اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

كسر الأوهام 1- مفوضية الانتخابات يجب ان تكون محاصصة!// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

كسر الأوهام 1- مفوضية الانتخابات يجب ان تكون محاصصة!

صائب خليل

6 ت2 2017

 

واحدة من اشد الأوهام انتشارا بين أبناء الشعب العراقي بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم ومستوياتهم الثقافية هي ان "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" فيها مشكلة كبيرة وعويصة وهي أنها تتقسم محاصصة وتتكون من أعضاء تابعين للأحزاب الكبرى وبالتالي فهي ليست "مستقلة" كما يفترض، ولذلك فهي جزء من الفساد الذي يجب تغييره في هذا البلد.

ولعل هذا الوهم قد حصل على حصة الأسد من التظاهرات والشعارت والمقالات والتصريحات الغاضبة والدعوات للإصلاح، حتى ان البعض يعتبر أن مشكلة العراق الأساسية والتي لا يمكن اصلاح البلاد بدون حلها، هي مشكلة "استقلالية مفوضية الانتخابات"!

اسمحوا لي ان أقول لكم أن هذا وهم كبير، وأن ابين هذا الوهم بنقطتين:

أولاً ان كلمة "مستقلة" لا تعني انها تتكون او يفترض ان تتكون من "مستقلين"، ولا يعني ان تكون مستقلة عن اية سلطة، إنما يعني انها ليست تابعة لأية وزارة في الحكومة، وبالتالي فهي "مستقلة" بالفعل.

وثانياً لا معنى للجهود التي يبذلها البعض في المطالبة بـ "استقلالية" موظفي المفوضية، بل ان أعضاء هذه المفوضية لا يجب ان يكونوا “مستقلين”، إنما العكس تماما: يجب أن تتكون المفوضية من أعضاء ترشحهم الأحزاب (الكبيرة)! أي ان تكون "محاصصة" بين الأحزاب الكبيرة!

لماذا؟

نحن نريد مفوضية تتوفر فيها الأمانة لتسيير الانتخابات بدون تزوير أو تحيز لأية جهة، فكيف نختار أعضاءها؟ إن اخترنا "مستقلين" فنحن لا ندري من يكون هؤلاء ولا ماهي ارتباطاتهم ولم هو ولاؤهم. وحتى لو كانوا مستقلين بالفعل ولا ولاء لهم ولا حتى "رأي" سياسي (المغفلين فقط هم كذلك)، فأن هذا سيتغير بالتأكيد، وعاجلا أو آجلا، سوف يمكن شراءهم او تغيير الشرفاء منهم بفاسدين، من قبل سلطة قوية كأن تكون أحد الأحزاب العظمى أو، وهذا أخطر وأكثر احتمالاً، دولة اجنبية مثل اميركا أو إسرائيل أو السعودية أو إيران.. ودون ان يعلم أحد، ستجري الانتخابات بشكل متحيز، ونحن فرحين بـ "استقلال" المفوضية!

 

كيف الحل إذن؟ وكيف نطمئن الأحزاب على حيادية المفوضية؟ ليس هناك أفضل من ان يقوم كل حزب من الأحزاب الأكبر، بترشيح ممثل عنه في قيادة المفوضية. وسيكون هذا الشخص بمثابة رقيب يمثل ذلك الحزب ويحرص ان لا يتم التحيز ضده. وهكذا نضمن بدرجة ما أن أياً من تلك الأحزاب او الكتل، لن يظلم. 

 

وماذا عن بقية الأحزاب الأصغر؟ ألا يحتمل ان تظلم؟

بالتأكيد يحتمل ان تظلم، ولكن من ناحية لا يمكن ان تكون المفوضية كبيرة العدد لتشمل ممثلا عن كل الأحزاب كبيرها وصغيرها. ومن ناحية أخرى، من الصعب ان يتفق ممثلو الأحزاب الكبرى كلهم على سرقة بضعة مقاعد من الصغرى. إنه ليس مستحيل طبعا، لكنه قليل الاحتمال، وهو أقل تأثيرا مما لو كانت السرقة من الأحزاب الكبرى ومقاعدها الكثيرة وتداعيات ذلك على سياسة البلد. لذلك إذا كان لا بد من اختيار من يكون له ممثلين من الأحزاب، فيجب ان تكون الأحزاب الكبرى ذات المقاعد الأكثر.

ألا يمكن ان يخون ممثل الحزب، حزبه ويتم رشوته؟ ممكن طبعا، ولكن هذا الشخص هو الأقل احتمالا ان يخون حزبه. أولاً لأن حزبه هو الذي اختاره، ويفترض ان يستطيع الحزب الكبير ان يجد شخصا يثق به لهذا المنصب الخطير. وهذا يفترض بالضرورة ان الحزب سيبحث عن أكثر شخص أمين يعرفه، شخص لا يتوقع ابداً أن يخون حزبه ويبيع اصواته. ففي المفوضية ليس هناك شيء يباع سوى الأصوات. وإن ارتكب الشخص تلك الخيانة رغم ذلك؟ الخاسر الوحيد المباشر والأكيد سيكون حزبه، وهو أيضاً يتحمل مسؤولية اختياره.

 

حاجج أحد القراء بأن اختيار مستقلين أكثر أماناً لأنهم سيكونون عرضة لمحاسبة القانون وليس لديهم من يدافع عنهم. أما المنتمين للأحزاب الكبرى، فيعتمدون على حزبهم للإفلات من العقاب فيلجؤون الى التزوير. وهذا يبدو منطقيا لأول وهلة. لكن لنتذكر ان الشيء الوحيد الذي يمكن بيعه في مفوضية الانتخابات هو المقاعد. وبما ان هناك ممثل لكل حزب، وان هذا هو المؤتمن على مراقبة المفوضية بحيث لا تتخذ اية استراتيجية ضارة بعدد مقاعد حزبه، فالخيانة الوحيدة الممكنة هي بأن يخون ذلك الشخص حزبه نفسه. وبالتالي فمن غير المنطقي ان يدافع ذلك الحزب عنه، وإن فعل فإنه يحكم على نفسه بالخسارة. فالحزبي الصريح المعروف، يواجه محاسبة حزبه ليس لأن حزبه أمين ونظيف، إنما لان من مصلحة الحزب محاسبة ممثله بكل حزم. أما في حالة المستقلين فلا يوجد على هذا المستقل اية رقابة حقيقية ولا سلطة للحزب الذي يخسر المقاعد على هذا المستقل سوى أن يشكوه كشخص عادي، ليأتي غيره دون موافقة او اختيار الحزب المتضرر ليتكرر السيناريو.

 

الغاضبين من الأحزاب الكبيرة في السلطة رأوا في هذا الطرح تثبيتا لتلك السلطة الكريهة. والحقيقة انه يثبت حق من ينتخب بالفعل بأن يحفظ اصواته لا أكثر. فإن كان الطموح لإزالة تلك السلطة الفاسدة، هو بتزوير التصويت ضدها، فهذه طريقة غير صحيحة ولا يمكن تنفيذها اصلاً، فمن هي "الأحزاب الصغيرة" التي ستتولى ذلك التزوير لتصعد، وما هي امكانياتها لتفعل ذلك؟ 

 

 

لذلك فالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يجب ان تكون "محاصصة" بين الأحزاب الكبرى، رغم سوء السمعة الذي يحيط بتلك الكلمة، وكل ما سمعتموه من ضجيج ضد هذا الترتيب، محض "كلاوات" وتشويش وربما محاولة لجهة ما لإدخال عملائها "المستقلين" وطرد ممثلي الأحزاب لتتمكن من ترتيب الأمور لصالحها بحرية أكبر. والحملات الهائلة التي وجهت لذلك الهدف، حملات قد تكون مشبوهة المصدر من جهة، وهتف لها سذج كثيرون من جهة أخرى!

إن كون الأحزاب الكبيرة فاسدة هو موضوع آخر، ولا يتم حله بتسليم المفوضية لأشخاص مجهولي التوجهات والهوية. كما أن كون موظفي المفوضية فاسدون أو غير فاسدين، موضوع آخر أيضا، ويجب متابعته بالطرق المناسبة لمتابعة الفساد، إنما لا مفر من أن يتم اختيارهم من قبل الأحزاب الكبيرة، ولتامين عدم تحيز المفوضية ضدهم بأي شكل من الأشكال

 

بعبارة أخرى، نحن نستطيع ضمان "حيادية المفوضية" بأن نأتي لها بأعضاء "متحيزين" كل لحزبه المختلف، أي بـ "المحاصصة"، فتكون النتيجة أن نحصل على مفوضية حيادية بدرجة جيدة من اليقين، لأننا نعرف القوى التي فيها ونستطيع موازنتها للحصول على الحيادية. أما محاولة بناءها من موظفين لا يضمنهم أحد، ولا نعرف عنهم شيء سوى أنهم "مستقلون"، فهي الوصفة الأفضل لسقوط المفوضية في الفساد والتحيز.

 

ما تطرحه هذه المقالة صعب الهضم لسبب مفهوم وهو الكمية الهائلة التي تلقاها القارئ قبلا من إعلام يتوجه بالضد مما تطرحه تماما. ويتصور البعض اني اريد هنا ان ادافع عن الأحزاب الكبيرة وفسادها، بينما انا ابحث عن طريقة لمنع تزوير الأصوات، أو بالأحرى كشف زيف الإعلام الذي قلب الدنيا حول "سيطرة الأحزاب على المفوضية" واعتباره مصدر الشرور، ليحمي مصدر الشرور الحقيقي.

دعوني أحاول توضيح الأمر بمثال أخير.  لنفترض أنك اردت ان تنشئ شركة بالتشارك مع شخص آخر. وقررتما ان تعينا لها ادارة تضمن حقوقكما.. وكان هناك مقترحان، الأول ان تأتوا بإدارة "نظيفة شريفة حيادية أمينة، لا يتحيز فيها أحد إلى أي من الطرفين"... والثاني، ان يرشح كل منكما نفس العدد من الموظفين الذين "يمثلونه" أي يدافعون عن مصالحه.. فأي النظامين ستختار؟ طبيعي أنك ستختار الثاني. صحيح ان نصف الموظفين سيعملون لصالح الآخر، لكن لديك النصف الآخر الذين ستختارهم من أخلص الناس لك وتستطيع ان تغير من تشاء منهم متى ما شككت به، والنتيجة ان الآخرين لن يستطيعوا غشك، مثلما لن تستطيع غش المقابل. أما المجهولين النزيهين الخ، فلا أحد يعلم ولاءهم ولا ما سينقلبون عليه مستقبلا.

 

ما اقصده ليس ان نختار فريقين من اللصوص يعمل كل منهما لجهة، لكن اقصد ان هذا النظام محصن نسبيا، حتى لو لم يكن اعضاءه شرفاء جدا. أما المستقلين فيكفي أدنى نقص في الشرف لإحداث كارثة.

 

أخيراً لا بد ان أقول إن موضوع المفوضية بذاته غير مهم، لكن المهم فيه هو ما يكشفه لنا من إمكانيات جهات مجهولة تسيطر على وعينا، قادرة على تمرير الأوهام على الغالبية الساحقة من الشعب وتحويل اهتمامها إلى اتجاهات وهمية ليوجه غضبه نحوها، لتخفيف التركيز على مناطق الخلل الحقيقي التي تعصف بالبلاد. إنه مثال فقط وهناك أوهام مماثلة كثيرة جدا.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.