اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مقابلة مع الاستاذ صائب خليل // حمودي الكناني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

عشاء خفيف مع الاستاذ صائب خليل

 

هذه مقابلة في مختلف الشؤون السياسية، اجراها معي مشكوراً الأديب الأستاذ حمودي الكناني لصحيفة المثقف ونشرت على الرابط التالي حيث أغنيت بالعديد من التعليقات والمناقشات:

http://almothaqaf.com/index.php/hewarat/81309.html

 

حمودي الكناني

 

في هذه الحلقة من مدارات حوارية تستضيف المثقف الكاتب والمحلل السياسي الاستاذ صائب خليل، فاهلا وسهلا به.

 

صائب خليل كاتب وباحث سياسي عراقيٌ  أصيل، يحلل ويناقش موضوعاته بأناة وروية وموضوعية، يرى الامور ببصيرته فيزنها ولا يبخس الميزان، لربما له منتقدون يأخذون عليه صراحته ولكن له مريدون  يعيدون قراءة ما يكتب .. هذا الرجل يملي عليه عقله ولا تملي عليه عواطفه .. فلو كان الكثير يتبع عقله  لكنا بخير وأمن وسلام  وما كانت فتكت بنا العواطف فاهلا وسهلا  بالاستاذ صائب خليل في مدارات حوارية على صفحات المثقف الغراء ...

 

س1: حمودي الكناني: هل أزاحت ظاهرة العولمة، ظاهرة الاممية التي سادت خلال القرن العشرين؟ وما هي البدائل المقترحة لمواجهة سلبيات العولمة؟ وهل للعولمة إيجابيات يمكن ان يستفيد منها الشعب العراقي؟

ج1: صائب خليل: العولمة هي "أممية الرأسمال" (مقابل أممية الشعوب)، والأممية بحد ذاتها قصب سباق سعى إليه فريقان، الشعوب والرأسمال فكسب الثاني. ما يعطيه كسب السباق هذا لمن يكسبه (ضمن أمور أخرى)، "عزم قصور ذاتي" كما يسمى في الفيزياء، لإدامة سيطرته، وبكمية كبيرة، تجعل أي تغيير في اتجاه العالم يتطلب قوة كبيرة جداً. هذا هو الوضع الآن، فإن أراد بلد أن يتحول إلى نظام آخر، اشتراكي مثلاً، أو حتى رأسمالي بالمفهوم الكلاسيكي للرأسمالية، حيث يمكن للدولة أن تضع قيودها لتنظيم اقتصاد بلادها بدرجة ما، فإن هذا البلد سيجابه بما يشبه الحصار الإقتصادي النسبي الذي سيفرض عليه أوتوماتيكياً، لأن الآخرين اعتبروا العالم سوقهم، وهو سيكون محروماً منه، وبالتالي سيتوجب على صناعته أن تكتفي بالسوق المحلية الصغيرة أو ما يتمكن من الإتفاق معه من دول أخرى مماثلة.

إن جعل العالم كله سوقا واحدة بلا حدود، كما تريد العولمة، يعني أن نرفع بعض الحواجز التي كانت تضمن أن لا تمتص القوى الاقتصادية  الكبرى كل الطاقة الإقتصادية للعالم، وتضمن أن يترك بعضها للأصغر والأفقر. وبالتالي فأن التباين الإقتصادي بين بلدان العالم حين تصبح السوق واحدة  سوف يتضاعف وسيشبه التباين بينها، التباين الحالي والمتزايد، بين مواطني أشد البلدان رأسمالية (أميركا) بل سوف تزيد عليها. لأن في حالة المواطن الأمريكي، مازال هناك حكومة ما تؤثر على قرارات الكبار بشكل ما، ومازال الناس فيها ينتخبون الحكومة بشكل ما، أما في حالة العالم، فلن يكون للدول الضعيفة أية ورقة تمارس فيها ضغطها على القوي لتأمين اقتصاد يعطيها بعض الحق في مستوى الحياة. أي ستكون وبشكل أكبر من الآن، تحت رحمة تلك الدول القوية، ونحن نعلم مدى تلك "الرحمة".

السؤال عن البدائل عن العولمة للشعب العراقي سؤال سابق لأوانه، فعلى العراق أن تكون له أولاً حكومة بشكل ما، قبل أن يفكر كيف يستعملها لتوجيه اقتصاده. العراق لا يملك اقتصاده، فهو محكوم بالدستور وبالبنك المركزي وبتعليمات بنك جي بي موركان، ذو التاريخ الفضائحي، وبأدوات أخرى علنية وأخرى سرية. لذلك تجد المالكي يتوسل بالبرلمان من أجل مشروع بنى تحتية بالدين، فأكثر من مئة مليار دولار في العام ليس بينها شيء ليبني به بنى تحتية للشعب، وإن أراد أن يفعل ذلك فعليه أن يستدين، فهذه أموال ليست للعراق. يمكنك أن تشتري بها بعض الطائرات الأمريكية، ويمكنك أن تعطي رواتباً وتمنح تعويضات وتدعم الفساد ما شئت، لكن ليس أن تبني بها البلاد. فالسؤال عن البدائل يعني وجود بعض حرية اختيار، ووجود حكومة يمكن أن يؤمل منها تنفيذ هذا الإختيار. علينا أن نفهم أننا نملك حكومة غير قادرة أن تقول " لا " لأي شيء تقريباً ! علينا أن لا ننسى أن حكومتنا هي حكومة أجهزة المتفجرات المزيفة التي تعمل "على مبدأ الشعوذة " (الترجمة لكلمة دوازنك)، وأن هذه العلب الفارغة الخالية من أية دوائر كهربائية، تبقى تستعمل حتى بعد اكتشاف زيفها ومعاقبة صانعيها كمحتالين في بلادهم. حكومة يقول برلمان أحد أقاليمها أن نسبتهم أقل من 13% ويصر أن يأخذ 17% من الخزانة وعدد مقاعد البرلمان، ويقوم بتهريب النفط والإتفاق مع الشركات وسحبها من الحكومة ويسرق سلاح جيشها ويرفض إعادته، ويطالبها أن تقدم له أموالاً بلا وصولات، فتخضع لكل ذلك ولا تستطيع أن تفتح فمها معه. إضافة إلى هذه الحكومة، لدينا أيضاً دستور يلزمنا بخيار حرية السوق في نصه، وكأنه "دين" أو "منظومة أخلاق" لا يسمح بتجاوزها. إذن أخي العزيز، نحن لا نملك الحرية التي تتيح لنا أن نسأل مثل هذا السؤال.

هل للعولمة إيجابيات للعراق؟ العولمة تحرم المنتج الوطني من سوقه، وتحرم المواطن من حرية خياراته الوطنية لتخطيط إقتصاده، مقابل إعطاء بضاعة البلد سوقاً واسعة لتسويقها. بالنسبة لبلد ليس لديه أية صناعة أو بضاعة ليستفيد من ذلك كالعراق، لا يأتيه من العولمة سوى الشروط والقيود على خياراته والتحطيم لصناعته التي كان يمكن أن تولد وتنمو بدون العولمة. فكل وليد في العالم يحتاج في البداية إلى رعاية والديه وحمايتهم ليعبر مرحلة الطفولة الخطرة. والآن تأتينا الذئاب بقانون يحرم "الأمومة" ويفرض أن تترك الغزالة وليدها لوحده ليجابه الغابة – السوق – فور ولادته، فما مصلحة الغزالة في مثل هذا النظام، وهل له إيجابيات بالنسبة لها أو لأجيالها القادمة؟ إنه بالضبط الحكم عليها بالفناء المؤجل قليلاً! وإن كانت مازالت على قيد الحياة حتى اليوم فلأنها وجدت تحت أرضها الكثير من الثروة، والتي تقوم بتبديدها بشكل مجنون للبقاء على قيد الحياة، ودون أن يسمح لها ببناء أي شيء في البلد، وفور انتهاء هذه الثروة، فعليها أن تواجه مصيرها المحتوم.

يجب منع الغزالة بالطبع أن تفهم ما يجري، وأن يتم إيهامها بأن هناك آخرين أنتعش اقتصادهم بالعولمة والسوق الحرة، وهذه أكاذيب كتب عنها الكثيرون، فكل إقتصاد قائم اليوم بدون استثناء، قد بني على الحماية في مرحلة طفولته، والآن نحن نخضع لدستور تم وضعه لمنع البلد من رعاية اقتصاده الطفل، فماذا يمكن أن يكون الهدف من ذلك غير تحطيمه؟

 

س2: حمودي الكناني: هل انت متفائل بشأن مستقبل الانسان على الأرض وهل سيأتي فعلا اليوم الذي تتراجع فيه الامبريالية ويعم السلام والرخاء على مستوى العالم كله؟

ج2: صائب خليل: الحديث كثير في العقود الأخيرة عن احتمال فناء البشرية كجنس، بواسطة حرب ذرية مثلاً، أو ربما باستمرار التلوث وارتفاع الحرارة. والتاريخ يبين لنا أن إحتمالات الحرب الذرية التي لن تبقي حياة على الأرض كانت واردة بأكثر من 50% في بعض اللحظات الخطرة التي كتبت عنها في مقالات سابقة. ويرى الكثير من المفكرين ومن بينهم جومسكي، أن الوضع إن استمر بهذا الشكل فأن فناء البشرية مسالة وقت فقط. لأن عملية أنتاج هذه الإحتمالات مستمرة ومتزايدة، وستبقى ما لم يتغير النظام، إلى أن ينجح أحد هذه الإحتمالات في إفناء البشرية. إننا بإبقائنا النظام الحالي، كمن يلعب الزار وقد قرر الإنتحار إن حصل على الرقم ستة مثلاً، وإن لم يحصل، فعليه أن يرمي الزار مرة أخرى، وهكذا.

هذا السيناريو المتشائم يفترض أن البشرية لن تجد حلاً للإمبريالية، لكنه ليس أكيداً بلا شك، فمن الممكن أن ينتهي يوماً هذا النظام الخرب، ليحافظ هذا الجنس على بقائه، وهناك الكثير من العلامات على انهيار هذا النظام، إنما هو سباق مع الزمن، أيهما سيسقط أولاً الرأسمالية أم الإنسان. وعندما أتحدث عن الرأسمالية فإنني أقصد ما انتهينا إليه من رأسمالية، وهي لا تشبه الرأسمالية التي دعى إليها آدم سميث أو فورد، إنها نظام مافيات إقتصادية لا تلتزم حتى بقوانين الرأسمالية، ويمكن إثبات ذلك بسهولة.

 

س3: حمودي الكناني: يمر العرب بزمن رديء  وأنهم أمةٌ استعذبت طعم الهزائم ، هزمت من قبل سايكس بيكو وهزمت في 1948 و1967 .  ومؤتمر القمة العربية الاول الذي عقد في الخرطوم ذو اللاءات الثلاث تآكلت لاءاته وتلاشت. وحرب 1973 كانت حرب تحريك لا حرب تحرير وكانت ثغرة الدفرسوار وما تلاها. لا ارى علامات مضيئة حتى في البلدان المستقرة نسبيا فهل ترى عكس ذلك؟ كيف؟

ج3: صائب خليل: الأمة العربية تجد نفسها اليوم في القفص الذي وضعها فيه النظام العالمي الذي تتحكم فيه كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وأحد أهدافه المباشرة، تحطيم هذه الأمة وتقاسم ما بقي لها من ثروات وتحويل أبناءها إلى جنود في عمليات إرهابية تقودها الولايات المتحدة على بلدان أخرى، ويفضل أن يتم ذلك بأقل ضجيج ممكن لكي لا تنتبه بقية الأمم التي سيأتي الدور عليها لاحقاً. وأحد أهم قيود هذه الأمة هم حكامها.

الـ "لا" مستهدفة بحد ذاتها. يجب خلق أمم لا تستطيع أن تقول أية "لا"، ويمكننا أن نرى خاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين وبشكل متزايد، أن الأمة التي حاولت أن تحتفظ بقدرتها على الدفاع عن مصالحها وأن تقول "لا" لما لا يناسبها، كانت هدفاً مباشراً لقوى هذا النظام، ويمكنك أن تحلل هذا الصراع على أنه صراع من أجل الحق بقول كلمة "لا" أكثر مما هو صراع بين الرأسمالية والشيوعية مثلاً. فقد حوربت وتم القضاء على معظم الحكومات التي لم تكن لها (في حينها) علاقة بالشيوعية، لأنها كانت تريد أن تحتفظ بحق قول "لا"، ولكن هذا بالضبط هو ما تحرص الدولة العظمى أن تحرمها إياه.

هل هناك نقطة مضيئة؟ أكتسب بعض التفاؤل من حقيقة مرة في أصلها هي أننا لا نملك الإعلام! أي أن الصورة التي نستلمها عن العالم قد لا تكون بهذا السوء الذي ينقله لنا الإعلام، وأن مازال للعرب وللإنسانية محاربيهم.

في العرب هناك حسن نصر الله وحزبه الرائع. الكثير من العلمانيين والسنة يترددون في قبول مثل ذلك التقييم، لاسباب هي في الحقيقة غيرة من فشلهم في تحقيق شيء مماثل. لكننا لو قسنا الرجل بأي من ابطال التاريخ الذي تعتز به أية أمة، فأن حسن نصر الله لن يقل عن أعلاهم بطولة وأكثرهم صدقاً ويتفوق على أغلبهم في التضحية ونكران الذات. إنه حال مؤسف آخر أننا لا نستطيع أن نقدر أبطالنا بالمدى الذي يفعله الآخرون، وبالتالي فإننا نفوت الفرص للإستفادة منهم لعبور المنحنيات المظلمة في تاريخنا.

 

س4: حمودي الكناني: كتبت عن نجاد كما يكتب الانسان عن قديس... هل تعتقد ان العلمية تكمن في تصعيد الخطاب؟ ام انها تكمن في تصعيد الدبلوماسية؟ وهنا أسألك عن مقدرة روحاني على اقناع الرأي العام الغربي بعدالة قضية الشعوب الايرانية.

ج4: صائب خليل: أولاً، الدكتور أحمدي نجاد، قديس حقيقي بالفعل، بكل ما في القديسين من نقاط قوة وضعف. لم يمر في تاريخ المنطقة حاكم بمثل نكران الذات الأسطوري للدكتور أحمدي نجاد، ولا بشجاعته وإنسانيته وإخلاصه لفقراء بلاده وكرامتها، وليس اتهامه بالتطرف صحيحاً على الإطلاق.

لو راجعت ما يقوله نجاد بشكل عام، لوجدت أنه شخص يرفض أن يفهم أو يقبل شروط القوى الكبرى، بأن على الإنسان أن يرضى بالعيش كنصف إنسان، وهو النظام السائد في يومنا، لذلك يراه البعض "متطرفاً". قال نوري المالكي بفرح أن روحاني رجل "معتدل" مكرراً بذلك كالصدى لرأي الغرب وتقييماتهم بالنسبة لرجال حكومات الشرق. روحاني يقبل بنصف أو ربع الحقوق، لذا يراه أوباما ونوري المالكي (لنظرة من زاوية مختلفة لنفس الموضوع) وآخرون، بأنه "معتدل". ولو راجعت تاريخ هذه الكلمة في السياسة العالمية في الفترة الأخيرة على الأقل، لوجدت أنها تعني بالضبط "المنحني" للإرادة الأمريكية، ولم يوصف يوم رجل أو نظام بأنه معتدل، وكان قد وقف معتدلاً في مطالبه بالنسبة لشعبه، ولم يوصف رجل انحنى لأميركا أو إسرائيل بأنه “غير معتدل”، وكلما ازداد "إنحناء" القائد، إزداد امتداح "إعتداله" في العالم اليوم.

هل يجب تصعيد الدبلوماسية بدل تصعيد الخطاب؟ لو كنا نتحدث عن طرفين متساويي القوة بشكل ما، فالكلام سليم، أما عند الحديث بين لص مسلح بسكين يريد محفظة نقود الآخر، أو وحش يريد اغتصاب فتاة، فالمسالة مختلفة بعض الشيء. قد نرى "الحكمة" في مفاوضة الضحية للمعتدي الأقوى، لكننا لا نستطيع إلا أن ننظر بإعجاب، إن قررت هذه الضحية مقاومة الأقوى و "تصعيد خطابها" بوجهه. إننا نشعر بأمان أكبر عندما يتجرأ الكثيرون على تحدي المافيا، ونشعر باحترامنا لهم وبامتناننا لهم أيضاً. أن من يساوم بدبلوماسية على حقوقه، يساوم على حقوقنا أيضاً لأنه يجعل من المعتدي أكثر قدرة على حرماننا منها. حقوق إيران في قنبلة ذرية (وليس تكنولوجيا نووية فقط) حقوق مشروعة 100% خاصة في هذا العالم الذي لا يحكمه قانون أو أمم متحدة، وحتى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية تقر لها بذلك، لأن الأقوياء لم يلتزموا بالإمتناع عن تطوير المزيد منها، فصارت غير ملزمة إذن للصغار. ولو نجحت إيران في تثبيت حقوقها في قنبلة نووية لكانت هناك فرصة أكبر لبقية الدول في أن تطالب بنفس الحق، وإن تراجعت إيران، فإنه تراجع عام لهذه الدول أن تؤمن نفسها كما تؤمن الدول الكبرى نفسها، رغم أن حاجة الدول الكبرى لذلك أقل بكثير.

الدبلوماسية نعم، لكن الدبلوماسية تعني أن تلعب بأوراقك، ومن أجل ذلك يجب أن تمتلك تلك الأوراق أولاً، وإلا فعلى ماذا ستفاوض وعلى أي شيء ستبني دبلوماسيتك؟ إيران أمتلكت من خلال سياسة نجاد، بعض الأوراق التي تستطيع أن تفاوض بها الآن، ولكن الدول “المعتدلة” مثل "السعودية" مثلاً، أو ربما حكومة محمود عباس، تذهب فوراً إلى طاولة المفاوضات. ليس غريباً أن المقابل يصر عليك أن تأتي إلى طاولة الدبلوماسية قبل أن تحصل على تلك الأوراق، لكن من الغريب أن تقبل أنت بذلك.

 

س5: حمودي الكناني: اوباما. الم يقنعك ان اميركا انتهت من مرحلة التمييز العنصري ضد السمر في اميركا وفي العالم؟

ج5: صائب خليل: نعم، لكن أمامها الكثير من "العنصريات" الأخرى الأكثر أهمية بالنسبة لي، وبعض من أهم تلك العنصريات، في تزايد وليس في تناقص.

 

س6: حمودي الكناني: هل ترى معي ان اميركا الرأسمالية ستضطر لا حقا الى تبني التدخلية في الاقتصاد بدون ثورة اشتراكية.. بمعنى .. هل ترى ان أطياف ماركس مازالت تحلق في ارجاء المعمورة؟

ج6: صائب خليل: حتى الآن هي تتبنى بعض التدخل في الإقتصاد، فالإقتصاد الرأسمالي البحت لا يستطيع البقاء أسبوعاً واحداً، حسب نعوم جومسكي.

وعلينا أن نفهم أن ماهو أمامنا في العالم اليوم، ليس رأسمالية بالمعنى الذي جاء به آدم سميث أو الذي انتقده ماركس، بل هو نظام مافيا مالية لو أنها كانت في زمن سميث لكان أول من يهاجمها بشدة، فسميث كان يبحث عما يراه مصلحة العالم من وجهة نظره، وكان يعي خطورة تآمر رجال المال. الرأسمالية التي تحدث عنها ماركس وريكاردو وسميث ومعاصريهم ومن بعدهم، كانت تعتمد على الإنتاج الرأسمالي، وفائض القيمة. الآن أكثر من 95% من السوق، هي سوق مضاربات عملات وأسهم وأقل من 5% هي سوق أنتاج! كانت النسبة معكوسة حتى بعد منتصف القرن الماضي. عملية غير إنتاجية لا تقدم أية قيمة للعالم، بل تحوله في معظمه إلى مضاربين ولاعبين في كازينو قمار كبير، ولصوص تبحث باستمرار عن طرق جديدة لسرقة جهود القلة المنتجة. هذا الوضع الطفيلي صار ممكناً بعد أن تطورت كفاءة الإنتاج إلى هذا الحد، إضافة إلى استهلاك ثروات العالم بدون أي وعي للكارثة القادمة. الإقتصادي اليوم مشغول بنهب ثروة الأرض وعمالها، وليس إنتاج شيء. ماركس كان مشغولاً بتحليل سرقة الرأسمالي لفائض القيمة الذي ينتجه عماله. الآن يسير معظم الإقتصاد حيث ليس هناك معامل ولا عمال ولا "قيمة" ليتم سرقة فائضها.

هل هناك أمل؟ ربما تتفق العصابة أن تخفف من شفطها لثروة عبيدها حفاظا على استمرار قدرتهم على خدمتها لفترة أطول، لكن المشكلة أعمق وتجد جذورها في طبيعة المجتمعات، وتسمى في علم "نظرية الألعاب" بـ "مأساة العموم"

The Tragedy of the Common

وفكرتها أن "مصلحة المجموع" ليست مصلحة أي من أفراد هذا المجموع، وعندما يفتقد "المجموع" قدرته على فرض القوانين لتأمين مصلحته (كما يفقدها في حرية السوق مثلاً) فإن الأفراد سوف يسيرون وراء مصالحهم التي ستقضي على مصلحة المجموع، وبالتالي ستقضي عليهم في النهاية. ورغم وعيهم للنتيجة، إلا أن حتى الراغبين في الإمتناع عن تحطيم النظام، غير قادرين على منع الآخرين من ذلك، ولا يجدون أمامهم سوى أن يسيروا مع الآخرين لتحطيمه، أو يحطمون أنفسهم وحدها بالإمتناع عن المشاركة في شفط مصلحة المجموع.

هذه هي العلة أيضاً وراء تكرار الرأسمالية لإنهياراتها رغم وعيها المسبق بها. ولا أقصد الإنهيارات الأخيرة في بنوكها، فهذه الأخيرة ليست إنهيارات وإنما جرائم سرقة مرتبة سلفاً، ويعلم أصحابها أنهم سيحصلون على أرباحهم منها في النهاية، فهي ليست "إنهيارات" إلا بالنسبة للناس وأموالهم وحقوقهم، أما بالنسبة للأثرياء فهي تجارة رابحة.

 

 س7: حمودي الكناني: الاقتصاد الاسلامي هل يمكن ان يكون بديلا عن الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي؟؟ وهل قرأت عن البنك اللاربوي؟؟ وهل يمكن لبنك ان يكون لا ربويا فعلا؟

ج7: صائب خليل: قصة الربا قصة طويلة في تاريخ الإقتصاد، وقد منعتها أديان أخرى أيضاً، وحكومات في القرون الماضية لإدراكها أنها وراء الكثير من الكوارث، وتستحق هذه القصة موضوعاً مستقلاً.

الإقتصاد الإسلامي اللا ربوي، يتفق تماماً مع ماركس في نقطة اساسية، حين يقول، بل يبرهن رياضياً، أن المال لا ينتج قيمة (تبادلية)، وبالتالي لا معنى للربا سوى السرقة! والإسلام حرم الربا مثلما حرم السرقة، فهما متفقان تماماً هنا، والبنك اللاربوي يبدو خياراً إنسانياً ممتازاً.

لكن المشكلة الأساسية أنك لا تستطيع أن تبني جزءاً إقتصادياً سليماً ضمن كل مشوه، دون أن ينهار أحدهما نتيجة التناقض مع الآخر، مثلما لا تستطيع في حقيقة الأمر أن تبني نظاماً إنسانياً ضمن قوانين رأسمالية.

في بدايات الرأسمالية كانت هناك بعض المحاولات لتخفيف وحشيتها التي فاجأت العالم، من خلال وضع قوانين تحدد من أذاها للعمال، وقد كان ذلك واضحاً بشكل خاص في إنكلترا، حيث كانت المهد الأكبر للرأسمالية. ومن أشهر تلك المحاولات، سعي بعض البرلمانيين إلى تشريع قوانين تمنع تشغيل الأطفال دون عمر معينة. فكانت الحجة التي يوردها الرأسماليون المعارضون لتلك القوانين، هي أن النتيجة لن تكون في صالح الفقراء إن فعلنا ذلك! يسأل أحد معارضي القوانين رجلاً مؤيداً لها في تحقيق برلماني: لو أنك وضعت قانوناً يمنع عمل الأطفال، فما هي النتيجة على أسرة فقيرة تعتمد على عمل أطفالها من أجل بقائها على قيد الحياة؟ هل تتحمل أنت مسؤولية نتيجة ذلك؟ والسؤال وجيه، لكن ضمن النظام الرأسمالي السيء بكليته. فعندما يتاح للرأسمالي أن يحدد الأجور، ومن يعمل ومن لا يعمل، فعندها لا يكون لمنع عمل الأطفال من أثر سوى تحطيم الكثير من العوائل التي فرض عليها النظام أن تعتمد عليهم في معيشتها! الخلل في النظام العام الذي يجعل من عمل الأطفال ضرورة للبقاء على قيد الحياة، ومسؤولية الخلل ونتائجه تقع على عاتق من يفرضه وليس على الذين يسعون لحماية الأطفال منه. كل الكائنات ترعى أطفالها ولا تحتاج إلى عملهم من أجل بقائها على قيد الحياة، فلماذا لا يستطيع ذلك اعلى تلك الكائنات تطوراً وكفاءةً؟

وهكذا لا يستطيع بنك لاربوي حقيقي أن يصمد ضمن نظام رأسمالي، أمام شفط بقية البنوك لمادته، إلا بقدر قدرة بلاده على التعويض المستمر لذلك الشفط، وبالتالي فلن يصبح مؤسسة قادرة على إدامة نفسها بنفسها، ويخرج من كونه "بنكاً" إلى مؤسسة رعاية. وسيبقى على كل حال أفضل من بنك.

 

س8: حمودي الكناني: تفجير الكنائس والمساجد والحسينيات؟ هل هي نتاج ثقافة متخلفة؟ ام هي صناعة عالية التقنية مصدرة من ..... من أين؟؟ 

ج8: صائب خليل: معظم الأعمال الإرهابية تشير إلى من يقف وراءها، بشرط ان يتم تحليلها ببعض التعقل، وهذا الأمر هو الجزء الصعب في الموضوع، فأحدى نتائج الإرهاب، هي إفقاد الناس القدرة على التحليل العقلي، ودفعهم إلى رد الفعل العاطفي المباشر، من خلال هول المشهد الصادم، والمستعجل لرد الفعل.

مبدئياً، لا يمكن لـ "ثقافة متخلفة" أن تنتج إرهاباً بهذه الكفاءة وهذه القدرة على الإستمرار، ولو فعلت لتغلبت على الغرب وسيطرت على العالم، فالغرب سيطر على العالم من خلال استعماله الكفوء للعنف والإرهاب - وليس من خلال وهم تفوقه الأخلاقي - ويقر بذلك عدد من فلاسفته، حتى من الصقور.

لنأخذ مثالين ساطعين، تفجير كنيسة سيدة النجاة ومحاولة تفجير حسينية في البصرة في صيف 2005. في كنيسة سيدة النجاة، انكشف زيف المسرحية الدموية الفاشلة في نقطتين أو ثلاثة..الأولى هي ما تحدث به الناجون من المجزرة والذي يؤكد أن "المتخلفين" الذين كانوا يهتفون "بحقد" – ألله وأكبر، لم يكونوا حاقدين على الإطلاق على ضحاياهم، بل ينفذون مخططاً دقيقاً لا مكان للعاطفة فيه، لا الإيجابية ولا السلبية.

المسرحية التي استمرت ساعات من تفجير القنابل والرمي بالرصاص على عدد محدود في قاعة للكنيسة وغرفة جانبية واحدة، لم تقتل جميع المتواجدين في الكنيسة من المسيحيين بل ترك عدد كبير عمداً حسب الخطة، ليخرج وينشر الإرهاب "الإسلامي" بين المسيحيين والناس، وكان بإمكانهم إشباع "حقدهم" بقتل جميع الضحايا بنصف دقيقة، فمن أجل ماذا استمر الضجيج ساعات؟

تروي إحدى الضحايا أن إرهابياً كان يقف بالقرب منها، ذهب في نهاية الأمر لـ "ينتحر" خلف حاجز في الكنيسة! لماذا ينتحر الإرهابي بعيداً عن ضحاياه؟ ولماذا خلف حاجز؟ هذا يعني أنه لم ينتحر، بل فجر قنبلة صوتية، وانتظر مثل بقية الإرهابيين دخول القوات الحكومية التي انتظرت تلك الساعات لتعطي المسرحيين وقتهم اللازم لإنجازها، فهي متعاونة معهم تماماً، وبإشراف القوات الأمريكية التي كانت تتابع القضية من هيليكوبترات في الجو، ثم تم إخراج هؤلاء مع الضحايا في الظلام والغبار الذي لف الكنيسة وتم تهريبهم، ثم كانت هناك ملحق إعلامي للمسرحية عن إلقاء القبض على من قيل أنهم منفذوا الجريمة أو مخططوها وأنه تم إعدامهم ولا يمكن التحقق من أي شيء من ذلك.

في هذه الأثناء كتب الصحفي فراس الحمداني أن قتل القساوسة كان بالذبح بالسيوف، وهو مناقض لما ذكره الناجون من المجزرة، وحين سألته عن مصدره، وكررت ذلك، اصابه الرعب ولجأ إلى تهديدي! الا يستحق مثل هذا الرجل على الأقل أن يسأل من قبل الأمن الحكومي، من أين أتى بتلك القصة الكاذبة؟ لكنهم جميعا في فريق واحد! هذا هو التفسير الوحيد لدي، ومن لديه تفسير آخر فليتفضل به. إننا نترك هذه الأسئلة لنركض وراء محتال (أو موهوم) يجهد للبحث عن الأسباب في بطون تاريخنا وجيناتنا، ويقدم في المؤتمرات ليزيد الناس وهما وظلالاً، ويسهم في الإرهاب في النتيجة!

بالنسبة للبريطانيين الذين حاولا تفجير حسينية في البصرة، نلاحظ أن ذلك حدث اواخر عام 2005، اي قبل بدء الإرهاب بحجمه الذي عرفناه بعد ذلك، ويبدو أنها كانت مرحلة التجارب البريطانية الأمريكية لقيادة عمليات إرهابية وكانوا بحاجة إلى أن يتواجدوا في الساحة بأنفسهم. فقد القي القبض عليهم متلبسين ليس فقط بالتنكر بالزي العربي، وإنما أيضاً بامتلاك متفجرات وأهم من ذلك جهاز تفجير عن بعد! وقام هذين الرجلين بقتل شرطيين عراقيين لأنهما أحسا أنها قضية حياة أو موت بالنسبة لهما، وقامت القوات البريطانية باقتحام السجن وتحريرهما بالدبابات، ورغم ذلك خرج علينا الجعفري ليؤكد أنه "لا توجد أزمة بين الحكومة العراقية وبريطانيا"! وقام الإعلام العراقي الذي خلقه الإحتلال ومازال حتى اليوم يتجاهل ألإشارة إلى تلك الحادثة التي تدل، بل تبرهن أن الإرهاب من إنتاج تجارب ودراسة علمية أمريكية بريطانية. ومع هذا الموقف الحكومي والإعلامي العراقي، ليس هناك أي عجب في أن ينتشر الإرهاب بالشكل الذي انتشر فيه. فإن كانت الحكومة العراقية للجعفري المعروف ببعض الصلابة قياساً بالمالكي تجاه الإحتلال، قد فعل ذلك في قضية مكشوفة على الرأي العام، فكيف يكون قد تم التعامل مع القضايا المحتملة المماثلة التي لم تفتضح؟

 

س9: حمودي الكناني: يقول ذوو الرأي والدراية أن جامعة الدول العربية انشئت لتكريس التجزئة  وزرعت الانقسام والتشظي في نفوس العرب  وأنها عبارة عن جسم ميت لا حول ولا قوة ولا تأثير لها، فماذا يرى الكاتب صائب  خليل؟

ج9: صائب خليل: لا أدري إن كان إنشاء الجامعة العربية بهذا الهدف، لكنها الآن مؤسسة إسرائيلية بامتياز، مثل المؤسسات الأخرى التي تواجدت في بلدان سيطرت عليها حكومات عميلة لإسرائيل، مثل الأزهر الذي يسمى "شريفاً" ربما للسخرية.

وفي حالة الجامعة العربية فأن سيطرة مثل تلك الحكومات وأخرى تسعى لإرضاء إسرائيل عليها جعلت المنظمة في النهاية تحت تصرف إسرائيل. إنها تتهم بالتخاذل والكسل والسلبية في القرارات، لكن هذا كان في زمن مضى. يكتفى عادة بالطلب من المؤسسات العميلة والحكومات العميلة في بداية الأمر أن تكون سلبية وتترك الساحة لتنفيذ المخططات الأمريكية والإسرائيلية. لكن هذه المرحلة تم تخطيها الآن. الآن المطلوب من هذه المؤسسة أن تكون فعالة في تحطيم الدول العربية. لم تعد هناك مشكلة تخاذل عن اتخاذ القرارات أو الخمول، فجامعة الدول العربية كانت في غاية الفعالية والنشاط في قراراتها المتماهية مع الأجندة الإسرائيلية بالنسبة لإيران، ثم شاركت بفعالية منقطعة النظير، وبالضد من قانونها الأساسي، في تحطيم سوريا، وتبنى أعضاءها المشروع الإسرائيلي بحماس لا نجده لديهم حتى في أهم المشاريع الخاصة بمصالح بلدانهم، وقدموا فيها الجهود والأموال والتضحيات ما لا يفعلونه للبرامج التي تهم شعوبهم!

 

س10: حمودي الكناني: كثير من المحللين المحايدين يرون ان الفكر الوهابي ادخل المنطقة في دوامة خطيرة وأن آل سعود اتخذوا هذا الفكر المتطرف لتكريس سلطانهم وبسط نفوذهم على المنطقة مدعومين بتأييد امريكي وصهيوني  وهم في ذلك يقومون بتربية ثعبان شديد السمية، هل سيلدغهم هذا الثعبان إن فرغ لهم؟

ج10: صائب خليل: الفكر الوهابي ليس سوى فكر تم استخدامه من قبل الخبراء الإسرائيليين والأمريكان الذين درسوا الإسلام بدقة واكتشفوا نقاط ضعفه والثغرات التي يمكن من خلالها تحطيمه. فاخترعوا كل ما لذ وطاب لأعداء الإسلام من "رضاعة الكبير" إلى "جهاد النكاح" إلى كل الفضائح المضحكة المبكية التي نسمع بها اليوم، وبعضها ليس له اي أساس إسلامي، وبعضها الآخر ربما كان له حجة ما في زاوية ما، وتم تكبيره إلى الحجم المطلوب. الفكر الوهابي يتواجد اليوم في دول تحت السيطرة الأمريكية المباشرة، ولا نستطيع أن نعرف حقيقة مدى انتشاره، وطرقها ولا نعرف الفاصل بين المقتنعين به وبالإرهاب الذي يرافقه من جهة، وبين مجاميع إرهابية مدربة في أميركا وإسرائيل لتنفذ العمليات بحجة الفكر الوهابي. ولا نعلم كيف تدار القضية ومدى المرونة فيها. يعني هل أن الإرهابيين يتلقون اوامرهم المباشرة كجنود من جهات إسرائيلية – أمريكية، ام أن تنظيماتهم مخترقة إلى درجة كبيرة ويتم توجيهها بشكل كبير ولكن ليس بشكل مباشر بأوامر عسكرية. أغلب الظن أن الموضوع خليط بين الإثنين، ولذلك نرى القوات الأمريكية تقتل بعض افراد القاعدة أحياناً، وتحميهم في أكثر الأحيان، فهي تميز بين من هو ضمن اختراقهم ومن قد يخرج عنه.

هل سيلدغ الإرهاب بلدانه؟ بالتأكيد، هذا وارد، خاصة إن قرر من يشرف عليه ذلك، أو قرره الإرهاب بنفسه! إن إنتاج الإرهاب لا يمكن إلا أن يكون مدمراً لمصدره، وبالتالي لا يقوم به إلا من يقاد من رقبته إلى غير مصلحته، كما رأينا مثلاً في موقف تركيا أو الأردن أو دويلات الخليج من الحرب على سوريا. لا يمكن أن يكون لأي منها، لا شعباً ولا حتى حكاماً، أية مصلحة في الدور الذي كلفت به.

 

س11: حمودي الكناني: في تعليق على قصيدة للشاعر عبد الوهاب المطلبي قلت:

"الله .. إن خرج هذا الوطن من هذه المحنة سالماً، فسوف نعجب لذلك ايما عجب..!)" لماذا صعبت اسباب التلاقي وغاب صفاء القلوب بين الناس، هل يعني أن اسباب التفرقة والبغضاء اقوى من اسباب التلاحم والانسجام بين مكونات الامة العراقية؟

ج11: صائب خليل: على العكس، لا أعتقد أن تلك أسباب الفرقة قوية أبداً. فبعد ثمان سنوات من الحرب العراقية على إيران، حين توقف إطلاق النار تمهيداً لإعلان نهاية الحرب، واتصل الجنود العراقيين بالإيرانيين في الجبهة، صاروا أصدقاءاً فوراً. الأمر نفسه حدث في حروب دامية كثيرة، وخاصة في حرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى حتى أن حكومات الغرب كلفت ضباطاً بالتجول لتأمين استمرار القتال ومنع تشكيل الصداقات بينهم، وقد كتبت عن ذلك سابقاً. لا توجد أحقاد حقيقية بين المتقاتلين إلا بما توحي به أجهزة الإعلام والسياسة المعادية لجميع الأطراف، وهذه كلها "تطير" إن تحدث هؤلاء مع بضعهم البعض مباشرة. المشكلة أن هذه الجهات الأخيرة لن تسمح لهم بالحديث كما فعل الجنود. إنهم يدركون خطورة ذلك الحديث على أجنداتهم، لذلك تم فصلهم بقدر الإمكان، بالتهجير والعوازل الكونكريتية والعوازل الإعلامية التي تجعل كل من الطرفين يستمع إلى منظومة إعلامية مختلفة عن الآخر، خوفاً من نشوء الحوار بينهما.

مكونات الأمة العراقية لا أمل لها إلا مع بعضها (إلا ربما كردستان، التي لها آمال قومية أخرى، وهي تتشكل كإسرائيل أخرى في العراق، بكل عدوانيتها وكفاءتها والدعم الأمريكي لها). يجب أن يدرك ألسنة والشيعة بالذات أنهما ضحية، وضحية صغيرة للمخطط الكبير، وأنهما حتى في حالة اتحادهما فأن الأمل في حياة كريمة يبقى غير مؤكد بسبب الحجم الصغير والتخلف الشديد والظرف الصعب الذي يمر به العراق، أما إن تفرقا، فإنهما يصبحان نملة تدوسها الأقدام بدون حتى أن تشعر بشيء! أي وهم بانفصال أو إقليم هو أمر في غاية الخطورة على هذه الضحايا التي لا تدرك حجمها بالنسبة لحجم الخطر، وتم إعماؤها تماماً عمن يكون الصديق وعمن يكون العدو، فتجد السني يهتف وكأنه مصاب بلوثة من إيران، دون أن يكون لديه أي دليل مهما كان بسيطاً على ما يقول، وتجد الشيعي مؤمن بأن السنة أشرار في جيناتهم وأنهم ورثوا الشر وتدمير آل البيت من جدتهم التي أكلت كبد الحمزة.. إننا شعب تعرض لحرب إبادة شاملة بأسلحة “بيولوجية” سيكولوجية رهيبة افقدته صوابه، وهو في أمس الحاجة إلى أن يدخل مصحة نفسية. هذا هو الخطر وهذا هو مصدر التشاؤم.

 

س12: حمودي الكناني: تلعب قطر دورا كبيرا في الذي يحدث في منطقتنا العربية  وكلنا يعرف حجم هذه المشيخة وعدد سكانها فما الذي جعلها تتفرعن هل هو التنافس مع آل سعود يدفع بها الى ذلك أم انها تنفذ خارطة رسمت لها من الغير  وماذا يعني التغيير الذي حصل فيها؟

ج12: صائب خليل: إنها لا تتفرعن، إنها تلعب دور التفرعن. تحدث المسرحي الكبير يوسف العاني مرة عن لقاء له عندما كان شاباً مع ممثل أجنبي كبير، فسأله يوسف العاني كيف يستطيع أن يصرخ كل هذا الصراخ ويكرره كل يوم دون أن تلتهب حنجرته، فأجابه: "أنا لا أصرخ...انا أمثل الصراخ!" أي أنه لا يوتر حنجرته، لكنه يصدر منها صوتاً عاليا فقط.

قطر أيضاً تلعب دورها، وقد لا تكون حكومتها متمتعة به حقاً. لقد اضطر هذا الدور حاكمها إلى التخلي عن الحكم لإبنه بعد فشل مهمته في المؤامرة على سوريا، ولا أتصور أن مثل هذا القرار سهل على مثل هؤلاء الحكام. لقد حولوا بلادهم، بلا أي مبرر مفهوم إلى دولة مكروهة من قبل الشعب العربي كله، وربما من قبل شعبهم نفسه، وفي هذا الأمر لم يكونوا مخيرين في رأيي.

 

س13: حمودي الكناني:  لم يكن الروس اوفياء في التزاماتهم تجاه الدول العربية التي عقدوا معها معاهدات ... تخلوا عن اصدقائهم المقربين في المنطقة فسقطوا تباعا لكنهم الان يدافعون عن بشار الاسد بضراوة، هل هذا يعني أنهم يدافعون عن آخر موطئ قدم لهم في المنطقة العربية  بعد ما احسوا بفداحة خطئهم؟

ج13: صائب خليل: بدا الروس في الفترة السابقة كبائع يتظاهر بالتمنع إلى أن يعرض عليه السعر الذي يريده، وأنا نفسي كنت أنتظر الصفقة التي ستمنح لروسيا مقابل السماح بتحطيم سوريا. لا نستطيع سوى التكهن بالتفسير لماذا كان الأمر مختلفاً هذه المرة، لكنه ليس غريباً حقاً، فروسيا جزء من العالم، وما يحدث في المناطق الأخرى منه يهمها ويؤثر عليها. وأميركا مشغولة بالسيطرة على العالم كله بلا استثناء، ولكن بطرق مختلفة وبالتدريج. بوتين نفسه قال بأن أميركا لا تريد شركاءاً بل تريد تابعين. واحتلال سوريا بالإرهاب الأمريكي المسمى القاعدة أو غيرها، خطوة أخرى في هذا الإتجاه الذي لا يريده الروس ولا الصينيون ولا أي شعب في العالم، ولا حتى الشعب الأمريكي حقيقة الأمر. في هذه المرة، إضافة إلى العلاقة المميزة بين سوريا وروسيا، قرر الروس أنهم يستطيعون الصمود وأن عدم التراجع مهم وممكن، وأن من مصلحة روسيا أن يقف هذا المد، وأن تبرهن مصداقية فقدتها، فكان.

 

س14: حمودي الكناني: عندما تدخلت قوات الاتحاد السوفياتي في افغانستان  هبت امريكا وحلفاؤها البعيدون والقريبون  لاخراج السوفيت من افغانستان، هل هذا يعني ان هذه المنطقة منطقة نفوذ امريكي وغير مسموح المساس بها؟

ج14: صائب خليل: يكتب جومسكي أن الأمريكان، خاصة بعد انهيار المنظومة الإشتراكية، يعتبرون كل العالم منطقة نفوذ أمريكي لا يسمح المساس بها. المأساة التي تحدث في أفغانستان قد حدثت في بلدان عديدة أخرى من ضحايا الولايات المتحدة. تحصل الدولة على حكومة ديمقراطية بالإنتخابات أو حكومة معقولة ووطنية غير ديمقراطية، فتحطمها أميركا باللجوء إلى أرذل ما تجده فيها من شعبها. ثم حين يحكم هؤلاء ويمزقون البلاد ويكرههم الشعب ناسياً من كان وراء مجيئهم، ويتمنى الخلاص منهم بأي ثمن، تعود أميركا لتصبح "متفضلاً" على هذا الشعب باحتلال بلاده، وما حدث في أفغانستان لا يختلف من هذه الناحية عما حدث في العراق، ونتائجها التي لم نعرف نهايتها بعد، مأساوية بكل المقاييس. فلا أفغانستان ستعود متطورة كما كانت يوم الحكم الشيوعي، ولا العراق سيعود كما كان في حكم قاسم أو عبد الرحمن عارف، ورغم ذلك لا يخجل بعض “مثقفينا” من المطالبة بأن نشكر أميركا لأنها أزاحت عصابة كلابها التي اطلقتها علينا نصف قرن من الزمان وتكفلت بتحطيم هذه البلاد، قبل أن تقرر الحلول محلها بشكل مباشر، لتسلمها لعصابات الفساد المالي.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.