مبدعون وابطال الحرية

• شاب من هذا الزمان " الشهيد الشيوعي أثير كوركيس " - ( بركان )

 ناظم

 

                        شاب من هذا الزمان

          " الشهيد الشيوعي أثير كوركيس " - ( بركان )

من عائلة كلدانية من تللسقف عاشت في مدينة حديثة، وفي السبعينيات توجهت العائلة إلى بغداد بينما بقى الأب يعمل في(كي3) ليعيل العائلة.

في عام 1983 تم قبوله في كلية الإدارة و اقتصاد- الجامعة المستنصرية.. بدا اهتمامه في مجال الاقتصاد واضحا وبنفس الوقت كان يتلمس اثأر الحرب العراقية الإيرانية السيئة الصيت على شعبه و حرمانه و معاناته و يقارن ذلك بالحربين الكونيتين و التي كان يحاول عمل مقارنة بينها للتوصل إلى ما يمكن منعها إلى الأبد وذلك بالبحث عن بديل فكري و سياسي و قانوني لإدارة البلد باتجاه خدمة الناس.

تعرفنا عليه في عام 1987 حيث كنا في وقتها في مهمة سرية، آذ توجهنا من منطقة الفوج الأول قاطع بهدينان ولاحظت منذ البداية وعيه العالي و ثقافته العالية مقارنة بعمره الصغير، و كان يبدو مغايرا للمألوف في تلك الظروف و كان واضحا انه يبحث عن الحزب الشيوعي.

في اللقاء الثاني كنا لوحدنا ونقل لي صورة عن أجواء الجامعة من تدريس و مزاج الطلبة و أجواء الحرب و إرهاب السلطة و إجراءاتها الأمنية و تحدث كذلك عن طموحاته الفكرية، كنا نتمشى في الغدير في الشارع الرئيسي المؤدي إلى القناة باتجاه المشتل و عبر عن رغبته في الانضمام إلى الحزب، فقلت له ليس سهلا النضال مع الحزب ضد النظام، توجد صعوبات جمة و أنت شاب في مقتبل العمر سيكون هناك حرمان و جوع....

قال لي بالتنظيم الجيد و الشجاعة نستطيع المقاومة، ثم لدينا الجبل متى ما ضاقت بنا الساحة سنلجأ إليه. كان مصرا و متحمسا للانضمام إلى الحزب و تأثر بأحد أقربائه و اسمه جلال يونان أللذي سبق أن اختطفته السلطات الفاشية سنة 1980 و لم يعرف مصيره إلى ألان...

توالت لقاءاتنا بانتظام و بدا أكثر حماسة و شعورا بالثقة و أصبح يزودنا بكثير من الإخبار عن الحرب و الطلبة و المواد الضرورية التي كنا نحتاجها آنذاك و كانت جريدة طريق الشعب تنشر ما تراه مهما في تلك الفترة وبعضها يذاع من إذاعة الحزب صوت الشعب العراقي.

في صيف سنة 1986 وبعد انتهاء السنة الدراسية سيق الطلبة في الجامعة المستنصرية إلى معسكرات التدريب وكانت تنظيمات الحزب السرية في تلك الفترة في بغداد والجامعات وبقية المحافظات قد نشطت بشكل فاعل من اجل إفشال سوًق الطلبة إلى معسكرات التدريب ومنها إلى الجبهات بحجة المعايشة وقد كان لرفيقنا الشهيد دور مؤثر على الطلبة في معسكر الديوانية إذ بعد وصولهم إلى المعسكر لم يرضى أن يستمر فيه فبحث في اليوم الثاني على مكان يهرب منة من خلال الاسلاك الشائكة إلى الشارع الترابي ومنة مشيا على الإقدام للوصول إلى محطة القطار الأتي من الجنوب، وطرح فكرته على بعض زملاءه ،فتشجع الآخرين معه وهرب مع (4) طلبة من خلال الاسلاك الشائكة وبعد نجاح الهروب حذا حذوهم الآخرون وازدادت حركة الهروب والتخلي عن المعسكر إلى درجة تشجع البعض بالهروب من الباب الرئيسي، واستشاط القيمون على المعسكر غضبا منذرين الهاربين بأشد العقوبات والطرد من الجامعة ولم يبقى من الطلبة ألا عدة مئات مما اعتبر المعسكر فاشلا في النهاية باعتراف رجالات الأمن وأجهزة البعث والاستخبارات

.كان لاحتضان أهالي الديوانية الشرفاء للطلبة الرافضين للمعسكر الأثر الكبير في إخفاء الطلبة لان السلطات الأمنية عملت على نشر مفارز خاصة لاعتقال الهاربين وسجنهم في المعسكر ولمعرفة أسماءهم بغية معاقبتهم في السنة الدراسية القادمة ..

بعد تخرجه من الجامعة وبتفوق استمرت الاتصالات والمواعيد وكان أن طلب منا الالتحاق في كردستان ضمن فصائل الأنصار (البيشمركة) وفي وقتها بدأت عمليات الأنفال في قرداغ وبعض مناطق كردستان واستخدم السلاح الكيماوي ضد مقرات حزبنا في حزيران من عام 1987 في بهدنان ،لهذه الأسباب لم يكن الوضع مشجعا للالتحاق في تلك الضروف واتفقنا أن نستمر في العمل بالداخل شرط توفر الوثائق الشخصية والمقبولة والسرية وعدم كشفنا للحكومة ، ولا يتم الالتحاق ألا بعد نفاذ الإمكانية بالبقاء من قبل الكشف أو صعوبة الحصول على وثائق، واقتنعنا بهذه الصيغة وكان هو يسكن في بيت أهلة في بغداد الجديدة.

في نهاي سنة 1987 قام بمفردة بتوزيع منشورات الحزب الخاصة بالحرب وإيقافها حسب قرار الأمم المتحدة الشهير 598 ولصق بوسترات تدين بالنظام الدكتاتورية في مواقف باصات (سيارات) النقل العام في شارع فلسطين وغيرها.

في آذار عام 1988 قمنا بأكبر عملية توزيع منشورات وكان خطنا التنظيمي كله مساهما فيه بحيث استطعنا إن نغطي بغداد بجانبيها الكرخ و الرصافة ..حيث أدى الرفيق (بركان )مهمته مع احد أصدقاء بنجاح تام .

في أيار 1988 اضطررت إلى الانتقال إلى كردستان لتغيير الوثائق التي كنا نحملها و كان لابد من المغادرة إلى الجبال لمعالجة ذلك.

بعد وصولنا إلى كردستان عن طريق شقلاوة التقينا الرفيق الشهيد سعدون ثم تحركنا إلى وادي باليسان و منه إلى دوللي كوكا و من دوللي كوكا إلى خواكورك و لقائنا بقيادة الحزب هناك حيث تحدثنا عن مجمل ما يتعلق بالعمل السري و ما نحتاجه في الداخل و الفعاليات و النشاطات المختلفة التي كان بالإمكان القيام بها.. و أجواء الحرب التي قلصت من فسحة العمل السياسي التنظيمي و الإرهاب المنفلت للنظام ضد الناس ... و كان هذا في حزيران عام 1988 و في تموز من عام 1988 أعلن إيقاف الحرب العراقية _ الإيرانية حيث كنا قد وزعنا بيان الحزب الخاص بذالك.. و ما أن انتهت الحرب حتى بدأت الحرب على كردستان في هجمة شرسة استخدم النظام فيها كل ترسانته المسلحة . أثناء ذلك علمت باعتقال( بركان) .

 

تبين لاحقا إن الاعتقال كان في آب 1988 و تعرض للتعذيب و التحقيق لأكثر من مرة وصدر بحقة حكم مؤبد ولكن أعيد فتح التحقيق مرة أخرى و حكم عليه بالإعدام في نيسان من عام 1989 من قبل محكمة الثورة و رئيسها السفاح عواد حمد البندر و يقول من كان معه وقت صدور الحكم أن الرفيق بركان هتف بأعلى صوته إمامهم (الشيوعية أقوى من موتكم و أعلى من أعواد مشانقكم) و هي هكذا .

نفذ فيه الحكم في تموز 1989 .

سيبقى مكانك في القلب دوما و ذكراك لا تنسى أبدا أيها الشهيد البطل وقاتليك لعنهم شعبك وانتهوا في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم .

رفيقك ناظم ...