كـتـاب ألموقع

الباخرة التي اسقطت "النأي بالنفس"// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

الباخرة التي اسقطت "النأي بالنفس"

صائب خليل

 

اللبنانيون مدينون بالمازوت والكرامة، للرجال الذين يقفون وراء الباخرة الميمونة، لكننا جميعا مدينون لهم بأشياء أخرى: بإسقاط العديد من مراوغات حجج الاستسلام!

فمنظر شريان الشاحنات الذي امتد من سوريا الى لبنان، فضح سخف فكرة "النأي بالنفس" و "الابتعاد عن محاور الصراع" التي يطبل لها الإعلام المشبوه في بلادنا وكل بلاد يمتلك اعداؤها وسائل اعلامها، والمجندين.

فإنجاز الباخرة هو ثمرة "القرب بالنفس" الذي ابدته ايران للمقاومة اللبنانية، فدعمتها لتحيا، والذي أبدته مقاومة لبنان لإيران فلم تخجل ان تشكرها وتبين فضلها عليها وتدافع عنها.

 

وهو ثمرة "القرب بالنفس" بين المقاومة اللبنانية وسوريا. فرغم ان سوريا محاصرة من امبراطورية الوحوش، ومن حقها ان تطلب شيئا يسد رمقها مقابل تعاونها، إلا انها لم تفعل ولم تضع اية شروط على التعاون، ومررت المازوت كله الى لبنان.

لماذا؟ لأنه حين تعرضت سوريا لخطر الدواعش، لم "تنأ" المقاومة اللبنانية بنفسها عنها، كما كان يتمنى ويحرض المجندون والمخدوعون بالمجندين، ولم "تبتعد عن محاور الصراع" بل قفزت لنجدتها وقدمت التضحيات والشهداء. لقد رأت المقاومة اللبنانية أنها ضحية للعدوان وهدف له، فكيف تبتعد ضحية عن "محور صراع" هي الهدف منه؟ تخيلوا لو ساد بين شعوبنا شعار "النأي بالنفس"، وشقيقه "الابتعاد عن محاور الصراع"، كيف كنا سنكون ضحية سهلة لحصارهم ودواعشهم! تخيلوا وعندها ستعرفون لِمَ يدفعون بكل اتباعهم للتطبيل لهذه المبادئ المسمومة ويروجون "فضائلها" "حكمتها"!

 

واسقطت الباخرة وابطالها عبارة "لا اخلاق في السياسة"، فها هي "السياسة" التي تولد من رحم الأخلاق، تأتي بأجمل شكل وابهى صورة، وارثة جمال عيون "الاخلاق" التي ولدتها، وابتسامتها.. وبينت ان "السياسة الخالية من الاخلاق" ليست هي السياسة الوحيدة الممكنة كما يدعون، مثلما ان "الانسان بلا اخلاق" ليس هو الانسان الوحيد الممكن، إنما هما مسخان قبيحان لما هو ممكن في العالم.

 

واسقطت الباخرة وابطال الباخرة عبارات أخرى طالما انتفخ بها "المثقفون" من مبرري الاستسلام مثل "البراغماتية" (الاسم الدبلوماسي الملطف للأنانية وقصر النظر)، فلم تتصرف المقاومة اللبنانية ولا الحكومة السورية بـ "براغماتية" لتحصل على ما تستطيع الحصول عليه في الموقف الآني وتنسى المبادئ، بل نظرت الى المستقبل ورأت مصلحتها البعيدة في التعاون المتبادل الذي يحسب بعيدا، ورأت أن التضحية في وقتها، "مصلحة" ايضا.

فبانتهاجها "القرب بالنفس" و "سياسة المحاور" و "السياسة الأخلاقية" لم تكن المقاومة اللبنانية تنتهج نهجا تضحويا أخلاقيا فقط، بل نهجا عقليا باحثا بذكاء وشجاعة وبعد نظر، عن مصلحتها أيضا!

 

كذلك اسقطت الباخرة المباركة المعنى الذليل لعبارة "السياسة فن الممكن" من ترسانة وعاظ ضرورة الاستسلام للقوي، ونفخت فيها معنى الشموخ والإعجاز، فكشفت ان "الممكن" ليس تعبيراً عن المحدود والصغير، بل هو كبير وكبير جدا فوق خيالنا! وان "فن الممكن" هو فن الوصول الى تلك الذرى الشاهقة لـ "الممكن" ومساحته المذهلة! وبهذا قلب حدث الباخرة ومثالها، عبارة "السياسة فن الممكن" على أصحابها المبررين للخذلان، وستكون مع ذكرى الباخرة، سلاحا بيد من يطالب الساسة بإنجازات لم يتخيلها المواطن ممكنة!

 

وأخيراً، مرت الباخرة الكريمة على جثث "لا تكن صلباً فتكسر" و"حقيقة واقعة شئنا ام ابينا" وعرّت مذلة من يقف على "الحياد" بين من يقطع عليه أنفاسه ومن يمده بها، فكأن الباخرة، سيف ذو الفقار، يضرب به المقاومون المتخاذلين فيقيم مذبحة لعبارات تبرير الاستسلام، ويحرر الإنسان فينا من خدرها ليفيق شاعرا بالقوة والأمل... فلم نعد ندر، هل خدمت الباخرة لبنان أكثر، ام نحن؟