اصدارات

صدور كتابي الموسوم (الشيوعيون اليهود وعصبة مكافحة الصهيونية في العراق

 

صدور كتابي الموسوم (الشيوعيون اليهود وعصبة مكافحة الصهيونية في العراق 1945-1946).

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

صدر حديثا عن دار الفرات للثقافة والاعلام - العراق - بابل 29-1-2021 بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع كتابي الموسوم ( الشيوعيون اليهود وعصبة مكافحة الصهيونية في العراق 1945-1946 ).

الكتاب يحتوي على (440) صفحة من الحجم الوزيري، كما يتضمن سبعة فصول ومقدمة وخاتمة. الفصل الأول يسلط الضوء على البذور الأولى للنشاط الصهيوني في العراق، والفصل الثاني يتضمن دور آهرون ساسون معلم في نشر الفكر الصهيوني في العراق عشرينات القرن الماضي، أما الفصل الثالث يوضح منظمة عصبة مكافحة الصهيونية ودورها في فضح التنيمات الصهيونية في العراق من خلال صحيفتها (العصبة)، والفصل الرابع سلط الضوء حول الأسباب الرئيسية للهجرة والتهجير القسري لأبناء الديانة اليهودية من العراق إلى فلسطين والدول الأوروبية حقبة الأربعينات من القرن الماضي، ودور الصحف الصفراء في الحملة على منظمة العصبة.

أما الفصل الخامس يوضح موقف الحزب الشيوعي العراقي من قرار التقسيم، وموقفه تجاه القضية الفلسطينية، وموقف الاتحاد السوفيتي بخصوص التقسيم، وموقف الحزب الشيوعي العراقي من إسرائيل كدولة. أما الفصل السادس فقد أوضحنا فيه حول صفقة الهجرة الجماعية ليهود العراق إلى إسرائيل ودور الحركة الصهيونية في تهجير يهود العراق عام 1950م/1951م. أما الفصل السابع فقد احتوى قائمة النسيان لشهداء يهود العراق من الحركة اليسارية العراقية (شاؤول طويق، يهودا إبراهيم صديق، ساسون شلومو دلال)، وأخيراً خاتمة الكتاب والملاحق التي تتضمن وثائق عصبة مكافحة الصهيونية وقائمة باسماء يهود العراق من أعضاء منظمة عصبة مكافحة الصهيونية وحزب التحرر الوطني التي يشرف عليهما الحزب الشيوعي العراقي. فضلاً عن الصور التي زود بها الكتاب.

يهود العراق كانوا يقطنون بلاد الرافدين قبل بدء الدعوة الإسلامية ومن ثم استمر تواجدهم في البلاد فترة الخلفاء الراشدين والدولتين الأموية والعباسية، وفي ظل الهيمنة الفارسية على العراق والدولة العثمانية حتى عهد الدولة الملكية في العراق، ففي ظل هذه الدول المتعاقبة للسيطرة على خيرات العراق تعرض يهود العراق إلى شتى الاضطهاد الديني والتمييز السياسي والاجتماعي والاستبداد والقسوة، وفي بعض الأحيان تمتعوا بالحرية الدينية والوضع الاجتماعي الجيد في ظل الدولة العثمانية، لكن الدولة الإسلامية كانت تعتبرهم من أهل الذمة ليدفعوا الجزية السنوية والخراج، ولا ننسى إن كل النظم الإسلامية بشتى أنواعها والتي حكمت العراق قد مارست شتى أنواع التمييز الديني والاجتماعي بحق اليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين لأنهم كانوا يشكلون أقليات دينية مضطهدة.

لقد مرَّ يهود العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921م حتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين بمراحل متباينة، وتمتع يهود العراق في هذه المرحلة بحياة هادئة وهانئة ومشاركة نشطة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي النشاط السياسي في ظل دولة ملكية ذات دستور ديمقراطي وملك كان حريصاً على التعامل مع أبناء الشعب بالمساواة، بالرغم من وجود العراق تحت الانتداب البريطاني حتى العام 1932م.

لقد شكل يهود العراق جزءاً أصيلاً من المجتمع العراقي وفاعلاً حيوياً فيه، ولم ينعزل عن بقية أتباع الديانات والمذاهب في "گيتوات" خاصة به، بل كان سكنهم في مناطق عديدة من بغداد ومدن العراق ومعه عاش المسيحيون والمسلمون، من سنة وشيعة. وكانت تركيبة المجتمع اليهودي لا تختلف عن تركيبة بقية المجتمع من الناحية الاجتماعية أو الطبقية، فكان هناك بعض كبار الملاكين والتجار الكبار والبرجوازية المتوسطة والبرجوازية الصغيرة، ولاسيما المثقفون والحرفيون، ثم العمال، وكذلك الفلاحون المعدمون الذين كانوا يعملون في أراضي الأغوات الكرد، وخاصة بإقليم كردستان العراق، والباعة الجوالة والفقراء الذين كانوا يعانون من شظف العيش، كالغالبية العظمى من شعب العراق حينذاك. ولا بد من الإشارة إلى أن ببغداد مثلاً تعانقت جوامع أو مساجد المسلمين مع كنائس المسيحيين وكُنس اليهود، وفي مدن أخرى وجد المندي بجوار المسجد. وحصلت زواجات بين أتباع الديانات العديدة بالعراق أيضاً. كان هناك شكل من اشكال الاعتراف المتبادل بوجود هذه الديانات وحقها في ممارسة طقوسها الدينية وحياتها الخاصة إلى جانب حياتها العامة فيما بين جميع أتباع الديانات والمذاهب. ولا يشك الإنسان القارئ للتاريخ عن احتمال وجود نظرة تمييزية مستترة غير مكشوفة تماماً لدى بعض الجماعات المتدينة بشكل خاص.

والحالة الوحيدة التي تظاهر فيها العراقيون في هذه الفترة، ولم تكن ضد يهود العراق، بل شارك يهود بغداد فيها، كانت حين قام الوزير البريطاني والداعية الصهيوني المعروف السير ألفريد مورتس موند Alfred Moritz Mond "1868م-1930م" في العام 1928م بزيارة للعراق بدعوة من الملك فيصل الأول.

بعد توقف ثورة الشعب الفلسطيني في الفترة 1936م- 1939م وعجزها عن تحقيق الأهداف المنشودة، بسبب دور بريطانيا وسياستها في تأييد هجرة يهود العالم إلى فلسطين، وصل إلى العراق الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس وبدأ يعمل مع المجموعة القومية، وبضمنهم رشيد عالي الگيلاني ويونس السبعاوي، الذي قام بترجمة ونشر كتاب كفاحي لهتلر.

وفي ذات الفترة برز نشاط أوسع لعناصر قومية متطرفة "صهيونية" حاولت بكل السبل أن تستثمر فاجعة الفرهود ضد اليهود في الأول من حزيران 1941م، لتؤكد لليهود أن لا مستقبل لهم بالعراق وأن عليهم مغادرة العراق. ولكنها لم تجد تجاوباً واسعاً ولم تحصل هجرة واسعة بل مهاجرين قلّة عبر إيران. ومقابل هذا النشاط الصهيوني ونشاط القوى القومية العربية المتطرفة، دعا الحزب الشيوعي العراقي إلى تشكيل منظمة مناهضة للصهيونية أطلق عليها "عصبة مكافحة الصهيونية" التي أسسها الحزب الشيوعي العراقي وقادتها كوارد شيوعية مثل رئيس العصبة الأستاذ هارون يوسف زلخة، وسكرتيرها العام يعقوب مصري، ومديرها المسؤول القيادي الشيوعي محمد حسين أبو العيس، التي قامت بنشاطات كثيرة منها المحاضرات والندوات وإصدار الكراسات التي تندد بالصهيونية وأهدافها. وفي البداية أيدها نوري السعيد، ولكنه حاربها بعد أن تم الأتفاق على خطة عدوانية ضد الوجود اليهودي بالعراق.

لقد امتدت هذه الفترة من عام 1942م حتى العام 1947م وتميزت بالإيجابية والنشاط السياسي الحيوي ليهود العراق ضمن الأحزاب الوطنية العراقية، ولاسيما الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي، وفي الصحافة العراقية والنشاط الثقافي والأدبي العام، ولكنها اقترنت بظواهر سلبية ايضاً ومحاولات جادة لإلحاق الأذى باليهود وتنكيد عيشهم ونشاطهم من جانب جماعات قومية ورجعية صغيرة.

وقد نالت القضية الفلسطينية الجزء الكبير من أدبيات الحزب الشيوعي العراقي منذُ تأسيسه، وعدّها من أهم القضايا المحورية في نشاطه السياسي على الصعيدين العربي والدولي. ومرَّ الحزب الشيوعي العراقي هو الآخر بتغييرات تنظيمية مستمرة بسبب الملاحقة المستمرة من قبل أجهزة التحقيقات الجنائية، واعتقال قادته المؤسسين مما أوقع الحزب في أرباك وفوضى بفعل تعدد القيادات لتحديد موقفه من القضايا المهمة كالقضية الفلسطينية التي رافقت إعدام قادته "فهد، صارم، حازم، ماجد" وأصبح الحزب يقاد من خلال القادة غير المؤهلين للقيادة والذين ادخلوا الحزب في فوضى داخلية نتيجة لمواقفهم اليسارية التي اتسمت بالراديكالية "المتطرفة" في أحيان كثيرة.

من القضايا التي أثيرت حول الحزب الشيوعي العراقي هو موقفه المؤيد والمساند لقرار تقسيم فلسطين بل وقرار قيام دولة إسرائيل الذي جاء متناغماً مع القرار السوفيتي، والذي أوقع الحزب في حيرة من أمره بين الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقهُ في أرضهُ وبين موقفه المؤيد لقرار السوفيت، والذين يعدون قراراتهم بأنها الانضج فكرياً، بل وتبنّوا كراس "ضوء على القضية الفلسطينية" الذي رفضه سكرتير الحزب فهد في سجنه، لكن قيادة الحزب المكلفة بإدارة الحزب من قبل فهد تبنت هذا الكراس والذي احدث انقسام في صفوف الشيوعيين أنفسهم.