اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المنطقة - قطع الذيول القديمة واستنبات جديدة على عجل// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

المنطقة - قطع الذيول القديمة واستنبات جديدة على عجل

صائب خليل

9 ت2 2017

 

ما حصل في السعودية من "استدعاء" الرئيس اللبناني واعتقاله واجباره على قراءة خطاب معد مسبقا لاستقالته، سابقة قد تكون الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية، وتؤشر مع حملة الاعتقالات غير المسبوقة في العائلة الملكية السعودية، أن شيئا خطيراً يتم إعداده.

فإضافة الى اللهجة العدوانية المفتعلة الشدة التي سلمت لسعد الحريري لقراءتها ضد إيران وحزب الله، وفي الوقت الذي تقوم إسرائيل فيه بشن حملة دولية لمنع إشراك حزب الله في الحكومة اللبنانية المقبلة، أطلق السبهان خطابات غريبة في مستوى عدوانيتها وإهانتها، من مثل «سوف نتعامل مع الحكومة اللبنانية على أنها حكومة إعلان حرب علينا» و «على اللبنانيين أن يختاروا بين السلام وبين الانضمام إلى حزب الله» و«المخاطر المترتبة على تصرفات حزب الله سوف تكون وخيمة جداً على لبنان» و«المسارات السياسية وغير السياسية متاحة» للتعامل مع «خطر حزب الله».

 

المقلق في مثل هذا النوع من الخطابات، أنه “مكلف جداً” لصاحبه بالحسابات السياسية، ما لم يتبعه إجراء قوي مدروس يبرره. فمما لا شك فيه ان السعودية خسرت، إضافة إلى تابعها الذي لم يكن أحد يتخيل يوماً أنها ستتخلى عنه، الكثيرين من مؤيديها المغرر بهم أو الذين أحرجهم هذا الخطاب في لبنان والعالم العربي. وما لم تتم الاستفادة من هذا الجو المتوتر لهجوم يحقق مكاسباً، تكون “جبهة السعودية” قد حققت هزيمة إعلامية وسياسية كبرى، كمن يفضح نفسه بإعلان الحرب ثم يسكت. 

لكن ما اسميناه بـ "الجبهة السعودية" لا تقودها السعودية، وربما لا تتدخل حتى في قراراتها، بل دول لها باعها الطويل في السياسة، لذلك فإننا نستبعد تماما أن يكون الأمر حماقة عابرة وينتهي عند هذا الحد. ولا شك أن هناك مخططاً عاجلاً لتغيير المنطقة بالعنف يتم إطلاقه، وبالحجم الذي يبرر رفع السكاكين هذا. فما هو هذا الأمر الذي يستحق "تصفية التوابع المخلصين" الذين بذل الكثير من المال والجهد لتكوينهم، وماهي علاماته على الدول الأخرى في المنطقة؟

 

إن نظرنا الى العراق، نرى عملية تخل مشابهة لذيل قديم سابق لم يكن أحد يتخيل يوما أن يتخلى عنه سادته، أي تخلي الأمريكان عن مسعود البرزاني، والذي يعني ان إسرائيل تخلت عنه، رغم كل مسرحيات دعمه الإعلامية. ورغم ان القضية تمت على خلفية قيام مسعود باستفتاء لاستقلال كردستان وتداعياتها المنطقية بعض الشيء، إلا أنه من غير المفهوم هذا العجز الشديد الذي ابداه الرجل بكل ما يملك من سلطة هائلة، وسقوطه بلا مقاومة أمام العبادي الذي جاء به مسعود من وراء الكواليس ووضعه بنفسه على رأس السلطة العراقية، مستفيدا من الضغط الأمريكي على بغداد وتضخيم شائه لصلاحيات الرئيس العراقي الكردي.

لم تقدم اية تفسيرات مقنعة لهذا السقوط وترك كركوك التي صوتت معه بأغلبية كبيرة لصالح الاستفتاء الذي كان بطله، رغم كون أكثرية سكانها من منافسيه، ليستلمها الجيش دون مقاومة. وكيف ان اميركا لم تبد أي اعتراض، ولو دبلوماسي، حتى حين كان الجيش يستعمل أسلحتها في الاختراق؟ أسئلة حاسمة الأهمية، لكنها لم تطرح على الطاولة، لا من قبل الكرد المصدومين بما يحدث، ولا من قبل العرب الذين اخذتهم نشوة النصر على ذات “الكردستان” التي أذاقتهم المهانة والقهر بإذلالها لقادتهم المرة تلو المرة، ومنهم العبادي بالتأكيد، فلم يعد يهمهم تفسير أو سؤال.

 

عدا هذا "التخلي عن الذيول القديمة" الذي شمل لبنان والعراق، وردت علامات مقلقة أخرى، تتميز بالتعجل وكأنها لم تعط الوقت الطبيعي لنضجها، فتم "سلقها على عجل"، لذلك تأت بالحد الأدنى من الإتقان اللازم لإخفاء حقيقتها. فانتشر للعبادي، ضمن حملة لإعادة تسويق السعودية على العراقيين، فيديو صرح فيه إن من يعتقد بأن السعودية تدعم الإرهاب فهو واهم! وقام البعض بلصق تصريح آخر له على نفس الفيديو، أطلقه قبل عام فقط، بأن السعودية أرسلت للعراق 5000 انتحاري! وربما نفهم أنه لم يكن لدى العبادي خيار سوى الانقلاب على موقفه هذا بهذا الشكل المفضوح لأنه لا توجد طريقة أخرى لتسويق السعودية، لكنه في تصريحات أخرى مماثلة أحرج نفسه بدون مبرر كاف، مثلما قال في فورة حماس للصحفيين أنه يتعجب ممن سكت على الظلم الكردستاني بما يتعلق بالـ 17% واتهمهم بالارتشاء. وقد نسي في لحظة حماسه تلك أنه كان ساكتا تماما عن هذا الأمر، بل انه كان لأربعة سنوات رئيسا للجنة الاقتصادية البرلمانية وأربعة أخرى رئيسا للجنة المالية، ولم يعترض حين كان بإمكانه أن يفعل الكثير. وفوق كل ذلك فقد وجهت اليه النائب حنان الفتلاوي سؤالا إن كان قد نسى أنه رفض طلبها الخطي بتخفيض تلك النسبة بحجة ان ذلك سيثير المشاكل!

 

كل هذه الأخطاء والمغالطات التي قد تفقد العبادي الزخم الذي يرجوه لتنفيذ ما في باله، وتدل على انه لم يستعد جيداً لأداء دوره، ففاجأ العراقيين، الذين صدقوا شخصيته الجديدة بهذه الفضائح وسبب لهم الاحراج.

 

 

قبلها، تفاجأ العراقيون بزيارة رسمية ذات حجم كبير بشكل غير معتاد، قام بها رئيس الحكومة العراقية إلى السعودية، رغم ان مصالح العراق مع السعودية لم تكن يوماً ذات أهمية تذكر، حتى انه لم يكن هناك تبادل سفراء إلا لفترات متقطعة، ولم يحصل الإعلام على الوقت اللازم لتهيئة الناس لمثل هذا الحدث.

وصرح بعد عودته مباشرة بأن الحشد لن يشارك في الانتخابات، دون أن يترك ما يكفي من الوقت بين الأحداث لإخفاء الربط المتوقع المشبوه مع زيارته! ثم بدا وكأنه بائع متجول يعرض بضاعته لزبون شكاك غير راغب بها، حين تحدث للشعب العراقي بحماس مبالغ به عن عروض سعودية لاستثمار “الصحاري” العراقية للزراعة، والتي ستوفر فرص العمل، حسب قوله، لـ "ملايين" العراقيين!! ومن السهولة تماما رؤية الكذبة في قصة العبادي من المبالغات الهائلة في الأرقام. وتفسير ذلك هو أما ضيق الوقت لإعداد القصة أو كانت المبالغة متعمدة لإحداث صدمة أمل تمنع التفكير وطرح الأسئلة. الأسئلة عن الثمن الذي تطلبه السعودية مقابل ذلك "الاستثمار"، وعن معقولية هذا الحجم المهول وكذلك السؤال إن كانت السعودية تفتقر إلى “الصحارى” لتستثمر فيها!

 

وهذا التسويق للاهتمام السعودي المفاجئ باستثمار "الصحارى" العراقية، يذكرنا بمحاولة العبادي لإعادة شركات الحماية الأمريكية الإجرامية وتسليمها الطرق الخارجية الغربية وتسويقها على انها “شركات استثمار”. وفي تلك القصة كانت هناك تساؤلات لم تطرح، حيث أن وضع العراق لا يمكن ان يغري أية شركة استثمار في العالم. فقد وضع آخر تقرير صدر عن البنك الدولي، العراق في قعر الدول المناسبة لأعمال رأس المال. وفوق ذلك لم تختر تلك الشركات من ذلك البلد، إلا اشد مناطقه سخونة وخطراً لتضع أموال استثماراتها فيها! ولنلاحظ أنها ذات منطقة "الصحارى" العراقية التي تريد السعودية "الاستثمار" فيها!

 

كيف يأمل الأمريكان أو من يضع عينه على تلك "الصحارى" العراقية، بنجاح العبادي في تسويق هذه القصص على الشعب العراقي، ومن اين يأتي بالثقة العمياء اللازمة لتمريرها، خاصة وأنهم ثبتوا في ذهن الشعب العراقي من خلال تكليف رجلهم هذا بمهام غير مشرفة بالخضوع والتراجع أمام كردستان وأميركا وتحميله مشاريعهم لتقسيم العراق مثل الحرس الوطني وتوزيع سلطات بغداد على المحافظات وغيرها. بل وأكد الإعلام العراقي التابع لهم، تلك الشخصية، وتعمدوا إهانته في البيت الأبيض بتلك الصورة المشهورة مع ترمب؟

لكي نفهم ذلك، علينا أن نعود قليلا إلى الوراء. لقد خدمت تلك الشخصية "الذليلة" للعبادي، الأمريكان الذين جاءوا به لأغراضهم، وكانت مناسبة جداً لتحويل الغضب الشعبي من المهمات المدمرة التي كلف بها، إلى ضحك واحتقار واستهزاء بالرجل. ومهما كانت مشاعر الاحتقار والسخرية سلبية، إلا انها تبقى أهون بكثير من مشاعر الغضب التي يفترض ان توجه إلى رجل سليم يتحمل مسؤوليته. وهذه الحقيقة يعرفها الساسة في العالم جيدا، لذلك هم لا يمانعون أن يضحك الشعب منهم وأن يتم رسمهم بشكل هزلي. وابتلع الشعب العراقي الطعم واكتفى بالضحك، بينما كانت بلاده وسيادته وأمواله تباع بالمزادات.

 

لكن المهمة الجديدة للعبادي تتطلب شكلا جديداً لتسويقها كما يبدو. وبعملية مستعجلة أخرى، تم إجراء عملية تجميل جراحية لشخصية العبادي وتحويلها من الشخصية التي عرف بها: شخصية الهزيل المتخاذل المعدوم الشخصية، الى شخصية "فارس" و "رجل دولة"، "حكيم" "يعمل بهدوء". وتم ذلك بحملة إعلامية ضخمة جدا وشديدة التنظيم ركزت بشكل علمي على اقناع الناس من خلال أشكال بدت "عفوية" مثل الصورة والكاريكاتير والتعليق والمقال، والكثير من الاخبار الكاذبة عن إعجاب العالم الغربي بـ "الطفل المعجزة"، مستغلة الإحساس الشرقي بالدونية تجاه الغرب والفخر بالحصول على إطرائه. هذا إضافة إلى ان العراقي "يتمنى" ان يصدق تلك القصة الجميلة السعيدة، وهذا يساعد كثيرا على تمرير مغالطات القصة التي لم تكن ستمر بنفس السهولة بدون هذا الحافز النفسي.

 

ولم يكتف الإعلام بتثبيت الصورة الجديدة المعاكسة للقديمة، بل ركزت الحملة على عملية الإنتقال من الصورة الأصلية السلبية إلى الصورة "القوية" المطلوبة، وتقديم تبريرات تسهل على العقل القبول بأن هذا الانقلاب السريع يمكن ان يحدث. فلنلاحظ مثلا عبارة "يعمل بهدوء". إنها توحي لمن يسمعها بأن التغيير لم يحدث "فجأة" وإن العبادي كان فارساً منذ البداية لكنه أخفى "حقيقته"، وبقي يعمل بينه وبين نفسه من اجل ما حدث لفترة طويلة، ودون ان نشعر به، لأنه كان يحدث "بهدوء"!

 

ما هو شكل تلك المؤامرة وحجمها ومن يقودها وإلى ماذا تهدف، وكيف نواجهها؟

 

ربما تمكنا في هذه المقالة من كشف شيء عن "شكل" المؤامرة، لكن تحديده بشكل ادق سيتكون مع الوقت وبمراقبة تطور الأحداث. كذلك اخذنا فكرة تقريبية عن حجم المؤامرة الذي قلنا انه يجب ان يكون كبيراً لدرجة تبرر كل تلك "التكاليف" الكبيرة المقدمة من اجل تنفيذها. أما من يقودها فليس هناك الكثير من الدول التي تمتلك كل تلك القوة والسلطة على السعودية والعراق لتفعل ما فعلت. وأما بالنسبة للأهداف فهناك مؤشرات قوية من قائمة الأهداف الكلاسيكية لتلك الدول وعلى رأسها تحطيم المنطقة وخاصة العراق وإيران وإلحاقها بإسرائيل مع اولوية استهداف حزب الله في لبنان والحشد في العراق، ومنعهما من لعب دور يعرقل ذلك التحطيم. وهو ما أكدته الأحداث السابقة من خطاب الحريري إلى تصريح العبادي الأخير.

 

كيف نواجه المؤامرة؟ هذه المقالة وما شابهها من كشف للحقائق هي خطوة في هذا الاتجاه، وسنحاول ان نواجه هذا السؤال بشكل مباشر في المقالة المقبلة.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.