كـتـاب ألموقع

كي لا تتكرر الكارثة!// محمد عبد الرحمن

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

كي لا تتكرر الكارثة!

محمد عبد الرحمن

 

يخطئ من يظن ان بنات وأبناء المحافظات التي ابتليت بداعش الإرهابي قد تعاطفوا معه بقضهم وقضيضهم . نعم، تعاطف البعض فعلا، البعض القليل المحدود، ودعم وساند وانخرط في صفوف داعش، وكان بالطبع على خطأ مبين، وقد تراجع قسم من هؤلاء عن مواقفه بعد ان رأى وشاهد بام عينيه ماذا فعل المجرمون !

من يريد البرهان على ذلك عليه ان يذهب الى المخيمات ويتوقف برهة ليسأل نفسه: هل ان من بايع التنظيم الإرهابي مضطر الى العيش في هذه المخيمات البائسة ؟! ونشير أيضا الى الآلاف الذين امتشقوا السلاح وقاتلوا الدواعش، وكانوا خير عون لقواتنا المسلحة وهي تخوض معارك الشرف والعزة لدحر الإرهابيين. وعلى من يريد البرهان أيضا ان يعاين حجم الدمار الهائل الذي أصاب مدن وقصبات هذه المحافظات ، ومعاناة أبنائها المتواصلة حتى الان .

وان أردنا العودة الى البداية يبرز السؤال الكبير: من سمح لداعش ان يتمدد على النحو الذي حصل، وان يبسط سيطرته على ثلث أراضي وطننا ؟ المسؤول هنا ليس شخصا او مجموعة أشخاص ، بل هو مجمل الظروف والسياسات التي وفرت مناخا مناسبا للتنظيم المجرم ليقوم بما قام به، وهو منسجم تماما مع طبيعته وفكره الظلامي المتخلف .

فتصريحات البعض التخوينية ، وكون كل واحد من أبناء هذه المناطق التي ابتليت بداعش متهم حتى تثبت براءته ، مواقف رعناء واتهامات حمقاء لن تجلب الا المزيد من التعقيدات والمشاكل ، وسيكون تأثيرها شديد الوبال عندما تقترن بافعال على الأرض. وهل حصل هذا ؟! نعم ، للأسف ، وفي ممارسات عدة.

ويبدو ان هناك بعضا آخر، من كل الألوان والأجناس ، لا يريد ان يتعض بالدروس التي مرت ، وهو على ما يبدو يتلذذ برؤية دماء المدنيين الأبرياء تراق على يد الدواعش السفاحين ، فيما دماء أخرى تعطى هبة من اجل خلاص الوطن من شرور الاٍرهاب ولتطهير ارضنا من رجسهم ، وهي دماء المقاتلين الأبطال على اختلاف تشكيلاتهم .

وما دمنا في نشوة الانتصارات المتتالية ، ولم يتحقق النصر النهائي بعد ، فان الواجب يقضي بان يصمت هذا البعض ويتوقف عن نفث سمومه ، وان يكون ما حصل كافيا لمراجعة كل المواقف ، الا اذا كان هذا البعض يريد ان يجهز على آخر عراقي ، والامر سيان عنده الى أية طائفة او مذهب او دين او قومية يعود وينتمي ! وان يبقي في عراقنا حجر على حجر او لا يبقى!

هذا البعض عليه ان يصمت صمت أهل القبور، فالدماء ما زالت طرية ، والجراح لم تندمل بعد ، ولا صلة بالعراق ، لا من بعيد او قريب ، لمن يريد ان ينكأها ويصر على تكرار الأخطاء والمواقف ذاتها التي تسببت في كل تلك الخسائر البشرية والارواح الطاهرة ، وهذا الكم الهائل من الدمار الذي يحتاج الى سنين لإعماره ، فضلا عن الأموال التي لا تحصى وقد ذهبت هباء منثورا .

ما احوجنا اليوم الى كلمة سواء ، كلمة تجمع ولا تفرق ، كلمة صريحة واحدة: ان كفى ما جرى ومن غير المسموح لأي كان ان يتمادى ويحول بلدنا الى حقل تجارب لمخيلته المريضة .

ان بلدنا ملك لجميعنا ، لجميع العراقيين ، وهو بحاجة الى جهود الجميع ، ولكن في جميع الأحوال ليس على وفق سياسة عفا الله عما سلف ، فمن اجرم ومن اساء التصرف وقصر في واجبه لا بد ان يخضع إلى المساءلة القانونية .

 

وبالقطع فان هذه المراجعة المطلوبة من الكل ، عليها ان تذهب عميقا في التمعن في كل أسباب ما حصل ، واستخلاص العبر والدروس منه، والانطلاق على طريق التغيير المطلوب. فليس من ضامن لعدم تكرار ما حصل ، وإن بأشكال أخرى ، اذا بقيت الظروف والأدوات التي قادت اليه على ما هي عليه.