كـتـاب ألموقع

مؤتمر وارشو ورد فعلنا- لا تكن أداةً إعلاميةً بيد اعدائك// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

مؤتمر وارشو ورد فعلنا- لا تكن أداةً إعلاميةً بيد اعدائك

صائب خليل

 

رد الفعل الإعلامي للجماهير العربية، على مؤتمر العار في وارشو كان متوقعاً وطبيعياً، لكنه غير صحيح للأسف! لكن اليس هذا متناقضاً؟ كيف يمكن أن يكون رد الفعل "الطبيعي" .. "غير صحيح"؟ كان في تقديري نتيجة سياسة إعلامية إسرائيلية مدروسة بعبقرية وعلمية، وكان هناك توجيه للتفكير العربي لكي "يساعد" الإعلام الإسرائيلي للوصول إلى اغراضه، دون ان يدري.

 

رد الفعل الإعلامي (الطبيعي) للجمهور العربي كان نشر الفضائح التي ارتكبها قادة العرب وصورهم وهم مع نتانياهو مع تعليقات إعلامية متنوعة أو حتى بدون تعليق. وشمل النشر أيضا فيديو أو اكثر قيل ان مكتب نتانياهو قام "بتسريبها" للإعلام، فيها يتحدث هؤلاء عن "الخطر الإيراني" وضرورة التعاون ضده الخ.

 

لكي نقيم صحة رد الفعل، يجب ان نقرر ان كان في صالح إسرائيل وخطتها الإعلامية أم ضدها. ولأجل ان نعرف ذلك يجب ان نحاول ان نتوقع ما الذي تريده إسرائيل وكيف تقيس نجاحها الإعلامي في الاستفادة من هذا المؤتمر، وبالتالي يكون رد فعلنا المناسب هو ما يعرقل ما تريده إسرائيل الى اقصى درجة ممكنة.

 

ملاحظة جانبية ضرورية: الهدف الوحيد من المؤتمر هو إعلامي، لأنه عديم القيمة من جميع النواحي الأخرى.

 

فهو أولا ليس مؤتمر حقيقي لأن هذه ليست دول مستقلة (عن الإرادة الأمريكية الإسرائيلية)، ولم تأت لكي "تتفاوض" وتتناقش على خطة، وتكون لديها اقتراحات مختلفة تود عرضها على بعضها البعض لاستنتاج خطة العمل والتنفيذ وعلى الدور الذي يجب ان تلعبه كل منها لتحقيقها. ولا المؤتمر يمثل حكومات تحاول ان تجد القاسم المشترك بين مصالح شعوبها، ودفع الخطة بالاتجاه الأنسب لها.. إنهم مجموعة عبيد مأمورين، يتلقون الخطة كاملة، او بالأحرى يتلقون ادوارهم فيها فقط، وعلى الأغلب لا يتم اطلاعهم على اكثر منه. وإن تجرأ احد وفتح فمه بشيء فربما يقتصر على تقديم طلب لتقليل حصته من التكاليف نظراً لوضعه الاقتصادي، أو تقليل حدة فضيحة موقفه واعفائه من الجزء الذي يسلط الضوء عليه اكثر من اللازم كعميل ذليل امام شعبه. المؤتمر قيمة إعلامية فقط.

 

ما هو الإعلام الذي تطمح اليه إسرائيل من المؤتمر؟

إسرائيل، رغم كل ما حققته على مستوى الحكام العرب من اختراق واذلال، لم تحقق أي شيء على مستوى الشعب العربي فيما يتعلق بالتطبيع معها. صحيح انها حققت الكثير من اثارة الشيعة ضد السنة والسنة ضد الشيعة وخاصة إيران، لكن الجميع بقي مصراً على أن التطبيع مع إسرائيل عمل لا أخلاقي مثير للاحتقار. وطبيعي ان اعلامنا الذي اسسته اميركا وإسرائيل ومازال خنجراً مسموماً من خناجرها في البلاد، يحاول إعطاء انطباع مختلف تماما. يحاول إعطاء ما تريده إسرائيل من صورة. فما الذي تريده إسرائيل؟

 

إنها تريد، كما يعلم الجميع، ان يقبل العرب التطبيع معها واعتبار انفسهم بشراً من الدرجة الثانية وأن هذا امر طبيعي وأن لا يثورون لظلم واعتداء من هم اعلى منهم – الإسرائيليين. أي ان لا يشترط العربي على الآخرين أن يعاملوه كإنسان له حقوق كاملة، يحتج مثل غيره على الظلم واستلاب ارضه وسيادته. والحقيقة فأن هذا الحال اللاأخلاقي المهين هو ما يدعو اليه دعاة التطبيع دائما.

 

من الطبيعي ان هذا الهدف ليس سهل التحقيق. ففي الإنسان كرامة عنيدة هي جزء أساسي من قيمته الاجتماعية، وقد تكون اقوى من الرغبة في الحياة نفسها. هذا الاحتقار الاجتماعي لمن ليس له كرامة يجعل حتى الضعفاء المتعبين، أو المستفيدين المستسلمين للإغراء، مترددين في القبول لأنهم يخشون ان يصبحوا منبوذين في مجتمعهم. لذلك تعمد إسرائيل إلى سلاحين، الأول إظهار ذلك التطبيع وكأنه ليس استسلاماً، بل موقفا شجاعا (محاربة ايران لأنها خطر وليس لأن إسرائيل تريد ذلك)، والسلاح الثاني هو إظهار الحال وكأن الكثيرين يقبلون به، وطمأنة المترددين بأنهم لن يكونوا قلة منبوذة، بل أن الأمور تتجه إلى أن يصبحوا هم الأكثرية القوية.

 

وهذا يكفينا لكي يصبح هدفنا واضحا: بالنسبة للهدف الأول، علينا أن نثبت في الذهن العربي أن "محاربة ايران" ليس عملا دفاعياً شريفاً عن النفس، بل عن اسرائيل لأنها ليست خطرا إلا على إسرائيل. وبالنسبة للهدف الثاني علينا ان نؤكد أن التطبيع عمل لا أخلاقي مرفوض من المجتمع وان الشعب ينظر الى المطبعين على حساب كرامتهم، بالاشمئزاز الذي يستحقون وأنهم كانوا وسيبقون اقلية منبوذة ومحتقرة في مجتمعهم، بل ويعاملها كمجموعة مريبة متآمرة، خطرة عليه وعلى مستقبله.

 

إن استطاعوا فرض الصورة التي يريدونها، كسبوا، وتحول المزيد الى قبول هذا الحال الساقط. وإن استطعنا فرض الصورة الثانية فشل مشروعهم ولم يحصوا على العدد الكافي من الساقطين، لإسقاط أخلاقية المجتمع وكرامته، ونجا الشعب والبلد من المؤامرة المعدة لتحطيمه.

 

كل ما يفعلونه ويقولونه يفترض ان يصب في توكيد الصورة التي يريدون، وكل ما نفعله ونكتبه ونقوله ينبغي ان يصب في توكيد الصورة التي نريد. هذا هو محور الصراع الإعلامي في هذا الموضوع.

 

كيف قاموا بأدوارهم؟ النقطة الأولى هي المبالغة بقيمة المؤتمر. فالمؤتمر فاشل بكل المقاييس وليس له حتى قيمة رمزية. عدد المشاركين قليل ولم يكن فيه أي شيء جديد، ولم يصدر عنه حتى بيان ختامي! لكنهم طرحوا صورة مختلفة فالسعادة تملأ وجه نتانياهو على هذا الانتصار الكبير، والجميع يؤكد بكل صفاقة انها اول مرة تنتقل فيها العلاقة العربية الإسرائيلية الى العلن وأول مرة يجلسون على طاولة واحدة، وليس هناك أي شيء صحيح من هذا. لماذا يفعلون ذلك؟ ليعطوا صورة بأن انهياراً يحدث في رفض التطبيع وأن المسألة انهت وان الخاتمة ستعلن قريبا جداً، فأما ان تلحقوا لمشاركة الركب او قد لا تلحقوا!

 

إضافة الى ذلك يبدو من خلال منع نشر قائمة المشاركين وعدم وجود كلمة ختام وامتناع المسؤولين عن الإدلاء بأية كلمة، ان هؤلاء المسؤولين قد تم وعدهم بعدم إحراجهم. لكن إسرائيل تريد كما قلنا ان تطمئن المترددين بأن الموافقين على التطبيع هم كثرة وقوة، فكان من مصلحتها ان تكشف الاجتماع وتقوم بـ "تهريب" كلمات المشاركين فيه، وينصب صحافيوها الكمائن للمشاركين في مراقب الكراجات ليصيدوا المسؤولين العرب متلبسين بدخول دار الدعارة ذهابا وإيابا.

 

ما هو دورنا نحن؟ انه العكس تماما. ان نبقي التطبيع عملا محتقراً لا يشارك فيه إلا نفر من الخارجين عن المجتمع، شأنهم شأن العاهرات واللصوص والقتلة، فهل كان هذا بالفعل هو رد الفعل الذي حصل؟

 

لا ابداً. ما حصل هو أولاً تصديق أهمية المؤتمر بلا تمحيص، ثم الغضب الشديد من الحكام العرب والعرب عامة ومهاجمة الجميع وكأن الجميع قد ذهب للتطبيع، مؤكدين الصورة التي تريدها إسرائيل وليس العكس، للأسف! وفوق ذلك قام الكثيرين بنشر فيديو على انه تم تهريبه بواسطة مكتب نتانياهو، عن المؤتمر، بل ذهب البعض الى نقل تصريحات ايدي كوهين عن الموضوع. وفي كل ذلك كان العربي يعبر عن شعوره بالغضب ويظن انه يفضح حكامه وينتقم منهم، لكنه في الحقيقة كان في غضبه يفعل بالضبط ما يريده الإسرائيليون، فيروج للدعارة بانها صارت عملا اعتياديا، وانه ينتشر بسرعة وأن مقاومة التطبيع قد انهارت!

 

ولكن اليست هذه هي الحقيقة؟ قد يسأل سائل. صحيح ان المقاومين يجب ان لا يساعدوا في الانهيار، حتى لو كان الانهيار قد حصل بالفعل، لكن اليست هذه هي الحقيقة، وان مقاومة الشعب العربي للتطبيع قد انهارت وأن الناس ترى أيران هي عدوها وليس إسرائيل؟

 

لا يمكننا ان نعتمد على تقديراتنا من خلال مراقبة الإعلام لتقدير نسبة الناس التي صارت تؤيد التطبيع وترى إسرائيل صديقا ضد العدو الإيراني، فنحن نعلم من صنع الاعلام العراقي والعربي ومن يدفع له رواتبه ولماذا. وليست لدينا حكومات تؤدي واجبها بالقيام باستبيانات شعبها وآرائه لنعرف الحقيقة، وهذا خلل خطير يسهم في حصار عقولنا. لكن لحسن الحظ فأن الأعداء انفسهم يحتاجون الى استبيانات للرأي وأنها تنشر أحيانا بقدر ما من الصحة، ويمكننا ان ننظر اليها لنقدر الحقيقة.

 

اخترت جدولين من التقرير الذي صدر قبل بضعة اشهر عن "المركز العربي" في الدوحة، لاستطلاع اراء الناس، الأول حول موقفهم من التطبيع مع إسرائيل، فنجد أن 8% فقط من العرب يؤيدونها، وأنه ليس هناك أي انهيار في الموضوع، بل ان الرقم قد انخفض قليلا عن السنتين السابقتين!

 

وحول الخوف من ايران بدلا من إسرائيل، نجد الجدول الثاني مطمئناً، فرغم كل الإعلام المهول الحجم ضد إيران، واستخدام كل الحث المذهبي الطائفي وكم غير مسبوق من الأكاذيب فأن الخوف العربي من ايران لا يكاد يزيد عن نصف الخوف من إسرائيل، والتي تليها الولايات المتحدة ثم تأتي ايران بعد ذلك بفارق كبير.

 

إذن، وبدلا ان نقف مع رسالتنا لتفنيد صورة الانهيار التي تريدها إسرائيل، وقفنا معها دون ان نشعر، وتركنا هدفنا رغم ان الحقيقة كانت معنا! العناوين يجمعها التأكيد على أن "ما كان في السر صار في العلن" وما يحدث "لأول مرة"، والغضب الشديد ومسبة العرب بشكل عام، مقابل الصورة المبتسمة لنتانياهو وكوهين وبقية الشلة الإسرائيلية، ونشر ما تم "تهريبه" من الفيديوات، كلها تؤكد الصورة التي تريدها إسرائيل وليس ما نريده نحن، رغم ان الحقيقة كانت معنا بوضوح.

 

الصحيح كان ان نؤكد على غضبنا واحتقارنا لمن حضر. أن نكشف انحطاطهم الخلقي وانعدام كرامتهم. لكن ان نؤكد انعزالهم واقليتهم ونأتي بالأدلة على ذلك وعلى فشل وتفاهة المؤتمر وانعدام قيمته.

 

إن كان لنا قضية، فيجب ان لا نمارس العادة السيئة الشديدة الانتشار بنقل ما يقوله الإسرائيليون بحجة "كشف السر" أو بحجة "الغضب" على قادة العرب والعرب. بشكل عام يجب تجنب نشر أي إعلام إسرائيلي أو أمريكي رسمي قبل التأكد من أن تأثيره يخدم ما تريد، ومع تعليق توضيحي للتأكيد. وأخيراً تجنب التنفيس عن الغضب بتعميمه على العرب، إلا إذا كان تنفيس غضبك اهم من قضيتك!