اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

خمس سنوات على استشهاد كامل شياع- نحفظ ذكراه بالعودة الى مشروعه الثقافي -//- مفيد الجزائري

مفيد الجزائري

خمس سنوات على استشهاد كامل شياع

نحفظ ذكراه بالعودة الى مشروعه الثقافي

لم يكن قد مر وقت طويل ـ بضعة اسابيع لا اكثر - على التحاقي، في ايلول 2003، بعملي في وزارة الثقافة، حين وصلتني الاشارة الاولى من ابي الياس، المقيم ذلك الحين في بلجيكا، كنت وقتها منهمكا في معالجة موضوع الكادر القيادي للوزارة، في اخلاء المواقع الرئيسية فيها من شاغليها الموروثين من النظام السابق، واختيار بدلاء مناسبين عوضا عنهم، مثلما كنت منشغلا بتشكيل مجموعة مساعدين يمكن الاعتماد عليهم في انجاز المهمة المذكورة اولا، ولاحقا في النهوض بما هو اساسي، واعني وضع تصور لما ينبغي ان تكون عليه السياسة الثقافية الجديدة، وفي ضوء ذلك تحديد محتوى عمل الوزارة ومهماتها الملموسة، ومن ثم اعداد خطة تنفيذية.

كانت الاشارة من كامل الى رغبته في المجيء الى بغداد، واستعداده للعمل معنا في الوزارة، مبعث تفاؤل بالنسبة لي، فقد كنت على علم بانصرافه منذ سنين الى شؤون الثقافة والنشاط الثقافي، والى الفكر والتأمل الفكري، نعم، لم اكن اعرفه شخصيا، لكني كنت اقرأ له، وكنت اتابع اخباره وتحركاته ـ وانا في شقلاوة، حيث مقر قيادة حزبنا حتى نيسان 2003 - عبر اصدقائنا المشتركين العديدين.

بعد انقضاء اسبوع ربما على مباشرته العمل معنا في خريف 2003، بدأنا، هو وانا، سلسلة جلسات طويلة، لم نترك فيها امرا يخص الوزارة والثقافة، وواقعهما وقضاياهما، والتغييرات المطلوبةَ فيهما، وسبل ومستلزمات تطويرهما، الا وخضنا فيه، وتوصلنا الى خلاصة اولية في شأنه.

وكانت حصيلة ذلك الجهد المشترك، الذي كشف عن تماثل وتطابق في رؤيتنا وتقييماتنا وتصوراتنا في شأن مستقبل الثقافة والوزارة، واولويات العمل ومتطلباته، كما كشف لي شخصيا عن عمق وواقعية نظرة كامل الى المسألة برمتها، ورغبته الجارفة في استثمار الفرصة الاولى من نوعها، المتاحة لتغيير الواقع الثقافي، والانغمار فيها.. كانت الحصيلة خطوطا عامة لمشروع تغيير حقيقي، ولبرنامج تنفيذ عملي، وهو ما كان كافيا نسبيا لنا، ونحن بعد في بداية العمل.

طبيعي ان ما تبلور بشكل اولي في مجرى احاديثنا وفي نهايتها، لم يكن من بنات افكارنا وحدنا، كامل وانا، فقد كنا، نحن الاثنين، على صلة دائمة، وفي حوار لا ينقطع حول هذه القضايا، مع كثيرين من اصدقائنا وزملائنا في الوسط الثقافي وغير الثقافي، من المعنيين والمهتمين، في الداخل والخارج، وبضمنهم المستشارون الجدد الذين كانوا باشروا قبلنا العمل في الوزارة، وكان مما استرعي انتباهي خلال ذلك، حيوية ذهن كامل وخصوبته، وقدرته على التقاط الافكار وجمعها وبلورتها، وصفها في نسق منطقي،

كان لب ما توصلنا اليه هو ان التحول المطلوب في الميدان الثقافي، والقادر على اطلاق النهضة الثقافية الضرورية، لن يمكن الوصول اليه من دون العودة الى ذوي الشأن، الى المثقفين انفسهم، والى منتجي الثقافة منهم بنحو خاص، والا باشراكهم مباشرة في مناقشة السياسة الثقافية الجديدة وصياغتها اولا، وفي وضعها موضع التنفيذ ثانيا.

وهذه الخلاصة هي في الواقع ما صار قاعدة ومنطلقا لعمل الوزارة، على مدى السنة ونصف السنة التالية، من تشرين الثاني 2003 حتى آخر نيسان 2005، حين تركت الوزارة.

في هذا الصدد اشير الى ثلاث محطات رئيسية.

الاولى هي النداء الذي وجهته الوزارة في تشرين الثاني 2003 الى المثقفين العراقيين في الداخل والخارج، ودعتهم فيه الى موافاتها بتصوراتهم ومقترحاتهم في شأن السياسة الثقافية، التي يجدر ان تعتمدها الوزارة، وقد لقي النداء تجاوبا جيدا، وحصلنا بفضله على كثير من الافكار الهامة والثمينة، التي تحولت في ما بعد الى اساس لاول وثيقة ثقافية اصدرتها الوزارة، كان ذلك في مطلع سنة 2004، وكانت الوثيقة بعنوان "نهجنا الثقافي"، (وقد الحق بها كامل بعيد ذلك "خطة تنفيذية").

والمحطة الثانية هي المؤتمر المصغر للمثقفين العراقيي، الذي احتضنته منظمة اليونسكو، والتأم بعد ذلك ببضعة اشهر في مقرها بباريس، وقد شاركت فيه نخبة من مثقفينا، وخرج بأكثر من وثيقة اخرى هامة، وبأكثر من محفز إضافي لاسهام المثقفين في عمل  الوزارة.

اما المحطة الثالثة والاكثر اهمية، والتي توجت سعي الوزارة الى اشراك اوسع اوساط المثقفين في رسم سياستها ووضع خطة عملها، فهو المؤتمر الاول للمثقفين العراقيين، الذي نظمته الوزارة وعقدته في اواسط نيسان 2005، هذا المؤتمر الذي ساهم ما يزيد على خمسمئة من مثقفينا (لم يكن بينهم للاسف، بسبب نقص التمويل، سوى بعض قليل جدا من مثقفينا ومبدعينا الكثيرين في الخارج).. اقول: ساهموا، في سابقة بقيت سابقة ولم تتكرر الى الآن، في اعمال ورشه الست عشرة، وفي وضع توصياته الكثيرة والغنية، التي جسدت رؤية اوساطنا الثقافية برمتها تقريبا، الى السكة التي يتوجب السير عليها في مجال الثقافة، والبرامج العملية التي يتوجب تنفيذها في ميادينها المتنوعة.

في هذا المؤتمر الثقافي الكبير والفريد، مثلما في سابقه الاصغر في باريس، كان كامل في الطليعة: تفكيرا وتخطيطا وتحضيرا، وتنظيما وتحريكا، وتوجيها وتنفيذا، كان هو الداينمو الذي لا ينطفىء ولا يكل، وكان بحيويته، وتفانيه وتواضعه، ولطفه وهدوئه، نموذجا يثير اعجاب من هم معه وحوله، مثقفين وغيرهم، عاملين او متفرجين، كان مثاله يستهويهم ويجذبهم، وينفخ فيهم روح المبادرة، وحب العمل، والميل الى النشاط المنظم، بجانب البحث عن المتعة الرفيعة في الثقافة والمعرفة.

اقول هذا وانا بعيد تماما عن الرغبة في تصوير كامل بصورة الاستثنائي والخارق، ولعل من فضائله الكثيرة انه، هو نفسه، كان ينفر من الظهور بمظهر غير العادي، مثلما كان يميل الى عمل الفريق، ويكره الانفراد ولا يلجأ اليه الا حين تفرضه خصوصيات الانتاج الثقافي، وطابعه الفردي احيانا، لذا فان الحديث هنا عن الدور البارز والمميز، الذي لعبه كامل، سواء على صعيد المحطات الرئيسية الثلاث المذكورة، او في عموم عمل الوزارة حين كنت مكلفا بادارتها، لا يلغي ولا يقلل من قيمة الجهد المحمود، الذي بذله العديد من الاخوات والاخوة المسؤولين معنا في الوزارة آنذاك، والذين يعود الفضل لهم ايضا في تحقيق ما امكنها تحقيقه، كان كامل صاحب مشروع ثقافي تقدمي، هو واقعا مشروعنا جميعا، مشروع المثقفين الديمقراطيين، الطامحين الى اقامة عراق عصري، تشكل الثقافة الى جانب الديمقراطية، رافعة اساسية له، وكان هذا المشروع، الذي افلحنا مع كامل، في التقدم بضع خطوات على طريق تنفيذه، كان وما زال مشروعا واقعيا، ممكن التحقيق، وتتوجب علينا كلنا، مواصلة السعي لتذليل ما يعترضه من كوابح وموانع، وتحويله الى واقع ماثل شاخص، كامل نفسه كان واقعيا تماما، في تفكيره وسلوكه ومجمل حياته، كان يحلم؟ نعم، وكثيرا! لكن الحلم في النهاية من سجايا  الواقعيين الاقحاح، على عكس الوهم.. وكامل لم يكن بحال من الواهمين والمتوهمين، ولأن كامل كان واقعيا، وعلميا، وصاحب مشروع ثقافي ديمقراطي واقعي وعلمي، ولأنه بجانب ذلك قدم نموذجا حيا وجذابا في الفكر والسلوك والحياة، فقد اخاف الظلاميين، واثار حفيظتهم وكراهيتهم.

لذلك قتلوه، وعلى عادتهم - غيلة وغدرا! وعلى عادة سلطاتنا ـ خمس سنوات ولم تكشف عن القتلة، او تقلق نومهم في احضان الجارة العزيزة!.

ايها الاحبة

ــــــــ

 

*القاها في جلسة استذكار الشهيد كامل شياع يوم الجمعة الماضي في بغداد

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.