كـتـاب ألموقع

هل تتجه منظومة الرأسمالية الديمقراطية إلى الاستقرار ام الانهيار؟ تحليل هندسي// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

هل تتجه منظومة الرأسمالية الديمقراطية

إلى الاستقرار ام الانهيار؟ تحليل هندسي

صائب خليل

12-1-2018

 

لن اتحدث هنا عن تحليل ماركس للنظام الرأسمالي، والذي استنتج منه ان الرأسمالية نظام محكوم بزيادة الاضطراب والتناقض حتى الانهيار الحتمي، رغم أنه كان إنجازا علميا كبيرا ومازال أفضل نظام لتحليل الرأسمالية، إنما سأنظر إلى الأمر من زاوية هندسية بحتة، إن صح التعبير، وسنركز على "الرأسمالية – الديمقراطية" كمنظومة اجتماعية واحدة، ونبحث حقيقة استقرارها كمنظومة هندسية.

في الهندسة لدينا منظومات للسيطرة نقوم بواسطتها بالسيطرة على مختلف الفعاليات. فعلى سبيل مثال بسيط، نأخذ خزان الماء الاحتياطي الذي يوضع فوق السطح والذي نريد أن يحتفظ بمستوى الماء إلى حد معين. ومنظومة السيطرة في هذا الخزان هو "الطوافة". وتعمل هذه المنظومة بالشكل التالي: عند انخفاض مستوى الماء بالاستعمال، تفتح "الطوافة" طريق الماء ليصب في الخزان. وبما ان الطوافة تطفو فوق سطح الماء فإنها ترتفع مع ارتفاع منسوبه. وقد رتبت الطوافة بحيث أنها إن ارتفعت ذراعها، فأنها تقوم بسد مجرى الماء تدريجيا، حتى تغلقه تماما حين يصل إلى المستوى المطلوب.

منظومة خزان الماء هذه منظومة سيطرة "مستقرة". أي انها ما لم تصب بالعطب، تقوم بالمحافظة على مستوى الماء بين حدين، وتمنعه من الهبوط دون الحد الأدنى ولا الارتفاع فوق الحد الأعلى. والسبب في ذلك هو أن زيادة ارتفاع مستوى الماء في هذه المنظومة، يقوم بنفسه بتقليل تدفق المياه ثم يقطعه، كما ان انخفاض مستوى الماء، يقوم بنفسه بزيادة تدفق الماء ليعيده الى المستوى المطلوب.

ولنلاحظ هنا الكلمات التالية الموضوعة بين علامات اقتباس بدقة، ففيها كل فكرة منظومات السيطرة: "زيادة" ارتفاع مستوى الماء تسبب "تقليل" تدفق الماء.... و "انخفاض" مستوى الماء، يقوم بـ "زيادة" تدفق الماء...

أي أن "الزيادة" تسبب "تقليل" ... و "الانخفاض" يسبب "زيادة"... أي ان كل حالة تسبب تأثيرا "معاكساً" لها، وهو ما يسمى بالهندسة، "المرجوع العكسي"** وهو الأساس في تصميم منظومات السيطرة المستقرة.

 

يمكننا بكل سهولة أن نبرهن أنه لولا هذا "المرجوع العكسي" فإن المنظومة سوف تنهار. لنفرض من اجل المثال، أننا ركبنا الطوافة بالعكس. أي بحيث انها حين ترتفع، تقوم بفتح مجرى الماء أكثر بدلا من ان تغلقه، ما الذي يحدث عند ذاك؟ سيرتفع مستوى المياه في الخزان، وترتفع معه الطوافة أكثر، مما سيزيد من تدفق الماء إلى الخزان، وهذا سيرفع مستوى الماء بسرعة أكبر، وهذا مرة أخرى، سيرفع الطوافة أكثر لتزيد تدفق الماء أكثر ويرتفع الماء أكثر وأكثر حتى يفيض الخزان ويسيل الماء من السطح.. وهكذا تنهار منظومة الخزان. في هذه الحالة لم يكن لدينا "مرجوع عكسي"، بل كانت الزيادة تسبب “الزيادة” والتي بدورها تسبب “الزيادة” ثم “الزيادة” وهكذا.

 

بعد هذه الطلة التي ارجو انها كانت مفهومة وممتعة لغير المتخصصين في هندسة السيطرة والنظم، نعود الى موضوعنا، منظومة الرأسمالية- الديمقراطية لنرى كيف تتصرف كمنظومة سيطرة.

 

الديمقراطية هي نقيض الدكتاتورية. والأخيرة تتميز بسيطرة فرد أو مجموعة صغيرة، على الحكم والقرار السياسي في البلاد. أما الديمقراطية، والتي هي "حكم الشعب" فيتوزع هذا الحكم على الافراد البالغين كلهم، بالتساوي قدر الإمكان. وعلى قدر توزيع الحكم على أفراد الشعب يكون مستوى الديمقراطية، وعلى قدر حصره بفئة قليلة تكون الدكتاتورية.

 

والآن لنضع ديمقراطية مثالية في نظام رأسمالي ولنلاحظ تأثيره عليها، وهل ان هذا التأثير يجعل من هذا الخليط منظومة مستقرة أم تذهب الى الانهيار، من خلال تطبيق مبادئ كل منهما واخلاقياته الضرورية.

في النظام الرأسمالي يكون الهدف هو الربح. ومن مواصفاته أنه يخلق تمايزا بين الأفراد في قدراتهم المالية. لذلك فيمكننا ان نقول إنه بعد فترة من تطبيق النظام الرأسمالي، سيكون لدينا بعض الناس أكثر ثراءاً من البعض الآخر. "زيادة" الثراء، تزيد من قدرة صاحبها على ابداء رأيه وايصاله إلى القرار السياسي، سواء من خلال الوصول الى طرق أكفأ لإيصال الرأي أو من خلال شراء الإعلانات أو من خلال قدرته تقديم مساعدة مادية أكبر للمرشح الذي يناسبه. وبما ان هدف الرأسمالي هو زيادة أرباحه فإن "المرشح الذي يناسبه" هو الذي يصوت للقوانين التي تزيد من أرباحه. وهكذا سيكون مرشح النصف الأكثر ثراءاً من الشعب أكبر فرصة للنجاح.

وبالتالي سيكون لدينا برلمان يميل لصالح الأكثر ثراءاً، وستكون القوانين القادمة مناسبة لهؤلاء أكثر مما هي لغيرهم. وهذه بدورها "ستزيد" ثراء الأثرياء الذين أوصلوها للسلطة. وبزيادة ثراء هؤلاء سوف يتمكنون من إيصال عدد أكبر من المرشحين للبرلمان في المرة القادمة، وأكثر حماساً لوضع قوانين لصالحهم. وهكذا سيتمكن ربع الشعب مثلا من السيطرة على نصف البرلمان، وبذلك "ستزيد" سلطة الأثرياء عليه وتتركز السلطة.

وهكذا يتكرر الأمر في كل دورة انتخابية بزيادة تركز السلطة في يد عدد اقل فأقل من الأثرياء، وبالتالي تقترب المنظومة تدريجيا ولكن بتسارع، من مواصفات الدكتاتورية: "حكم القلة". وما دامت المنظومة سائرة في طريقها بلا اضطراب، فلن تتوقف "زيادة" تركيز السلطة ولا "زيادة" تركيز المال، حتى تصبح دكتاتورية كاملة، حتى لو استمرت الانتخابات.

 

إلى هنا ينتهي التحليل الهندسي، ولنلق نظرة على الواقع السياسي للبلدان الديمقراطية الرأسمالية. فقد تبدو هذه البلدان مستمرة في "ديمقراطيتها" على العكس مما يؤشر هذا التحليل. لكن الحقيقة اعقد من هذا. فلو نظرنا الى تلك البلدان لوجدنا ان ديمقراطيتها التي بدأت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في تناقص مستمر. وأن القوانين فيها لا تتجه أبدا لزيادة الديمقراطية بل إلى تكريس سلطة الحكومة وتحرير الأثرياء من شروط المجتمع وتقليل الضرائب عليهم. وإن أخذنا أكبر تلك الدول الرأسمالية كمثال فسيكون الأمر واضحا جدا. فقبل فترة وجيزة تم إقرار قانون بخفض شديد للضرائب على الأثرياء، كما تم إقرار قانون يحرر البنوك من شروط ضمان عدم الوقوع في "الأزمة" الاقتصادية التي حدثت في 2008، وغيرها من القوانين.

 

ماذا عن الاشتراكية؟ ألا يعطي المنصب في الحكومة، بعض الأفراد قدرة أكبر على فرض آرائهم على الحكم؟ ألن يستغلوه أيضا لزيادة تلك القدرة أكثر وأكثر؟ بالتأكيد، وهذا هو ما حصل بالضبط في معظم الدول الاشتراكية، حيث تحول الحكام الى طبقة دكتاتورية أيضا.

وماهي افضلية الاشتراكية إذن؟

إن افضلية الاشتراكية هي في أن زيادة السلطة تكون سياسية فقط وليس سياسية ومادية، كما هو الحال مع الرأسمالية. وبالتالي فأن محاربة هذا الاتجاه نحو الدكتاتورية تكون ممكنة بشكل أفضل.

إذن ما هو الحل؟ الحل هو في ان نجد طريقة لـ "زيادة" عدالة توزيع السلطة على الشعب، لتعادل الاختلالات التي لا مفر منها. يجب ان تكون هناك برامج وخطط سنوية ومستمرة لـ "زيادة الديمقراطية" لمعادلة أي انخفاض محتمل لها. هذا الأمر ممكن في الاشتراكية لكنه يكاد يكون مستحيلا في الرأسمالية. فلا يمكننا ان نضع الحدود في الرأسمالية، لزيادة الفوارق المادية، ولا لسيطرة نسبة محدودة على ثروات كبيرة في البلاد. ولا توجد طريقة لمنع تحويل تلك "الزيادة" في الثروة إلى "زيادة" في تركيز السلطة السياسية تنتج بدورها "زيادة" في تركيز الثروة وهكذا في "مرجوع تصاعدي"، هو الصفة المميزة للمنظومات التي تتجه للانهيار.

 

الملخص:

إن أي خلل في التوازن الاجتماعي، سواء في الرأسمالية او الاشتراكية، سوف يتجه بطبيعة الحال نحو الدكتاتورية، لأن "زيادة" تركيز السلطة لجهة ما ستمكنها من تثبيت تلك الأفضلية و "زيادتها" مع الوقت.

من الممكن للمجتمع ان يعدل هذا الخلل ببرامج معاكسة مستمرة تهدف الى "تقليل" تركيز السلطة السياسية والمادية، وتثبيت ذلك بشكل قوانين. هذا ممكن في الاشتراكية، أما في الرأسمالية فأن قوانينها الأساسية تمنع التدخل الحكومي في إعادة توزيع المال على الشعب، وبالتالي لا توجد ضمن النظام الرأسمالي طريقة لوقف التزايد المتوالي المتسارع لتركيز الثروة، وبالتالي السلطة، وهذا يجعل تلك المنظومة تسير في طريقها نحو الدكتاتورية بلا عوائق، حتى تنهار اليها، ما لم يعرقلها شيء، وهي تبدو ماضية اليها، ليس بما يتهمها اليسار به فقط، وإنما حتى في القنوات المحسوبة على الرأسمالية نفسها**.

 

* Negative Feedback

** روابط لقنوات رأسمالية تؤكد انهيار الديمقراطية في اميركا

 

US is no longer a full democracy, EIU warns

https://www.cnbc.com/2017/01/25/us-is-no-longer-a-full

-democracy-eiu-warns.html

 

Study: US is an oligarchy, not a democracy - BBC News

http://www.bbc.com/news/blogs-echochambers-27074746

 

How you’ll know when the U.S. isn’t a democracy anymore

https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/02/

25/how-youll-know-when-the-u-s-isnt-a-democracy-anymore/?utm_term=.5e858da6294a