كـتـاب ألموقع

المقاومة ومفاوضة الشركاء واتفاقية الكاظمي المخادعة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

المقاومة ومفاوضة الشركاء واتفاقية الكاظمي المخادعة

صائب خليل

29 تموز 2021

 

رؤية الشيخ قيس الخزعلي في الفيديو الأخير كانت محبطة بعض الشيء، حيث تشعر أن المقاومة محاصرة حتى في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ العراق. كذلك يثير خطابه علامات استفهام عن مدى وعي المقاومة لحقيقة الصراع وادوار الجهات المختلفة، وكيفية ادارته لتحقيق اهدافها، في التصدي لاتفاقيته الكاظمي الخطيرة مع اسياده في واشنطن.

يتحدث الخزعلي حول التنسيق بين الهيئة التنسيقية للمقاومة والاطار التنسيقي الشيعي (سائرون، دولة القانون، الفتح، الحكمة، والنصر)، ويقول أن الاطار التنسيقي الشيعي بذل جهودا حقيقية في الضغط على رئيس الوزراء، ليتبنى المطالب الحقيقية.

وسؤالنا هنا: هل يمكن لأية جهة في العالم ان تضغط على عميل؟ هل لديه اختيار لينضغط عليه او لا ينضغط؟ هل هناك قيمة لأي احد بالنسبة له غير سيده، أو يمكن ان يسمح سيده بأن تكون لأحد قيمة لديه، لتستعمل للضغط عليه؟ هل يمكن لأي سبب من الأسباب أن يخالف سيده "ليتبنى المطالب الحقيقية" لمن يضغطون عليه؟ أتصور أن المقاومة يجب ان تكون اكثر وعيا بحقيقة الأمر. وفي هذه الحالة نفهم المجاملات الدبلوماسية مع الشركاء، لكن ليس من الضروري نقل تلك المجاملات الى المستمع بهذه اللهجة التي تجعله يصدق ان المقاومة مصدقة تماما بإمكانية مثل هذا التفاهم وهذا الضغط وتلك النتائج.

يقول الخزعلي: وطلبوا منا اتاحة الظروف المناسبة لنجاح زيارة رئيس الوزراء والقاء الحجة كاملة عليه بأنه لم تكن هناك أسباب لإفشالها

وقال ان الهيئة التنسيقية للمقاومة قبلت ذلك رغم قرار سابق للهيئة التنسيقية للمقاومة "بعدم إعطاء اية هدنة ثالثة مطلقا.. لكن احتراما للإطار تم إيقاف الهجمات".

لنلاحظ أولا، ان "الاطار التنسيقي الشيعي" يتخذ في هذه "المفاوضات" مع المقاومة، جانب المحتل، ويقدم خدمة له، بالحصول على هدنة تخدمه لإتمام مخططه في توقيع اتفاقية مؤذية للعراق. وهو بالضبط الدور الذي لعبه هادي العامري لزمن طويل، فكان وكأنه منظومة باتريوت سياسية تحمي الاحتلال في كل مرة بحملات الوساطة التي يحبط بها مواقف المقاومة بالرد على الاعتداءات والجرائم الامريكية عليها. والحقيقة ان هذا الموقف من "الإطار التنسيقي الشيعي" ليس مفاجئاً، بل متوقعا تماما. ولا يعود ذلك الى كون التحالف "شيعيا" بالطبع، فلو كان سنيا، لكان له نفس الموقف إن لم يكن اكثر سوءاً والتفافا حول الاحتلال وخدمته. ما السبب إذن؟

 

السبب هو الطبيعة المختلطة لمثل هذه التجمعات التي لا تقوم على وحدة الموقف، بل على قضايا أخرى لا علاقة لها بالأمر، مثل وحدة المذهب هنا. فالتجمع في هذه الحالة هو خليط من المقاومين والشرفاء الذين يقدرون الخطر الأمريكي ويقفون بالضبط منه من ناحية، والمتماهون مع الاحتلال الأمريكي بدرجة او بأخرى، وصولا الى العمالة التي تسيطر على بعض الكتل وتحدد موقفها تماما.

 

في مثل هذا التجمع تكون الكفة الراجحة دائما للجانب الأمريكي او العميل لأميركا. فالعميل اكثر ثباتا بخدمة سيده من ثبات الشريف على المبدأ، عكس ما هو شائع. فالعميل لا يملك حرية مخالفة سيده بينما يمكن للشريف ان ينقلب على مبادئه. والعميل محمي بسيده القوي بينما يتعرض الشريف لضغوط هذا السيد، وابتزازاته وتهديده وإعلامه.

 

كذلك يتصرف العميل بدقة اكبر ويتحرك بتنسيق ادق بكثير مع بقية زملائه، لأنه مسنود بمشورة علمية واستخبارية وتنسيق لا تتوفر للشريف.

لذا فأي اجتماع واتفاق بين فصائل معادية للاحتلال واخرى ذات تواصل مع الاحتلال، سيكون بخدمة الاحتلال وليس العكس. فالعملاء ملتزمين بأسيادهم، ويتم ابلاغهم بدقة عن أي شيء يتنازلون وأين يقفون رافضين. اما مناهضي الاحتلال فضائعون، ومتخلفون بتقنيتهم على سحب القرارات الجماعية للتجمع نحو اهدافهم، قياسا بالجانب المقابل.

 

لذلك فأي تنسيق يسعى لجمع "كل" قيادات الشيعة او "كل" قيادات السنة، هو لصالح السفارة وضد الوطن ولا يرتجى منه خيرا. الصحيح هو التجمع على أساس الموقف، أي ان يسعى الشرفاء للتنسيق بينهم فقط، او مع أمثالهم في الجانب المقابل (شيعة وسنة) كما يفعل العملاء بالفعل، لكن هذا يبدو حلما فوق قدرة مقاومتنا ولا تبدو مهتمة به أصلا فعلينا ان نتركه لفترة طويلة.

 

بالعودة الى خطاب الخزعلي، وما جرى قبله، أقول أننا لا نعرف، وعلى الأغلب لن نعرف، ما هو الاتفاق بالضبط بين المقاومة والإطار التنسيقي الشيعي، لكن المفترض ان ما قدمته المقاومة مقابل هذا التفاهم هو ثمن كبير، بالتنازل عن موقفها السليم "بعدم إعطاء اية هدنة ثالثة مطلقا"، ورفض اية وساطات مستقبلا. فهذا الموقف لم يتخذ عبثاً، وانما بعد اكتشاف المقاومة ان تلك الوساطات وتلك الهدن، التي يبدو ان هادي العامري كان يلعب الدور الأنشط فيها، والتي طالما قلنا انها كلفت المقاومة كثيرا في الوقت وفي شعبية المقاومة وفي الدماء أيضا.

فالسؤال الجيد هنا هو: ما الذي حصلت عليه المقاومة (لموقفها) مقابل هذا التنازل عن موقفها من الهدنة، للإطار التنسيقي الشيعي؟

تحدث الخزعلي عن تواصل وتفاهم يمكن ان يلعب دورا إيجابيا في المستقبل. فقال ان "هذا التطور في العلاقة بين الهيئة والاطار، تطور إيجابي مهم ممكن ان يخدم الوضع العراقي في التطورات مستقبلا".

 

التطورات مستقبلا مازالت بعلم الغيب، لكننا نتحدث عن الحاضر وعن مواجهة الاحتلال واتفاقيته. لم يتحدث الخزعلي عن هذا، انما المفروض لو كنت مكانهم أن اتفق مع الجانب المقابل الذي يطالبني بهدنة وفرصة للاحتلال وعميله ليوقعوا اتفاقية اعلم مسبقا انها ستكون مدمرة وخادعة، لو كنت مكان المقاومة لطالبت الجانب الآخر ان يتعهد بالوقوف معي بكل وضوح في حالة عدم تحقيق ضغوطهم الموعودة على الكاظمي، الحد الأدنى الذي نتفق عليه. وان يكون هذا الحد الأدنى واضحا محددا تماما. وكنت سأطلب منهم وعدا باتخاذ موقف جماعي للإطار التنسيقي من الاتفاقية، بعد الاجتماع ومراجعة بنود الاتفاقية والتأكد إن كانت تفي بشرطنا بالحد الأدنى ام لا.

 

من الواضح ان هذا لم يحدث! فمن الواضح ان الخزعلي يعتبر ما جرى هو "ضحك على الذقون، وضحك على العقول" كما وصفه. لكن شركاءه في التفاهمات من جانب الاطار التنسيقي الشيعي، تسابقوا في التبريكات لتلك الاتفاقية!

 

عن هذا يقول الشيخ الخزعلي: "صدرت العديد من المباركات للبيان المشترك.. والنجاح المفترض الذي حققه رئيس الوزراء بانسحاب القوات الامريكية الوهمي"!

إذن لم يكن هناك أي ثمن لذلك التنازل الذي قدمته المقاومة بالتخلي عن قرارها برفض الهدنة، والذي تم كما يبدو مجاناً! وهذا ما قلناه أعلاه من تفوق الجانب العميل المدعوم من الاحتلال، على الجانب الوطني المضاد للاحتلال، من حساب التنازلات وقيمتها. والحقيقة ان الخزعلي لا يبدو محتجا على هذا الموقف، بل لا يبدو مدركا انه تم إيقاع المقاومة في نفس فخ الهدنات السابقة، فخ تقديم التنازل مقابل كلمات مجاملة فارغة، لتتيح الجو لتوقيع تلك المعاهدة سيئة الصيت. إنه يقول: "لا نشك في نوايا اكثر الذين باركوا هذا البيان ..(وان تلك البيانات) صدرت بحسن نية وبغرض الدفع الى الامام بدعم مؤسسات الدولة لتقوم الحكومة بمسؤولياتها".

 

والسؤال هنا: هل عليك ان تعترف حقا بتلك الحكومة ومؤسساتها كحكومة طبيعية يجب احترامها، ام تعتبرها حكومة عميلة نصبها الاحتلال بقوة الضغط والتهديد والإرهاب؟ هل تعمل هذه المؤسسات باتجاه ما تراه مناسبا للوطن ام بالعكس؟ إن كانت تعمل باتجاه الوطن فلم المقاومة أصلا؟ المفروض انك تعتبر الحكومة معادية للوطن ولك، ولا تقدم التنازلات التي تتيح لها الحركة و"تقوم بمسؤولياتها" بلا ثمن لأنها ستفعل ذلك لخدمة اسيادها وضد اهدافك.

 

إن عدم رؤية الأشياء بوضوح، مازال هو الحال المسيطر على مقاومة الاحتلال، ومازال الاحتلال يحقق المكاسب ويحصل على تنازلات بلا مقابل اكثر من كلام ومجاملات بينما يمضي في طريقه في تكبيل البلاد وتحطيمها، والأدهى من ذلك ان المقاومة لا تبدو واعية لتلك الحقيقة، بل تبدو (بلسان الخزعلي) فرحة بتلك الخسارة المرفقة برضى الشركاء وكلماتهم المجاملة، ويؤكد الخزعلي ان مواقفهم كانت "بحسن نية" ولغرض شريف! وليس هناك مؤشر واحد على "حسن النية" تلك، فالخدعة واضحة حتى للأطفال.

 

عدم وضوح الرؤية وقيم الأشياء والتنازلات، وهذا الخلط بين المجاملة والرضا، وما وضعت المقاومة حياتها على راحتها من اجله، يكشف الحقيقة والدروس التي يجب ان تتعلمها المقاومة بسرعة، ويبعث على القلق.