مبدعون وابطال الحرية

الشهيد الشيوعي النصير أبو علي النجّار// أمير أمين

 

الموقع الفرعي للكاتب

الشهيد الشيوعي النصير أبو علي النجّار

أمير أمين

 

بينما كنّا نحتسي أكواب الشاي في موقعنا الكائن في قرية عين عرب في البقاع اللبناني عصر أحد الأيام , دخل علينا شابين كان أحدهما يرتدي بدلة رصاصية ويبدو على محياهما التعب ..سلّما علينا بأدب وهدوء وقال الأول إنه أبو آذار بينما تكلم الآخر بصوت منخفض وبخجل قائلاً .. إسمي أبو علي ثم أكمل كلامه , جئنا من رحلة قصيرة كنّا خلالها في هنگاريا ..لم التقي بهما سابقاً على الرغم من أنهما كانا من مدينة الناصرية التي ولدت وعشت فيها سنين عديدة لكن أبا آذار الذي عرف عائلتي في اليوم الثاني أوضح لي أنه يعرف جيداً أخي الأكبر وشرح لي بعض الأمور عن حياته العائلية وعن وظيفته السابقة في العراق وأنه كان متزوج وقد طلّق زوجته وله منها بنت إسمها آذار ..الخ أما رفيقه أبو علي فلم يفصح عن نفسه بشيء سوى أننا عرفنا أنه من نفس مدينتنا وشرح الإثنان إنهما ينتظران التوجه كما الآخرين الى كردستان للانضمام لقوات الأنصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي ..وصرت معهما على معرفة قريبة على الرغم من أن أبا علي ظل غامضاً بالنسبة لي وكان قليل الكلام بالإضافة الى أنهما لم يمكثا كثيراً معنا حيث تمت مغادرتهما الموقع والتوجه الى سوريا ومنها الى كردستان العراق وما لبثت أنا إلاّ أن توجهت نحوهما بفترة قصيرة والتقينا مجدداً في قاعدة بهدينان حيث إنهمكنا في عمل مضني صعب في إستكمال بناء بقية قاعات القاعدة ومستلزماتها الأخرى والاستعداد للنزول في مفارز قتالية في عمق أراضي كردستان ..حيث شارك فيها الشهيد أبو علي النجار بفاعلية بعد أن كان يعمل بجد ونشاط ومثابرة في مقر القاعدة فكان يقوم بتقطيع الحطب ونقله على أكتافه والمساهمة في البناء وقد عمل من بعض الاغصان وبحرفية عالية مغارف للمرق والرز ولسحب الصمون أو الخبز من الفرن وبقي على صمته وجديته في العمل , يتعامل مع الآخرين بمودة وإحترام ولم تحدث له مشكلة مع أي أحد فقد كان طيب القلب خلوق وشهم وعنده نكران ذات غير طبيعي , وأتذكر في إحدى المرات وكان حينها آمراً لفصيلنا في المفرزة قام بجمعنا وأخرج من عليجته كمية من الخبز التي حصل عليها من أحد بيوت القرية وفتحها وضحك قائلاً ..راح تاكلون أكل شهي وطيب اليوم ثم قام بتقطيع الخبز الذي حصل عليه لكل رفيق نصف رغيف وفوجئنا بأنه كان يضع وبعدالة قليلاً من البطاطا المقلية بالزبد فوق كل قطعة وكان ألذ غذاء تناولناه في تلك الفترة بينما أبقى لنفسه لقمة صغيرة وأعتقد ان هذا العمل إنفرد به حيث أن عدد من الرفاق لو حصل معه نفس الشيء لإحتفظ به لنفسه ربما..! أما أبو علي فوضع نفسه موضع الأب ورفاق الفصيل بمثابة أولاده بحيث صعب عليه أن يتناول الطعام اللذيذ لوحده ..! وفي جدول الحراسات كان كثيراً ما يضع نفسه في المقدمة وفي الساعات الحرجة وعند النهار حينما ننام متعبين , يبقى هو في كثير من الأحيان ساهراً على راحتنا وتفقد المجاميع وتنظيم الحراسات النهارية وتشديد المراقبة على منافذ الطرق التي دخلنا اليها أو التي سنخرج منها وكان يعاتب رفاقه الأنصار المخالفين لبعض القواعد مثلاً عدم ترك مسافات مضبوطة عند المسيرة أو سماعه أصوات تصدر من بعضهم , كان يعاتبهم بأدب وبجدية حتى انه كان أحياناً يلوم آمر السرية النصير الفقيد أبو شروق إن شاهده مقصراً ولو بشيء بسيط وشملني لومه كثيراً حينما كنت أتكلم أثناء المسيرة أو لا أباعد بين المسافات سهواً مني أحياناً أو نتيجة التعب على الرغم من أنني عملت معه بصفة مستشار سياسي للفصيل الذي كان هو آمره لعدة شهور, وكان ملتزماً جداً بإرتداء الجمداني أي غطاء الرأس بشكل يومي ويهتم بحلق لحيته وتنظيف هندامه وترتيب عتاده وإمتشاقه لسلاحه فكان قدوة حسنة لنا جميعاً ..كنت أقلد صوته وطريقته في معاتبة رفاقه بشكل كبير ففي إحدى المرات ونحن نسير بمفرزة ترجتني الشهيدة فاتن أن أقلده .. كيف يتكلم ويوجه رفاقه لخفض الصوت ..الخ وإندمجت بتمثيل الدور ولم أعلم أنه كان قريباً مني فأمسك بي متلبساً بالجرم المشهود وقال بضحك هذه المرة ..منو كنت اتقلد ..إخبرني أحسنلك ..! وهو يعرف تماماً أنني كنت أقلده ..وهربت من بين يديه وضحكنا جميعاً وكان مسروراً بما حدث لأن أقرب رفيق له كان يعرفه بجديته عن قرب ويقلده..لكني عاتبت الشهيدة فاتن وقلت لها , لماذا لم تخبريني بأنه كان يمشي ورائي وسمعني أقلده , إعتقاداً منّي بأنه سوف يزعل ..ضحكت وقالت كان بعيداً وجاء نحوك حينما سمع بفعلتك ..!!..كان الشهيد أبو علي كثير النشاط من الناحية العسكرية أي أنه يذهب لإستطلاع الهدف ويشترك بحماس في المواقع الخطرة والمتقدمة من المهمات العسكرية بحيث صرت أخشى عليه كثيراً وكم مرة قلت لنفسي أن هذا الرفيق سوف يكون أحد شهداء حزبنا وأفصحت بما كنت أفكر به وأخشاه الى الرفيقة الشهيدة فاتن التي ذكّرتني بما قلته لها بعد أن سمعت بخبر إستشهاده وتألمنا كثيراً عليه وكنّا نتحدث عن حبه لرفاقه وإخلاصه لعمله..أما أنا فكيف وأين تلقيت خبر رحيله فهو أنني كنت في أحد الأيام أتمشى مع أختي الشهيدة أنسام في بشتاشان ولاحظت أنها كانت حزينة جداً وخاوية وذكّرتني بشهداء مدينة الناصرية ولم تطرح إسم الشهيد أبو علي النجار من ضمنهم حيث كانت تعلم بخبر إستشهاده من خلال عملها بالشفرة العسكرية التابعة للمكتب العسكري المركزي وحين فتحتها علمت بهذا النبأ الحزين لكن صيانتها حالت دون الإفصاح به لي أو لأحد عدا المسؤول الأول في المكتب الرفيق الفقيد أبو عامل ولكن في اليوم التالي وقفنا أنا وهي نستمع لنشرة الأخبار ومن خلالها أذيع خبر إستشهاده فأيقنت ما كانت تحدثني به في الامس ..حيث أوضح البلاغ أن الرفيق الشهيد إستشهد يوم 16 أيلول عام 1982 من خلال عملية عسكرية في ناحية باعذرة حيث كان آمر مجموعة الاقتحام بالوقت الذي كانت رتبته العسكرية هنا معاون آمر السرية الرابعة وباعذرة هي قصبة يسكنها الاكراد الايزيدية وتقع شرق ناحية القوش وتتبع قضاء الشيخان , وبعد إستشهاده قام رفاق مفرزته بدفنه في مكان معلوم من أرض كردستان في قرية بلاطة حيث تم في يوم 17 أيار عام 2012 وبعد نحو ثلاثين عام , إخراج رفاته من قبل منظمة الحزب الشيوعي في القوش وسلّم الى ذويه الذين واروه الثرى في مقبرة وادي السلام في النجف . والشهيد أبو علي النجار من أهالي الناصرية وإسمه محمد حسين راشد المهدي مواليد عام 1951 وخريج معهد الصحة وكان من أوائل الذين لبّوا نداء حزبهم الشيوعي بالالتحاق بفصائل الأنصار الشيوعيين وترك رحيله غصة وألم عند جميع الرفاق الأنصار والشيوعيين عموماً وفقدانه خسارة جسيمة ولا تعوض..أما رفيقه الشهيد أبو آذار فقد إستشهد في نيسان عام 1985 أثناء الاصطدام مع حزب العمّال الكردستاني في قرية دهي بعد أن أصيب بطلق ناري برأسه في جامع دريشكة ثم إستشهد بعد ذلك ودفن في قرية أره زة والتي تقابل مقبرتها قرية دهي ..وكان قبره بجانب قبر الشهيد أبو أياد خريج بلغاريا الذي دفن قبله بيومين و الشهيد أبو آذار إسمه محمد إبراهيم جاسم وهو من أهالي قضاء الرفاعي التابع للناصرية.المجد للشهيد الباسل أبو علي النجار والمجد لرفاقه الشهداء الابرار أبو آذار وأبو أياد وجميع الشهداء الذين جادوا بنفوسهم الغالية بمنتهى السخاء من أجل شعبهم العراقي وكادحيه والجود بالنفس أقصى غاية الجود..

ملاحظة ..الفقيد أبو شروق كان من أوائل الأنصار الذين وصلوا الى قاعدة بهدينان وساهم من خلال بنيته القوية وقامته الفارعة وحماسه في تشييد ووضع اللبنات الأولى لها وكان إسمه محمد خلف مجيد الخليفة وشغل في القاعدة آمر فصيل المقر وأيضاً قاد سرية قتالية لإحدى المفارز حيث لقب بملازم شاكر ويمتاز بخفة الدم والحماس والصدق في العمل وهو محبوب من قبل رفاقه , إستقر في السنوات الأخيرة من حياته في ليبيا ومات فيها ودفن في شهر آب عام 2009 وكان يشكو من المرض الذي لازمه مدة من الزمن في بلاد الغربة وأدى الى وفاته وهو متزوج وله ولدين ..