كـتـاب ألموقع

الحرس الثوري الإيراني وحزب الله برفقة غاندي ومانديلا في قوائم الإرهاب الغربية// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

الحرس الثوري الإيراني وحزب الله برفقة غاندي ومانديلا

في قوائم الإرهاب الغربية

صائب خليل

12 نيسان 2019

 

"الحرس الثوري الإيراني" لن يجد إعلان وضعه على قائمة الإرهاب، أمراً مخجلاً، حين يعرف من سيكون برفقته في قوائم الغرب تلك. بل لعل بعض الشخصيات والمنظمات فيها، ما يدعو للفخر، ومنهم رمز السلام واللاعنف نفسه، المهاتما غاندي! فقد بيعت في مزاد علني عام 2013، وثيقة بريطانية تعود إلى عام 1932، وصفت غاندي وحركة العصيان المدني التي يقودها بـ "الإرهاب" ووصفت الاعمال التي تقوم بها الحركة في البنغال، بالأعمال الإرهابية!(1)

حين يوصف أعلى رمز انساني لـ "اللاعنف" بالإرهاب، يصبح من حق المرء أن يتساءل عن معنى تلك الكلمة، وهل يبقى فيها بالفعل إساءة إلى من يوصف بها... أم العكس؟

وفي سابقة أخرى مثيرة، لم تتردد أميركا بوصف مانديلا، الذي حمل جائزة نوبل للسلام لاحقا، بالإرهابي، وإبقاءه في تلك القائمة لسنوات طويلة حين كان يزعج الحكومة العنصرية في جنوب افريقيا، التي كانت اميركا وإسرائيل من اشد داعميها. وحين سقطت تلك الدولة بفضل كوبا (المتهمة هي أيضا من قبل اميركا) وتعاون الشعوب على فضحها، وبدا أن هذا "الإرهابي" مانديلا سيقود البلاد، لم تكتف أميركا برفعه من لائحة الإرهاب، بل قلده الرئيس الأمريكي اعلى الأوسمة الأمريكية، ليرأس لاحقاً اول حكومة لا عنصرية لجنوب افريقيا!

وقبل فترة وجيزة وضعت الحكومة البريطانية الجناح السياسي من "حزب الله" في ذات القائمة، رغم انه جزء أساسي من البرلمان والحكومة اللبنانية، ورغم ان بريطانيا تعترف بالتمثيل النيابي للجناح السياسي للحزب الجمهوري الإيرلندي، الحزب الذي مارس الإرهاب وتفجير المدنيين بحق، وفي داخل لندن وايرلندا! وهذا يضع المزيد من علامات الاستفهام على تلك التسميات.

وقد كسب حزب الله هذا اللقب إثر قتاله لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وبقي على لائحة الإرهاب الأمريكية، التي امتنعت أوروبا عن مشاركتها، رغم الضغوط الامريكية المتزايدة، حتى انفردت بريطانيا بالإذعان لها مؤخرا.

 

بالمقارنة كان حزب مانديلا "المؤتمر الوطني الأفريقي" قد ناضل لخمسين عاماً نضالا سلميا، لكنه لم يتمكن من تحرير بلاده من العنصريين البيض إلا بحمل السلاح، حين قال مانديلا انهم جربوا كل الطرق الممكنة وكانوا يجابهون دائما بأشد العنف، ثم اكتشف أنه "في لحظة معينة، تكتشف انه لا يمكن محاربة النار إلا بالنار". وهكذا قرر ان يصبح "إرهابيا" فيدافع عن نفسه وشعبه بكل الطرق، ومن ضمنها الكفاح المسلح ضد العنصرية. وفي سجنه الطويل، رفض مانديلا التعهد بعدم حمل السلاح مقابل اطلاق سراحه. وحين تكلل جهاده بالنجاح، ولم تعد محاربته مجدية، وفقد لقب “الإرهابي” جدواه، تراجعوا واعطوه جائزة نوبل للسلام!

غاندي لم يستخدم العنف ابداً، لكنه قال بوضوح انه لا يسمح للجبن ان يختبئ وراء مبدأ "اللاعنف" وانه لو خير بين الخنوع للظلم والعنف، فإنه سيختار العنف. لم يضطر غاندي لاختيار العنف، لكن ذلك لم يمنع دولة الغرب العظمى حينها أن تمنحه شرف لقب "إرهابي"!

وهكذا، نجد في كل مرة أن تعريف الإرهابي، بأنه من يدافع عن نفسه ووطنه وحقه في حياة عادلة. وكنتيجة منطقية، يمكن الشك بكل من لم يحظ بشرف لقب إرهابي، بأنه قد يكون متخاذلاً في الدفاع عن نفسه وشعبه! وعندها تصبح هذه التسمية تصبح إشكالية بشكل كبير، خاصة عندما يتم تغيير لقب الإرهابي مباشرة الى مناضل، او حتى حامل لجائزة نوبل للسلام، عندما تقتضي مصلحة دولة ما ذلك!

 

تغيير الإرهابي إلى بطل أو حليف ليس حالة نادرة. فأعضاء القاعدة طالما وصفوا بأنهم رجال التحرير والأبطال، حينما كانوا يحاربون الحكومة الشيوعية الأفغانية، لكنهم تحولوا إلى رمز للإرهاب بعد انتفاء الحاجة لهم، وبعد مسرحية 11 سبتمبر كان لقبهم الإرهابي ضروري لإعطاء الضوء الأخضر للولايات المتحدة لتشن الحروب كما تشاء في المنطقة ولتنتهك القوانين الدولية في كل مكان، حتى في أوروبا وأميركا وكندا وغيرها.

وفي مناسبة أخرى، وصف كلنتون "جيش تحرير كوسوفو" بأنه "منظمة إرهابية بدون أي شك"، ثم تم تحويله لاحقاً إلى "قوات حماية كوسوفو" التي عملت الى جانب حلف شمال الأطلسي في عملية تحطيم يوغوسلافيا، التي كانت الدولة الاشتراكية الوحيدة التي صمدت للعاصفة، وتم انتخاب أغيم شيكو القائد السابق للجيش "الإرهابي"، رئيسا لكوسوفو بمباركة أمريكية طبعاً.

 

منظمة التحرير الفلسطينية كانت "إرهابية" عندما كانت تدافع عن الشعب الفلسطيني، لكن ما ان وقع رئيسها عرفات اتفاقيات مناسبة مع إسرائيل حتى أخرجت المنظمة ورئيسها من القائمة عام 1994، ليحصل أيضا على جائزة نوبل للسلام... وأي "سلام"!

 

وكان نتانياهو قد كشف قيادة إسرائيل لأميركا في مسألة وضع الحرس الثوري في قائمة الإرهاب كما في غيره من مواقفها في الشرق الأوسط حين صرّح: "إن الرئيس دونالد ترامب قد استجاب "لطلبي"، شاكراً إياه لذلك، وهو ما يثير المزيد من الشكوك في دوافع تلك الحركة.

في العراق، وضعت عدد من المنظمات والحركات التي سعت لطرد الاحتلال الأمريكي من العراق، والتي لم تنثن عن موقفها في ذات القائمة، مثل حركة النجباء وامينها العام اكرم الكعبي، ولا ندري ما سيتمخض المستقبل عنه.(2)

رداً على وضع حرسها الثوري في قائمة الإرهاب، بادرت إيران مبادرة جميلة ومثيرة للاهتمام، وأعلنت اعتبار القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة "جماعات إرهابية"، والولايات المتحدة "دولة راعية للإرهاب"!(3)

 

وبعد هذه المبادرة الإيرانية، يصبح التساؤل مطروحاً ومشروعا في كل مكان في العالم: أيهما هو الإرهابي؟ تعريف من للإرهاب يجب ان نتبع؟ وأي القائمتين هي الأصدق؟

لذلك دعونا نسأل أولاً: ما هو الإرهاب؟ ومن نسأل عن تعريفه؟ اميركا أم إيران؟

أميركا تحت إدارة ترمب لا تبدو بوضع يؤهلها لتحديد من هو الإرهابي، لأن هذه الإدارة سجلت رقما قياسياً في عدد المجرمين المدانين فيها، متفوقة على كل الإدارات الأمريكية السابقة الفاسدة والمجرمة. حيث تمت ادانة عدد من اهم المسؤولين فيها بجرائم وصلت احكامها إلى اكثر من سبع سنوات في السجن!(4) وقبل ثلاث سنين وصف جومسكي الحزب الجمهوري الأمريكي بأنه أصبح "اخطر منظمة على البشرية في التاريخ"!(5)

 

دعونا نعطي أميركا فرصة أخرى بالعودة الى إدارات أقل اجراماً ونرى تعريفها للإرهاب.

يقول البروفسور اليهودي الأمريكي نعوم جومسكي: "هناك تعريف رسمي تجده في القانون الأمريكي أو كتب تعليمات الجيش الأمريكي، وفي احدها تجد: "الإرهاب هو استعمال العنف أو التهديد باستعماله، وبشكل محسوب للوصول إلى اهداف أيديولوجية، سياسية او دينية، من خلال الترهيب والإجبار أو زرع الخوف."

الإدارات الأمريكية رفضت استخدام هذا التفسير للإرهاب في مشروع معاهدة دولية ضد الإرهاب بمبادرة رئيس الأمم المتحدة السابق كوفي عنان، لأن ذلك يورطها بنتائج لا تناسبها، كما يقول جومسكي، الذي يكمل: فالسياسة الامريكية القائمة على "الصراع المخفف" تكاد تنطبق على هذا التعريف! لذلك يجب صياغة التعريف بشكل "مناسب" (للولايات المتحدة).

 

ويشير جومسكي إلى حادثة معبرة فيقول أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً شديد اللهجة لإدانة موجة الإرهاب التي حدثت في كانون الأول عام 1987، ودعت جميع الدول لمحاربته بكل الطرق. نتيجة التصويت مواقفة جميع الدول عدا الهندوراس التي امتنعت عن التصويت، وصوتت بالضد، الدولتان المعتادتان، الولايات المتحدة وإسرائيل.

لماذا تصوت الولايات المتحدة وإسرائيل بالضد من قرار يدين الإرهاب؟ هناك سبب: السبب هو وجود فقرة في النص تقول:

"لا يفهم أي جزء من هذا القرار على انه يحدد من حق الشعوب المكافحة ضد الأنظمة العنصرية والاستعمارية، أو الاحتلال العسكري الأجنبي، في الاستمرار بمقاومتهم وبمساعدة الآخرين، والدول الأخرى الداعمة لقضيتهم العادلة".

المشكلة هنا أنه كانت هناك قوة "إرهابية" (في نظر اميركا وإسرائيل) في جنوب أفريقيا هي "المؤتمر الوطني الأفريقي"، بينما كانت حكومة جنوب افريقيا العنصرية حليفة لهاتين الدولتين والقرار يعني دعم المؤتمر ضدها. وهناك أيضا المناطق الإسرائيلية المحتلة. وكذلك كانت إسرائيل تحتل جنوب لبنان وتتعرض لمقاومة حزب الله "الإرهابي" (في نظرهما)!

ويشير جومسكي أن اميركا لا تضع الفيتو فقط على هذه القرارات، بل تمحوها من التاريخ أيضا. وانك لو بحثت في مصادر الإرهاب فمن الصعب ان تجد ذكراً لهذه الحادثة.(6)

 

هذا كله يجعل الأمر اكثر صعوبة بالنسبة لأميركا ويدفعنا نحو تعريف ايران. لكن دعونا نتساءل ببساطة: من هو الإرهابي؟

الإرهابي هو من يرهب الناس، فممن يخاف الناس العاديون في العالم؟ من تعتبر الشعوب الأخطر بالنسبة لها، أميركا أم الحرس الثوري الإيراني؟

الخارطة المرفقة تمثل تصويت الشعوب على هذا السؤال، ونلاحظ أن الغالبية الساحقة من الشعوب تتفق مع ايران ان أميركا هي التي ترهبها، والحقيقة انه عدا اميركا وكندا وبريطانيا ودولة أوروبية أخرى لا يبدو ان احداً يخاف من ايران أو حرسها الثوري.(7)

 

نلاحظ ربما ببعض الدهشة ان من ضمن الشعوب التي تعتبر اميركا اخطر الدول، استراليا والعديد من دول أوروبا وتركيا واليابان، وكذلك كل دول جارتها أميركا الجنوبية، والمكسيك التي قال احد رؤسائها يوما: "مسكينة المكسيك.. ما ابعدها عن الله واقربها من أميركا"، ويبدو ان المكسيكيين متفقون مع رئيسهم ذاك على هوية الإرهابي.

وهناك قصة أخرى عن الإرهاب بين اميركا والمكسيك: فقد اجتمع الرئيس الأمريكي السابق جون كندي مع وزير خارجية المكسيك ليدعوه للتعاون بينهما لـ "درء الخطر الكوبي"! فابتسم الوزير واجابه: "بودي التعاون معك يا سيادة الرئيس، لكني اخشى إن قلت لشعبي أننا نخشى الخطر الكوبي، أن يموت 40 مليون مكسيكي من الضحك"!

ولا ندري لماذا لا يموت الكنديون أو غيرهم من الضحك ، حين يقال لهم أن "الحرس الثوري" هو الذي يمثل الخطر عليكم وانكم يجب ان تخافوه وليس الدولة التي تصرف على جيشها بقدر ما تصرف جيوش العالم مجتمعة، وتتشر 900 قاعدة عسكرية في العالم، مجهزة بأشد الأسلحة النووية ويحكمها اليوم عصبة من المجرمين المتهورين.

.

 

(1) British Parliament paper declaring Gandhi a terrorist

https://www.mullocksauctions.co.uk/lot-60927-quotrare_british_parliament_paper_declaring_gandhi_quotquott.html?p=26

 

(2) وضع حركة النجباء وامينها العام اكرم الكعبي ضمن قائمة الإرهاب في اميركا

https://www.facebook.com/mazin.poayge.7/videos/148310889529748/

 

(3) إيران تعلن الولايات المتحدة «دولة راعية للإرهاب»

 http://alwasat.ly/news/international/241373

 

(4)  Mueller indictments: everyone charged in the Russia investigation - Vox

 https://www.vox.com/policy-and-politics/2018/2/20/17031772/mueller

-indictments-grand-jury

 

(5) Noam Chomsky: 'The Republican Party Has Become the Most Dangerous Organization in World History' - EcoWatch

 https://www.ecowatch.com/noam-chomsky-trump-2093271018.html

 

(6) جومسكي عن تعريف الإرهاب ومحو الحقائق

http://www.inf.fu-berlin.de/lehre/WS06/pmo/eng/audio/Chomsky.pdf

 

(7) map-of-nations-question-which-country-largest-threat-world-peace

https://www.indy100.com/article/map-of-nations-question-which-country

-largest-threat-world-peace-donald-trump-7590086