كـتـاب ألموقع

عدنان وسمكة الجبل// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عدنان وسمكة الجبل

صائب خليل

22 نيسان 2018

 

أحلى ما كتب عدنان عاكف في موضوعين: قصص مطاردة البعث له ولرفاقه، والتي يكثر فيها من الضحك على الحماقات الصغيرة التي ارتكبوها، والتي كادت مراراً أن تؤدي بهم الى الهلاك، وموضوع التاريخ العربي العلمي بشكل خاص، ودفاعه عنه بوجه الثعالب الناهشة من تاريخ العرب والمسلمين، والتي تكاثرت بعد الاحتلال، وبشكل خاص بحوثه في الربط بين الأدب العربي والجيولوجيا، كبحث تاريخي لمعرفة العرب العملية المختبئة بين سطور الشعر والنثر، وله فيه باع طويل وجميل.

 

يكتب عدنان: "ما أثار دهشتي إني وجدت بان الشعر القديم كان أقرب الى علم عصره" على العكس من الشعر الحديث الذي اكتفى "بالشكوى من محاصرة التقدم والتكنولوجيا للشعر والفن".

 

وفي جدل مع صديقه الشاعر بين عدنان أن "أبي الريحان البيروني كتب أفضل ما صدر عن المعادن حتى القرن السادس عشر. وقد استشهد بأكثر من 320 بيت من الشعر العربي" مؤكدأً: ما قولك بشأن جلمود امرئ القيس الذي "حطه السيل من علِ؟" واعلم ان أول محاضرة في مادة الجيولوجيا في الكلية كانت بالذات عن الجلاميد التي تحطها السيول من علِ!

 

- لكن كن حذرا وانت تقرأ وإلا سيحصل معك ما حصل معي. لم أعد أرى في الشعر إلا الجلاميد والصخور التي تتدحرج من قمم الجبال...

وما رأيك بـ: تتناثر الأطواد وهي شوامخ **** حتى تصير مداوس الأقدام

الظاهرة الطبيعية العامة التي تتحدث عن تغير معالم سطح الأرض حيث تتكسر الجبال الصخرية القوية الراسخة لتتحول الى أرض مستوية.

 

وحصل عدنان على مكافئته: "لم تذهب جهودي المضنية في اعداد محاضراتي “الجيوشعرية” مجانا. لقد سدد مهدي أجور الدروس الخصوصية بقصيدة سأبقى أعتز بها، ليس فقط انها من شاعر صديق، وليس لكونها مهداة الى الجيولوجي، بل وأيضاً لكونها أول قصيدة عربية حديثة تتناول موضوعا يخص ماضي الأرض وتأريخها الموغل في القدم".

 

يكتب عدنان باعتزاز أن الغالبية العظمى من علماء الجيولوجيا في أوربا حتى منتصف القرن الثامن عشر رفضت المعطيات العلمية الجيولوجية. ولكن علماء مثل البيروني وابن سينا والدمشقي وغيره استخدموا السمكة التي عثروا عليها داخل صخور الجبل للتأكيد على ان هذا الطود الشامخ كان ذات يوم، قاعاً للبحر!

 

وهناك الكثير من أبيات الشعر التي تتطرق الى دورة المياه في الطبيعة والتي يزعم البعض انها لم تكتشف إلا بعد القرن السادس عشر، ولنبدأ بالشاعر الضرير، الذي كان يرى اللامرئي: المعري!

وقد يُجتدى فضل الغمام وإنما **** من البحر فيما يزعم الناس يجتدي

يقول الطغرائي حول نفس الموضوع: فإنـي رأيـت الـغـيـم يحمـل مــاءه **** من البحر غمرا ثم يهدي له قطرا

وهذا ما قاله ابن خفاجة: وسخا الكرام بما استمدوا منهم **** ان البحار لمنشأ الأمطار

 

يختتم عدنان مقالته هكذا:

"ستبقى سمكة مهدي راسخة في الصخر الى الأبد.. كذلك ستبقى قصائده في ذاكرة الأجيال القادمة لتذكرهم ان الشعر الجيد الأصيل انعكاس للحياة وديمومتها. ستتفتت صخور الجبل وسوف تحط السيول الجلاميد ليتغنى بها امرؤ قيس جديد، وسيتناثر "الطود الشامخ" ويتحول الى "مداوس الأقدام" وسوف تجرف مياه الأمطار والسيول الحصى والحجارة والرمال الى الوديان لتمضي الى الأنهار التي ستوصلها الى البحر، حيث تسبح سمكة مهدي. وهناك عند قاع البحر، ستتكاثف الرواسب لتغوص في أعماق الأرض فتتكون منها صخور جديدة، لتنهض فيما بعد وتنبثق من الأعماق فيرتفع جبل جديد، طود شامخ آخر، عند قمته "جلمود" يحمل سمكة مهدي، لـ "يحطه السيل من علِ"، ويبدأ دورة حياة جديدة ... لا تنتهي."

 

هذا الصباح غادرنا عدنان ملتحقا بصديقه مهدي، وسمكتهما الجبلية.. بعد صراع مع سرطان لم يمهله طويلا، تاركا في قلب احبابه صدمة، وغصة وألم. فوجهه المميز الساخر والمتناه الطيبة والأمانة، لا ينسى ولا يتكرر.. مهما تكررت دورات الحياة. عزاؤنا في هذا المصاب أننا نعمنا حيناً بصحبته وأنه ترك في ذاكرتنا صورة لا تنسى لابتسامته الممزوجة بالكبرياء والتواضع... وداعاً عدنان.. ستبقى في القلب..