اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ليلة ضاع دم الدستور بين القبائل// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

ليلة ضاع دم الدستور بين القبائل

صائب خليل

12 شباط 2020

 

في الجدل الدائر عن المرشح القادم لتشكيل الحكومة المؤقتة، يضع كل شروطه، ومعظمها عجيبة وضبابية مثل ان يكون "غير جدلي" أو "مستقل" او "من خارج الأحزاب" الخ. ولا أحد يبدو مهتما ان يسأل: ماذا يقول الدستور عن هذا الوضع، وكيف يتم اختيار المرشح وفقه؟

لماذا؟ وكيف بدأ هذا الأمر؟ وما هي نتائجه؟ وإلى اين سينتهي؟

 

لماذا؟

هناك صراع شديد بين اللاعبين في ساحة أي بلد، للسيطرة على مختلف السلطات فيه. وهذا الشيء يتذكره الساسة والمحتلون والدول الأخرى وكل القوى المتواجدة على الساحة، عدا الشعب! فهو الأقل انتباها بين اللاعبين.

كيف بدأ؟

منذ وضع الدستور حشرت فيه مواد تتيح لمن كان نبها في حينها ان يحصل على سلطات أكبر مما يستحق. فحشرت فيه عبارات عن طريقة الاقتصاد الواجب اتباعها، بما يناسب المحتل الأمريكي، ومادة تمنح لدستور الإقليم وقوانينه، سلطة تفوق سلطة الدستور العراقي وقوانين العراق، في كل ما يستحدث لاحقاً من نصوص. كما منحت كردستان فعلياً، سلطة  "الفيتو" على أي تغيير دستوري مستقبلاً.

ومن هنا بدأت رحلة احتقار الدستور والإحساس بأنه لا يلبي طموح الشعب في العدالة، وبضرورة تغييره.

 

القاء اللوم على الدستور

كما هو واضح فهذا حق، ولا شك ان دستورنا بحاجة الى الكثير من التعديل لكي يصلح. فهو كالساق المصابة بالورم، لن تستطيع ان تأمل أن تركض بها.

عندها نذهب بها الى الطبيب ونصرف عليها المال والعناية، ولا نعاملها بالاحتقار ولا "ننابزها" بالألقاب، ولا نسميها "ساق بريمر"، ولا نرعبها بان نقول ان لا حل لنا الا بقطعها والقائها في المزبلة.

لقد عاملنا الدستور هكذا. ولم نكتف بالسماح بانتهاك حرمته دون ان نفتح فمنا باحتجاج، بل اسهمنا في خلق الجو المناسب لذلك الانتهاك، ووصفناه بأنه سبب مشاكلنا. والحقيقة ان ما يصيبنا اليوم من كوارث يتعلق بإهمالنا لواجبنا السياسي كمواطنين، أكثر بكثير مما يتعلق بخلل الدستور.

واجبنا في الرقابة، والمطالبة بالشفافية التي تتيح لنا الرقابة، ثم المحاسبة. اهمالنا لواجبنا كـ "مواطن حاكم" كما يفترض بالمواطن ان يكون في الديمقراطية.

 

ما هي نتائج هذا الإهمال للواجب والاحتقار للدستور؟

الحكم لا يتم إلا بإرادة الحكم وبامتلاك أداة الحكم. والشعب بإهماله، افتقد لإرادة الحكم، فهو لا يسأل ولا يريد ان يعرف ما يحدث في دهاليز مجلس النواب والحكومة. ولذلك فهو لم يطالب بالشفافية ولم يصر ان تنقل له جلسات مجلس النواب ولا اهتم بالتحذيرات من استخدام الحاسبات في التصويت ولا غضب وعاقب من احرق اصواته او زورها.

والشعب بإهماله فقد ايضاً أدوات الحكم، واهمها الدستور المهان الممتهن. فإذا كان العبادي قد ولد سفاحاً، بمؤامرة أمريكية برأس حربة كردستاني، في الغرف المظلمة والأكاذيب والتهديد، فأن من تلاه جاء بتعاون علني في وضح النهار على انكار دور الدستور وتجاوزه، ومن قبل جميع الطيف السياسي العراقي، بلا خجل، بلا استثناء! وجرى كل ذلك بمباركة المحكمة الاتحادية والمرجعية التي تتهم علنا بأنها دفعت بعبد المهدي الى السلطة، ولم تنكر، بل جاملته احياناً، كما بينت في احدى مقالاتي السابقة. وأسمت قيادات التحالف تلك الجريمة بأنها ابتكار لطرق جديدة لانتخاب المرشح خارج الكتلة الأكبر. أما السيد مقتدى الصدر فتبرع بتبييض الفعل الشائن بعبارة مراوغة "الشعب أكبر من الكتلة الأكبر"!

لكن الحقيقة كانت ان الشعب المهمل الذي لا يدرك الكارثة، كان آخر من يعلم!

 

النتيجة ان الاحتلال تمكن من وضع كارثتين مدمرتين على رأس السلطة. الكارثة الأولى كان العبادي الذي جاء محملا بمشاريع التآمر، فنجح بعضها (إعادة الجيش الأمريكي وتنازلات هائلة لكردستان مالية ونفطية وحرية تصدير لإسرائيل وغيرها، إضافة الى عقود قروض) وفشل الآخر (مشروع الحرس الوطني لتفتيت البلاد عسكريا الى محافظات مستقلة).

أما الكارثة الثانية فكان عبد المهدي، صاحب مؤامرة ما سمي "شركة النفط الوطنية" التي أنقذ البلاد منها فتية بواسل، واتفاقات الأردن المدمرة للاقتصاد وتعجيل مد أنبوب نفط الأردن لتطوير نهب الأردن لنفطنا ووضعه عند مرمى التهديد الإسرائيلي، إضافة الى زيادة عديد بساطيل الامريكان والمزيد من القروض والمزيد المزيد من التنازلات لكردستان، حتى صارت حالة تثير الخجل والقرحة.

 

ولنلاحظ أن من نتائج هذا الاحتقار للدستور، ان “حربة الاحتلال” كردستان، صارت تملك سلطة شبه مطلقة لاختيار من تريد ليحكم البلاد! لقد تحول المنصب الشرفي الذي منح لها (الرئيس) إلى منصب ذو سلطة شبه مطلقة لاختيار من تريد! ولنلاحظ ان كردستان لم تتسلط على العراق وقرارته وتوزيع حصصه بشكل ظالم كما حدث في عهد الحكومتين اللتين قام الرئيس الكردي، بانتخاب رئيسهما بحرية عما يفرضه الدستور عليه! ومن الطبيعي ان يكون هذا بالتنسيق مع السيد المحتل، ومن يعمل لدى السيد المحتل من عملاء، ومن يتمكن هذا السيد من الضغط عليه او رشوته أو خداعه من الحمير. فكردستان لا شيء بدون هذا السيد، كما تبين في استفتاء الاستقلال الذي عارضه ذلك السيد، فانهار كل شيء في كردستان. فلا تستطيع كردستان بدون دعم السيد، أن تستفيد كثيراً من الحرية التي منحها لها احتقارنا للدستور.

وهذه الحرية في انتهاك الدستور في تطور مستمر، والتدمير الناتج عنها في تصاعد مستمر. فإن كان معصوم قد اختار العبادي من نفس حزب المرشح النظامي الفائز، ونفس الكتلة الأكبر تجنباً للاصطدام بالدستور بشكل مباشر، واضطر للتآمر الخفي والتزوير، فإن برهم صالح اختار عبد المهدي علنا بانتهاك الدستور وبمباركة صلفة لكل ساسته، لهذا الانتهاك! والنتائج التدميرية على العراق من ولاية عبد المهدي كانت هي الأكبر من أي رئيس حكومة آخر، رغم ان غير المتابعين لما يجري لا يشعر بذلك.

 

النتيجة الأخرى المدمرة لهذه الحال هي أن الكتل المختلفة التي يغمرها الفساد، قد صارت في حل عن مسؤولية تصرف الذئب الذي انتخبوه ليسرق لهم الغنم. فكردستان باختيارها "شيعي" يتبع تعليماتها، لن تبدو مسؤولة عن الجرائم والسرقات التي سيمنحها لها، كما لو كان الحال لو أنه كان كردي. وخاصة ان هذا الترشيح يتم بالتعاون بالتآمر مع الكتل الشيعية الأكبر وتجاوبها. الكتلة الأكبر هي الأخرى لا تتعرض الى تحميلها مسؤولية الكوارث الناتجة عن ذلك الترشيح، لأن هذا "المستقل" لم يكن اختيارها الدستوري الحر، فتكون هي أيضاً بمأمن من تحمل نتائج عمله.

 

احتقار الشعب للدستور، يعني ايضاً احتقار الشعب لأصواته. فلم تعد هذه الأصوات (أو ما يبقى منها بعد التزوير) تحدد من يرشح ليحكم البلد، ولم تعد أية كتلة تعتبر أن ذلك من استحقاقها ، بل يتم الأمر بالطرق المافيوية والتهديد بالعصابات والسلاح!

والحقيقة ان الشعب يوجه احتقاره لأصواته بشكل مباشر أيضا، بعدم متابعة نتائجها. ولنلاحظ ان الشعب قد يكون مهتما بالشفافية حين يتعلق الأمر بالأموال والسرقات وحجم رواتب المسؤولين، لكن من الصعب جدا اثارة أي اهتمام بالشفافية في عملية الاقتراع وفي قرارات مجلس النواب وجلساته العامة ومن يصوت من النواب بالإيجاب على القرارات ومن بالعكس.

الشعب مثلاً، لا يدرك أو لا يبقى متذكراً، العلاقة بين سياسة الخصخصة وفتح الحدود التجارية من جهة، وانخفاض احتمال حصوله على عمل من الجهة الأخرى. او بين مد أنبوب النفط الى الأردن، ومدى تحكم إسرائيل بثروته مستقبلا. أو مدى ما تقترض حكومته من البنك الدولي، والقيود التي ستوضع على الحكومة لمنعها من دعم الفقراء والعاطلين والتأمين الصحي والنقل العام وكل ما يبني المجتمع ويقويه، ولا يدرك ايضاً تأثير تلك القروض على تدمير مستقبل البلاد ومستقبل أولاده. لذلك فهو لا يهتم بتلك القرارات ومن الصعب جداً اثارة غضبه منها، رغم انها تعني كل شيء في النهاية.

 

ولصعوبة هذا الربط، لا يجد الشعب دافعاً حقيقيا لمتابعة هذه النقاط وبالتالي لا يهتم بالشفافية ولا ببرامج الأحزاب ولا مدى تنفيذها لوعودها إلا بقدر ما يؤثر عليه مباشرة. فلو حسّن رئيس الحكومة الحالة المادية بإغراق البلاد بالقروض او بضخ النفط بشكل مفرط، فلن يشعر معظم الناس بأنه لص او عميل، بل يشعرون له بالامتنان، حتى لو كان قد جاء بشكل غير دستوري وحتى لو كان قد بذر معظم ثروتهم وترك للصوص كردستان وغيرها ان تسلبهم معظم حقهم. 

 

لقد تم انتهاك وتحقير الدستور بتعاون الجميع ليضيع دمه بين "القبائل"،  فلا تحاسب أية جهة أو كتلة على الجريمة ولا تدفع من مقاعدها ثمن خيانتها في المستقبل. وتخلى المواطن بذلك عن سلطة مهمة له على مقدراته. وما جرى للدستور، جرى للوطن، بسبب قلة وعي المواطن لدوره في المراقبة والفهم والحكم، وعدم ادراكه لأهمية احترام الدستور والشفافية لهذا الدور، وكلما تأخر تصحيح هذا الخلل، كلما كان الثمن أكبر، والأمل أصغر. 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.