كـتـاب ألموقع

قراءة في كتاب (مذكرات مثقف عراقي/ أوان الحصار)// جمعة عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جمعة عبدالله

 

عرض صفحة الكاتب

قراءة في كتاب (مذكرات مثقف عراقي/ أوان الحصار)

للكاتب جواد غلوم

جمعة عبدالله

 

تبقى سنوات القحط والعجاف في عهد النظام الدكتاتوري نقطة سوداء في تاريخ العراق السياسي بما تحمل من معاناة شاقة ووضع العراق تحت فكي نظام جائر وظالم ومستبد لا يعير أهمية لكرامة وحقوق الانسان في ادنى شروطها الانسانية, وبين الحصار الاقتصادي الدولي الجائر والظالم وبها تجرع فيها الشعب الحصرم والحنظل. هذه المذكرات والمدونات والمقالات تحتفظ بكامل اهميتها وحيويتها لانها تترجم حالة العراق المزرية والبائسة والتعيسة آنذاك. انها وثائق مهمة في تدوينها التاريخي والوثائقي بقلم مثقف, اكتوى بنارها وعاش مرارة شظف العيش في زمن القحط والمجاعة والفقر والارهاب الباطش. تترجم واقع العراق آنذاك أيام التسعينات من القرن الماضي سنوات القهر والاستلاب, سنوات الاذلال والمهانة بقلم عراقي كتبها بقلب متشضي بالجراح والالم. مقالات كتبت بمرارة المعاناة الحقيقية, وبصدق الاحساس القلم النزيه والصادق حتى يزيل ركام من الضباب والتشويه والتزييف الذي يمارسه ايتام النظام البعثي الآن في تجميل صورة نظامهم المجرم والسفاح ازاء الصورة التعيسة التي يقدمها حكم الاحزاب الدينية الطائفية في أسوأ حالة من السخف والمهزلة, قدموا أبشع صورة مشوهة وأسوأ بكثير من النظام الدكتاتوري, بل انهم سليل العقلية الدكتاتورية المغلقة في استنساخ القبيح والمظلم والمتعسف بالاحتيال والخداع والفرهدة. هذه المذكرات تعتبر وثائق دامغة في توثيق لجرائم النظام الدكتاتوري للجيل الجديد. مذكرات تروي عطش الباحث عن الحقيقة الدامغة. عن حقيقة بطش النظام الارهابي في سنواته العجاف التي أكلت الاخضر واليابس واهلكت العباد والبلاد. تترجم معاناة العراق آنذاك, التي اكتوى بنارها الحارقة المواطن, بأنه اصبح عاجز عن توفير لقمة العيش لعائلته. وان الراتب لا يكفي لايام معدودة. فكان راتب الموظف المتدني جداً, مثلاً راتب الموظف على سبيل المثال,  كان حوالي 5 آلاف دينار, او ما يساوي (2,5 دولار) , لا تسد لقمة العيش لايام معدودة. فكان المواطن يبحث عن عمل ثان, ومهما كان الارهاق والتعب والساعات الشاقة الاضافية لذلك نجد الكوادر العلمية والادبية, ومنهم الاسر التعليمة واساتذة الجامعات يمارسون اعمال شتى مثل بيع السكائر والحاجات البسيطة, وفتح (بسطيات) في بيع الحاجات البسيطة توفر لقمة العيش المر لهم أو تحويل سياراتهم الخاصة الى سيارات  الاجرة مما تفاقمت الازمة الاجتماعية الخانقة بزيادة الفقر والمجاعة المتصاعدة, وبزيادة عنفوان الجريمة والسرقة والدعارة التي اكتوى في براكينها المتشضية الشعب المظلوم الذي ضاق الاهوال في مرارة الظلم والقحط وليزيد من اثقال معاناتهم مجيء الحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على العراق نتيجة لنكبات النظام الطاغي وهزائمه  المتتالية وآخرها غزو الكويت, وتركيعه بسلسلة من العقوبات الشاقة, وتكبيله  بالقيود عقاباً له, ولتزيد الطين بلة في تحطيم العراق تحت اثقال لا يتحملها والامعان في معاناة الشعب يمارس النظام الشمولي اسلوب نهج الارهاب الفكري والسياسي المفرض بصلابة ووحشية على الشعب ان يتحول المواطن تابع ذليل ومهان. وشدد حصاره على الشريحة الواعية من المثقفين في تدجينهم وتحويلهم الى خراف مطيعة بالتركيع المهان. فكان المثقف الشريف يعاني الامرين في لقمة العيش, في نظام باطش لا يرحم ومحاربة في الرزق اليومي فكان يبحث لحفظ كرامته في سفارات الدول العربية والدولية باحثاً عن فرصة عمل او مأوى للعيش فيها. وكان منفذ العراق الوحيد هو الاردن/ عمان في ايجاد فرص عمل حتى لو كانت شاقة ومرهقة وحتى لو كانت ساعات طويلة من العمل المرهق والمتعب. ومنهم طائفة كبيرة من المثقفين وحاملين الشهادات العلمية والادبية. وكانت الهجرة والتشرد الى دول الاوربية والعربية الملاذ الوحيد من مخاطر وعسف النظام. واصبحت الهجرة من العراق المنقذ الوحيد للتخلص من معاناتهم الشاقة, في توفير لقمة العيش خارج العراق. لذا فأن كتاب (مذكرات مثقف عراقي/ اوان الحصار)  يحمل وثيقة مهمة لمعاناة الشعب ومعاناة المثقف الشريف, واسلوب البطش والتنكيل, وزج الكثير في السجون والمعتقلات نتيجة تقارير حزبية وأمنية جائرة وظالمة تكتب عن كل شاردة وواردة, تبحث عن اية شبهة بسيطة, أو زلة لسان, حتى المواطن صار يخاف من احلامه في البوح بها لعائلته واطفاله, قد تؤول عن مقصدها الاصلي وتعتبر جريمة كبرى ضد النظام, او يتهم بجريمة بأنه شخص مدسوس من الطابور الخامس. هذه كانت حقيقة الحالة والواقع المزري آنذاك. حتى الكاتب لهذه المدنات والمقالات, رغم انه من الاسرة التعليمية لكنه يمارس عمل اضافي لسد رمق شظف العيش لعائلته في بيع الخبز, او بيع المعجنات الكعك يصنعها في بيته ويبيعها على ارصفة الشوارع, لكن داهمه الامن الاقتصادي للنظام الباطش وامسكه كأنه متلبس في جريمة كبرى بتوجيه السؤال في لهجة عنيفة متسلطة وجافة كيف سمح لنفسه البيع على الارصفة ومن اجاز له ذلك وكيف تجرا في خرق القانون, فأجاب بالجرأة متسائلاً:

( - ما شأنكم أنتم ؟ أما تروني ابيع سلعتي على باب الله ؟

( - يبدو عليك أنك لا تفهم , وكرر السؤال :

( - من أعطاك الحق بالبيع هنا ؟

( - لاحد سوى الحاجة المرة . وأردفت قائلاً بعد أن بدأ الخوف يساورني .

( - أذاً سأغادر المكان وابيع في رصيف آخر

( - لا لا سنأخذك مع حاجياتك الى دائرة الامن ( ..... )) ص24 .

 

هذه حالة العراقي البائس في الرعب, او هذه حالة المثقف الشريف الذي يرفض  الانصياع لنظام ظالم وباطش بالارهاب يرفض ان يكون من كلاب النظام النابحة في عواءها السخيف والهزيل, يرفض ان يكون ضمن قطعان الخراف الخانعة التي يقودها وزير جاهل لا يفهم شيئاً من الثقافة يلف حوله شحاذي المكافأت في بيع كرامتهم وشرف قلمهم بالارتزاق المذل والمهين, يبحثون عن فتاتات ترمى لهم  كالكلاب السائبة والجائعة في تمجيد عظمة قائد الضرورة المجنون بشن الحروب العبثية والمدمرة, وفي اعلام دكتاتوري المزيف الذي يغمط ويزيف التاريخ وحقائقه ووثائقه لصاح القائد الضرورة, النكرة, الذي كان بالامس ربيب الشوارع ومواخير الفساد.

وكذلك المذكرات تتناول ايضاً المعالم الثقافية المشرقة المعالم الحضارية التي كانت عنوان العراق المشرق في معالمها التي هي بمثابة نجوم تضيئ سماء بغداد بالثقافة والحضارة والفكر. مثل المكتبات والمقاهي والفرق المسرحية والنوادي والمراكز  الثقافية  المعروفة والمشهورة التي تعج بالوافدين والزائرين. وكذلك يعرج في مذكراته ومقالاته, الى اساليب النظام الجائرة في التهجير القسري وتشريد المواطنين وسلب وسرقة اموالهم وممتلكاتهم ورميهم على الحدود حفاة وعراة بحجة التبعية الى ايران الى ممارسة النهج الوحشي ضد الاقليات العرقية والدينية والاثنية, وسلبهم حق العيش والوجود في العراق بشتى الوسائل الارهابية والقمعية, حتى يهجروا العراق.

 

ويعرج الى حكم الاحزاب الدينية الطائفية بعد سقوط النظام البعثي, وكان البديل السيء  الاسوأ, كأنها تعيد استنساخ النظام الدكتاتوري بصيغة دينية طائفية, بصيغة الاستمرار في هدم وتحطيم العراق حتى لاتكون له شفاعة في بدع جديدة في الخرافة والشعوذة والجهل, وتشديد حصارهم ضد المرأة في الانتهاك والسلب وتحويلها الى بضاعة للمتعة الجنسية بطرق احتيالية تتعكز على الدين والشريعة في بيع النساء في سوق الرق والجواري, كما كانت سائدة في العصر الجاهلي, لكن بصيغة جديدة من الاحتيال بأسم الدين مثل زواج المتعة والميسار. زواج المسفار. زواج المصياف. زواج (الوناسة) زواج (الكاسيت) يتم التفاهم في شريط الكاسيت. زواج التليفون, وغيرها من الكثير من المصنفات والاسماء المضحكة والهزيلة, وماهي إلا دعارة في الفجور والفسوق بأسم الشريعة والدين في أستغلال حالة الجهل والتأثير الديني عند البسطاء والسذج بأن يسمح الاب لطفلته الصغيرة ان تتزوج وهي لم تبلغ عمرها10 اعوام ان تتزوج شرعاً تحت مظلة الدين والشريعة وماهي إلا فوضى في ممارسة  الدعارة والسمسرة في سوق النخاسة.

 

كما يعرج الى صناعة الفتاوى التي تخرج من العقول المجنونة بالشبق والمتعة الجنسية والنكاح الهمجي, فتاوى من عقول مشبعة بالكراهية والحقد الطائفي. ان تبرز في سمومها في الحكم الديني الطائفي, لتعمق خراب الحياة بالفتنة والشقاق والخصام. لقد اصبحت هذه الفتاوى تجارة رابحة يتعامل بها سماسرة الدين المزيفين الذين لهم وجه لدعارة المعاصرة ان يدلوا بقذارتهم ونفاياتهم الكريهة في سموم الكراهية المتعصبة والمتطرفة في العنف الدموي والاغتصاب والفرهدة. وما هذه الفتاوى للانسان الواعي والمثقف, إلا مثار الضحك والاستهجان والسخرية في عقول مروجيها السذج والاغبياء والجهلة.

 

 وكما تعرج المذكرات الى السيد الخميني ووصوله الى العراق وسكنه في النجف والاقامة فيها. وبعد انقلاب البعث عام 1968, اصبح السيد الخميني ورقة ضغط ضد نظام شاه ايران بالدعم الكامل. وكذلك يتطرق الى مسألة سفره الى باريس وانتصار الثورة الايرانية ونشوب الحرب الطاحنة التي شنها النظام البعثي ضد ايران  والتي  طالت ثماني اعوام من المطحنة الدموية  المدمرة .

ان هذه المذكرات والمدونات جديرة بالقراءة, في التوثيق. وتروي عطش الباحث عن الحقيقة.

جمعة عبدالله