كـتـاب ألموقع

هذا هو الحل الحقيقي لمن لا يخشى مواجهة المشكلة الحقيقية// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

هذا هو الحل الحقيقي لمن لا يخشى مواجهة المشكلة الحقيقية

صائب خليل

20 ك1 2019

 

ورد على لسان الدكتور محمد توفيق علاوي في محاضرة ألقاها قبل أسبوع في فرجينيا، أن إعادة فرز عشرة بالمئة فقط من نتائج الانتخابات الأخيرة، أدت الى تغيير أسماء 12 نائب في البرلمان! فيا ترى كم نائب مزور في البرلمان كان سيتم اكتشافهم لو أعيد فرز كل الأصوات؟ هذا ما لاحظته السيدة بيداء حامد في منشور لها اليوم.

 إضافة الى ذلك، ذكر علاوي، أن المفوضية كانت تحسب كل يوم على مدى إسبوعين، قوائم أولية (غير رسمية) بأسماء الفائزين، وعندها يبدأ المزاد.. سعر المقعد وصل الى 300 ألف دولار، ويقصى الإسم الصحيح الفائز ويُحشر اسم المشتري الجديد، واخيراً ختموها بحرق الصناديق لإخفاء الفضيحة.

وكلنا نذكر كمية فضائح التزوير التي طالت الاقتراعات الأخيرة، وخاصة باستخدام أجهزة جديدة لإدخال الأصوات، عدا التزوير من خلال العنف الذي منع ناخبي مرشحين معينين من دخول مراكز الاقتراع في بعض المحافظات، وعدا نوابا لم يحصلوا حتى على صوت واحد، رغم انهم صوتوا بأنفسهم في المركز، مع عوائلهم واصدقائهم!

 

رغم كل تلك الحقائق، يوجه الهجوم الشديد ويلقى بسبب الكوارث في "انتخاب" ساسة فاسدين على نظام الانتخابات! الذي تم تمرير فكرة غريبة، بأنه "مصمم من قبل الأحزاب خصيصاً لكي يتم انتخابهم"!!

وطبعاً لم يقدم أي شخص دليل على هذا التصميم، لكن المد الشعبي الهائل لا يقبل النقاش، ورغم عشرات الأدلة على أن القانون المقترح أسوأ بكثير من الأول وأنه يمكن ان يستغل لتثبيت الفساد وسلطة الكتل الكبيرة الشبه مطقة على البلاد، خاصة ان تم تطبيق النظام الفردي بشكل كامل.

 

ما نريده هنا ليس مناقشة ومقارنة نظامي الانتخابات الفردي والنسبي، إنما ان نقول إن النظام ليس ولم يكن المشكلة أبداً، وأن محاولة حل ما "ليس المشكلة" هو في الحقيقة دفاع عن المشكلة، بتوجيه غضب الناس الى جهة أخرى لا علاقة لها بالأمر!

 

ما هي المشكلة إذن؟

يمكننا ان نلخص المشكلة الحقيقية بالنقاط التالية:

 

1- التزوير في الانتخابات

2- انعدام الشفافية في مناقشات مجلس النواب وتصويتهم

3- تقاعس المواطن في أداء واجبه الرقابي والحكم على النواب من خلال مواقفهم.

 

وأي من هذه المشاكل لن يمكن حلها بضربة واحدة، ولن يمكن حلها 100% ابدا.. لكن بالإمكان تحقيق تقدم كبير جدا في كل منها. وعدا النقطة الثالثة التي تعتمد على نمو وعي المواطن، فأن النقطتين الأولى والثانية يمكن توجيه ضربة كبيرة لها من خلال إقرار قوانين مناسبة لمنع أهم أنواع التزوير ورفع الشفافية بشكل مباشر.

 

كيف نقلل التزوير بشكل كبير؟

1-  أ - مراقبة الاقتراع: وضع كامرات مراقبة متعددة تبث بشكل مستمر ومباشر في جميع مراكز الاقتراع وتغطي قاعات مراكز الاقتراع والمنطقة المحيطة بها منعاً لتواجد المسلحين الذين يهددون الناخبين، وفوق مناضد عد الأصوات مع ميكروفونات لتسجيل الصوت، ويمكن لأي مواطن استلام بثها عن طريق الانترنت وتعتبر أصوات أي مركز اقتراع بدون ذلك لاغية ويعاد التصويت فيها. ويجب ان يتاح بقانون، السماح لأي مواطن ان يضع كامرة صغيرة مثل التلفون الموبايل أو غيرها في المناطق المذكورة أعلاه، وفي حالة كون العدد أكبر من الممكن، يتم الاختيار بالقرعة بين المواطنين، وتعطى الأولوية للمنظمات والأحزاب والمرشحين المشاركين في الانتخابات.

بهذا الشكل يكون هناك ثقة لدى المواطن ان عملية الفرز، وهي أخطر مرحلة للتزوير، ستمر بسلام.

ب - عد الأصوات: منع استخدام الأجهزة الالكترونية والحاسبات بتاتاً، واستعمال العد اليدوي حصراً في عد الأصوات.

إن استخدام الحاسبات ليس سوى حيلة ومصدر تزوير على النطاق الواسع، والحجة السخيفة بـ "تسريع العد" تفندها حقائق الدول التي امتنعت عن استخدام الحاسبة. وبشكل خاص، لقد تسببت الحاسبة والأجهزة في فضائح تزوير كبيرة في الانتخابات السابقة في العراق، وأكثر مما في البلدان الأخرى. التحجج بسرعة العد حجة كاذبة فانتخابات إيران تتم بالعد بدون اية حاسبة ورغم ذلك تقدم النتائج في اليوم التالي، بينما استعملت الحاسبة في العراق دائما، وكانت النتائج تؤخر أسابيع عديدة وبشكل مشبوه يتيح التلاعب بالأصوات وحرقها! ويذكر ان هولندا قررت قبل سنوات عديدة الامتناع ان استخدام أجهزة الكومبيوتر بعد ان اثبت باحثون فيها استحالة منع التزوير باستخدامها، (وقد كتبت عن ذلك مقالة توضيحية قبل سنوات) فهل يستطيع العراق منع التزوير الذي لا تستطيع هولندا منعه؟

كذلك هناك حماقة استخدام الحاسبة في إجراء القرعة لأمور الانتخابات. فقد كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحدد من تختاره من المرشحين لإدارة مراكز الاقتراع عن طريق "قرعة الكترونية" تقوم بها الحاسبة! لا توجد قرعة الكترونية للحاسبة وانا مهندس حاسبات ومسؤول عن كلامي، إضافة الى ان الحاسبة تخرج ما يقوله لها برنامجها، لا أحد يستطيع ان يرى برامج الحاسبات وكيف تعمل. لقد استطاعوا بهذه الخدعة على السذج ان يعينوا من يريدون لإدارة المراكز الانتخابية وتمرير التزوير، ومعروف ان مراكز الانتخابات في الخارج في السنوات الماضية كانت كأنها مغلقة للكرد، وخاصة الانتخابات الأولى. أي ان رغبة التزوير وإرادة التزوير قوية، والحاسبة تتيح ذلك بكل سهولة.

إضافة الى ذلك فهناك نصوص في قانون الانتخاب وتوزيع المقاعد حول حالات تساوي الأصوات بين مرشحين، وان القضية يجب ان تحل بالقرعة! وطبعا من المنطقي ان يقوموا بذلك بواسطة الحاسبة، كما يفعلون بتحديد مديري المراكز الانتخابية! عن القرعة المستحيلة بالحاسبة كتبت أيضا بتفصيل اكثر في الماضي.

 

إذن استخدام الحاسبة، سواء في عد الأصوات، هدفه "التزوير الواسع" وكل من يقول لكم ان الهدف هو السرعة كذاب.. ونفس الأمر بالنسبة للقرعة.. لا يوجد قرعة بالحاسبة، وهدف الحاسبة ليس التسريع بل التزوير. نقطة راس سطر!

 

2- شفافية جلسات مجلس النواب وتصويته: تقديم قانون للشفافية، يؤكد ويحدد ضرورة تنفيذ المادة الدستورية (53) : أولاً:- "تكون جلسات مجلس النواب علنيةً إلا إذا ارتأى لضرورةٍ خلاف ذلك"، وتفسير عبارة "ارتأى" بشكل يشترط تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب للموافقة على السرية، وبخلافه يتم نقل الجلسات مباشرة وعلى الهواء. وفي حالات وجود السرية أن تقتصر السرية على اللحظات التي تذكر بها الأسماء او الأرقام السرية، علما ان تلك السرية هي على الشعب فقط، فدول الجوار تستلم بدون أي شك تسجيل كامل للجلسات، اما اميركا وإسرائيل فتستلم بثاً مباشرا بالتأكيد!

كذلك يجب ان ينص قانون الشفافية على إلزام مجلس النواب بإعلان نتائج التصويت على أي قانون وبالأسماء الكاملة للنواب المصوتين بالإيجاب والسلب والممتنعين، وان يعتبر أي قانون يمرر بدون هذا الشرط، باطلا.

كذلك يجب إصدار قانون يعرف ما هي "الاتفاقيات الخارجية" التي ينص الدستور على ضرورة عرضها على مجلس النواب، وعدم ترك ذلك لاحاييل وعاظ السلاطين من القانونيين المتخصصين في إيجاد الفتاوي القانونية بتغيير الأسماء لتمرير اية اتفاقية دون عرضها على المجلس، كما حدث في اتفاقيات عبد المهدي مع الأردن.

 

ما الذي يحدث الآن؟ إنهم يلقون اللوم على قانون الانتخابات الذي لا ذنب له، ويطبق في السويد وهولندا ومعظم الدول العريقة في الديمقراطية، بلا اية مشكلة، ويتركون المشكلة الحقيقية.

بل وفوق ذلك فهم يضمنون القانون الأسوأ للانتخابات نصاً يؤكد تثبيت الفساد فعلا، بنصه على استعمال الأجهزة الالكترونية للعد! فالمادة 38 من قانون الانتخاب المقترح تنص على اعتماد "أجهزة تسريع النتائج الالكترونية" لعد الأصوات، على ان تتم إعادة العد المشروطة يدوياً. ولا ادري ان كان هناك قانون من الصفاقة ان يتضمن طريقة العد ضمن نصوصه وأن يجبر المفوضية على استخدام الالكترونيات التي ثبت مراراً وفي كل العالم انها أدوات للغش والتزوير.

 

3- ان يقوم المواطن بواجبه بمراقبة ناخبيه وساسته. ان يهتم على أي شيء يصوت نائبه الذي انتخبه. ان يسأله لماذا؟ ان يحاسبه، ان يقرر ان لا ينتخبه ان لم يف بوعده الذي انتخبه من اجله. أن يدرك ان لا قانون ولا أجهزة يمكنها ان تقوم مقامه في واجبه هذا وانه ان لم يقم به فأنه يستدرج الكوارث على بلده وعلى نفسه.

عليه ان يتعود أن يبذل الجهد، ان يقرأ، ان يبحث.. "عن الحق ليعرف رجاله" لا العكس، ولا ان يقرر إعطاء رجل او امرأة "الثقة" لتقوم له بما يفترض به ان يقوم به بنفسه.. وعليه قبل كل شيء ان يدرك أن عليه ان يكون أميناً مع نفسه! فالتغاضي عن أخطاء وخطايا نائبه او حزبه، سيدفع ثمنها هو قبل غيره، وسيسرقه نائبه وحزبه هو قبل غيره. لذلك فعليه ان يكون قاسياً على حزبه بأكثر مما يكون على الآخرين.

والحقيقة ان النقطتان الأولى والثانية ليستا إلا تهيئة للنقطة الأخيرة التي تفرض على المواطن استلام مهمته. فما فائدة منع التزوير ان لم يكن المواطن قد قرأ وفهم وحدد اختياره لمن سينتخبه؟ وما فائدة الشفافية في مجلس النواب إن لم يكن المواطن سيهتم بمن صوت على القوانين المهمة بالإيجاب والسلب؟ أو إن لم يكن اميناً وقاسياً ومستعداً لتغيير خياره في الانتخابات المقبلة، إن تصرف نوابه او حزبه بعكس ما وعدوا به؟

 

هذه هي المشكلة الحقيقية وهذا حلها. أن نواجه الحقيقة وأن لا نكون ساذجين وأن نبذل الجهد. أما من يريد لتغيير قانون ان يحول له بلده الى جنة ديمقراطية "مثل السويد"، وبدون أن يعطي من وقته ما يكفي لقراءة أكثر من بضعة أسطر (إن قرأ) ليتخذ موقفه، فالنتيجة ستبقى الكارثة الحالية، بل انها لن تبقى لفترة طويلة لأن الكوارث هي الأخرى... "تتطور"، ولا يعود الحل الممكن اليوم، ممكناً غداً. ولو اننا واجهنا المشكلة أمس، لما كنا في هذه المشكلة الأصعب اليوم.

إن من يريد أن يحل مشكلة العراق الغارق بالتزوير وانعدام الشفافية، بتغيير قانون الانتخاب او قانون المفوضية، مثل ميكانيكي السيارات الذي تأتيه سيارة تسببت في حادثة لأن دواسة البريك فالتة، وبدلا من ان يصلحها، يحاول ان يقنعك ان الحل بإبدال "الدسكات" لأن فيها صدأ! وليس من الصعب تصور ما يحدث بعدها!