اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

خطاب السيد درس في حرب الردع النفسية// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

خطاب السيد درس في حرب الردع النفسية

صائب خليل

16 آب 2020

 

مرة أخرى يدهشنا السيد بقدرته الفائقة على عكس الوضع النفسي العربي وإعادة رفعه. فكأننا كنا بعد حادثتي تفجير بيروت ثم تطبيع الإمارات، قد صرنا في وضع مصدوم مشتت قلق، قابل لتمرير أي شيء مرفوض، كما تشرح نعومي كلاين في "عقيدة الصدمة"(1)

القدرة المدهشة تبينت أولا في إعادة الأمور الى نصابها! فكأن أمامنا لعبة معقدة التركيب، تناثرت اجزاءها، فجاء يعيد ترتيبها ويطمئننا أن كل شيء مازال على ما يرام، ويرسم الابتسامة على وجوهنا مكان القلق والخوف من الآتي.

أعترف اني لم اكن استطيع ان أتوقع كيف سيجيب السيد على كل الأسئلة الصعبة والقضايا الحاسمة التي تتطلب موقفا محدداً واضحا قوياً من جهة، وواقعيا مقنعا في نفس الوقت. فكأن السيد كان يسير على حبل دقيق، مهدد ان يسقط في ضعف الخطاب من جهة، وتأثيره المدمر على الشعب الذي يضع فيه كل أمله، أو يسقط في كلام غير واقعي فيفقد مصداقيته وتأثيره، من الجهة الأخرى. لكن السيد سار على هذا الحبل الدقيق بمهارة مذهلة، محتفظاً بكامل مصداقيته، وكل عنفوان القوة والشجاعة التي عرف بها. والحقيقة اني قررت ان أحاول مستقبلا ان أتوقع خطاب السيد وكيف سيتحدث عن كل قضية، ثم اقارن بين ما كتبت وما سيقول، متوقعا أن اتعلم الكثير من ذلك!

 

فإلى جانب توازن الردع العسكري، نجد انفسنا أمام توازن ردع نفسي يأخذ الأنفاس! فضربات العدو العسكرية هي ما يرد عليه بضربات عسكرية، أما عدوانه النفسي وانتصاراته النفسية، فيتم ردها وتصفيرها بنفس القوة وأكثر. وخير مثال على ذلك فأن الأثر النفسي لإبقاء جيش العدو بشكل مستنفر وقلق (إضافة الى شعبه) هو بلا شك رد نفسي اشد من التأثير النفسي السلبي لاغتيال أحد كوادر الحزب. والحقيقة ان الردع العسكري هو في أساسه ردع نفسي! الخوف مقابل الخوف، والإحباط مقابل الإحباط.

وعلى هذا الأساس، فأن انفجار بيروت هو "انفجار نفسي" لم يتم الرد عليه بعد، لأنه لم يثبت على أحد بعد. ووعد السيد بالرد بذات الحجم، يمثل جزءاً من الرد على هذا الانفجار.

وارتأى العدو ان يبادر بـ "انفجار نفسي" ثان ضد العرب، بدفع حكام الامارات لإعلان تطبيعهم. وقد رد السيد في خطابه على هذا الهجوم النفسي، وحجّمه بشكل كبير.

 

لو راجعنا الخطاب بالتفصيل نجد ان السيد في البداية، لم ينس التركيز على المناسبة واعطاءها وقتها. وهو ما يعني ان كثرة الاحداث المقلقة لم تجعل السيد يهمل او يقلل من الوقت المخصص للمناسبة الجليلة، كما كان سيفعل لو انه كان مغرقاً في القلق من تلك الاحداث. فأعطى انطباعا بالهدوء والقوة والاطمئنان.

 

يحصل من يستمع الى خطاب السيد أيضا على صورة أوضح لميدان المعركة، وتقييما افضل لنتائجها ومستقبلها. فأوضح ان نتيجة حرب 2000 كانت تحرير لبنان، ونتيجة حرب 2006 كانت حمايته بـ "قواعد اشتباك" وعن طريق “توازن الردع”.!

 

من النقاط التي تميز السيد عن الغالبية الساحقة من الشيعة، انه لا يعتقد بأن الشيعة مستهدفون لكونهم شيعة وان هناك قوى يدفعها “الحقد” لـ "إبادة الشيعة" و "القضاء على نسل رسول الله" الخ، بل ينظر الى الأمر بشكل عقلاني لا اثر للوهم أو المسكنة فيه، فهو يرى ان اعداءه يعادونه لأسباب عقلانية وبسبب موقف الحزب لا غير: "إذا تخلينا عن المقاومة سيعترفون بنا ويدعموننا ويطالبون بضمنا للحكومة ويزورونا ونصبح اعز الناس لديهم.."

وهو يشمل هذه الدوافع حتى الدول العربية التي تتهم غالبا بأن وراء عدائها "حقد طائفي"، اما هو فيقول:

"وحتى الدول العربية هاي، بيحبوا ويكرهوا تبعا للقرار الأميركي، لما يكون في قرار أميركي انه يحبونا، بيحبونا، .. وسيتحملون تدخلنا في الإقليم ان تدخلنا"!

وكدليل على أن هذه الدول العربية تعمل بالتبعية وليس بعواطفها او طائفيتها، يذكر السيد: "التوقيت يؤكد تبعية بعض الأنظمة العربية لأميركا" حيث ان توقيت اعلان التطبيع كان "خدمة شخصية لترمب ونتانياهو" لحاجتهما الانتخابية، مؤكدا توقعه ان اكثر من دولة عربية ستعلن الشيء ذاته قريبا، ملخصاً الموقف للوضوح: "لقد انجز حلب الأنظمة اقتصاديا يحلب كرامتهم وماء وجههم ودينهم ان كان بعد عندهم دين".

 

وبعد ان اكد السيد بطريقته المرحة أن "المقاومة هي شرط وجود بالنسبة للبنان وليس شرط كمال.." طمأن السيد جمهوره بأن قرار العقاب على ما ارتكبه العدو، مازال قائما، وأن توتر جيشه جزء من العقاب، راداً بذلك على التساؤلات في الأذهان. كذلك أعاد اعلان الامارات التطبيع، الى حجمه الطبيعي فهون السيد من وقع الخبر وبين بعض حسناته رغم المه.

 

وفي عودة الى لبنان اوضح السيد ان هدف الاضطرابات كان اسقاط الدولة وليس الحكومة

وأن استقالة رئيس الجمهورية كانت هدفا لم يتحقق. كذلك سعوا لإسقاط مجلس النواب بالبدء باستقالات ثم الهجوم عليه إعلاميا، أي اسقاطه عمليا وليس دستوريا. وبين ان من كان وراء كل ذلك، كان يخطط لحرب أهلية، مؤكداً ان أي حراك سياسي من أي طرف وطني، يجب ان يكون له سقف: عدم اسقاط الدولة وتجنب الحرب الاهلية

 

هنا ملاحظة مهمة. فكثيرا ما لا نسمع ولا نعرف الا بما يحققه الأعداء من نجاحات، مثل اسقاط الحكومة، لأنها احداث مدوية. اما فشلهم في مشاريع أخرى فلا يلفت النظر، ولا ينتبه احد الى انهم فشلوا في اسقاط البرلمان أو رئاسة الجمهورية او الدفع باتجاه الحرب الاهلية. ومثل هذا الوعي الناقص للجانب الآخر (الإيجابي) من شأنه الاخلال بالصورة الحقيقية لميدان الصراع ونتائج المعارك، وبالتالي موازين القوى، وبشكل محبط، حين لا ترى إلا انتصارات اعدائك، فيظهرون وكأنهم قادرين على تحقيق كل شيء وان الميدان لهم وحدهم. وهنا يأتي السيد ليعدل هذه الرؤية ويصحح الوعي بجانبها الآخر، معدلا الوضع النفسي لجماهيره.

 

انفجار بيروت والموقف منه

تركت هذا الجزء للخاتمة لأهميته.

قال السيد ان ليس للحزب "رواية" وانهم ينتظرون نتائج التحقيق.

ثم أشار الى حديث البعض عن أن الحزب يعلم ولا يريد ان يتورط. ورد على ذلك بجزئين: الأول انه واجه الآخرين من مسؤولين وأحزاب ومواطنين بمسؤوليتهم: "اللي بدو يجاوب مش بس حزب الله.. مش عملية تستهدف حزب الله انما كل الشعب اللبناني" .. فما موقفكم انتم من هذه الجريمة ان تبين ان العدو وراءه؟

ولم يتهرب من الجواب في الجزء الثاني، بل أكد ان الحزب "الذي لا يمكن ان يتغافل عن اغتيال عضو فيه .. لا يمكن ان يتغافل عن جريمة بهذا الحجم، وانه سيرد برد يتناسب مع حجم الدمار الذي احدثته الجريمة ان تبين ان العدو وراءه!

وبهذا فقد وجه ضربة مزدوجة الى خصومه، ليس في موقفه الواضح من الجريمة، بل أيضا لم ينس ان يذكر الباقين بأنها قضيتهم أيضا، وانهم مواطنون في هذا البلد!

 

اخيراً الفت النظر الى عبارته العميقة حين أوصى جمهوره: اضبطوا غضبكم ولكن حافظوا عليه فقد نحتاج اليه لدرء حرب أهلية عن لبنان. وهي تشي بإدراك القيادي لأهمية الغضب في الحراك، وخطر الوقوع في اللامبالاة. ومما لا شك فيه ان هذا كان تهديد ووعد ضمني بأنه لن يسمح بانزلاق لبنان الى حرب أهلية. (جدير بالذكر ان الرسالة وصلت الى "القوات" فهددت: نحن أيضا لدينا غضب!).

 

أخيرا، الاحظ ان الرجل كان يتقمص الروح الإيجابية حتى في ثنائه بكرم على بعض حلفائه الذين كانوا يتحركون بنصف موقف. ومن كل هذا الخطاب الشافي، خرج جمهوره سليما، اقوى مما كان قبل سماعه، وخرج اعداءه اقل تفاؤلاً! إنه حقا درس ثمين في حرب الردع النفسية.

 

(1) صائب خليل - لبنان - الصدمة والرد

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/3370757162981329

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.