداد منذ طفولتــــي     شمسان نائمتان في اهدابـــــــي

لا تنكري وجهي فأنت حبيبتي       وورود مائدتي وكأس شرابــــي

وقصيدة اخرى لنزار قباني كنت ترددها دائما لانها تدين السياسة التي دمرت بلدنا وعمقت الخلافات واشاعت الاغتيالات:

سأقول في التحقيق اني قد عرفت القاتلين

واقول ان عفافنا عهر... وتقوانـــا قذارة

واقول ان نضالنا كذب...

     وان لا فرق ما بين السياسة والدعارة

وعندما فوجئت في ذلك الزمن الغابر في نهاية التسعينات من القرن الفائت بأني مسافر للعمل في اليمن قرأت لي في عمان قصـــيدة " وطن العصافير " المطولة:

مواطنون... دونما وطن

مطاردون كالعصافير على خرائط الزمــــن

نركض كأخراف... كل ليلة

من ليبيا لطنجة... من الامارات الى اليمن

نبحث عن قبيلة تقبلنا...

نبحث عن عائلة تلمنا...

وسترة تسترنا... نبحث عــــن سكــــــــن

ثم تختم هذه القصيدة بالقول:

يا وطني... كل العصافير لها منازل

الا العصافير التي تحترف الحرية

فهي تموت دائما... في خارج الاوطان

وكنت حقا رائدا في الحب... وعاشقا ولهاننا... وفتى ممراحا وكما صاغ الجواهري قلائد لعقودهن وجعل منهن غلافا لسفر الحياة:

اني وربٍ صاغهن كما اشتهى هيفاً لطافـا

لأرى الجنان اذا خلت منهن اولى ان تعافا

لو قيل ما سفر الحياة ، لقلت ماكن الغلافا

او قيل والحب ، لقلت بان تداء فما تشافـا

 لن يتوان العلوه جي في ان يتغنى بالحب والحياة ولم يضع نهاية لهما خلال دورة الحياة غير آبه بالعمر، فوجدته عند بلوغه الخمسين يردد:

من زغري للخمسين    ماشفت راحـــــــة

وكالولي من حبـــيت    عيـب وگباحــــــة

وعندما تجاوز الستين قال:

اشدعــوة يبــن الناس    يا عمي ملهوف

عمرك جزة الستيــــن    واتدور خشـوف

ثم جاء الموت اللعين وخطفه على الرغم من انه كان يحلم ببلوغ التسعين ويهزج:

مالة محطة الشوگ   كل خطوة معبـــــر

حب حتى للتسعين    يا الكلبك اخضـــــر

بالامس تسلمت من أختنا فوزية التي تقيم في لندن صورة لمرقدك الانيق في مقبرة العائلة وقد خطت عليه ابيات احدى قصائد الجواهري الذي تعشق :

تحدى الموت واختزل الزمانا    فتى لوى من الزمن العنانا

فتى خبط الدنا والناس وطـرا    وآلي ان يكونهمــــــا فكانا

كم اشتاق اليك، وكم احزنتني ساعة رحيلك ايها الاخ الحبيب وحقا قال ابي العلاء المعري:

ان حزنا في ساعة المــــوت    اضعاف سرور في ساعة الميلاد

ولا زلت لا اصدق انك قد رحلت ايها الفارس الغيور واحسبها قيلولة نائم:

الفارس نــام

الفارس نــام .. كنوم السيف العائد من احدى الغزوات

الفارس يرقد .. مثل الطفل الغافـــي في حضن الغابات

الفارس لم يذهب ابدا

بل دخل الغرفة .. كي يرتاح

وسيصحو حين تطل الشمس

كما يصحو عطــر التفاح

وسيشرب قهوته معـنا

ونقول له .. ويقول لنا

الفارس ما زال هـــــنا

الفارس كان صديق الشمس

فكفوا عن سكب العبرات

الفارس ما زال هنا

يتمشى في الشارع

يقف في الشرفــــة

ويجلس في ظل النخـلات

لم تركتنا بهذه السرعة؟ ولماذا العجلة؟ والى اين؟ فأنت لم تناهز السبعين وصديقك الجواهري قد قارب المئة سنة من العمر.

الى اين ؟ يا صاحبي ، يا اخي

يا قصيدة حب تقال .. فيخضر منها المداد

الى اين ؟ يا فارس الحلم تمضي ..

وما الشوط حين يمــوت الجــــواد

الى اين ؟ كل الاساطير ماتت بموتك

وانتحـــرت شهــــرزاد

وراء الجنازة ، سارت قريش

فهذا هشام وهذا زيـــــــاد

وهذا يريق الدموع عليك

وخنجرة تحت ثوب الحداد

وفود الخوارج ، جاءت اليك

وبعدك كل الملـــــوك رماد

انادي عليك .. يا اخي

واعرف اني انادي بــــواد

واعرف انك لن تستجيب

وان الخوارق ليست تعــاد

بالامس تسلمت رسالة على بريدي الالكتروني من صديق طفولتك الوفي " لطيف البياتي " في لندن، يسألني غير مصدق... احـقــا مـات اخـوك؟

وها انا اجيبه بما اردده مع نفسي دائما:

محال .. انا لا يموت اخي

ففـي البيــت منه، روائــح رب وذكـرى نبـــي

هنا ركنه... تلك اشياءه. .. تفتق عن الف غــصــن صـــبي

جريدتــــه، كاســــه... كأن اخــي بـعــد لــم يذهــب

وصحن الرماد... وفنــجانه، على حــاله بـعـد لم يشـــرب

ونظارتاه... ايسلو الزجـاج عــيونا، اشــف من المـــغرب

اخي لم يزل بيننا، والحديث حديث الكؤوس على المشرب

اخي خبرا كان من جنة، ومعنى من الارحــــب الارحــــب

اشيلك حتى بنبرة صوتي، فكيف ذهبــــت ولا زلــــــت بي

وسيبقى العاشق محمد علي ناصر العلوه جي كما هو حال معشوقه محمد مهدي الجواهري خالدا مدى الدهر:

يموت الخالدون بكل فج      ويستعصي على الموت الخلود

 

                       اخوك

               أ.د.صباح ناصر العلوه جي                  

                          26/4/2010

Prof. Dr. Sabah N. Alwachi



للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.