كـتـاب ألموقع

موظفو البنك المركزي ووكلاؤه فوق القانون العراقي!// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

موظفو البنك المركزي ووكلاؤه فوق القانون العراقي!

صائب خليل

 

(معظم النص من مقالات كتبت عام 2012 وقبلها)

مصدومين ان تتمكن شركة تافهة من سرقة 600 مليون دولار من الشعب العراقي بالتآمر مع البنك المركزي ومصرف الرافدين، علينا ان نفهم ما يقف وراء هذا الفساد الهائل من قوانين، تحمي الفاسدين الكبار وتطمئنهم على سلامتهم من المحاسبة مهما تسببوا من تدمير. وتتكون تلك الحماية من طبقات عديدة متشابكة.

فلكي نقدر مثلا، ما يجري عند محاسبة مسؤول في البنك المركزي، لنتذكر أن المالكي لم يجرؤ على "سحب يد" محافظ البنك السابق سنان الشبيبي عام 2008 إلا بعد خروج الأخير في سفرة الى خارج البلاد. ورغم ذلك فربما تعتبر تلك الخطوة جرأة ملحوظة من رئيس الحكومة وأثارت ضجة كبيرة، وحملة إعلامية مهولةً للدفاع عن سنان الشبيبي ومهاجمة المالكي، شارك الإعلام واقتصاديون عراقيون معروفون، وقام "مستشار الأمن القومي" الأمريكي بزيارة فورية إلى العراق واخذ جولة على عدة مسؤولين كبار، خصيصاً للاطمئنان على سير قضية الشبيبي!

وفي متابعتي للموضوع في حينها، لفت انتباهي تصريح الشبيبي لجريدة "العالم"، أن "لدى موظفي البنك المركزي العراقي، حصانة في أداء واجباتهم، تقيهم عن اية محاسبة، وبموجب المادة 23 من قانون البنك المركزي"!

 

صدمت وقتها: “حصانة ...، تقيهم عن اي محاسبة”؟!! إنها عبارة مرعبة! هل هذا معقول؟؟

ليس معقولاً لكنه الواقع!

بالفعل تقول الفقرة 1 من المادة رقم 23 من قانون البنك المركزي: "لا يتعرض أي عضو من أعضاء المجلس أو أي موظف أو وكيل للمصرف المركزي العراقي للمساءلة القانونية أو يعتبر مسؤول مسؤولية شخصية عن أية أضرار وقعت بسبب اي إهمال أو إجراء صدر منه أثناء تأديته لمهامه أو في سبيل تأديته لمهامه الرسمية التي تقع في نطاق وظيفته والتزاماته المحددة له".(1)

كتبت حينها (قبل عشر سنين)، محذرا من سعة "الحصانة" الغريبة من "أي إهمال أو إجراء"، فهو يتيح تبرير أية سرقة أو قرار يتسبب حتى في تدمير لاقتصاد البلاد باعتباره إهمالاً! فحتى حين يمكن البرهنة قضائياً أن المعلومات كانت متوفرة لدى الموظف الذي اتخذ قراره المدمر، يمكن له دائماً أن يتحصن بـ "الإهمال"، فيدعي أنه "لم يطلع عليها" أو "نسيها" أو "لم يأخذها بنظر الاعتبار" أو "حسبها خطأً"!

 

هل هناك دعوة للسرقات الكبرى والفساد الأعظم، أوضح من هذه؟

لنتذكر أن أي خلل في الإجراءات المالية ليست فقط خسارة للبنك والدولة التي يعمل فيها، إنما هي أيضا ربح بنفس المقدار لجهة أخرى! فالمال الذي يخسره البنك يذهب الى مكان آخر ولا يختفي. أي ان الدافع لهذا "الخطأ" أو الخلل او الإهمال، دافع شديد القوة!

 

ويمكننا أن نرى العوائق التي تواجه مؤسسات الدولة حين تحاول محاسبة موظفي البنك، من خلال المقالة التي كتبها السيد إسماعيل علوان التميمي، تحت عنوان "في قضية الشبيبي ... تجاوزت السلطات الاتحادية الثلاث حدود اختصاصاتها" (2) والتي تكشف أن الحكومة والدولة وكل مؤسساتها، لا تمتلك طريقة لمعالجة أية جريمة مالية تقع في البنك، حتى لو اتبعت أفضل الصيغ القانونية والديمقراطية، وأنها تقف مشلولة أمام أية حالة فساد في البنك الآن أو في المستقبل. ففي النهاية ستقف المادة 23 بوجه أية محاسبة للمتهم، بل ربما لن يمكن حتى توجيه الاتهام إلى أحد!

 

الحصانة قضية خطيرة للغاية، بقدر خطورة الغاء القانون! تدفع إلى نشر الفساد وحماية الفساد وحقنه بالقوة والجرأة والمناعة، لذلك فلا عجباً ان نرى الفساد سيد الموقف في العراق. ولنلاحظ أن الحصانة، لخطورتها، تمنح عادة لممثلي الشعب المنتخبين فقط، احتراماً للشعب الذي استمدوا منه سلطته، ولحمايتهم من احتمال التآمر عليهم، والذي يعني تآمرا على فئة من الشعب التي انتخبتهم. ولكن حتى هذه الحصانة البرلمانية مشروطة يمكن سحبها عنهم بموافقة البرلمان. أما موظفي البنك المركزي، فلا هي مشروطة ولا توجد طريقة لسحب تلك الحصانة عنهم! وبالتالي فإن هذا القانون الذي وضعه بريمر، يمثل إهانة للشعب الذي يضع موظفي البنك فوق ممثلي إرادته وسلطته وقانونه، أي يضعهم فوق الشعب نفسه.

لقد رفض العراقيون إعطاء الجنود الامريكان مثل تلك الحصانة واعتبروها مهينة، لكن احداً لم يخبرهم ان هناك حصانة أعطيت سراً لموظفي البنك الذي اسسه الامريكان!

 

الدستور، على العكس، يمنع من يمتلك صلاحيات عالية ان يحصل على حصانات حتى بشكل غير مباشر، لأنه معرض لاستغلالها وللفساد اكثر من غيره.

مثلا تنص المادة (18) رابعاً من الدستور العراقي أن: ـ "... على من يتولى منصباً سيادياً أو امنياً رفيعاً، التخلي عن اية جنسيةٍ اخرى مكتسبة،...". لقد وضعت هذه المادة خوفاً من أن تعطي الجنسية الثانية حصانة ولو جزئية، من المحاسبة والقانون العراقي، فكيف إذن تمنح هذه الحصانة الكاملة الصريحة لكل الموظفين في مواقع خطيرة للغاية، وتشجع بطبيعتها على الفساد؟

 

حصانات أخرى غير مكتوبة

إضافة الى الحصانة القانونية الغريبة والحصانة المتمثلة برقابة مستشاري الامن القومي الأمريكي، فهناك حصانة أخرى قوية جدا، كشفتها ازمة سنان الشبيبي. وهي ان الأمور تم ترتيبها بحيث ان أية محاسبة لموظف كبير في البنك المركزي سوف تسبب تداعيات من انعدام الثقة المالية بالدولة، بكل ما يترتب على ذلك من نتائج سلبية. فسوف يكون صعباً أن "يرضى عنا البنك الدولي" وبقية المؤسسات المالية، فتزداد أرباح القروض التي تريد عقدها ولن نتمكن من كسب "ثقة المستثمرين"! وبالفعل حذرت مجموعة من اقتصاديي العراق حينها من خسارة البنك لـ "سمعته" المالية، وضياع "الفجوة الإيجابية" (؟؟) و "مكانة" البنك. واحتج "كاظم حبيب" رغم يساريته المزيفة، وصار أشد حرصاً من البنك الدولي ذاته، على "اعتماد التقاليد والأعراف الدولية في أسس التعامل بين الحكومات والبنوك المركزية!"، ودعا نقابة المحامين للوقوف مع "الديمقراطية" الخ(3). بل أن وزير السياحة العراقي قال حينها أن السياحة سوف تصاب بضرر كبير نتيجة لذلك! وتجرأ الشبيبي إلى القول ان الانخفاض الكبير في حجم الطلب على الدينار بعد اقالته، كان "انعكاس للإقالة"!

أي أن رضا العالم عنا وثقته باقتصادنا، مرهونة بطريقة معاملتنا لمحافظ البنك، وأنه يجب تركه يفعل ما يريد وإلا! فأي نظام هذا الذي يرهن سمعة بلد بموظف؟ هل ان محافظ البنك المركزي من الأئمة المعصومين يا ترى؟

 

لكن ما السر وراء هذا القانون الغريب؟

لا شك ان قانون الحصانة لم يوضع من أجل حماية الموظفين ليسرقوا الأموال لأنفسهم، لكن الأغلب انه حماية لهم عندما تطلب منهم مؤسسات المال الدولية اتخاذ قرارات مدمرة للاقتصاد الوطني، لكي يشعروا بالطمأنينة من الحساب وينفذوها، خاصة إذا تمكن الشعب يوما من الإتيان بحكومة وطنية تريد تلك المؤسسات اسقاطها مثلاً، أو أن تضع الحكومة في وضع مالي سيء يجبرها بأن تبيع نفطها لتلك المؤسسات بسعر التراب، كما هي سيناريوهات القاتل الاقتصادي المعروفة لدى الجميع.

ولكي نحس بمدى سلطة المؤسسات المالية الدولية على البنك المركزي، أدعوكم لمشاهدة هذه الدقائق من مقابلة محافظ البنك المركزي والتي تبين مدى سلطة صندوق النقد الدولي على البنك المركزي العراقي وكأنه يمتلكه، وهو الذي يقرر علاقته بالحكومة المنتخبة، وإن كان يسمح له ان يشتري سنداتها أم لا!(4) (للأسف الرابط لم يعد يعمل)

 

قانون البنك المركزي الذي يعطي الحصانة لموظفيه، ونظام مزاد العملة، وحرية واستقلال البنك المركزي، ليست أنظمة فرضتها قوانين الطبيعة ولا مفر منها، ولا حتى في النظام الرأسمالي، كما قد يخيل للبعض. إنه نظام ابتزاز تم تثبيته من قبل المؤسسات المالية العظمى في الدول الرأسمالية وفي وقت متأخر نسبيا، استغلالا لظروف ضعفت فيها الدولة او غفلت، مكنت رجال المال من ابتزازها. وفي العراق، وضع القانون المحتل للسيطرة على البلاد ماليا عند الحاجة ولتنفيذ خطته المستمرة في تدميرها.

 

(1)  قانون البنك المركزي العراقي

 https://www.cbi.iq/documents/CBI_LAW_AR_f.pdf#_blank

 

 (2)  في قضية الشبيبي ... تجاوزت السلطات الاتحادية الثلاث حدود اختصاصاتها

 http://burathanews.com/arabic/articles/175595

 

 (3)  كاظم حبيب - رسالة مفتوحة ونداء إلى الأخوات والأخوة محاميات ومحامي العراق

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=332194

 

(4) صندوق النقد الدولي يحدد ما يسمح للبنك المركزي التعامل به مع الحكومة المنتخبة.

https://youtu.be/_Nh_98NbQMk?t=851