اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• المنتصرون على الموت : حليمة موسى اسحق بولا - بطلة من اجل الحرية

لطيف بولا

شهادة صادقة بعث بها زميلنا وصديقنا العزيز المرحوم جميل روفائيل يوم سماعه  برحيل اختي حليمة  .. وها قد حلت ذكرى وفاة حليمة ورفيقنا وصديقنا جميل قد فارقنا هو الاخر ليترك لنا هذه المشاعر الصادقة لرفاق عاش معهم وسجل وبقلمه الرائع ذلك الحب النقي والخالد لكل من احبه .فما احوجني اليك يا صديق جميل  ! من يوم رحيلك  اشعر وكأنني وحيد   وليس هنالك من يحل

 

محلهم في حياتي وقد امسوا بعيدين ..بعيدين   والى الابد 

 

 

 

المنتصرون على الموت

حليمة موسى اسحق بولا

بطلة من اجل الحرية

 

لطيف بولا

 

وكلـمات  قليـلة  وفـاء  لأنسـانة  كبيـرة

جميـل روفائيـل

 

 

الكل يموت , وقليلون هم اولئك الذين ينقشون اسماءهم على قلوب الشعـراء ليغـدو كل حرف قصيدة خالدة يرتلها القلب بنبضاته على مدى الايام والسنين . ومن اولئك الخالدين الراحلة المناضلة حليمة موسى اسحق بولا التي حفرت اسمها في صميم قلب اخيها الشاعـر لطيف بولا , وفي ذاكرة كل من عـرفها عـن كثب , من اصدقاء واقارب وجيران ورفاق في الحزب الشيوعـي العـراقي  وعـبر مسيرة النضال الدموية والتي عـانت من ماساتها الرفيقة حليمة , ودفعـت ثمن ذلك كل حياتها بتضحياتها اليومية في الكفاح والكدح من اجل سد رمق اولادها الذين تكفلت في معـيشتهم ومعـيشة زوجها الذي كان في غـياهب السجون والاختفاء عـبر ثلاثين عـاما من زواجهما , وتحملها العـذاب مع عـائلتها واخوتها منذ انتكاسة ثورة 14 / تموز 1958 الخالدة .

تعـرضت حليمة في مظاهرة سلمية قام بها الحزب الشيوعـي اوائل الستينات للمطالبة بالسلم في كردستان وكانت المناضلة حليمة في مقدمة المظاهرة , تعـرضت للضرب بهراوات قوات الامن فسقطت مضرجة بدماءها . حملها الرفاق الشيوعـيون الى المستشفى , وبعـد ان تم خياطة الشدخ العـميق في راسها تعـرضت للمحاكم العـرفية وبدات تنتقل من معـتقل الى معـتقل .

وفي 1963 وبعـد انقلاب 8 شباط الاسود بشهرين اعـتقلت مع اخيها لطيف بولا في ليلة واحدة بعـد ان كان الحرس القومي الفاشي قد اعـتقل اخيها الاخر فاضل بولا . وكانت هي شاهدة على موقف اخيها الصغـير لطيف والذي كان يناهز 17 عـاما فقط حين اوصاها وهما في طريقهما الى غـرفة التعـذيب والتحقيق ان تصمد حتى الموت . وهكذا قطعـا عـهدا لبعـضيهما بالصمود .

ظلت تلك اللحظات النضالية الصعـبة قصة حزينة عـند حليمة وهي ترى بام عـينيها اخيها الصغـير وهو يساق للتعـذيب بل دخلت عـليه لترى اخيها داميا وكانت تقول ,, تلك الصورة حين رايت لطيف وقد اجتمعـت عـليه الذئاب من كل صوب ينهالون عـليه بالصوندات والهراوات , لم انسى ذلك المشهد ابدا ,, وكانت عـلاقة لطيف باخته اكثر من عـلاقة الاخوة والصداقة والقرابة فلم يلتق اخ باخته , واخت باخيها اكثر من حليمة ولطيف , جلسا اياما وشهورا وسنينا سوية , وبشكل خاص بعـد القي القبض على زوجها متي كوريال برصوم (( حميد )) والذي كان شيوعـيا قديما , اصبح فيما بعـد من قيادات (( القيادة المركزية )) .

كانت اطلالة لطيف على اخته اطلالة فرج وهي في ضيق قاتل كان بيتها معـرضا لمباغـتات الامن والمخابرات , كان عـليها ان تذهب الى محل عـملها كخياطة لتعـيل اولادها قصي وتغـريد وهما في مرحلة الابتدائية . كان اخوها لطيف سندها ومشجعـها على مواصلة الصمود وكان عـليها ان تزور زوجها في سجن ابو غـريب كل اسبوع توفر له الطعـام والدواء ولمدة خمسة عـشر عـاما , تخرج ابنها من كلية الزراعـة وتزوج بجهود امه البطلة , ثم اكملت تغـريد السادس الثانوي وتزوجت , وبعـد ان انتظرت طويلا وهي في تلك المعـناة خرج زوجها من السجن معـتل الصحة جسديا ونفسيا .

لم تمضي الا فترة قصيرة حتى اجتمعـت كل تلك الجروح والالام والمعـناة لتصبح داءا خبيثا ( سرطانا ) بدا ينهش بتلك اللبوة ,,, حليمة بولا ,,, من تلك اللحظة ولمدة ست سنوات كانت حليمة تقاوم المرض بصلابة ورباط جاش , الا انه في النهاية تركها هيكلا عـظميا لتختم حياتها معـذبة كما بداتها معـذبة .

ان حياة حليمة بولا ملحمة نضالية وكفاح مرير , بكاها بصدق وبدموع حارة ليس لطيف بولا اخوها وصديقها ورفيقها فقط ولكن جيرانها في نواب الضباط في بغـداد وجيرانها في العـمارات السكنية في زيونة وفي القوش واهلها واقاربها بل وحتى صخور الجبل كما يقول الشاعـر لطيف بولا في قصيدته (( حليمة )) :

فيا حليمة انني احمل           الدموع في ذهابي وايابي

من مهج ضنيت لفقدك         وبلغـت الجبل والروابي

ومكثت حينا حيث جلسنا       سوية على السفح الخلاب

كاني بالصخور تسالني         والحمام يندب جوابي

اجل هكذا عـاشت حليمة لاهلها لاطفالها لزوجها لشعـبها ولوطنها . كانت شمعـة اضاءت لغـيرها واحترقت , خلقت اشتراكية وعـاشت اشتراكية , وودعـت العـالم وهي تفكر بغـيرها قبل ان تفكر بنفسها , ما اعـظم الانسان ان يحيا ويموت اشتراكيا فكرا وسلوكا .ومثلما كان منشا حليمة ريفيا بقي حبها عـامرا بقلبها للناس البسطاء وطبقة العـمال والفلاحين , وكان محلها في منطقة نواب الضباط وشقتها في زيونة مزارات لصديقاتها الطيبات من الطبقات الشعـبية والاتي كن تحت وطاة النظام الفاشي يعـانين من كابوس الاضطهاد والملاحقة . فهذه ثاكلة فقدت سبعـة افراد من عـائلتها وتلك ارملة واخرى اولادها سجناء ومنهن من وقعـن فريسة الاوباش ينهش بهن الفقر , واخرى مطلقة بسبب المشاكل التي افرزها النظام , وتلك زوجها او ابنها مفقود في الحرب او اسير ولم يعـد . كان قلب حليمة كبيرا ليضم كل هؤلاء النسوة في بيتها او في محلها لتشد من ازرهم وتزرع في قلوبهن الامل . وكن بدورهن يجدن في كلام حليمة وابتساماتها المتفائلة دائما البلسم الشافي لعـلتهن .

الف تحية لروح حليمة المناضلة البطلة فهي بحق شهيدة الوطن .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

كلـمات  قليـلة  وفـاء  لأنسـانة  كبيـرة

 

         تعـرفت  على ( المرحومة )  حليمـة  للمرة  الأولـى ،  عـام  1957  وأنـا  طالـب  ،  حيث  كنت  ضيفـا  في  بيت  أبـن  عـمي ( المرحـوم  )   أوراها  رفـو  مرقس   في  بغـداد  ،  كنـا  جالسـين  ودخلـت  شـابة  بشـوشـة  مملـوءة  حيـويـة  ونشـاطا  ،  ورحب  بـها الموجـودون  ( أهلا  أهلا  حليمة  )  وسـلمت  على  الموجودين  ،  وحيـن  وصلت  عـندي  وهي  تصافحـني  (  وكنت  أصغـر  الموجوديـن  عـمرا  )  نظـرت الـى (  الـمرحـومة )  ماريـة  (  زوجـة المرحـوم أوراهـا  ) فـقـالت ( المرحومة ) ماريـة : عـزيزنـا جميل أبـن أخونـا روفائيـل  . .

  

        وجلسـت  حليـمة  بجانب  ماريـة  ،  وزادت  الجـو مـرحا  وضحكا  وأمـورا  مثمـرة  ،  وكان  الحديث  متشـعـبا ، سـؤال  عـن  أشـخاص  ،  نشاطات  المناضلين  الشيوعـيين  وأحـوال  من  هم  منهـم  في  السـجون  . . وكنت  معـجبا  بأسـلوبها  الرائع  في  الكـلام  والأمور الوطنيـة التي  تـتناولـها  (  لـم  أكـن  منتـميا  الـى  الحزب الشيوعـي  ولكنـني كنت  متعـاطفا  معـه  بشـكل  كامـل  )  . .

 

       وبعـد  أكثـر  من  سـاعـتين  من  أروع  الأحاديث  ،  أخرجت  من حقـيـبتها رزمـة  مـن  الأوراق  وسـلمتها  الـى  ماريـة  . .  وودعـتـنا بأبتسـامات  عـذبـة  . . وذهـبت  . . وصـادف  أن  حضـرت  مرات  عـدة  أ خـرى  الـى بيـت  أبن  عمـي أوراها ،  خلال  عـام  1957  والنصف  الأول من  1958  . . وبأجـواء  رائعـة  مـماثلـة  ورزم  آخـر  منشـورات  الحزب  الشـيوعـي  . .

 

      والمـرة  الأخيـرة  التـي  رأيت  فيـها ( المرحومـة ) حليـمة  كانت    ، إمـا في  النصف  الثـاني  من  1958  أو في 1959  لا أتذكـر  جيـدا   ،  حيـث  كانت  في  سـيارة  مع  عـدد  من  أقاربـها  (  أعـتقـد  أن  شـقـيقـيها   :  فاضـل  ولطيف  كانـا  معـها  )  في  طريقـها  الـى  ألقـوش  ،  وتوقـفـت  بعـض  الوقـت في  تللسـقـف  للسـلام  على  عـمي  (  المرحـوم  )  ألطون  نعـمو  ،  الـذي  كان  مناضلا  شـيوعـيا  جليـلا وتعـرفـه  من  بغـداد  ،  وكان  ألطـون  أحـد  أبـرز  شـخصـيات  تللسـقف  طيـبة  وخلقـا  وشـهرة  ،  وكان  مختـارا  لتللسـقف  بعـدما   أنتـخبـه  أهـالي  القـرية    بـما  يشـبه   الأجمـاع  . . وسـلمت  عـليـها  وعـلى  من  معـها  . .  وكانت  بالروعـة  نفسها  التي  عـرفتها  في  بغـداد  مرحـا  ونشـاطا  . .

 

        ومـرت  سـنوات  ،  وبالتحـديد في  1973     إذ تعـرفت  في  بغـداد على  فاضـل  شقـيق  حليمة  ،  بعـد  تأسـيس  الجمعـية  الثقـافية  للناطقيـن  بالسـريانية  ،  حيث  توطـدت  صداقـتـنا  ولقـاءاتـنا  المتـواصلة وأنسـجامنـا  في  أفكارنـا  ، من  خلال  عملنا معـا لأكثـر  من  سـبع  سـنوات في  هيـئة  تحـرير  مجلـة  الجمعـية  (  قـالا سـريـايـا  ـ  الصـوت  السـرياني  )  . . وقـد  ألتقـيت  الأخ  فاضـل  لآخـر  مـرة  فـي  بلغـراد  عـام  1992  عـندما  حـل  مـع  عـائلتـه ضـيفا  كريـما  عـزيـزا عـندي  لأيـام  عـدة  وهـو  في  طريقـه  الـى  ديـار  الغـربـة  الولايات  المتحـدة ، الديـار التـي  لـم  يخطـر في  بالـه  أن  يرحـل  أليـها  يومـا ، فـقـد  كـان  في  أشـد  الألـم  والمـرارة  على  فـراق  العـراق  حيث  وطنـه وتاريـخ  آبائـه  وأجـداده  ونضـاله  وأقاربـه  وأصـدقاؤه  وآمـالـه  . .

 

       أمـا  لطيـف  شـقيق  حليمـة  ،  فقـد  تعـرفت  عليـه   أيضا  في  بغـداد  خلال  عـملي  الصحافي  ،  وأن  لـم  تكـن  عـلاقـتي  معـه  قويـة  كـما  كانت  مع  شـقـيقـه  فاضـل  ،  إلاّ  أنـني  وجـدته  كامـل  المواهـب  نقـي  الخصـال ،  فإضـافـة  الـى  الأخـلاق  الحميـدة  وطيـبة  المعـشر  ،  فـهو  شـاعـر وأديـب  وصحـافي  ومحلـل  سـياسي  وأجتـماعـي وفنـان  قـديـر  . . وهـي  صـفات  ،  حقـا  ،  قـلّـما  تـتجمـع  في  إنسـان  واحـد  . . ولطيـف  بولا  هـو  أحـد  هـذه  القـلة  النـادرة . .

 

       أمـا  حليـمة  . . فسـتبقـى  خالـدة  فـي  سـجلات  حـزبـها  الخـالد  ،  لأنـها  فـي  الصـف  الأول  بيـن  مناضليـه  . . وسـتبقـى  زهـرة  بهيـة  زكيـة  فـي  ذهـن  كـل  مـن  عـرفـها  . . وهـي  جديـرة  بكـل  ذلـك  ،  لأنـها  كانت  أكثـر  مـن  أنسـانـة  فـي  التضحيـة  مـن  أجـل  حريـة  وطنـها  وسـعـادة  شـعـبها  . . وفـي  الجـلال  والكرامـة  والصـمود  والشـموخ  وتـرك  الأثـر  الطيـب  فـي  كـل  مكـان  حلـت  بـه   . .  فهنيـئا  للعـائلة  التـي  أنجبـتها  وللأسـرة  التـي  سـعـدت  بـها  ولكـل  قريـب  لـها  . . بلقـب  إنـه  مـن  عـائلة  حليمـة  بـولا . 

 

وهنـيـئا  لـي شـخصـيا مـن  ذكـرى . .  لأنـني  عـرفت  الأنسـانة  الأنسـانـة  حليـمة 

 

              جميـــل  روفـائيــل

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.