كـتـاب ألموقع

قراءة في القصص القصيرة جداً في المصابيح العمياء – ج2// جمعة عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جمعة عبدالله

 

عرض صفحة الكاتب

قراءة في القصص القصيرة جداً في المصابيح العمياء,

الاديب حميد الحريزي/ القسم الثاني

جمعة عبدالله

 

القصص القصيرة جداً, جنس ادبي يعتمد على اسلوبية خاصة ومتميزة, في  الكمية والكيفية. الاولى تلتزم في الصياغة المركزة بالتركيز والتكثيف في لغة السرد المركزة. والثانية الكيفية تعتمد في ابراز الحدث والفكرة في الرؤية التعبيرية الدالة في الايحاء والرمز في البنية النص في المنظور السردي وافاقه المتعددة الاغراض. والاديب حميد الحريزي, بارع في التقنية الاسلوبية والتعبيرية في هذا الفن, ويحشر رؤيته الاجتماعية والسياسية في النص. وفي تناول مفردات الواقع, والغوص في اعماقها لكشف شفراتها في الايحاء والرمز الدال, ويكشف من خلال النص تناول ثيمات الواقع, التي تزاحمت عليه  العيوب والزيف والفساد والنفاق والرذيلة والجشع الاناني. ويكشف من خلال الرؤية الفكرية افرازات الواقع, التي قادته الى التأزم والخناق الحياتي, لذلك يحاول كشف عورات وعيوب هذه الافرازات السلبية, التي فرضت نفسها بقوة على الواقع , ورمته الى أتون  المعاناة والجحيم. وان الاديب ينشغل في ابراز التساؤل في دهشة النص المأزوم , واظهار التنافر والتناقض والازدواجية في التعاطي, لكي يأخذ النص المعنى الدال في المضامين الاجتماعية والسياسية والدينية في الرصد الوعي, في التشخيص والتجسيد والتفسير ان يبرز هذه العيوب على الملاء, بالفضح والاستهجان, بصيغة السخرية التراجيدية, او في المأساة السوداء, التي تعمل على الانهزام والاحباط والتأزم. حقاً غزت الواقع خصائل او مظاهرة غريبة وهجينة, في الفساد والنفاق في الدين والتدين . يعني انه يكشف هذا الانحراف الذي يخنق الانسان الذي بشر به المحتل في بيوضه التي تفقست ثعابين وافاعي, وجعلت الحياة ارهاق حياتي, وخاصة على  الشرائح الشعبية والفقيرة , يكشف المناخ السياسي المتلوث والموبؤ , بالنفاق والتلون الانتهازي كالافعى الحرباء, التي تغير جلودها حسب المناخ والحاجة في العرض والطلب, في التصرف والسلوك الذي ينتقل من ضفة الى ضفة اخرى , بالسخرية التراجيدية. هذه الرؤية الفكرية والتعبيرية في نصوص المجموعة ( المصابيح العمياء ) والاديب يتخذ الموقف الواعي والناضج في الانحياز الى الانسان ومظالمه وجحيمه. شجب الزيف والنفاق اسلوب ساخر ومستهجن. يحاول ايصال شفرة النص الدالة الى القارئ في الرؤية الفكرية. لذلك ان القصص القصيرة جداً. تحمل ابداع ورؤية. لذلك نتمعن في بعض ابرز النصوص في المجموعة, التي احتوت على اكثر من 50 نصاً من القصص القصيرة جداً  . ويمكن اجمالها في هذه العناوين البارزة:

1 - التجاة في الدين والتدين : ابراز مكامن النفاق والزيف واللصوصية . هذه السلوكية الجديدة التي جلبتها البيوض الاسلامية التي تفقست الى افاعي وثعابين جشعة وانانية. وانتهجت اسلوب التتعاطي بالازدواجية , في مظهرها المخادع , في الامتثال الى التدين والتقوى والتمسك في فروض الدين والصلاة في الظاهر. وفي الباطن الوجه الشيطان والثعلب الماكر, في الفساد والرذيلة والجشع الاناني, واشباع النزوات الشاذة والغريبة. هذه الافاعي التي جاءت مع المحتل, واستلمت السلطة والحكم , يحكمها نهج وعقلية الترهيب والترهيب , كأنها تفقست من عقلية النظام الساقط. وكذلك في شراء النفوس الضعيفة, والذمم الرخيصة من الاقلام المأجورة . لكي يتصاعد الجحيم والفقر في الحياة الى الاعلى متل اقصوصات ( جلد الافعى ) و ( عطر الحياة ) و ( خارج الحساب ) و ( التفئير ) التي يدل نصها على عميات الفساد والاختلاس والاحتيال, محملة بالحقائب الدولارية. وكذلك في ( الفوز ) عن عفونة الديموقراطية عن استبدال احشاء صناديق الانتخابات , بصناديق أخرى لكي تضمن الفوز الكامل لها . وكذلك في القصة القصيرة جداً التي تحمل عنوان المجموعة ( المصابيح العمياء ) عن السخرية التراجيدية السوداء . في الابهار المخادع في المظهر الخارجي , والانجراف اليه بشهوة واشتياق , لكنه يعرف اخيراً انها زوجته التي يلاحقها ويطاردها  بنزواته, لذلك لابد من تغيير مصابيح غرفة نومة. وكذلك ( اللهم أني صائم ) يكنزون المال بجشع ويتابهون به, الىشقاء على الاخرين, او على حساب دموع الثكالى والفقراء والايتام . وكلك في ( القناع ) يفرح بزهو وتباهي وهو يحمل قرار المحكمة , بتخلي المؤجرين الدكاكين المحيطة بجامعه , بطردهم , لعدم قدرتهم على دفع الزيادة في الايجار . وكذلك اقصوصة ( المحاضر ) يتحدثون في وسائل الاعلام والفضائيات والمحاضرات الجماهيرية عن حق المرأة وحريتها ومكانتها في المجتمع. ولكن حين يستلم الجوائز من هذه الانشطة الاعلامية , يعرج على سوق الحريم ليشتري المزيد والمزيد من ( الحاجبات ) . او مثل قصة ( التفتت ) تغيير الجلود وانتقال من ضفة الاخرى . يعني من ازلام النظام السابق , الذين مارسوا الوحشية والاغتصاب, تحضر ابنة الشهيد الحزب, لتجد الرفيق المسؤول الذي يقدمها الى رفاق الحزب, هو نفسه الذي قتل والدها واغتصب امها, فتصرخ بجزع واستنكار, وكذلك في ( صلاة الثعالب ) وبقية القصص القصيرة في هذا العنوان البارز.

 

2 - عن الجحيم الحياتي في الحيف والظلم والانسحاق. في الايحاءات التعبيرية في المعنى والترميز البليغ. في عدم القدرة في توفير الخبز العيش  المر , ضمن الجحيم الحياتي , وهذه الضائقة الشاقة  تدفع الانسان الى الانتحار او الحرق , احتجاجاً على الواقع الظالم واللا عادل, في صورة ( بوعزيزي ) الدالة على رفض الظلم الحياتي , التي تؤدي الى انهزام الانسان, مثل القصص القصيرة جداً ( الشيب المكهرب ) و ( الرأس المفجوع ) و ( فواتير ) تتزاحم الفواتير عليه , ويجد نفسه في حالة  العجز في تسديدها , ضمن الضائقة المعيشية , لم يستطع توفير رغيف الخبز  لعائلته. لذا يتطلع الى صورة ( بوعزيزي ) مستلهماً اشارة قبول منه, ليتخلص من احمال الحياة الثقيلة في الشقاء والمعاناة . وكذلك اقصوصة ( أمنية ) بعدم قدرته مواكبة الحياة , بعدما سدت الابواب في وجهه, ان يطلق الحياة بجورها القاسي, وان تكون محطته الاخيرة  في دار العجزة ,  بتكبير عمره من 60 عاماً , الى 65 عاماً , وكذلك شقاء المواطن في وطن الجحيم , تبقى هويته ( هوية الاحوال المدنية ) عديمة الفعل والقيمة والاثر, ولا تستحق ان يحملها المواطن  , ويحرقها احتجاجاً على الوطن  الجحيم الذي لايحترم ابناءه  , كما في النص ( الهوية ) . وكذلك اقصوصة ( التفتت ) الذي يعجز في توفير المال المطلوب للعملية الجراحية بالتخلص من حصواته, ويقتنع بمصيره المحتوم بعدم اجرى العملية , لانه غير قادر على الدفع المالي. وكذلك ( قصة المعاناة ) و ( الرغيف ) من اعباء الحياة في الحيف والظلم , حتى الحب يشهد زمن الكوليرا, في اقصوصة ( الضرة ), في زمن العولمة في الجوع والعسف والظلم  والانتهاك لللانسان.

 

3 - الحب المزيف والمخادع : مثل النصوص (  عطر الحياة ) و ( باقة ورد ) و ( غرام الورد ) و ( قبلات النهر ) و ( رقصة الانا ) في كلام عسل على عسل في الحب , يفيديها بروحه وحياته, وبالفعل الحقيقي , يرقص على انغام الانا , حين يفترس القرش حبيبته. يعني هذه الاثار السلبية على على الحياة التي دلفت الى  التلوث  في اخلاق  الفساد والسلوك, حتى الغش دخل في الحب . وكذلك في النصوص الاخرى مثل ( النجوم ) و ( قبلة في الفنجان ) . حينما انتهت مراسيم شهر العسل وظهر التباين في جدول القبل , سلمها ورقة الطلاق.

 

4 - صنع القلم المأجور والمرتزق والمزيف.. كيف يكون القلم الاصفر الذي يتقيء بقاذوراته العفنة والكريهة, وعندما يداس على ضميره وشرفه , يصبح  طبالاً وراقصاً في حضرة الامير او السلطان , أو صاحب المقام الكبير,, أويعرض بضاعته الصفراء من يملك المال والنفوذ, ان يكون خادماً ذليلاً في التمجيد والتعظيم , ويخرس اما الزيف والدجل الحياتي , بل يكون بوقاً للزيف والدجل , في ( الجائزة ) احسن جائزة في حضرة الامير والسلطان . و ( موت المؤلف ) و ( هبة السلطان ) يغدق المال على جوقة القلم المرتزق , لكي يجددوا البيعة.  وفي  ( أوهام ). وكذلك اقصوصة ( المصادرة ) حين يصادر الضمير والشرف للكاتب بالمال, ويكون مرتزقاً, حتى يتعلثم لسانه, ويصيبه الصمم والبكم من اهوال الحياة وجحيمها, من حبات الذهب المخلوطة بحبات الرز, في خلق قلماً مأجوراً ومطيعاً لمن يدفع من المال, وان يكون حاضراً في عرس الواوية في التمجيد والتعظيم ,لكي يساهموا في  دفع الحياة الى الجحيم والفساد. مثلما نجد في الاعلام المضلل والمزيف بالمنحرف عن الحقيقة, وامام هذه الصورة السوداء للقلم المرتزق والمأجور, هناك صورة مشرقة للقلم الذي يحافظ على شرف القلم ونزاهته بالضمير  الحي المنصف للحق والعدل, ولا يمكن ان يساوم او يداهن, او يقايض بالمال. لان للقلم قدسية يجب احترامها, وخاصة الاقلام الشريفة الذين يقفون الى جانب معاناة الوطن, ويدافعون عن المحرومين والمسحوقين, ينشدون العدل والحقيقة, كما في اقصوصة ( الندم ) الذي يجد الكاتب الخداع والزيف والرياء والفساد والرذيلة , ويخرج  حتى لا  يدنس قلمه بهذا بالوحل العفن.

جمعة عبدالله