كـتـاب ألموقع

الحقائق كأداة ابتزاز- أسلوب العصابات لتقاسم الحصص// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

الحقائق كأداة ابتزاز- أسلوب العصابات لتقاسم الحصص

صائب خليل

17 تشرين الثاني 2021

 

يمكن الاستفادة من اكتشاف الفساد بواحدة من طريقتين:

الأولى هي في تصحيح الخلل العام الذي ادى الى الفساد، وتشمل معاقبة المتسببين به بقسوة كافية لردع امثالهم في المستقبل، اصدار تعليمات وقوانين تمنع تكرار الخلل مستقبلا، اعادة العملية التي تسبب الخلل بإتلافها (اعادة الانتخابات هنا)..

والثانية هي استخدام الادلة من قبل المتضرر، ليهدد بها الطرف الفاسد، بمحاولة لاستعادة حقه، فقط.

 

في الحالة الأولى، يستفيد الوطن والشعب من هذه الاكتشافات، ويحصل على نظام افضل، وموظفين انزه وجو اكثر ثقة.

وفي الثانية لا يستفيد منها إلا من امتلك الادلة، حيث يساوم مقابل اعادة حقه او جزء منه، ان يغض النظر عن الموضوع وربما يتلف الأدلة. اما المجرمين المتسببين في الفساد واما النظام واجهزته، فيستمرون في عملهم، ويقومون هم ومن يقودهم (السفارة كما افترض) بدراسة لا الطرق التي ادت الى الفساد، بل الطرق التي تسببت في كشفه، ويحاولون في المستقبل ان يتخذوا اجراءات تضمن عدم اكتشافه في المحاولات القادمة! ويبقى الوطن في مسيره من سيء الى اسوأ حتى في حالة اعادة الحق لصاحبه هذه المرة.

 

الطريقة الاولى تفترض ان الاكتشاف والحقائق هي من حقوق الشعب، وان القانون يجب ان يأخذ مجراه لصالح البلد كله.

الطريقة الثانية تفترض ان الحقائق ملك من اكتشفها وله ان يستفيد منها في الضغط على الطرف الآخر ثم اخفائها ان اتفقا. وإن شعر ان الطرف المقابل مستعد لإعطائه ما يريد، يبدأ بإقناع جمهوره بالهدوء، متظاهرا بأنه يبحث عن مصلحة الوطن، ويخبرهم أن "العراق لا يحتمل المزيد من التصعيد". فإن شعر ان كلامه كان سابقا لأوانه، وان المعركة لم تنته بعد، عاد يمارس "المزيد من التصعيد" بدون قلق على العراق.

 

الطريقة الاولى تتطلب وجود قوة للقانون ووجود مواطنين رجال ونساء غيورين على بلدهم، اما الثانية فتتطلب فقط وجود محتالين نبهين "براغماتيين" يسعون لمصلحتهم فقط. الحالة الأولى تشعر انك في بلد وان القضية حرب بين اللصوص والقانون، اما الثانية فتشعر كأنها حرب بين عصابتين من نفس النوع، تمسك الواحدة على الاخرى مستمسكات لتحصل بها من الثانية على مكاسب وينتهي الأمر، وهكذا

الحالة الأولى تتطلب وجود شعب يكثر فيه المواطنون الشرفاء الذين يضعون مصلحة الوطن فوق مصلحة كتلهم السياسية ويخجلون ان تحصل كتلهم على مصالحها على حساب تدمير الوطن. أما الثانية فتحتاج مواطنين قبليين لا يهمهم سوى مصلحة كتلهم وليس لهم قضية ولا رؤية مستقبلية ويسيرون وراء قياداتهم كالقطيع.

 

إلى أي من الحالتين يتجه الأمر في تزوير الانتخابات في العراق؟

ما كشفته المقابلات المتعددة حول تزوير الانتخابات، لا يبشر بالخير. فالأدلة كما يبدو حاسمة وقاطعة اننا أمام انتخابات مزورة بالكامل، ويتوجب اعادتها. (انظر الفيديو على الرابط في اسفل المقالة)

يبرر احد قيادات الاحتجاج في الفيديو، عدم نشر الأدلة علنا وتقديمها الى الجمهور بأنهم يخشون ان نشروا الأدلة فسيتوجب إعادة الانتخابات، وان المواطن سيفقد ثقته بالعملية السياسية ككل. "لذلك قدمنا الأدلة الى الاختصاصيين"!

إنه النظام المعتاد لإخفاء الحقائق عن الناس بحجة أن "الناس أطفال"، ونحن نخفي بعض الحقائق عن الأطفال لأنها ستؤذيهم ويفقدون الثقة بالحياة. أنه يقرر بدلا عنا، ان إعادة الانتخابات ليست من مصلحة العراق، واننا يجب ان نقتنع بانتخابات، هناك ادلة كافية لإثبات فسادها التام وانها يجب ان تعاد، فهم "آباءنا" وعلينا ان نثق بتقديراتهم ونطيعهم حتى ان لم يخبرونا بشيء.

والحقيقة ان هذه الحجة اكثر كذبا من الموضوع كله. فما يعيد الثقة بالنظام بين الناس، هو رؤية الخلل يواجه ويصحح، والمجرم ينال جزاءه ومنظومة الانتخابات تنظف من فاسديها وأجهزتها، لا ان يتم "التفاهم" بين الفاسدين فيها وخارجها، لتبقى الحال كما هي. هذه الحال الأخيرة تذكرنا بقصة "الملفات" التي وجه فيها اللوم الشديد (وبحق) الى المالكي باعتباره كان يحتفظ بملفات إرهاب ليستخدمها عندما يحتاجها لصالحه الشخصي.

 

يقول محمود الربيعي أنهم اختاروا بدل اعلان النتائج، ان يقدموها "للاختصاصيين".

إن كان المقصود بالاختصاصيين "المحكمة"، فلا شيء يمنع كشف الأدلة التي تقدم الى المحكمة، خاصة وأن القضاء العراقي من افسد ما في العراق، ويجب احراجه أيضا (مجلس مفوضي المفوضية كله من القضاة!). والحقيقة ان المقصود انهم قدموها للأمم المتحدة والمفوضية، وليس باعتبارهم "اختصاصيين" بل لأنهم المتهمون بتنظيم التزوير المتعمد!

لماذا؟ هل يؤشر هذا انهم يتبعون الطريقة الأولى المؤدية الى بلد ونظام وقانون، ام الطريقة الثانية لاستخدام الحقائق كأدوات ابتزاز؟

بالتأكيد انها الثانية! إنهم لم يقدموا الأدلة الا للمتهمين بالتزوير ليقولوا لهم: أنظروا، لدينا ادلة تدينكم وتكفي لطردكم من العمل، فاعطونا حصتنا لكي نسكت عنكم وتستمرون في عملكم!

إنها اقرب إلى طريقة العصابات في حل خلافاتها عند حدوثها وقت تقاسم الغنائم، ولها مواصفاتها من التستر على المعلومات والتهديد بكشفها إن لم تلب مطالب من يملكها. الحقائق هنا أداة ابتزاز وليست أداة لتحقيق القانون او العدل. ليس هناك أي شرف لأي طرف، فحتى الذي يرفع راية القانون، يفعل ذلك كسلاح بيده يستعين به لتأمين مكاسبه فقط، والدليل هو استعمال القانون فقط بالقدر الذي يعيد له تلك المكاسب، وليس بمعاقبة المجرمين المخربين او تعديل النظام لدرء الفساد مستقبلا، حيث المصلحة الحقيقية للوطن.

 

الدليل الآخر على هذه الأساليب الابتزازية الانانية، هو ان أحدا لم يحاول ان يبحث ويتأكد من سلامة وسائل ضمان نزاهة الانتخابات، الا بعد ان تبين ان تزويرها أضر به هو. فمنذ سنين ونحن نكتب ان استعمال اية حاسبة او جهاز في الانتخابات، هو باب كبير للتزوير، وكان بإمكانهم ان يكلفوا لجنة لدراسة وسائل التزوير في العالم ليعرفوا ذلك. كذلك يعلمون ان صرف الولايات المتحدة لعشرات الملايين من الدولارات على المفوضية، ومضاعفة عدد منتسبي الأمم المتحدة للإشراف على الانتخابات خمس مرات، والزيادة الكبيرة في الحوسبة في العملية، كلها لم يكن الهدف منها إلا تزوير الأصوات. وكان جديرا بهم كممثلين للشعب ان يقفوا هنا ويستخدموا صلاحياتهم لمنع التزوير، لكن همهم الوحيد كان أن يفوزوا هم وان لا يغضبوا السفارة، فكانوا يأملون ان لا يكون التزوير ضدهم، او ان يكون بقدر يتحملونه. أما النظام والقانون والبلد ومصيره فهي قضايا لم يبد أنها كانت تشغلهم يوما وليس هناك أي مؤشر انها تشغلهم اليوم، رغم ركوب حصان القانون هذه اللحظة لأنه ينفعهم، وكما قلنا، فقط بالقدر الذي ينفعهم، لا اكثر.

 

والحقيقة ان الخدمة الأعظم التي قدمها عميل السفارة الكاظمي بتهريبه أرشيف العراق إلى الامريكان، هو انه وضع بين يديهم مستمسكات على نسبة كبيرة جدا من العراقيين المؤثرين. وان جزءاً أساسيا من الفساد السرطاني المستشري في البلد اليوم، يعود الى تلك الثروة التي استخدمها الامريكان "لتنمية الفساد" بابتزاز الفاسدين او الذين امسكت عليهم حقائق تدينهم، فأجبرتهم ان يكونوا عملاء لها، وغالبية البعثيين السابقين الكبار والضباط الكبار، قبلوا بهذا الدور بفضل هذا الأسلوب من استخدام الحقائق والملفات.

 

الحالة الأولى لاستخدام الحقائق، فيها وعي ونظرة بعيدة، وأمل بالإصلاح والحياة والوطن، اما الثانية.. فهي ما يمثله ساستنا وقادتنا من أسلوب الابتزاز المتبادل، وتثبيت الفساد وتقاسم منافعه، الاسلوب المؤدي الى الدمار!

 

في هذه الأثناء وصلتني قائمة من خمسة مطالب جديدة للمتظاهرين، من بينها تقديم رئيس وأعضاء المفوضية الى المحاكمة ليحاكموا وينالوا جزاءهم وإلغاء العد الالكتروني مستقبلا ونظام الانتخابات الجديد، وهذا تقدم كبير، نتمنى ان يقف الساسة والقادة وراءه، والا يتحول هو الآخر الى مجرد أداة تهديد وابتزاز إضافية لتحقيق ذات المنافع الخاصة فقط، ويتم التراجع عنها فور الوصول الى اتفاق يحقق تلك المصالح!

 

ثلاث حقائق خطيرة حول تزوير الانتخابات

https://youtu.be/sYJNj5ANdO8