مبدعون وابطال الحرية

تحية لرفاق الدرب في ذكرى محاكمتهم قبل ربع قرن// كامل زومايا

 

تحية لرفاق الدرب في ذكرى محاكمتهم قبل ربع قرن

كامل زومايا

عنكاوا

 

في ذلك الصباح من 18 تموز 1989 كان صباحا هادئا بعد يوم عطلة 17  تموز ذكرى انقلاب البعث الفاشي عام 1968، كان صباحا هادئا برغم  من زقزقة عصافير التي ظلت طريقها او جاءت تحاكي قصة عاشق حبيس زنزانة ( عصفور طل من الشباك  اللي يانونو دخلك يانونو  ...اميمة خليل مع مارسيل خليفة) لم تكن زقزقة العصافير التي تخرق جدار الصمت وحدها في فضاء المعتقل بل كانت تزاحمها اصوات الاطفال القادمة من ركام المدينة اضافة لصوت الهادر لريل حمد القادم من بغداد الى البصرة او البصرة الى بغداد يجعلك تستيقظ من غفوة واقفا مستندا لجدار لجسد معتقل هو الآخر يبحث عن شيئا يسند اليه طوال الليل او النهار الثقيل ليغفو ولو لبرهه من ذلك الزمن في زنزانة تحوي 55 معتقلا بمساحة لا تتجاوز 24 متر مربع ( شيوعيون ، خط الامام ، العمل الاسلامي ، دعوة ، المجلس الاعلى ) في تلك الساعة لم يعد يتذكر شيئا او انه لايريد ان يتذكر شيء  من اسرار ، فتلك الذاكرة المكبوته الصابرة الصامدة قد تكلف حياة لمن مازالوا احرار طلقاء يبحثون عن مأوى في المدن الكونكريتية ، في تلك اللحظة كان يتذكر وجه حبيبته تذكره بالعهد القديم الجديد ....ايها الحبيب ( صن كلمة الرفيق من كل شائبة....) في تلك الساعة من عالم النسيان ،فجأة ينقلب ذلك الهدوء الى جحيم وبدأت مخالب وحوش العالم السفلي  تندس في زنزانات أمن الكرخ الواحدة تلو الاخرى ،  اطلع انت ، اطلع انت ، اطلع انت..وانت ... كنا نسمع صوت ملازم احمد وملازم عدنان ( ضباط امن الكرخ المشهورين بتعذيب السجناء ) واصوات الابواب التي كانت  تفتح وتغلق واصوات الجامعات ( الكلبجة) تطبق بمعاصم المعتقلين من زنزانة رقم واحد واثنين واربعة وخمسة ونحن اللذين كنا في زنزانة رقم 3  ، تم تعبئتنا كعلبة السردين في عربة مصفحة حيث احتوتنا نحن  16 معتقلا بتلك المصفحة بقدر قادر وبحماية  عشرات من رجال الامن القادمين من مديرية الامن العامة مدججين بأحدث الاسلحة اضافة الى رجال الامن من مديرية امن الكرخ ، انطلق الموكب واصوات صفارات الانذار يخترق شوراع بغداد وبدأت التكهنات فهل نحن باتجاه مديرية الامن العامة مرة اخرى أم الى مكان آخر ، في تلك علبة السردين لأول  مرة تلتقي برفاقك الذين افترقت عنهم منذ زمن طويل،  وتحاول ان تقترب من هذا الرفيق او ذلك تشد ازره ويشد ازرك ، لاول مرة اتلمس وجه اخي فريد زومايا واتشابك معه ومع اصدقائي ورفاق الدرب امام نظرات الحقد والازدراء لرجال الامن آكلي لحوم البشرية .....

بعد مشاور طويل توقفت المصفحة وانزلونا في قبو بناية المحكمة تسمى محكمة الثورة ، في تلك الساعة تفقد الاحساس بكل شيء فلم تعد ذات اسم وعنوان ، تم تغيير اسمك واسم ابوك وعائلتك ، في تلك اللحظة اصبحت رقما مجردا فذلك الشامح رقمه واحد وذاك البطل 2 وذاك الصامد 3 والصابر 4 ووووو الوديع رقم 16

في تلك الساعة كنا ارقاما للخوارزمي ،  لقد نسى الله انه خالقنا من عدم ، في تلك الساعة استغنى عن ذلك الطين والنار الذي جبله بشكل حسن وعلى صورته لنغتزل الى ارقام مجردة بيد المجرم عواد البندر ، كنا نتشبث بأن لا تنقسم تلك الارقام الا على نفسها ، واتخذ القرار ونحن نصطف بتلك الارقام ان تكون كلمتنا كما عهدنا شعبنا وكما ارادت الحبيبة ان نصون العهد ، بدأت المحكمة اوالمهزلة بصوت نشاز من رئيس المحكمة المجرم عواد البندر ليعلن ابتداء المهزلة ، في تلك اللحظة تعرفنا على شخص وهمي يدعى بانه قد جاء ليدافع عنها عن جرائمنا وهي كثيرة ( حب الوطن والانسان والسلام في ربوع الوطن وحب واحترام المرأة ...) طلب منا المجرم المعدوم غير مأسوف عليه ان نعتذر ونسقط عنا تهم حب الوطن والانسانية، ولكن هيهات فقد جاء صوت الشهيد رقم واحد( اثير كوركيس)  مدويا صعق الجلاد ومن في القاعة ، فبالرغم ان الجلاد تجاوزه عله يجد ظالته في رقم 2 فخيبت اماله ايضا  امام موقف بطل آخر وحاول ايضا ان يختزل تلك الارقام على عجالة 3 و 4 و5و .....الخ

المهزلة الكبرى قبل رئيس المحكمة كانت للمدعي العام حيث كان قد توصل الى معلومة بأن جميع المجرمين ومن تسلسل رقم 1 والى الرقم الاخير 16 متهمين بحب الوطن والناس والحزب الشيوعي العراقي يعاقب عليها القانون ، كما ايضا اكتشف "المحامي " الذي من المفروض ان يدافع عنا ، باننا نستحق الموت مع مراعاة الجانب الانساني ، حاولنا تفسير تلك الجملة لذلك المحامي البائس الذي يخاطب سيده ( سيدي الرئيس من رقم 1 ولحد الرقم الاخير 16 يستحقون الموت شنقا مع مراعاة الجانب الانساني .... بدأت الابتسامه على وجوه الارقام السعيدة على تلك التفاهات لذلك المحامي المعتوة متناسين  وعيد المجرم رئيس المحكمة وما يسمى بمدعي العام للشعب  الذين اتفقوا على  اعدامنا ولكن بطرق انسانية ....

انتهت المهزلة بعد الظهر وحكمت المحكمة على الجميع بالتهم المنسوبه اليهم بحب الوطن والانسان  ... انطلقت بنا مرة اخرى تلك المصفحة وصفارات الانذار تخترق جدار الصمت الى سجن ابو غريب قسم الاحكام الخاصة وقاطع الاعدام .... يتبع

 

اسماء المعتقلين

1-   الشهيد اثير كوركيس  / تللسقف / بغداد

2-   فريد زومايا طوانه / تللسقف /بغداد

3-   عماد حنا هرمز / زاخو /بغداد

4-   جوني فرج اسكندر / تللسقف / بغداد

5-   هيثم هاشم الطعان / الموصل / بغداد

6-   لطيف روفائيل جبو / تللسقف

7-   جلال يوسف ججو / القوش / بغداد

8-   سمير سعيد يدكو / تللسقف / بغداد

9-   الشهيد محمد رضا/ بغداد

10- حسين علي سليم الموسوي / بغداد

11- الشهيد باهر محمد فخري الالوسي / تكريت / بغداد

12- كفاح محمد فخري الالوسي  تكريت / بغداد

13- ازهر ... الالوسي / تكريت /بغداد

14- ثامر ياقو يدكو / تللسقف

15- كامل زومايا طوانة / تللسقف / بغداد

16- جميل خيون عيسى / بغداد

       القسم الاول انتهى

اغنية عصفور طل من الشباك لأميمة خليل

 https://www.youtube.com/watch?v=OaGLNWyb5Lk