كـتـاب ألموقع

الاستراتيجية الإعلامية لفصل البصرة عن العراق// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

الاستراتيجية الإعلامية لفصل البصرة عن العراق

صائب خليل

13 نيسان 2019

 

يتعرض البصريون، في غياب تام متعمد للحكومة، إلى تعذيب وحصار مادي وإعلامي يهدف إلى دفعهم نحو البوابة الوحيدة التي تركت مفتوحة لهم: بوابة قفص الإقليم، التي تؤدي بدورها إلى بوابة الانفصال، في الجانب الآخر البعيد من الزنزانة.

ولو لاحظنا العزف على دفع البصرة نحو الأقلمة والفدرالية لوجدنا انها كانت من أول أهداف الاحتلال، وقد اشتغل عليها وعلى إقليم الجنوب اقرب الساسة اليه (لكي لا نقول كلمة مخرشة للذوق)، وجميع الفاسدين في المحافظة وبغداد، وكذلك بشكل مميز، كردستان، الجيب الإسرائيلي في رأس العراق، والتي حاولت ان تلعب ذات الدور وبوقاحة اكبر في مشروع إقليم المنطقة الغربية الذي تم وأده.

هذه الأسطر للتذكير السريع وإزالة الوهم اللذيذ بأن البصريين ثاروا من انفسهم اليوم بسبب كثرة الظلم الواقع عليهم، وأنهم هم من يقودون ذلك الحراك وانه سيبقى بحدود الإقليم لأنه تحت سيطرتهم. ويكفي ان نتذكر قناة الفيحاء ودورها في المشروع ومؤسسها المعروف بفساده التام، لإزالة كل وهم عن منبع هذه الدعوات وحقيقتها. ويكفي ان نلاحظ ان جميع الفاسدين من مؤيدي الدعوة، لنتساءل لماذا يتحمس الفاسدون للمشروع الذي يفترض انه سيقضي على فسادهم؟

 

ربما دعم جميع الفاسدون مشروع الأقلمة، لكن ليس كل من دعا اليه فاسد بالتأكيد. فالغالبية الساحقة من المتحمسين للإقليم اليوم هم من الناس الطيبين الباحثين عن حل للألم الذي يشعرون به، والخوف المسلط عليهم من مستقبل لا تبدو فيه نافذة أمل. ورغم ان هؤلاء مازالوا اقلية صغيرة نسبيا، فأن التنظيم الذي ينسق حركتهم والمبالغ التي توجه للإعلام المؤيد للمشروع، يجعلهم يبدون أكبر من حجمهم بكثير، وأكثر فعالية من الأغلبية الصامتة التي لا تجد من ينظمها او يعرض رأيها في الإعلام. وإن استمر الحال، فسوف نجد هذه الأقلية، مع الدعم، قادرة على توجيه المجرى السياسي وإعلان الإقليم، خاصة أن الحكومة والبرلمان اليوم بأيد معادية للعراق بشكل شبه تام، لا تكاد تسمع فيه صوتا وطنيا محتجاً، وسوف يتوجه لدعم المشروع كما دعموا مشاريع "شركة النفط الوطنية" و اتفاقيات عبد المهدي مع الأردن والعلاقات مع كردستان وكلها مدمرة للعراق، مرت وتمر بكل هدوء. ولا شك أن مشروع إقليم البصرة، كأي مشروع إسرائيلي، سينعم بنفس هذا الدعم والهدوء من الحكومة ومجلس النواب.

 

يبدو من مراقبة ما يجري، ان الإعلام الموجه لإقناع البصريين بمشروع الأقلمة يسير على الأسس التالية:

 

1- حرمان البصرة قدر الإمكان من الخدمات وجعل البصري "يصرخ" الماً. وهذا الجزء ممكن من خلال السيطرة على الحكومة المحلية بشكل خاص، وعلى بغداد بشكل عام، ومنع إنجاز الخدمات الضرورية لأطول فترة ممكنة. والحقيقة ان فساد المؤسسات الحكومية في البصرة يجعل تحقيق هذا الهدف ابسط بكثير. فالفساد بحد ذاته قليل الإنجاز، لكن اكثر من ذلك، فهو سهل الإغراء والابتزاز لمنعه من انجاز أي مشروع حتى لو أراد.

 

2- زيادة وعي المواطن في البصرة بهذه المعاناة من خلال الإعلام النشط بتسليط الضوء على كل فساد، ونشر اخباره في المدينة، واحيانا اختراع خراب غير موجود او المبالغة في الموجود لأجل تركيز الإحساس بالألم واليأس.

 

3- توجيه المواطن في البصرة إلى المنفذ الوحيد المتروك امامه مفتوحاً: الإقليم، من خلال توجيه الذنب في الخراب إلى حكومة بغداد ومؤسساتها، (وهي مهمة إعلامية سهلة فبغداد فاسدة وفاسديها يتعاونون مع مشروع الإقليم وكذلك كل وسائل الإعلام). وتصوير الأمر بأن بغداد هي المشكلة وأن الانفصال عنها، ولو جزئيا، سيحل المشكلة أو يقللها. أي التوجه للإقليم.

 

4- محاولة عزل المواطن الذي يتعرض للحملة الإعلامية الداعية للإقليم، عزله عن مواطني العراق، نفسيا وعمليا. وهذا العزل أو الفصل هو من روح فكرة الأقلمة اولاً، لكنه أيضا يدعم المشروع بشكل عملي ومباشر أيضا. ويتم العزل عملياً من خلال انشاء مجموعات (ثبت ان البعض منها من انشاء القنصلية الأمريكية في البصرة او السفارة في بغداد أو ربما حتى إسرائيل) معزولة خاصة بالبصريين. وقد حاولت الانتماء الى إحدى هذه المجموعات لكنها رفضت ان تنشر لي أي شيء. هذه المجموعات على الفيسبوك، تستهدف اغراق المواطن بالإعلام الداعي للإقليم، ومنعه جزئيا من رؤية الخلل في منطقه والتقليل من طرح الأسئلة التي تكشفه.

 

5- تنمية الروح الانفصالية والعدوانية تجاه العراق والعراقيين وتشجيع الهجوم عليهم، خاصة في المجموعات الخاصة، حيث يشعر المواطن في هذه المجموعات ببعض الأمان من الردود العنيفة، ويشعر بالحرية لطرح اية فكرة سيئة تخطر بباله (نفس الأسلوب الذي اتبعته صفحات مثل علي مارد الأسدي بين الشيعة واسعد البصري بين السنة (قبل نقله إلى موقع معاكس) في تشجيعهما ودفعهما لمتابعيهما للأسلوب الصلف في الكلام، ليأخذ هؤلاء الأسلوب معهم حيثما ذهبوا).

6- تنمية وتطوير "الشعور بالمظلومية" الموجهة لأبناء البصرة، ليس فقط من حكومة بغداد، بل حتى من قبل العراقيين "الناكرين" الذين "يأكلون من البصرة" ويستكثرون عليها ان تنهض، الخ. وهذا الشعور سهل التنمية بشكل خاص في المناطق الشيعية حيث تترسب في النفس آثار تاريخية طويلة جاهزة للاثارة. لكن السلاح فعال حتى ضد السنة عندما يراد استثارتهم، ونتذكر جميعا الحملة الإعلامية عن "تهميش السنة". وليس بالضرورة ان كل ما يقال عن المظلومية او التهميش هو كذب، لكن المهم هو تضخيمها قدر الإمكان وتسليط الضوء عليها، وجعلها هي الموضوع الأساسي.

 

7- تعميق إحساس المواطن في البصرة بالانفصال عن العراق، من خلال العلم الخاص بالبصرة ومن خلال تعابير عجيبة مثل "الشعب البصري" وغيرها، وتصوير هذا المواطن على انه يقف لوحده في خندق مقابل بقية العراقيين حتى من المحافظات الأخرى المجاورة والذين يأتون ويحتلون الوظائف والعمل في البصرة ويطردون ابناءها. كما يجري التركيز على انه لا يوجد وزراء بصريين في الحكومة.

 

8 – نظراً لان المشاعر العراقية مازالت قوية جدا بين أبناء البصرة، يتم تجنب الحديث عن الانفصال، والتركيز على الإقليم، وترفع الأعلام العراقية إضافة الى اعلام البصرة في التظاهرات.

 

9- الإشارة دائما الى إقليم كردستان وكيف ينعم بموارد ضعف نسبة نفوسه، ويصور الأمر على أنه بسبب كونه اقليما، وبدون الرجوع الى الأسباب الحقيقية لتلك الحصة (ابتزاز سياسي تقف وراءه اميركا وعملائها إضافة الى الفاسدين، بكل قوة) أو الرجوع الى الدستور للنظر إن كانت حصة محافظة ما ستزيد إن كانت ستتحول الى إقليم أم لا.

 

10- لا تكتفي حكومة عبد المهدي بدورها في منع بناء أي شيء وترك المشاكل تتفاقم، بل أيضا تتكفل بتقديم القرارات اللازمة لاستفزاز البصريين، وتوفير المادة الدسمة للإعلام الداعي للأقلمة من خلال إجراءات مثل ارسال رواتب البيشمركة لأربعة اشهر ودون مطالبة كردستان بحصتها من النفط. 

 

11- إظهار حجم مؤيدي الإقليم بأكبر من نسبتهم الحقيقية من خلال تركيز اعلامي كبير.

 

12- دفع مؤيدي الإقليم وتشجيعهم على استخدام خطاب استفزازي تجاه الآخرين باتهامهم بالأنانية ونكران الجميل وإظهار انفسهم بصورة المتفضل، بهدف استثارة رد مقابل بالغضب والاستغناء، وصولا إلى تحقيق تباعد نفسي بين البصريين وغيرهم.

 

13- إشاعة المفهوم الخاطئ والخطير بأن الثروة التي تحت اقدام أي انسان، هي من حقه هو دون غيره، وأنه ان اعطى منها فهو متفضل. ويمكننا ان نتخيل مقدار الخلل الذي يمكن ان يسببه هذا المفهوم، خاصة عندما يطبق على مستوى المناطق في البلد الواحد.

 

14- حماية المندسين من توجيه التهم لهم او كشفهم، بهجوم اعلامي مسبق ضد الرافضين للإقليم، واتهامهم بأنهم يشككون بـ "المواطن البصري" ويخونونه، فقط لأنه يطالب بحقوقه.

 

من الواضح انه قد تم تخصيص موارد كبيرة جدا للمشروع، وان قنصلية اميركا والقنوات الإعلامية الكثيرة التي نبتت كالفطر بعد المطر، لم تؤسس إلا لهذا الغرض، وان مجابهتها قد تكون فوق طاقة اية قدرات فردية متطوعة، خاصة وأن الحكومة في بغداد هي جزء من المؤامرة، وأنها هي ومجلس النواب من مررا المؤامرات الأخرى كاتفاقية التجارة مع الأردن وقانون شركة النفط الوطنية المقبور وانبوب نفط العقبة والموازنة المستفزة والقروض المدمرة، ونجحوا بذلك بامتياز في معظمها وبدون ضجيج، سينجحون في النهاية بهذه الضربة القاصمة للعراق. ومادام التعذيب مستمر على البصريين، ولا يفتح لهم اي طريق بديل، فهي مسألة وقت.