اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قراءة في المجموعة القصصية (أوان الرحيل) علي القاسمي// جمعة عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

قراءة في المجموعة القصصية (أوان الرحيل) علي القاسمي

جمعة عبدالله

 

نقف باعجاب امام هذه المجموعة القصصية, امام سعة عوالمها من الابداع الواسع, التي تحتض المعارف المتنوعة الواسعة المختصة في شؤون الحياة والوجود, في خزينها المتوفر والغني الذي يملكه الاديب, في المجالات الثقافية والفكرية والفلسفية, لذا فأن قصص المجموعة هي بكل بساطة تتخذ موقف ورؤية فلسفية ورؤية تأملية واضحة, لا غنى عنها, بما تمتلك من معارف وخبرة وتجربة طويلة, وعميقة في مجالات ابداعية متنوعة ومختلفة, لهذا فأن الاديب يملك ناصية القدرة الكبيرة على التوظيف في جمالية أبداعي في طيات ثنايا النص القصصي. لذلك يجد القارئ ضالته المنشودة في عمق رؤية الابداع وتفاعله الحميم في مختلف العوامل والتأثيرات. وخاصة في قضايا ومعضلات حيوية وحساسة, تلتهب الواقع في نيرانها الناشبة, وفي جوانب متعددة ومتنوعة, لذلك تنعكس هذه المؤثرات على النص القصصي من قيمة جمالية بشكل متفاعلة ومتحركة في تنمية نمو وتطور مسار الحدث, واخذه الى مديات واسعة من الرؤى,  التي تستحق الاهتمام, ويقدمها في اسلوب بسيط عميق التصور والايحاء والرسم , في لغة السرد, التي ترتقي باسلوب الحكاية البسيطة, الى براعة الاسلوب الحديث والمتطور الجامع في تقنياته الحديثة, في الحبكة الفنية, التي تملك صيغة صفة  التنوع في الفعل الحساس والمتأزم  والمنفعل, الذي يأخذ ابعاد المتخيل, وجمعه مع الخيال والواقع, وفرز ايحاءتها ومغزاها ورموزها, من معين التجارب الحياتية ومعايشتها في مختلف المراحل, لذلك يأتي التعبير السردي, في كل تصوراته وتأملاته ومواقفه ان  تكون عملية  المخاض متكاملة من الرؤى والرؤية التي تمتلك حرية التأويل وحرية المطابقة والمقارنة بين المتخيل ومضاجع الواقع الفعلية, لذلك يجد القارئ منهج اسلوبي متطور في لغة السرد تتعدى الاطر التقليدية, فهي  متحركة في ديمومة الحركة, بأن تملك حرية الرؤية والموقف الحياتي والفلسفي, في القضايا الحساسة, التي تطرحها بانسيابية ناضجة وبشفافية تشويقية, بما يدور في عمق الذات الانساني من تفاعل وصراع المتداخل بالقلق المأزوم في زوبعة الواقع المحسوس والفعلي في طرحها هاجس الموت الذي يشغل الهم والبال الاول,  واولى قضايا الحياة والوجود وفي تصارع قائم وفي علاقات متداخلة ومترابطة لا يمكن فصلهما عن الموجودات الحياتية. ولا ننسى في ثنايا المجموعة القصصية  عامل الغربة الطويلة بكل تشعباتها لها نصيب من التأثيرات المؤثرة في جوانب العمل الابداعي. لذلك نجد خاصية بارزة في اسلوبية التعامل مع اشكال السرد والحدث في  انماط مختلفة ومتنوعة, قد  تتعدى المألوف في ثنايا المتن القص, ولكن الملفت للنظر في الاسلوبية القصصية للاديب بأنه يأخذ فعل الحدث من الداخل, وبكل تأثيرته في المفاعيل الداخلية في تطور الصراع وازمته وانفعالاته في الفعل الدرامي, او في الانفعال الدرامي. لنجد ابعاد تحدد في العمق من فعل الازمة, لتخرج الى العالم الخارجي, لتسلط الضوء الكاشف عليها بكل الابعاد النفسية, بصيغة مكاشفة الذات واظهار فعل الرؤية للحدث ومساره في مساحته الخارجية المسلطة عليه, اي اننا في المحصلة النهائية, بأن كل قصة من المجموعة, تحمل بعد داخلي وخارجي لتكون المشهد العام التصويري المرسوم في مسار الحدث الذي يعطي النتيجة في المحصلة النهائية لمردودات الافعال الظاهرة, وهي تكشف عن روح التفاعل في طرح القضايا التي تشغل البال العام في اسلوبية سردية منسقة بابداع وتمكن من الاحترافية, وفي حركتها الدؤوبة لشخوصها, في قيادة مسار الحدث  المركزي لمتن  للقصة, وقد تميزت المجموعة القصصية بتغلب ضمير المتكلم بأن يكون الفاعل والمتفاعل, السارد والراوي, ولكن ضمن ضوابط محددة ومركزة, والذي اخذت مسئلة الحيز الاكبر في قضية الموت, لذلك خلت النهايات لقصص المجموعة من النهاية السعيدة, والاديب (علي القاسمي) له ناصية متمكنة في حشر القارئ ان يتفاعل مع مؤثرات الحدث القصصي, بشوق ولهفة, بأن يجعل القصة ناضجة كأنها خرجت من التنور, او من المشغل الرسمي التشكيلي. والمجموعة اشتملت على 14 قصة, اضفافة الى نصين, (اقتربا من اسلوب السرد الفني للقصة الحديثة) , لنأخذ بعض العينات, ونترك البقية لفترة قادمة.

1- قصة جزيرة الرشاقة: عنوان مغري في التأويل والاختيار, ولكنه يشير بدلالات عميقة الى موت حضارة في الاندثار, وموت حضارة اخرى في تخمة الشبع الذي يتعدى المعقول والمنطق, الموت الاول يخصنا نحن بعمق, هو اهمال حضارتنا (البابلية) حضارة عمرها اكثر من اربعة آلاف عام, ان يصيبها النسيان والاندثار, لكنها تظل مركز الاهتمام من اهالي جزيرة الرشاقة (العالم الغربي) بأن تكون قبلة السواح ومحط اهتمامهم, رغم انها اصابها الموت القسري (لم يبق منها إلا اطلال وخرائب, انها بالاحرى اثار مدينة مندثرة, مجرد شوارع مهجورة, وقاعات بلا سقوف, واعمدة رخامية متصدعة, وجدران متهدمة) , لكن في المقابل لجزيرة الرشاقة (العالم الغربي) في معجزة التطور التكنولوجي الهائل في كل مجالات ميادين الحياة, في الرفاه والرخاء الانساني الى حد التخمة المجنونة, التي تؤدي الى موته البطي, اي تحولت كل معجزة التطور العلمي, الى الاشباع في الاكل (نعيش لنأكل) حتى تصاب بالسمنة والترهل, الذي يؤدي الى العجز والشلل والكسل, وهذه الامراض, تؤدي شيئاً فشيئاً الى توقف العمل والانتاج والحياة نفسها  , نحو الكساد والازمة الشاملة.

2 - قصة الكومة: يضعنا القاص امام مضلة ومشكلة حياتية وجيهة , التي تنخر واقعنا, في النظرية الموروثة في العقلية والثقافة, في مبدأ عدم المبالاة وعدم الاهتمام , في مبدأ (اني شعلية. او لا يهمني) وهو يمثل الثقافة الانهزامية, من حقائق ومعطيات الواقع , بالهروب من الفعل المضاد , والتقوقع في الانانية (الانا) بأن كل حطام الواقع تبدأ في عدم صد تياراته المخربة التي تقود الى الانحراف. ويدور حدث القصة, حول أمرأة عجوز فقيرة , تواجه معضلة العيش بالتسول وفي ظروف قاهرة, في اجواء باردة جليدية من الشتاء, تمد يدها لطلب العون والمساعدة, والرجل الرياضي, الذي اعتاد على الرياضة الصباحية, لاحت له في اليوم الاول, كومة من بعيد, فلم يعر اهمية, رغم الجو الشتائي القارص, وفي اليوم الثاني لاحت له حركة ندت  من الكومة , فتجاوزها , واليوم الثالث تيقن بأن الكومة , ما هي إلا أمرة عجوز متلفعة بالعباءة السوداء تمد يدها للعون , وحين اخرج بعض النقود ليضعها في يدها , فسقطت المرأة العجوز جثة هامدة , يعني المساعدة جاءت في الوقت الضائع , او كما يقال (بعد خراب البصرة) , وكان من الممكن انقاذها في اليوم الاول انقاذها, ولكن مبدأ (اني  شعلية) حال دون ذلك .

3 - قصة الكلب ليبر: تطرح مشكلة عويصة يعانيها اهل الغرب, هي مسألة الوحدة والانعزال الاجتماعي, هذه الوحشة الحياتية, بعدم وجود رفيق العمر, ان يشارك في تبديد الانطواء والانعزال الحياتي, ولتعويض عن هذه الخسارة, التشبث بأي شيء, في السلوكية والتصرف الحياتي, والقصة تدور بشكل غرائبي في أمرأة ارملة تتشبث في كلب يعاني الموت البطي, في الرعاية والاهتمام الى حد الجنون, بأن تقرن حياتها كلها بكلب سائر الى حتفه, هذا القلق الحياتي (آه يا ألهي, ماذا سأفعل اذا فارقني ليبر؟) ولم تستسلم لفكرة موته, سوى النحيب والتوجع بلوعة الفراق.

4 - قصة الخوف: مضمون القصة, هي فعل الادانة لبعض السلوكيات والتصرفات الخطيرة والضارة, في اخلاقيتها الهمجية, في عقلية الحرامي السارق, في استغلال ضعف ووهن المقابل, وهذه الاخلاق التي تمثل ضعاف النفوس والذمم, كما شاهدناها في الواقع العراقي, في استباحة ممتلكات الدولة في السرقة والنهب والحرق, وهذه الظاهرة الخطيرة, معشعشة في واقعنا بشكل خطير, والقصة تدور حول سائق في طريق زراعي, انحرفت سيارته واصطدمت باشجار الطريق , مما اصابها التحطم, وخرج السائق يصارع انفاسه الاخيرة بنزيف الدماء, وهو في بين الحياة والموت, ينتظر نجدة واستغاثة من احداً ما,  حتى لا يموت, وحينما ادرك اقترب رجل, تنفس الصعداء بأنه سيقدم له المساعدة والاسعافات الاولية المطلوبة, ويقول في داخله, لانه غير قادرة على الكلام والحركة (افعل شيئاً ارجوك, اتوسل أليك) لكن بدلاً ان يقدم المساعدة, يتركنا الاديب في مشهد تراجيدي مصور, بشكل ابداعي, بحيث يجعل القارئ ينتفض من مكانه فزعاً, ويصرخ باعلى صوته (انه يسرقه يا للعار) , هذا الابداع في لغة السرد, في فعلها الدرامي, ويقدمها لنا في اطار كوميدي تراجيدي في فعل السرقة (يحس بالرجل يمرر يده على صدره, تتعثر بجيب سترته, لابد ان يريد تمسيد قلبه لتنشيطه, وبعد قليل تتنقل أنامل الرجل الى معصم يده اليسرى, يضغط على المعصم قليلاً, لاشك انه يجس نبضه من معصمه, بعد امتنعت عليه دقات قلبه. لا . لا , انه يزيل ساعته من معصمه ثم يسمع خطوات الرجل تبتعد عنه في اتجاه سيارته) ص 75

5 - قصة المدينة الشبح: في رؤيتها التأملية الواقعية والفلسفية , التي تصب في المستقبل القادم  الاسود والمظلم لبلدان البترول, حين تكون هناك مصادر طاقة اخرى متوفرة , بدون الحاجة الى البترول, عندها سيصيب الكساد اسعار البترول فتنزل من 80 دولاراً للبرميل الواحد, الى اقل من دولار واحد, عندها سيصاب الحياة بالشلل والموت البطيء , بالوحشة المخيفة , التي تهدد الوجود الحياتي, وهذا الحياة مرتبطة بوجود البترول كطاقة اولى في الاستهلاك والانتاج, وعندما يصيب هذه الطاقة بالكساد والبضاعة البائرة , يتحول مستقبل بلدان البترول , الى مستقبل مظلم  وموحش بقتل الحياة العامة وهجرانها , والقصة تدور حول غريب اصابه الحنين الى الوطن او الى مدينته, ويأتي بسيارته الكهربائية مع زوجته الامريكية , لكن يجد مدينته مهجورة وموحشة هجرها اهاليها, هذا الحدث يدور في القرن الثاني والعشرين, اي بعد اقل من مئة عام , اي في عام 2081 , ولم يجد في بيته القديم سوى خرائب مهجورة , ويعثر على مذكرات جده , تدون الاحداث اليومية المفجعة, في موت المدينة والحياة في عام 2081 , ويقدم في مذكراته التفصيل الكلي لكساد الحياة, بتوقف نبضها وحركتها نحو الموت البطيء الموحش

6 - قصة الخوف: قصة الرعب الحقيقي الذي تقشعر له الابدان بالهلع والخوف, والقصة تتناول قضية خطيرة افرزها الواقع الفعلي, في عقلية وثقافة الدم والعنف, في عمليات القتل والذبح, وكذلك تتناول قضية الخوف , الذي يشل الفعل المضاد, بالشلل التام بالتفكير, والانطواء في غلاف الخوف والهلع , من الاجرام الوحشي, الذي يجري امام الانظار, الذين لا يفعلون شيئاً سوى الفرجة والارتجاف في الرعب والخوف, دون ان يحركوا ساكناً, امام فعل الجريمة وهي على مرمى منهم, يعني ان هذا الخوف والهلع, هو ايضاً شريك في الجرائم الوحشية, دون تقديم الفعل المضاد . ويتحدث الساري او الرواي, بأنه جالس على ربوة عالية, ويرى من بعيد اربعة رجال قادمين في اتجاه البحر, ثلاثة رجال يرتدون الزي الموحد الخاكي, والرجل الرابع يلبس ملابس مدنية, مقيد اليدين الى الخلف, وحين يقتربون اكثر, تتوضح ملامح الرجل المقيد الى الخلف, بأن ملامحه ليس غريبة منه, بل يعرفها ولكن لا يذكر اسمه, رغم انه شخصية محبوبة ومعروفة في المدينة, وحين يدنون من شاطئ البح , يفتحون عنوة فم الرجل المقيد , ويستل احدهم خنجر, وينتزع لسانه ويقذفه الى ماء البحر, ثم محاولة تغطيسه الى اعماق الماء, رغم محاولات بالمقامة الضعيفة, وتنتهي فعل الجريمة على احسن ما يرام, بأنتهاء المشهد المرعب , والراوي يكتفي في ارهاصات الخوف والهلع , دون ان يقدم شيئاً للعون, بالصراخ بالنجدة الى الفلاحين في الحقول, او الى عمال المصانع, او يصرخ في ايقاف فعل الجريمة, ويعود الى بيته, بروح انهزامية مندحرة , ويشعر بأنه انهزم, فلم يبدي منه اي عون, هذا هو حال واقعنا المرير, وهو الخوف الذي يشارك في فعل الجريمة , الخوف الذي يمنع العقل بالتفكير , وانما يصاب بالانهزام الكلي

 

جمعة عبدالله  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.