كـتـاب ألموقع

قانون اجتياح لاهاي – اشد فضائح الأخلاقية الامريكية وقاحة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

قانون اجتياح لاهاي – اشد فضائح الأخلاقية الامريكية وقاحة

صائب خليل

2 ت1 2022

 

الوقاحة الامريكية ليست امرا جديدا بل هي السياق المعتاد لأميركا. فهي التي تركب اليوم أعلى الخيول الأخلاقية في احتجاجها على تهديدات روسيا باستخدام السلاح النووي، وتعتبر امتلاك ايران له خطرا على العالم، وهي الدولة الوحيدة التي استخدمت ذلك السلاح بالفعل وعلى سكان مدنيين في مدينة بتوقيت خروجهم للعمل، وبدون اية ضرورة عسكرية، ثم عادت بعد أيام، لتكرر المذبحة على مدينة أخرى، خشية ان تستسلم اليابان قبل ان يتاح لها تجربة السلاح الثاني على البشر!

ورغم ان تاريخ اميركا هو التاريخ الأكثر وحشية، وان الذاكرة البشرية مازالت تذكر افعالها في فيتنام والعراق وأميركا الجنوبية وقبلها ضد الهنود الحمر، نجدها تبيع الأخلاقيات بشأن أوكرانيا، وكأن كل ذلك التاريخ لم يكن!

وأخيرا نرى مجلس الشيوخ الأمريكي يطالب محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق مع المسؤولين الروس بتهم بجرائم ضد الإنسانية في حرب أوكرانيا. وهنا علينا ان نراجع علاقة الولايات المتحدة بمحكمة الجنايات الدولية، وبالاجتياحات وقانونيتها، فيقفز الى الذاكرة ما اطلق عليه "قانون اجتياح لاهاي" (The Hague invasion act) والذي شرعته اميركا عام 2002 لضرب محكمة الجنايات الدولية (ICC) ولمعاقبة كل من يتعاون معها إذا ارادت محاكمة امريكي او حتى احد حلفاء اميركا!

والعقوبة لا تقتصر على المحكمة بل على الدولة التي تستضيفها، فيتيح القانون للرئيس الأمريكي اجتياحها عسكريا لإطلاق سراح المتهمين الأمريكان او حلفائهم من معتقلها!

ولم تكتف إدارة بوش حينها بذلك، بل قامت بالضغط على دول العالم لتوقيع "اتفاقيات حصانة ثنائية" تتعهد فيها بعدم تسليم أي مسؤول او مسؤول سابق او عسكري امريكي الى المحكمة، وهددت اميركا الدول التي ترفض توقيع مثل هذه الاتفاقات بقطع اية مساعدات عنها. وبلغت هذه الاتفاقيات اكثر من 100 اتفاقية عام 2018.

لكنها حين احتاجت الى الانقلاب على موقفها، لم تمنع مجلس الامن الدولي من تحويل مشكلة دارفور الى محكمة الجنايات الدولية عام 2005، وبالفعل قامت محكمة الجنايات الدولية بتحقيقاتها بانتهاك حقوق الانسان في دارفور عام 2009، لأن إسرائيل كانت تسعى الى تقسيم السودان!

كذلك اطلقت إدارة بوش محكمة الجنايات الدولية على ليبيا عام 2011، وأعلنت إدارة أوباما ان القوات الامريكية المشاركة في حفظ السلام في مالي ستكون محصنة من الملاحقة من قبل محكمة الجنايات الدولية، باعتبار ان مالي وقعت معها اتفاقية عدم تسليم للمحكمة.

وفي عام 2020 اعلن ترمب حالة الطوارئ القومية للتعامل مع "الخطر الذي تمثله محكمة الجنايات الدولية على الأمن القومي والسياسة الخارجية الامريكية". وهو القرار الذي الغاه بايدن، لكنه أضاف "احتجاج الولايات المتحدة على تأكيد محكمة الجنايات الدولية على صلاحياتها بملاحقة مواطني الدول غير الموقعة على اتفاقية المحكمة".. وبضمنهم الولايات المتحدة، وعزمه الحازم على حماية المسؤولين الامريكان. وهنا نلاحظ كيف ان مجلس الشيوخ وافق بالإجماع على دعم تعاون الولايات المتحدة مع محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في انتهاكات روسيا، بالرغم من ان روسيا ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية! (1)

 

وحين حاولت محكمة الجنايات الدولية التحقيق في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في أفغانستان بين عامي 2003 و 2014 ومن ضمنها اتهامات بالتعذيب من قبل وكالة المخابرات المركزية الامريكية في "المواقع السوداء" في بولندا ورومانيا وليتوانيا، ثار غضب المسؤولين في الولايات المتحدة، واتهم بومبيو عضوين من أعضاء المحكمة بوضع الأمريكيين في خطر، وهدد باحتمال اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات ضدهما وضد أعضاء اخرين وضد عوائلهم. كذلك قامت الولايات المتحدة بإلغاء تأشيرة الدخول لاحد المحققين، وهو اجراء يتخذ عادة ضد مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وليس من يلاحقهم. وقام مستشار الامن القومي جون بولتون بتهديد المحكمة بالحظر وبمحاكمة أعضائها إذا قامت بملاحقة عسكريين ورجال امن امريكان في أفغانستان او إذا حاولت التحقيق بجرائم إسرائيل او أي من حلفاء اميركا.

وحين أشار احد المحققين في المحكمة (لويس مورينو) بأنه قد يحقق في اتهامات بجرائم إسرائيلية في غزة، استجابة لإلحاح السلطة الفلسطينية– تسبب ذلك في الكثير من اللغط، رغم عدم وجود فرصة حقيقية لذلك.

دافع مسؤولون من الدول الموقعة على اتفاقية المحكمة من المانيا وفرنسا ضد هذه التهديدات، وكذلك منظمات حقوق انسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووج، لكن الحكومة الهولندية لم تدافع عن المحكمة رغم انها تستضيفها في بلدها، وأسوأ من ذلك انها تجاهلت تقريبا قانون اجتياح بلدها! واكتفى وزير الخارجية الهولندي حينها (فان ارتسن) بإبداء "انزعاجه الشديد وقلقه" على موافقة مجلس الشيوخ على القانون، مؤكدا انه ينتهك سيادة هولندا. وجاءت تعليقات مماثلة من أعضاء البرلمان الهولندي: "انه غريب وسخيف ان يقر قانون يسمح بالتدخل العسكري في هولندا".. "لم نكن نتوقع هذا من حليف أساسي في الناتو. نحن لسنا بنما".

الولايات المتحدة لم تكن حتى بحاجة لمثل هذا القانون الوحشي، ولا حتى للقلق من محكمة الجنايات الدولية، لشدة ضعف صلاحياتها بالنسبة لمحاكمة الجنود الامريكان. ففي ميثاقها، إذا تم اتهام جنود بجرائم حرب، فكل ما تحتاج الولايات المتحدة ان تفعله هو ان تبلغ المحكمة بأنها "تبذل جهودا مخلصة" للتحقيق! لتنهي صلاحيات محكمة الجنايات الدولية، كما يشرح الخبير في القانون مارك ايليس.

يقول ماكس فان ويزل، الصحفي الهولندي المعروف: "لقد شعر الهولنديون ببعض المهانة. فنحن نعتبر انفسنا عاصمة العالم القانونية، ويأتي أكبر حلفائك ليس فقط ليهددك، بل ليبتزك"، متمنيا ان يقوم أوباما بإلغاء القانون.

ولكن بعد سنة من ذلك لم يبق من ذلك "الانزعاج والقلق" أي شيء. فلم يؤت على ذكر القانون في زيارة رئيس الحكومة بالكننده الى البيت الأبيض أو في العشاء الذي أقامه السفير الأمريكي له في لاهاي، ولا في المناسبات التالية، ولا حاولت الحكومة الهولندية دعوة الولايات المتحدة لإلغاء القانون ولا أشارت اليه اية إشارة خلال السنوات التالية. (2) (3)

هذه هي اميركا، وهكذا هو تعاملها مع اقرب حلفائها، بل "أتباعها"، فتخيلوا كيف تعامل ضحاياها، خاصة من العرب، وتخيلوا السبب الذي تضع من اجله اكثر من 5000 موظف برواتب عالية، في سفارتها في بغداد، ربما عندها تفهمون شعورنا عندما يصر البعض على أن الخطر على العراق يأتي من إيران!

 

(1) From “Invade the Hague” to “Support the ICC”: America’s shifting stance on the International Criminal Court

(2) The Hague invasion act: Dutch in denial of US threat

(3) Dutch still wincing at Bush-era 'Invasion of The Hague Act'