اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

كيف نتجنب دفع تعويضات حرب إيران؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

كيف نتجنب دفع تعويضات حرب إيران؟

صائب خليل

22 آب 2018

 

هم يريدون التعويضات عن حرب الثمانينات، وهذا شيء طبيعي جدا، لأنها كانت عدوانا عليهم، ونحن نريد رفضها، وهذا طبيعي جدا أيضا، لأن من قام بها لم يكن منتخباً ولا بإرادتنا ونحن مثلهم ضحاياها. كل يستطيع ان يعطي أسبابا لموقفه ويدافع عنه، وليس أي من الاثنين مجنونا أو منافقا، ولسنا أعداءاً ورغم ذلك طبيعي أن يتبنى كل منا هنا، موقفا مختلفا، فمن سيكسب؟

 

وقد حددنا هدفنا، دعونا نفكر ونتساءل أولا: ما هي الحالة التي يمكن فيها لإيران ان تجبر العراق على دفع التعويضات؟

بشكل عام وفي ظروف هيمنة إسرائيل- اميركا على القوة العسكرية والمؤسسات الدولية، يتوجب تحقيق شرطين فقط لا اكثر لكي نجد انفسنا مجبرين على الدفع: الأول: أن تأتي حكومة إيرانية تطالب فعلا بالتعويضات، والثاني: أن تريد أميركا وإسرائيل أن يتم دفع تلك التعويضات لإيران!

 

أي يكفي أن تأتي لإيران حكومة ترى مصالح ايران في المكاسب المباشرة والآنية، أو ان تكون فاسدة تأمل ان يستفيد أعضاؤها من تلك التعويضات. إضافة إلى ذلك يجب ان تحصل على الدعم الشعبي لمثل تلك الاتجاهات وذلك المطلب.

 

أما الشرط الثاني فيتطلب أن يكون إرضاء تلك الحكومة أكثر فائدة واهمية لإسرائيل وأميركا من إرضاء حكومة العراق وشعب العراق. إن تحقق هذان الشرطان فسوف ندفع، بشكل أو بآخر، حتى لو لم يكن هناك قرار دولي، فهذا سيأتي حتماً. إذا على العراقيين ان يفعلوا المستحيل لمنع هذين الشرطين من التحقق وأن نمنع أي تغيير يساعد وجودهما.

 

 

يتطلب الشرطان تغيير وضع إيران فتأتي الحكومة الإيرانية المناسبة القريبة من أميركا وإسرائيل بما يكفي، وتمتلك الدعم الشعبي اللازم للمطالبة بالتعويضات. وهذا الأخير يتطلب ان يتغير شعب إيران أيضا بهذا الاتجاه، فكيف يمكن ان يحدث هذا؟

 

إن اهملنا قصص المهووسين بفوبيا إيران والمستعدين لتصديق كل الخرافات السلبية عنها (مثل انها متفقة مع إسرائيل وأميركا وتدعم الحشد وداعش معا الخ) من جهة، ومن الجهة الأخرى أولئك المستعدين لتصديق أنها بلد من الملائكة، كل شيء فيها وضع بخدمة ظهور الإمام المهدي، ونظرنا الى إيران كدولة وشعب تحكمهما بدرجة أو بأخرى ذات العوامل التي تحكم الدول والشعوب، فإنا سنتمكن بسهولة من رؤية أجزاء ايران المختلفة الرؤى وتياراتها المختلفة الاتجاه، وكيف ينتج القرار السياسي فيها من صراع تلك التيارات وقوتها النسبية.

 

إن بسطنا التحليل الى تيارين فقط، يمكننا أن نقول ان هناك تياران اساسيان متصارعان في إيران. الأول هو التيار الديني الإسلامي – الشيعي، والذي مازال يسيطر على القرار السياسي في ايران حتى هذه اللحظة، والتيار الذي ينافسه ذو الاتجاه القومي الفارسي + الليبرالي. الأول يرى مصلحة إيران ضمن وداخل البيت الإسلامي، وأن المصلحة النهائية هي في التعاون بين المسلمين في مختلف الدول، وأن على إيران ان تجد وتبحث وتقبل التضحيات “المؤقتة” من أجل تحقيق ذلك الهدف البعيد والسامي.

اما التيار الثاني (القومي والليبرالي وجميع الاتجاهات غير الإسلامية) فيرى أن التركيز يجب ان يكون على مصلحة البلد المباشرة والتخلي عن أي ارتباط بالإسلام والمسلمين والعرب، لأن هذا كلف ويكلف ايران الكثير جدا، وأن على ايران ان ارادت التطور والرفاه بإمكانياتها الكبيرة، ان تتعامل ببراغماتية ولا تناطح اكبر القوى في العالم، بل تتعاون معها وتقنعها بأن ذلك سيكون في مصلحة الطرفين.

 

لا شك أن هدف إسرائيل وأميركا هو استعادة إيران الى خندقهما، كما كانت أيام الشاه. وهما مستعدتان من اجل ذلك ان تقدما الكثير. رؤية إسرائيل وأميركا تتطابقان مع رؤية التيار القومي والليبرالي في إيران، فكلاهما يرى مصلحته بتغيير إيران لتكون بعيدة عن المسلمين والعرب. ومما لا شك فيه ان هذه المجموعات تتعاون مع بعضها لتحقيق هذا الهدف، رغم الصعوبات المتوقعة. وسيحاول الجانب الإسرائيلي الأمريكي، ان يدعم هذا الاتجاه بالإعلام وبتقديم الحجج اللازمة لدفع الشعب الإيراني، بعيدا عن العرب – المسلمين. هناك أداتين رئيسيتين لذلك: الأولى زيادة معاناة المواطن الإيراني إن اختار البقاء مع هويته الإسلامية، وإغرائه بالبديل القومي قدر الإمكان. وما الحصار الجديد على ايران، الذي تبناه العبادي بصلافة، إلا تشديد للحصار الطويل الذي صمم من اجل ذلك.

أما الأداة الثانية لسحب المواطن الإيراني، فهي إقناعه بأن ذلك الهدف الاستراتيجي والحلم الإسلامي البعيد، لن يتحقق أبدا، وأن تضحياته بلا معنى، وأن ذلك التقارب الإسلامي مجرد وهم، وبالتالي سيكون مضطراً عاجلا أو آجلا إلى القبول بعروضهم.

 

ما الذي يفترض بالعرب أو العراقيين على وجه التحديد عمله من اجل مصلحتهم بالذات ولمنع ان لا تتجه الأمور إلى ذهاب ايران إلى الخندق المقابل أولا، ومطالبتها وحصولها على التعويضات العراقية ثانيا؟

الأمر بسيط: ان يفعلوا عكس ما يفعل من يريد سحبها. أن يجعلوا كلفة بقائها في خندقهم أقل ما يمكن، من خلال افشال الحصار قدر الإمكان، وأن يعطوا الإيرانيين الانطباع بأن الشعب العربي يقدر تضحياتهم ويعمل مثلهم على الهدف البعيد المستقل عن التأثير الإسرائيلي الأميركي. أي ان يفعل العراقيون ما يفعله السوريون والمقاومة اللبنانية، وهو ما أمن لشعبي هذين البلدين استفادة عظيمة من العلاقة مع ايران. لكن الجانب الآخر يفطن إلى هذه المعادلة أيضاً ويفعل كل ما بوسعه لمنع العراقيين من اتخاذ الموقف الذي يناسبهم. فعمل الأمريكان على أن لا يتمتع العراقيون باستقلالية القرار كسوريا او المقاومة اللبنانية، بأن تحكمهم حكومة يعينها الامريكان لتضمن مصلحتهم في هذا القرار وغيره. وهي تتصرف بالضبط كما يريد الامريكان تجاه إيران: دفعها باتجاه الخندق الإسرائيلي الأمريكي!

 

قرار العبادي بمشاركة الحصار على إيران يضمن زيادة كلفة بقاء المواطن الإيراني في الخندق الإسلامي من خلال تضييق الحصار بإشراك العراق به من جهة، ويضمن زيادة يأس المواطن الإيراني من التقارب الإسلامي الذي مازال يحلم به. وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك! وإن تذكرنا ان حكومة العراق تعتبر "شيعية"، نعلم مقدار خيبة الأمل التي تصيب الإيراني جراء ذلك.

من الناحية الإعلامية، لا شك ان السعار المجنون الذي انطلق منذ أيام "احمد العلواني" في حديثه عن ايران قبل سنين طويلة، وانتهاءاً بتظاهرات التيار الصدري المليونية التي تهتف "إيران بره بره" في الوقت الذي تعسكر فيه القوات الامريكية والتركية بكل امان في العراق، وكذلك تصريحات مثال الآلوسي وفائق الشيخ علي وحيدر الملا وغيرهم كثير، والإعلام المغرق بنشر الأكاذيب عن ايران والنتيجة المخيفة من كمية الكره التي اثارها ذلك بين أبناء الشعب العراقي وفوبيا شاملة تجعل قول أية كلمة دفاع عن ايران مخاطرة تعرض صاحبها لأشد التهم قباحة، حتى لو كان ما يقوله تنبيها إلى كذبة إعلامية تافهة تم فضحها، (مثل مزرعة الحمير المخصصة للتصدير للعراق). لا شك ان هذا كله يتم نقله بوسائل اعلام مخصصة لتصل إلى كل إيراني، وربما مضخمة ومدعمة بالأكاذيب، كما تصلنا الاخبار عن ايران. ومثلما تجد هذه الاخبار من يصدقها ويشحن كراهية ضد ايران، فإن المقابل ستجد أكثر من هؤلاء في إيران وستشحنهم بالكراهية ضد العراق والعرب، خاصة وأن نسبة العرب المتطوعة لحث الكراهية، عالية جدا.

 

ماذا عن التقرب من أميركا؟ ألا يحمينا ذلك التقرب لها وقبول دور الهراوة في يدها، من دفع التعويضات؟ سؤال جيد رغم انه لا أخلاقي. فيفترض أن يرفض أي إنسان له كرامة هذا الدور حتى لو كان يحقق له اهدافه. لكنه رغم ذلك لا يحقق أهدافه! لماذا؟

لأننا ببساطة بتسليم امرنا بيد أميركا، فإننا سنفقد اية ورقة للضغط عليها، وستستطيع ان تحصل على كل ما تريد منا، دون أن تلبي أية رغبة لنا او مصلحة. المنتهك الذي يتم ابتزازه مثلنا لا يدفع لأنه يريد ان يدفع، إنما لأنه لا يملك ان يرفض، وهم يعلمون ذلك ويعلمون أنهم ليسوا مضطرين لأخذ مصالحه بنظر الاعتبار. انظروا الى حكام السعودية مثلا. ان دورهم في دفع فاتورة المؤامرات الامريكية على العرب وغير العرب، كلفتهم الكثير جدا جداً، ويفترض أن "تداريهم" اميركا. لكن مع ذلك تطالبهم أميركا بمهمات تحطمهم أمام شعبهم مثل إبداء التقرب من إسرائيل وتبني مشاريعها. أميركا تعلم أنها ليست بحاجة لمداراة مصالحهم، فهم سيدفعون مهما فعلت بهم. وبنفس الطريقة نلاحظ أن رئيس وزراء الأردن رد بجفاء عجيب على قرار المالكي بدعم حكومته بالنفط المخفض ورفض ان يشكره. إنه يعلم أن المالكي لم يكن يملك ان يقول "لا"، وأنه يدفع الجزية صاغراً، وليس متفضلا. إنه لا يملك ورقة مفاوضات تضطر الأردن لمجاملته. وهكذا ستعامل اميركا العراق دائما، مادام يحكمه رجل قامت بتنصيبه بنفسها. ستستعمله كهراوة لضرب ايران، وإن اشترطت إيران أن تمنح تعويضات من العراق لوقف دعم المقاومة اللبنانية، فستنسى أميركا العراق وتقف معها! فهذا بالضبط ما تطالب به اميركا من إيران لوقف الحصار!

 

عندها سيستيقظ العراقيون من سباتهم الطويل على كابوس مهول، ويرون أن الحكومة الإيرانية القديمة التي هتفوا لتطلع "بره بره" وساعدوا الأمريكان على اسقاطها، تعتبر ملاكا رحيما بالنسبة للحكومة الجديدة التي اسهموا في خلقها في ايران! سيكتشفون أن ما اعتمدوا عليه هو فراغ، لكن الوقت سيكون قد فات، تماما كما اكتشف السنة في المدن التي هتفت "قادمون يا بغداد"، زيف ما اعتمدوا عليه. وبدلا من أن يجدوا انفسهم يحتلون بغداد، وجدوا انفسهم تحت احتلال داعش، ولا أثر لمن كانوا يحثونهم ويؤلفون لهم هتافاتهم، ولم يعد هناك أي جهة يرجون دعمها أو منفذ للخلاص.

 

هكذا نرى أنه، وبالرغم ان مواقف ايران لم تكن مثالية يوما، وخاصة بعد مجيء ليبراليي السوق بقيادة روحاني، فإن مشاركة العدوان الاقتصادي الأمريكي عليها وعلى شعبها خطأ قاتل وفخ مميت، وأن أولئك الذين يحثون العبادي على تبني الموقف الأمريكي بمحاصرة إيران، آملين بأن تحول العراق الى هراوة أمريكية سيجعل له حظوة عندها، إنما هم من يدفع الأمور باتجاه خسارة إيران وخسارة التعويضات وأنهم هم وليس أولئك الداعين لرفض المشاركة بالحصار الأمريكي، والمتهمين بالتبعية لإيران، من يدفع الاحداث نحو انقلاب إيران الى الخندق الآخر واجبار العراق على دفع تعويضات لإيران وخسائر أخرى لن يقوم بعدها ثانية!

عندها لن تنفع شعارات "العراق أولا" ولا الصرخات الرافضة لحق ايران بالتعويض وفق القانون وعدم وجود القرارات الدولية، لأن تلك القرارات ستتواجد عند الحاجة اليها. إن من فشل في منع حكومته من دفع الجزية للأردن، لن ينجح في منع اجبارها على دفع المزيد لإيران إن وضعته أميركا أمام الأمر الواقع!

 

لذلك كله، الطريق الوحيد لمنع دفع التعويضات هو بمنع إيران من الانقلاب الى الخندق المقابل. هو برفض المشاركة بالحصار، وليس العكس! هكذا فقط يحقق شعار "العراق أولا" أما الاتجاه الآخر فلا يحقق سوى شعار "إسرائيل أولاً"، مهما كانت النوايا.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.