كـتـاب ألموقع

الحشد بسالة واعية في الميدان وتخاذل ومساومات في السياسة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

الحشد بسالة مبدئية واعية في الميدان

وتخاذل ومساومات وضياع في السياسة

صائب خليل

15 كانون الثاني 2019

 

لماذا تدل القرارات اللامبدئية على ضياع سياسي؟ اليست اللامبدئية هي ما يميز "لوتية" السياسة، والذين يعلمون الآخرين أن "لا أخلاق في السياسة"؟ الا يتميز كل الذين ارتفعوا في السلم السياسي، بإهمالهم الأخلاقية والمبدئية عندما يعلمون بالسياسة؟

نعم لكن يقال: ما كان دواءاً شافياً للبعض، قد يكون سماً قاتلاً لغيرهم. ما يصلح لـ "لوتية" السياسة الذين يعتمدون على خداع الشعب خدمة للصوصه ومحتليه، لا يصلح لمن قدم نفسه كمدافع عن الشعب. أمثال "خميس الخنجر" أو "خالد العبيدي" أو "مثال الآلوسي" لم يصلوا في الحقيقة الى ما وصلوا اليه بفضل تخليهم عن الأخلاق، وإنما بالرغم منه. لأن كان هناك محتل مستفيد منهم، يقوم بالتغطية على لا اخلاقيتهم ويدعمهم بآلة إعلامية هائلة، ودعم سياسي وتزوير انتخابي وضغط على الآخرين لقبولهم. أما من يريد خدمة الشعب ومن يضع نفسه حاجزاً بين المحتلين وبين هدفهم في ذبح الشعب وسلب ارضه وسيادته وثرواته، فلن تتحول لامبدئيته إلا إلى فضائح له! من يقف مع الشعب ليس له سوى المبدئية والسمعة، فإن لم تكفه، فعليه ان يترك المعركة!

"لوتية" السياسة وفاسديها، يعرفون مصادر قوتهم، لكن من يقلدهم بغباء سيضحي بمصادر قوته ولن يحصل مقابلها على شيء! وهنا يكون الغباء في اللامبدئية نفسها. فالسباق على رضا المحتل بين المنتفعين، هو سباق على القدرة على الانحطاط، وأنتم مهما ساومتم وهبطتم، لن تنافسوا عمار الحكيم وفريقه وعادل عبد المهدي وامثاله في استعدادهم للانحطاط. ومهما طمأنتم المحتل بأنكم "جنحتم للسلم" فلن يطمئن اليكم قدر ما يطمئن إلى أزلامه القدماء الذين خبرهم جيدا. كل ما ستحصلون عليه من هذه المحاولة البائسة، هو تعريض أنفسكم للخطر، بالتخلي عن ثقة جماهيركم بكم، وهو رأسمالكم الوحيد! فحين تدخلون مع الفاسدين وعملاء الاحتلال لتلعبوا اللعبة بقوانينهم، ستكون خسارتكم حتمية، إضافة إلى كونها عمل غير مشّرف. وبالتالي فتخليكم عن المبدئية كان حماقة ايضاً، وليس خللا أخلاقيا فقط.

لقد ضحيتم بسمعتكم بتقديم الوزراء الإرهابيين، وجعلتم من أنفسكم اضحوكة، وبلا أي مقابل. ولا ادري كيف ستتحدثون عن "دماء الشهداء" مستقبلا!(1)

 

اللامبدئية في قرارات قادة الحشد، من الترحيب بشخصيات مشبوهة بل واجرامية بحق العراق، تأكدت واتضحت بشكل ساطع ومؤسف، في العراك الأخير بينهم وبين تيار الحكمة الذي يقوده عمار الحكيم، والذي اثار أسئلة عديدة.

فلم يعرف احد ان لدى هذه المجموعة القدرة على ان تحشد تظاهرات، إلا بعد الهجوم الإعلامي لقناة الفرات على الحشد وقادته! فلماذا أخفت قيادات الحشد تلك القدرة ولم تستخدمها يوماً احتجاجاً على أي من المصائب التي انزلتها حكومة العبادي ثم حكومة عبد المهدي قصيرة العمر بالعراق؟ انها لم تنزل تظاهراتها حتى ضد القرارات الحكومية العسكرية الكارثية في إعادة القوات الأمريكية إلى البلاد في عهد العبادي، ولم تفعل أي شيء من هذا القبيل حين دخل ترمب العراق محتقراً سيادته عن عمد، ولم يقترح احداً أية تظاهرات حين دخلت القوات الأمريكية شارع المتنبي باحتقار جديد لسيادة العراق! كانت هناك فقط تهديدات تفتقر الى المصداقية، تماما مثل "تحذير" مقتدى الصدر، الذي جلس القادة العسكريين الأمريكان تحت صورة ابيه واعمامه في تحد قد لا يكون مصادفة، أنهم يجب ان "لا يكرروها"!

 

الموقف الأشد انعداماً للمبدئية كان في المعركة الإعلامية حول مصفى بيجي وعملية سرقته. فحين اتهم جماعة عمار العصائب بسرقته، قامت العصائب بنشر فيديو لأول مرة يصور اكتشافهم للمعدات المسروقة وسلموها الى وزارة النفط، التي كان يقودها جبار لعيبي، المرتبط بجماعة الحكيم، وأنها اختفت بعد ذلك!

لماذا لم تتحدث العصائب عن تلك السرقة قبل الآن؟ التفسير الوحيد هو تفسير لا أخلاقي: الاحتفاظ بالملف للمساومة عليه لحماية مصالح قيادات الحشد! هذا يذكرنا بالأسلوب سيء الصيت الذي اشتهر به حليفهم المالكي حين كان يحتفظ بملفات خصومه ليستخدمها عندما يهاجمونه، وكان يخفي حتى ملفات الإرهاب بهذه الطريقة.

هذا بالتأكيد ليس دفاعا عن عمار الحكيم وحزبه، فهم في الفساد والتبعية الامريكية بلا منافسين. والحقيقة ان اصطدام عمار الحكيم بالحشد هو ما يعطينا الأمل أن الحشد مازال تهديداً للفاسدين، ولو لم يكن كذلك لتمكنت بقايا المجلس الأعلى هذه، وهي مركز الفساد الأشد والتواطؤ الأكبر مع الاحتلال وتفريخ التوابع المطيعين مثل عبد المهدي، من التفاهم معهم. لكننا نأسف أنه بدلاً من ان يكون الحشد نموذجا معاكساً اميناً على مصالح الشعب يحميها من هذه العصابة وغيرها بفضحها في الوقت المناسب، فإنه يتركها تغرس خناجرها سنوات إضافية في هذا البلد، لكي لا يضحي بملف يمتلكه عليها لحماية نفسه ومصالحه.

 

الجريمة الأخلاقية الأخرى هي الموافقة على دعس الدستور بالأقدام واحتقار أصوات ناخبيكم بالموافقة على ترشيح رئيس الحكومة بشكل ينتهك الدستور بشكل لم يسبق له مثيل منذ الاحتلال وحتى اليوم! هذه الجريمة التي اشتركت بها جميع القوى الكبرى وتآمرت على الدستور وعلى الشعب بشكل سيبقى وصمة عار في جبين كل شخص شارك فيها بلا استثناء.

 

 

 

لقد انتقم الدستور منكم كما ينتقم القانون ممن يدوسه(2)، وتم إيقاف قائمة ترشيح الوزراء بطريقة مافيوية من قبل خصومكم، دون ان تستطيعوا فتح فمكم بانتهاك الدستور، لأنكم تآمرتم عليه واسهمتم بدعسه بأقدامكم في ترشيح هذا الرئيس، وجعلتموها طبخة سرية لا يعلم بتفاصيلها احد! الطبخات السرية هي أيضا، مثل المواقف اللامبدئية، لعبة "لوتية" السياسة وأصدقاء الاحتلال، ويفترض بمن لم يكن معهم، وكان مستهدفاً من قبل الاحتلال، ان يرفض الدخول فيها. فمن يحطم القانون، يصبح عارياً. انه موقف لا أخلاقي للجميع، لكنه موقف احمق ايضاً بالنسبة للمستهدفين!

 

الغاء التظاهرة لم يكن حكيماً هو الآخر! لقد كانت فرصتكم لإظهار جماهيركم وزيادة ثقة المقابل بقوتكم، وزيادة ثقة جماهيركم بنفسها والتدرب على التنظيم والتعبير عن نفسها. والسبب في الإلغاء نفسه ضعيف جداً: "لخاطر "فخامة" رئيس الجمهورية!! لماذا لم تؤجلوا "خاطره" إلى ما بعد التظاهرة، لخاطر جماهيركم التي كانت قد جهزت نفسها؟ لماذا لم تعتذروا منه انكم اعطيتم كلمة لجماهيركم وأنكم تحترمونها وتحترمون كلمتكم ولن تستطيعوا الغاءها، وأنكم مستعدين للتفاهم بعدها؟

 

لقد كانت الموافقة على تولي عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة حماقة كبيرة، وكنتم قادرين تماما على رفضه، برفض التآمر على الشعب مع الباقين لترشيحه. حتى غير المتابعين يعرف ان عادل عبد المهدي من اشد ساسة العراق خضوعاً للأمريكان، وانهم كانوا يجهدون لسنوات لإيصاله الى الحكم، منذ اسقطوا الجعفري(3). والمفروض بمن وضع نفسه موضع المواجهة مع الاحتلال، أن يكون صاحياً لخطر ان يحكم البلد من يريده الاحتلال بالضبط. اليس عبد المهدي خريج نفس وكر الثعابين الذي يعضكم الآن؟ أو ليس القضاء على الحشد اهم أولويات الاحتلال؟ ما الذي قرأتموه في تاريخ عبد المهدي جعلكم تطمئنون اليه؟ ما الذي قرأتموه في خططه؟ هل قرأتم مشروع شركة النفط الوطنية التدميري الذي قام بتمريره خلسة في نهاية الدورة البرلمانية السابقة مع بحر العلوم وعدنان الجنابي؟ هل اطلعتم على آراء خبراء النفط الشرفاء فيه لتعرفوا من هو عبد المهدي، وما الذي يعده لهذا البلد؟

بل أن البعض منكم قال انه يدعم الاستثمار والخصخصة، والتي يعرف أي متابع بسيط، أنها من أدوات التدمير الاقتصادي الأمريكي للبلاد، فهل حقاً درستموها قبل ان تتخذوا موقفا منها؟ ألم يثر الشك لديكم، هذا الحرص الأمريكي على فرضها على البلد؟ وهل قرأتم كم مشروع اقتراض من البنك الدولي يعد عبد المهدي؟ وهل تعلمون ما معنى القروض من البنك الدولي وما هو اثرها على بلدكم؟ إن كانت القراءة صعبة عليكم، ما رأيكم بمقولته الأخيرة حين قال ان السيادة لا علاقة لها بتواجد القوات الأجنبية في البلاد؟ كيف يمكن لخطابكم المعاكس ان يتفق مع هذا الكلام الخطير الذي يشي بكل شيء، وماذا ستقولون لجماهيركم التي وضعت املها فيكم لإخراج المحتل من البلد؟(4)

كيف يدعو الخزعلي إذن "لإعطائه الفرصة" للحكم، وهو التابع المطيع لأميركا؟!

 

ماذا عن التخاذل؟ السياسة التي يتبعها الحشد كلها تخاذل! قبول الخنجر تخاذل، وليس غباء ولا مبدئية فقط، وكذلك التراجع عن التظاهرة تخاذل، وقبول اللعب بقوانين العدو تخاذل، والتأمل الواضح برضى العدو عنكم تخاذل. وترك زيارة ترامب واختراق العسكر الأمريكي لبغداد بدون حتى تظاهرة احتجاج، دع عنك العمل القتالي، تخاذل ما بعده تخاذل! فحتى أحزاب المعارضة السلمية الحقيقية في الدول الأخرى يمكنها في مثل هذه الحالة ان تدعوا لتظاهرة احتجاج، وأنتم احجمتم حتى عن هذا!

 

كيف يدافع جمهوركم عن مواقفكم المتخاذلة؟ الخطاب الذي يسود اليوم المدافعين عن مواقفكم، يتمثل باستبدال المحاججة ببطولة ومبدئية الحسين، بـ "الحكمة" المقتبسة من احداث أخرى وشخصيات أخرى من التاريخ. إنه ذات التحول الذي جرى على جماهير التيار الصدري الذي لم نعد نسمع منهم سوى القنابل الصوتية واخبار من "عقدوا الصلح" مع الظالمين من جهة اخرى. جمهوركم مثل جمهورهم، صار ينبش التاريخ بحثاً عن الأمثلة التي تبرر الاحجام عن اتخاذ الموقف المبدئي، ومن يريد ابتزاز التاريخ ليستنتج منه ما يريد لن يفشل في ذلك ابدا، وسيقدم له التاريخ أية حجة يريدها لتبرير أي موقف يريده.

 

ما الذي دفع بقادة الحشد إلى هذا التخبط الرهيب؟ يقول احد المعلقين: المقاتلين لا يصلحون للسياسة! لكني أتصور أن السبب الحقيقي هو تصديق قادة الحشد هذه "الحكمة" وقرارهم أن ينزعوا ثوب قتالهم ليلبسوا ثوب السياسة كما تصوروه: المراوغة واللامبدئية. وهذا أمر مؤسف. فإن كان للعراقيين من امل بهم، فهو ان يبقوا بلباس المقاتلين وهم في مجلس النواب، لا ان يضيفوا إلى العراق ساسة "لوتية" آخرين! ان تقدم نفسك كمحارب مبدئي في السياسة، كما كنت في الميدان. قد تهزم، لكنك تكون قد انتصرت لشعبك ولمبدئك ولنفسك، واعطيت مثالا ناصعاً وأملاً للناس، وتهديداً لأعدائهم. لقد دخلت المقاومة اللبنانية ميدان السياسة، فهل تميع قادتها فصاروا مخلوقات مراوغة معدومة المصداقية؟ 

 

ما أردت قوله في الخاتمة، أن هذا الطريق الذي سلكتموه، والذي لا استبعد ان يكون نتيجة لاختراقكم، كما حال الصدريين، هو طريق مهلك. فلستم المرشحين لصداقة أميركا، أو رضاها، او حتى تساهلها معكم، مهما فعلتم، وستبقون هدف انتقامها دائما، وستكون هذه المهمة هي المهمة الأولى من كل اتباعها، من عمار الحكيم الى عادل عبد المهدي. وما تفعلونه بهذا التراخي ليس سوى تسهيل الأمر عليها وعليهم، بالتخلي عن جماهيركم واملها بكم، وبالتستر على عملائها بملفات كان بإمكانكم توجيه ضربة استباقية بها، وبتآمركم على الدستور الذي يفترض ان يحميكم وباحتقاركم لناخبيكم بتفاهمات المحاصصة السرية وبقبولكم عبد المهدي - اشد من يمكن ان يمثل خطرا عليكم وعلى بلادكم، لرئاسة حكومتها بالغش.. بكل هذا أنتم تحفرون قبر العراق، بعد ان كنتم أمله الأخير.. ولكن قبل كل شيء، تحفرون قبوركم انتم! فاصحوا قبل فوات الأوان!

 

(1) البلادة في تعامل السياسي العراقي مع صورته امام ناخبيه

https://www.facebook.com/saiebkhalil/photos/a.35069316498775

9/2093814137342311/

 

(2) انتقام القانون: صائب خليل

 https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2018/12/19/480536.html

 

 (3) عادل عبد المهدي – الأخطر! صائب خليل

http://www.albadeeliraq.com/ar/node/1440

 

(4) إيصال هذا الرجل الى الحكم جريمة مخلة بالشرف!!

 http://www.alnoor.se/article.asp?id=343700