اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

طيبون غاضبون وآية منسية: قصة قصيرة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

طيبون غاضبون وآية منسية: قصة قصيرة

صائب خليل

4 آذار 2014

 

- أنا “ربيع” من الموصل، وأنت؟ سأل الشاب ذو العينان الخضراوان برقة آسرة، فابتسم الرجل وتردد لحظة وخلع نظاراته ثم قال:

 - ..... أنا “مازن” ... أنا من تكريت!

- تكريت؟...

تغيرت ملامح “ربيع” وأحنى رأسه إلى الأرض ليبعد الرجل عن نظره ..

- نعم تكريت.. أكو مشكلة؟

- بصراحة...أنتم من دمر البلد وحوله إلى الخراب الذي هو الآن!

وبدون إرادته، كانت نظرة احتقار وغضب تسيطر على ملامحه..

- لكن أخي، أنا لا علاقة لي بالموضوع، بل العكس، أنا كنت من...

- لا تقل لي أنه كان وحده... كلكم كنتم معه واستفدتم منه. حتى فراشكم صار يملك قصراً بينما كان على استاذ الجامعة عندنا أن يبيع الخضروات في الشارع ليعيش.. هذا إن نجا من القتل أو العوق في حروب صاحبكم!

- أنا أفهم غضبك، لكني أؤكد لك أنه لم يكن صاحبي وأني لم أملك قصراً يوماً، وإني..

- بريء؟ الكل بريء! من إذن ارتكب الجرائم؟ وما أدراني أنك بريء؟

- إن لم تكن تدري فكيف تتهمني؟

- شعر “ربيع” بالحرج من السؤال، وحرك يده كمن يريد أن يقول شيئاً، لكن ذكريات أيام سوداء في الجبهة كانت أقوى منه، فخرج وهو يتمتم بكلام غير مفهوم...

 

****

 

في انتظار الخبز تبادل “ربيع” الحديث مع رجل آخر قدم نفسه له بإسم "عماد" وسأله عن نفسه فقال ماداً يده:

-  "ربيع... من الموصل"..

- .... الأخ سني؟

-.. نعم .. هل في هذا مشكلة بالنسبة لك؟

- كيف لا؟ ... هو اللي سويتوه قليل؟ وليهسه ما تفكون ياخه.. يعني لازم أنتو بالحكم؟!

- أي حكم أخي؟ أنا لم أكن في أي يوم "في الحكم"... أنا بالعكس كنت....

- 1400 سنة.. الم تكفيكم؟ يا أخي أنا لا ألومك أنت، ولا أقول أن ليس فيكم بعض الطيبين لكن الغالبية ...

- أي 1400 سنة أخي؟ (مبتسماً) أنا عمري ثلاثين سنة ، وبصراحة أنا حتى لم أهتم بقراءة هذا التاريخ، فكيف جعلتني مسؤولاً عنه؟

- إن لم تكن أنت فأهلك وعشيرتك... أنتو تربيتم على كره الشيعة وصارت في دمكم.. كلكم ضباط وشرطة وتدافعون عن صدام ..

- أؤكد لك ، ولو أني لست مضطر لذلك، أنني على العكس، كنت...

لكن السيد "عماد" كان قد أدار رأسه، فسكت ربيع، واحمر وجهه غضباً وهو يتمتم: "..هذا الـ....، بعد كل هذا، نحن المتهمون! ما الفرق بيني وبينه؟ بل ربما العكس، قد تجده هو من كان يساند صدام والآن صار لسانه طويل، لمجرد أنه شيعي!... أتعجب من بشر يتهمون الناس جزافاً لأن الآخر من ذاك المذهب أو من تلك المدينة..."

وهنا تذكر ربيع ما حدث ذاك الصباح معه فاحمر وجهه، والتفت فوجد أن عماد قد تركه وركب سيارته التاكسي وانطلق بغضب....

حدث ربيع نفسه: "إنه طيب، لكنه غاضب...  كلنا غاضبون... لم يكن ما رأيناه سهلاً"..

 

****

 

أوقف رجل تاكسي عماد وطلب منه أن يأخذه إلى المطار، وفي الطريق تبادلا أطراف الحديث، وكان الرجل يتكلم بعربية ثقيلة، فسأله عماد بلطف:

- الأخ كردي؟

- بلي كاكه، آني عصمان من سليمانية، جيت لبغداد بشغل وهسه راجع، وحضرتكم؟

- أهلا وسهلاً كاكه...آني عماد من بغداد،..... شلونها سليمانية؟

- سكت عصمان وسحب نفساً عميقاً من سيكارته، ثم قال:

- بخير... ما دام بعيد عنكم يا عرب،..... لا تزعل، هاي الحقيقة

- ليش كاكه؟ آني شمسويلك تتكلم معي بهذي الطريقة؟ بعدين لعلمك آني شيعي وأحنا...

- شيعي والا سني ... ماكو فرق... ليش ما كان بجيش الأنفال شيعة؟ ..

- كاكه، وليش ماكان بجيش صدام...

وهنا انتبه عماد أن الرجل كان ينظر من الشباك بعيداً لا يريد أن يسمعه، فصمت والغضب يفور في داخله: "يتهمون الناس وهم لا يدرون شيئاً عنهم... هاي ورا كل الضيم.... ".

"لكن معذورين... الآلام كانت كبيرة، وما بقت بالراس عقل وتمييز"

 

****

 

في الطائرة جلس كاكه عصمان قرب رجل أعمال من الخليج قدم نفسه :

- أنا أبو عيسى من الكويت.. وأنت؟

- أنا كاكه عصمان من كردستان..

- أهلا بيك...

مضى الحديث بينهما طبيعياً ومر الوقت سريعاً، فوجدا نفسيهما فوق السليمانية، وفجأة سأل عصمان صاحبه:

- كاكه أبو عيسى ممكن أسألك سؤال؟ أنتو ليش تاخذون تعويضات منا إحنا هم؟ إحنا هم كنا ضحايا مثلكم... 

- ليش ما تعرف ماعمل صدامكم بالكويت؟

صدم عصمان، لكنه تمالك نفسه وقال:

- لكن هو ليس "صدامنا" نحن!.. أنا من...

- أنت من العراق أم لا؟

- أنا...

- خلص! لا تقل لي كردستان وبغداد والحلة وأنت شخصياً ما كنت، وكلام فاضي.. أنا أفهم أنت من العراق والعراق اعتدى علينا، يعني لازم تدفعون وتعتذرون هم بعد!

 همّ كاكه عصمان بالجواب لكنه سمع صوت الطيار يطلب من الجميع ربط الأحزمة استعدادا للهبوط، فتحركت يداه تبحثان عن رأس الحزام وتحاول ربطه دون جدوى، فقد كان الغضب قد سيطر عليه: "يتهمون بدون أن يفهموا...عبالهم كل الناس بالعراق صدام....إحنا شعلينه؟... أصلاً آني فقدت...."  لكن أبو عيسى كان ينظر من الزجاجة إلى الأسفل.. أو يتظاهر بذلك ...

هدأ كاكه عصمان وفكّر: "بس معذورين.. اللي شافوه ما يبقي تفكير ومنطق"...

 

****

 

في طائرة العودة، كان جليس أبو عيسى في الطائرة شاب أمريكي أشقر، فحمد أبو عيسى الله أنه لن يضطر أن يحرق أعصابه بحديث مع عراقي جاهل يثير فيه ذكريات الماضي المؤلمة ثم ينكر مسؤوليتها، بل أمريكي متفهم. قدم الأمريكي نفسه وقال أنه يعمل في الجيش، وقدم أبو عيسى نفسه، فقال الأمريكي مباشرة:

- آه .. أنت عربي مسلم...هل كان بن لادن من أقربائك؟

أمتقع وجه أبو عيسى، لكنه تمالك نفسه وأجاب بهدوء مصطنع:

- نعم صحيح، أنا عربي مسلم، لكن أنا لست من السعودية.. أنا من الكويت، ولا علاقة لي ببن لادن .. حتى أنني شخصياً...

- أنتم تعلمون أطفالكم أن يكرهوننا لأننا نحب الديمقراطية .. وترسلوهم لتفجير بناياتنا وتقتلونا، هكذا يعلمكم دينكم اليس كذلك؟.....لا تنكر..!

- أبداً أبداً أنت واهم جداً.. أن أحداً لم يعلمنا أي شيء من هذا بل العكس...ثم أني أنا بالذات..

توقف أبو عيسى عن الحديث، فقد كان الشاب الأمريكي ينظر بعيداً من شباك الطائرة، فتمتم أبو عيسى بينه وبين نفسه بغضب: "هذا الأرعن الجاهل، يلقي بالتهم جزافاً على الجميع بلا تفكير....

لكنه معذور.. الصدمة كانت شديدة عليهم...وفهموهم أن المسلمين كلهم بن لادن ...

ثم أكيد ليس في دينه آية تعلمه مثلنا أن: ولا .... ولا تزر...."،.....

لغضبه لم يستطع تذكر بقية الآية، فأحس بخجل تلميذ نسي كتابة واجبه، وبقي يهز رأسه ويكلم نفسه، حتى انتبه لصوت مضيفة العشاء تقول برقة:

- "هل تطلب شيئاً معيناً سيدي"؟

 

- ...لا .. لا .. أ.. نعم من فضلك.. هل لديكم على متن الطائرة.......قرآن؟

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.