مبدعون وابطال الحرية
عن القائد الانصاري الشيوعي علي خليل أبو ماجد// أمير أمين
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 04 شباط/فبراير 2016 16:18
- كتب بواسطة: أمير أمين
- الزيارات: 16274
عن القائد الانصاري الشيوعي علي خليل أبو ماجد
بقلم أمير أمين
انجبت حركة أنصار الحزب الشيوعي العراقي نخبة من خيرة كوادر الحزب المجربة في النضال والذين خاضوا غمار المعارك في جبال كردستان وسهولها وأريافها وقد إمتازوا بالحنكة القيادية والشجاعة والصبر على تحمل المشاق الجسيمة لمهام صعبة للغاية في ظروف بالغة القسوة وصار هؤلاء المثل الملهم لرفاقهم والجماهير التي تساندهم في كيفية الوصول للأهداف النضالية المرحلية والبعيدة المدى من خلال تخطي المراحل الصعبة والتي كانت تعيش معهم أينما تواجدوا في تلك المسيرة النضالية البالغة الصعوبة وكانوا عوناً لرفاقهم في المحن والشدائد وما أكثرها لتيسير الطريق لهم بتخفيف المشاق والصعوبات ..
كان القائد الانصاري علي خليل أبو ماجد واحداً منهم بل وفي المقدمة وهو يقود السرايا الأنصارية او حينما قاد الفوج الأول في منطقة بهدينان. وأبو ماجد شخص ينضح بالطيبة والشهامة والشجاعة وحب رفاقه والسهر عليهم وخوفه من أن يصيبهم أي مكروه وكان جريء في إتخاذ القرارات المصيرية الصائبة حينما يقرر كآمر سرية الهجوم على هدف ما أو الانسحاب المنظم بحيث يتلافى الخسائر التي قد تحدث أحياناً في مثل هذه الحالات وكثيراً ما يحالفه الحظ ومن معه في النجاح عند الشروع بضرب الهدف وعند الانسحاب في النجاح أو الاخفاق, كان الرفيق الشهيد فهد يؤكد على الشيوعي أن يشم رائحة الخطر قبل وقوعه وهذه الميزة يمتاز بها الشهيد أبو ماجد ويتنبأ بالخطر من خلال سماعه لأصوات الكلاب التي تبتعد قليلاً أو كثيراً عن مكان تجمع المفرزة التي يقودها أو أنه يعرف مصادر الخطر من خلال أحاديث الناس وما يتكلمون به ويحدد ملامح وجوههم وما تشي به من وعيد قادم للمفرزة وأنصارها فيتخذ القرار السريع والصحيح بتغيير الوجهة والإبتعاد برفاقه في مسار معاكس لمسار الخطر وتنجوا المفرزة مما كان مخططاً لها من قبل النظام المقبور وأعوانه وحينما يجد أبو ماجد أن المفرزة إبتعدت كثيراً عن مكان الخطر ..يبتسم ويقول للرفاق إشعلوا نار وناموا بسلام فلا أحد يعرف مكاننا! فمن هو النصير أبو ماجد ..حينما تسمع بإسم علي خليل سيتبادر الى ذهنك أنه لرجل مسلم وحينما تراه للوهلة الأولى ستعتقد أنه فلاح من الناصرية لبشرته السمراء وشاربه وشعر رأسه الفاحم السواد وهزال بنيته المائلة للقصر قليلاً وهدوء طبعه.. إنه الشيوعي الباسل الكردي اليزيدي المنحدر من قرية دوغات التي إحتضنت رفات جسده المنهك بعد عشرين سنة حينما وافاه الأجل في منطقة بعمق الوطن وكان على موعد حزبي مع أحد الرفاق ودفن في اكتوبر عام 1987 وفي منطقة يعرفها رفاقه وهو إبن الثالثة والخمسين حيث أنه تولد في سنة 1934 وقضى جل حياته مناضلاً في صفوف الحزب الشيوعي العراقي والتحق بقوات الأنصار في المرحلة الأولى منها عام 1963 ثم التحق بعد انفراط عقد الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين عام 1978 تاركاً هذه المرة عائلة كبيرة تتكون من والدته الأم بهار وزوجته وأبناءه وبناته التسعة والذين راحوا ضحايا عمليات الأنفال السيئة الصيت المعروفة عام 1988 ولم يبقى منهم سوى إبنه الأكبر ماجد وثلاث بنات ..ينحدر ابو ماجد من عائلة فلاحية وتزوج في الخمسينات ..ولم يدخل المدرسة وتعلم القراءة والكتابة في السجن في فترة حكم عبد الكريم قاسم ثم واصل تعليمه وتتلمذ على أيدي رفاق حزبه في مراحل لاحقة ومنها دخوله دورة حزبية لمدة قصيرة في موسكو ..وبعد إنقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ضد حكومة ثورة 14 تموز الوطنية التحق وعدد من رفاقه بجبال كردستان وإشترك في عدة معارك وجرح في أحداها جروحاً بليغة وأنقذ حياته الدكتور حنا من أهالي القوش وهي معركة جبل القوش بينما استشهد عدد من رفاقه منهم شمو سعيد وبطرس جركو وكوريال قينيتا وعند انبثاق الجبهة مع البعثيين في تموز عام 1973 ومنح الحزب الشيوعي حرية العمل العلني وفتح المقرات وإصدار صحف خاصة به , شغل الشهيد أبو ماجد عضوية اللجنة المحلية في نينوى التي كان يقودها الفقيد توما توماس ولكنه ورغم العلنية للحزب القي القبض عليه عام 1976 وسجن لمدة ستة شهور ثم أفرج عنه لعدم ثبوت أي دليل لتجريمه وهذا ما زاده قوة وصلابة في تحدي الأعداء الذين كشروا عن انيابهم الصفراء في هجوم مباغت وسريع ضد الحزب الشيوعي في عموم محافظات العراق .وبعد الهجمة الشرسة على مقرات ورفاق وكوادر الحزب الشيوعي من قبل البعثيين , التحق أبو ماجد عام 1978 مع رفيقه الشهيد جوقي سعدون أبو فؤاد ورفاق آخرين الى قاعدة نوزنك في منطقة سوران ثم واصل نضاله في الكفاح المسلح بمنطقة بهدينان التي أصبح فيها قائداً عسكرياً للسرية الأولى وعضو مكتب قيادة القاطع العسكري وعملت المفرزة التي كان يقودها في قرى ومناطق دشت الموصل ودهوك وغيرها وهي تضم في صفوفها بضعة عشرات من الانصار الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين و المنحدرين من مناطق العراق كافة فمنهم الكردي والعربي والتركماني والآشوري والكلداني ومن عدد من الأديان والمذاهب والذين يجمعهم هدف واحد هو النضال ضد النظام المقبور ورموزه ومؤسساته القمعية أينما وجدت فكان الشهيد أبو ماجد محل إحترام ومحبة من قبل الجميع وكانوا ينصتون الى توجيهاته بعناية ويلتزمون بها لإدراكهم برجاحة عقله وذكاء خططه وما يفكر به من أمور هامة تخص العمل بشكل عام على الرغم من وجود عدد لا بأس به من الخريجين أو طلبة الجامعات المتنورين بالعلوم والمعرفة لكن ثقتهم بقائدهم أبو ماجد كانت كبيرة جداً وقد زرع في نفوسهم الإيمان بقضية الشعب العادلة وكيفية النضال من أجل مصالح العمال والفلاحين وعموم الكادحين
في احدى الليالي الشديدة البرودة كنا في قرية بوتية وبعد تناولنا وجبة العشاء في بيوتها القليلة العدد تناهى الى سمعنا أصوات الكلاب وقبل أن نقوم بتنظيم الحراسات أصدر أبو ماجد قراره بترك القرية والعودة بعيداً عنها وتسلق جبل متين الذي كانت تغمره الثلوج .... كنا فوق القمة بعد منتصف الليل وكانت البرودة قارصة جداً فطلب منا أبو ماجد أن ننزلق في الثلج للأسفل لتسهيل عملية الوصول لمكان آمن وفعلنا ووصلنا أسفل القمة ونحن نرتجف من شدة البرد..كان أبو ماجد يضحك وهو بقمة النشاط قائلاً لي ..رفيق ..هذي النزلة مو تعادل عشر ترشيحات للحزب .. ! ضحكت معه وقلت له أكيد ثم طمأن رفاقه على المكان وطلب من الجميع الاستراحة وإيقاد النار والنوم لمن يريد لحين إنبلاج الصبح والتوجه لقرية أخرى لتناول الفطور
بعد مسيرات شاقة وشتاء قارص وعند الغروب أحسست أن حرارة جسمي بدأت بالارتفاع وصرت أرتجف كالسعفة في الوقت الذي لم أكن ارتدي فيه قمصلة ..لاحظ الرفيق أبو ماجد تغير ملامح وجهي وإصفراره بينما أنا كنت أحاول الصمود والتغلب على الرجفة اللا إرادية التي تهز جسدي النحيل وتعصف به خوفاً مني بأن يقرروا إعادتي للمقر وترك رفاقي بالمفرزة.. صاح الرفيق أبو ماجد على النصير أبو ازدهار..تعال رفيق وشرح له المكان الذي سيوصلني اليه ثم أفرغ من جيب معطفه شيشة دواء السعال ووضعها بين طيات ثيابه وخلع معطفه والبسني إياه في موقف نادر بالشهامة والإنسانية ولم يتراجع عن ذلك رغم توسلاتي له بأنني سأشفى ولا حاجة لي به وأنت رفيق مريض وكبير السن وتحتاجه أكثر مني ..ضحك كعادته وقال رفيق ما يخالف باجر نمر عليكم ونشوفك أحسن .تلفلفت في معطفه الذي كان لونه ما بين الأبيض والبني الفاتح وكنت أدقق النظر بعيون بقية الرفاق وكانوا كلهم من خيرة الشباب ولكن لا أحد منهم عمل الشيء الذي قام بفعله الرفيق أبو ماجد لي على الرغم من إرتداء عدد منهم لقماصل سميكة ودافئة وهنا زادت ثقتي أكبر به وكنت طيلة الطريق مصطحباً من قبل النصير أبو ازدهار في حالة شبه اغماء ولا أدري أين نحن ومتى سنصل وبذل الرفيق أبو أزدهار جهود كبيرة وقاسية لتوصيلي للمكان الذي أوضحه له الرفيق أبو ماجد ودخلنا بيت صغير ومن البيوت الصديقة فوفروا لي الدفء والغذاء الجيد وشربت حليب الماعز الساخن ونمت بعمق بفراش دافيء وفي اليوم الثاني عادت لنا مفرزتنا وشكرت الرفيق وأعدت له معطفه على الرغم من إمتناعه عن إستلامه مني لحين شفائي بشكل تام وبعد عدة أيام كما قال
في إحدى قرى بهدينان وكان الجو بارداً توزعنا على بيوتها وشرحنا للناس موقف الحزب الشيوعي من النظام وسياساته ثم إستقرينا في مبيت آمن وكانت نوبة حراستي من الساعة 12 ليلاً للواحدة وبعد إنتهاء حراسة الرفيق الشهيد أبو كفاح وقبل أن أستلم واجبي بعدة دقائق دخل علينا أبو كفاح وهو يصرخ رفاق أكو أصوات وتقدم للجيش ..! طلب منا الرفيق أبو ماجد فوراً الخروج وبشكل منظم وكان هو في المقدمة وتركنا القرية بعد مسيرة عدة ساعات ثم وصلنا الى مكان لا أعرفه بالضبط وهنا قال الرفيق أبو ماجد رفاق استقروا هنا فهذا المكان أمين ولا يعرفه العدو
يمتاز الشهيد أبو ماجد بروح النكتة ويفرح لسماع الاخبار والحكايات السارة ويستطيع تقليد حركة ومشي وأكل رفاقه كما هم عليه ففي إحدى المرات كنا ننتظر وصوله من مكان ما ذهب اليه ولما عاد بعد غيبة قصيرة ..قال السلام عليكم ..ثم وقبل سماعه جوابنا جلس على الحشيش وأثنى أرجله للخلف وصار يقلد شخص يتناول الطعام بهدوء وروية وهو ينظر لي ويضحك ..فقلت له آني مو رفيق ..قام وصافحني وأخبر الرفاق بطريقة تناولي للأكل ثم بدأ يقص علينا بعض الحكايات عن رفاق آخرين ..وكان الرفيق عفيف النفس يحاول أن يغذي المفرزة بالمال الذي زود به من قيادة القاطع لآخر فلس ويشتري لنا بين الحين والآخر خروف أو ماعز نذبحه في مكان أمين ويسهر على توزيعه بعدالة لكافة الأنصار ويتناول هو جزء قليل منه وكأنه والدنا ونحن أبناءه الصغار وكان يتألم حينما يرى أي نصير ينفرد على جهة وعنده غذاء يختلف عن الآخرين أي أن لديه ما هو افضل مما لديهم خاصة حينما يرى أن بعض الأنصار الاكراد يفعلون ذلك وقد شاهدته مرة يعاتب الشهيد نبيل على بعض المأكولات ويقول له رفيق من أين لك هذا ولماذا لا تعطي منه لرفاقك والشهيد نبيل خجل وإحمر وجهه وبرر له ملكيته لهذا النوع من الغذاء وهو من رفاقنا الشباب الطيبين الذي إستشهد يوم 30 نيسان عام 1982 في دوغات كذلك سمعته مرة يتناقش مع الشهيد أبو إيفان ويطلب منه توزيع بعض ما لديه من سگاير على الرفاق والرفيق يمتنع ويقول له إنني إشتريتها لنفسي فخليهم يشترون ..وأدار وجهه لي قائلاً أكو رفاق ما تستحي ..قلت له رفيق ليش الرفاق ما يشترون من القجقجي ..ليش يطلبون من الرفيق ..قال لي عنده هواية باكيتات ولازم ينطيهم لأن يجوز ما عدهم فلوس وكان الشهيد أبو ماجد حريص على ممتلكات الحزب مهما كان ثمنها وفي أكتوبر عام 1983 سمعته يتجادل وبقوة مع أحد الرفاق الذي يهم بالخروج من كردستان الى سوريا مصطحباً معه جهاز الضغط والسماعة وكان الرفيق يعاتبه بأن يترك هذه الأشياء لكي يستفاد منها بقية الأنصار والرفيق الآخر الصيدلي يرد عليه أنها ملكية شخصية وهو اشتراها واستخدمها للأنصار ويريد استمرار الاستفادة الشخصية منها عند خروجه الى سورية ولم تنفع معه مناشدات الشهيد أبو ماجد بتركها لكافة الأنصار ..كان موقف أناني من قبل هذا النصير وترك غصة وألم في قلب أبو ماجد الذي كان أصلاً يشكو من شدة الألم فيه ومن القرحة في المعدة ومن ضيق التنفس والتي يقاومها بالإرادة الصلبة وبعض المسكنات .
أحدى المرات تم توزيعنا من قبله الى مجموعتين ككمائن في الجبال المحاذية لقرية حسنكة ولكن عند الفجر عرف الرفيق ان تقدماً كبيراً للجيش حصل بإتجاهنا وكانت موازين القوى لصالحهم وكان الكمين الذي كنت من ضمن قوامه يتألف من 13 نصير مما حدى بالشهيد أبو ماجد ان يختار الأنسحاب بسلام في الوقت الذي شاهد الحرس تقدم قوات الجيش وقاموا بإطلاق القذائف القريبة من تجمعاتنا وأنقذ المفرزة ورفاقها .
كثيرة هي المواقف التي إمتاز بها الشهيد أبو ماجد من أجل الحفاظ على أرواح رفاقه الأنصار وهي لا تعد ولا تحصى وله سجل نضالي طويل وشاق يقدره ويحترمه كل من عاش وعمل معه عن قرب ..إنه معدن أصيل وفقدانه المبكر كان ولا زال خسارة قاسية ولا تعوض ..
المجد للشهيد البيشمركة الباسل علي خليل أبو ماجد ..!
المتواجون الان
593 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع