اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الحرية... وعي الضرورة// د. عدنان عويَد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عدنان عويَد

 

لقراءة مواضيع اخرى للكاتب, اضغط هنا

الحرية... وعي الضرورة

د. عدنان عويَد

كاتب وباحث من سورية

 

في المفهوم:

     نقول هنا: إن الحرية في سياقها العام, مفهوم إشكالي يرتبط بالقيم الأخلاقية فكراً وسلوكاً قبل أي شيء آخر. وهي من حيث المضمون, تمثل أسلوب حياة يمارس لتحقيق سعادة الإنسان وعدالته وامانه واستقراه وكرامته, وكل ما يعبر عن الجوهر الإيجابي لإنسانيته. أما من حيث الشكل, فهي وعي الإنسان (الفرد والمجتمع), لحاجاته الإنسانية المشروعة, الروحية منها والمادية, ومسؤوليته, في العمل على تحقيق هذه الحاجات دون إكراه أو إلزام للآخرين.

 

     إذا كانت الحرية في المضمون واضحة في معطياتها ودلالاتها, فهي في الشكل بحاجة للتوضيح أكثر كونها تقع في مجال الوعي والممارسة والمسؤولية. وإذا كانت الحرية في الشكل هي وعي وممارسة لتأمين الحاجات الإنسانية, أي , هي ( وعي الضرورة), فهذا يعني أن الحرية في هذا المعنى قد فُتحت على المطلق في دلالاتها. أي هي الحرية في معطياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. أو بتعبير آخر, هي السعي لكشف وتجاوز كل ما يعيق أو يمنع الإنسان الذي هو مركب حاجات في نهاية المطاف, من تحقيق إنسانيته  بشكل دائم أو مستمر .

 

 مقومات الحرية وشروط ممارستها:

       أولاً- الوعي بمفهوم الحرية. أي (المعرفة) بشقيها, النظري والعملي معاً.

     فعلى المستوى النظري: لا بد لطالب الحرية أو ممارسها أن يدرك أهمية معرفة الحرية ودلالاتها. ففاقد الشيء لا يعطيه. فكيف يستطيع الإنسان أن يطالب بقضية أو يريد ممارستها دون أن يعرف معناها ودلالاتها والنتائج المترتبة عليها. وأقف هنا عند دلالات الآية القرآنية الكريمة التالية وهي أول آية نزلت : ( إقرأ بإسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, إقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم.). إن من يتمعن فكرياً في دلالات هذه الآية الكريمة, يجد أن الله قد دعا الرسول إلى معرفة الدين الذي سيقوم بالدعوة له قبل إعلان دعوته, أي أن يتحرر من جهل الحرف وكل ما يترتب عليه من أجل معرفة الرسالة التي سيحملها وينشرها بين الناس أولاً, ثم معرفة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية المحيطة به ثانياً. لذلك أمره الله أن يقرأ ويتعلم بالقلم ما لم يعلم, والمعرفة هنا تكتسب اكتسابا, بل تغتصب بجهد الإنسان ولا تأتي من فراغ أو منة من أحد. وهذا يدفعنا إلى الحديث عن الشق الثاني في الحرية وهو :

      المستوى العملي: إذا كانت المعرفة النظرية هي الوجه الأول للحرية, فإن الممارسة هي الوجه الآخر لها, وبها تكتمل مسألة اكتساب أو تحقيق الحرية. فالممارسة تبين لنا جوانب صحة رؤانا ومعارفنا والسعي لإغناء هذه المعارف والممارسة معاً, وكذالك اكتشاف أخطاء وعيوب هذه الرؤى والمعارف والممارسة والعمل على تلافيها. ففي الممارسة تسير المعرفة نحو التقدم دائماً, لتدخل في كل مسامات حياة الإنسان .. تدخل إلى مهاراته وبنيته النفسية وحتى اللاشعورية, حيث يصل إلى معرفة أن اللاشعور هو مكتسب وليس مجر تخيلات تفرخ بشكل مجرد.

 

     ثانياً- المسؤولية تجاه ما نسعى لمعرفته وممارسته. وهي مسؤولية مشتركة ومركبة معاً. مسؤولية الفرد تجاه ذاته واتجاه المجتمع والطبيعة التي يعيش عليها, ومسؤولية المجتمع اتجاه ذاته واتجاه الفرد والطبيعة أيضاً. وهدف هذه المسؤولية هو ضبط ممارسة الحرية بما يخدم إنسانية الإنسان ونموه ورقيه الدائمين. وإذا كانت مسؤولية الفرد مرتبطة به هو ذاته, أي مرتبطة بدرجة وعيه وقيمه الأخلاقية الحميدة, وشعوره بالمسؤولية تجاه الآخرين. فإن مسؤولية المجتمع هنا مرتبطة بمؤسساته الرسمية والمدنية أيضاً, وبالتالي فإن ممارسة المسؤولية تقع هنا على كافة هذه المؤسسات ممثل بحواملها الاجتماعية.

 

      ثالثاً – نسبية الحرية: كل شيء في هذه الحياة نسبي, وكذلك الحرية, والحرية غير المشروطة بإنسانية الإنسان تتحول إلى فوضى. لذلك لا بد للحرية من قوة تحميها وتصونها وتضبط حركة سيرها وصيرورتها في المسار الصحيح, وهنا يأتي دور المسؤولية بشقيها في ضبط هذه المسيرة, ممثلة بوعي الفرد وثقافته وتربيته من جهة, ثم مسؤولية المجتمع بمؤسساته, وقوانينه وأعرافه وتقاليده  وغير ذلك من جهة ثانية.

 

مدارس وتيارات الحرية :

المدرسة الليبرالية: وتقسم إلى مدرستين هما :

    اولاً: المدرسة الليبرالية الكلاسيكية: فيوجد فيها تياران فكريان تنافسا على استخدام مفهوم الحرية بالذات والقضايا المتعلقة بهذا المفهوم. وتقسم بدورها إلى تيارين هما

     التيار الأول: ويعتقد دعاته أن الحرية الوحيدة التي تكتسب المشروعية هي التي تدعو إلى امتلاك القدرة على التحرر من الإكراه والجبر الذي يفرض على الفرد والمجتمع, وبالتالي فإن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ومحاولة التخطيط له, يشكل قوة جبرية تحد من حرية الأفراد الاقتصادية, لذلك هم يرفضون تدخل الدولة في هذا الاتجاه, كما أنهم يعارضون ما يسمى دولة الرفاه. وهي الدولة التي تدعوا إلى التصالح الطبقي أكثر من دعوتها إلى حل مسألة الصراع الطبقي حلاً ثورياً.

 

     التيار الثاني: وهو تيار يدعو إلى توسيع مجال الحريات الاجتماعية,  ويؤكد على ضرورة أن تأخذ الدولة أي دور فاعل وقادر على النهوض بحرية المواطنين, كما يعتقد دعاته أيضاً بأن الحرية الحقيقية يمكن أن توجد فقط عندما يكون المواطنون في حالات ازدهار اقتصادي وثقافي ومتحررين فعلاً من فقرهم المدقع, هذا إضافة إلى تأكيده على تحقيق حقوق المواطنين في الصحة والتعليم والأجر المناسب للعامل. كما أن دعاته يفضلون سن القوانين التي تواجه التمايز في المسكن والعمل, وتلوث البيئة  والمساعدة على تحقيق الرفاه الاجتماعي, والحد من البطالة وتقديم الإعانات والمنافع المادية للمشردين والمنكوبين من الكوارث البيئية. 

 

     إن هذه المدرسة جاءت في الحقيقة متزامنة مع قيام الثورة الصناعي في أوربا من جهة, وما أفرزته هذه الثورة من معاناة إنسانية للشعب عموماً, والطبقة العاملة على وجه الخصوص من جهة ثانية, هذه المعاناة التي كانت وراء أفكا روسو, ومونتسكيو, وفولتير , وهيوم وغيرهم ممن نظروا للحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون, وغير ذلك من الشعارات التي أسست للثورة الفرنسية فيما بعد. هذا إضافة لمعاصرة هذا التيار المد الاشتراكي وقيام المنظومة الاشتراكية, لذلك كانت شعاراته ومطالبه تميل كثيراً إلى العدالة الإنسانية, بغية الحفاظ على استقرار المجتمع الرأسمالي وتجنبه السير في ثورات شعبية سياسية ممكن أن تقضي على النظام برمته في أوربا.

         

      ثانياً: المدرسة الليبرالية الجديدة: وهي المدرسة التي بدأت إرهاصاتها الأولية مع نهاية الحرب العالمية الثانية, ومن ثم راحت تتعمق في طرحها وتكشف عن نوايا وطموحات دعاتها بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. 

     أما أهم أطروحاتها فهي, العمل على نفي وتدمير وتجاوز كل ما هو إنساني, أو يدعوا إلى الرقي بالإنسان, بالتالي لابد من التمسك بما يساعد على تجسيد وتعميم ثقافة وأخلاقيات كل ما يساهم في تكريس مفاهيم الموت والدمار وعدم لتواصل والتفكيك والتذرير المجتمعي والدولي وغير ذلك من المفاهيم المنتمية إلى العبث واللامعقول.هذا وقد روج لأفكار هذه المدرسة العبثية أو ما سمي في الفكر الفلسفي والأدبي والفني بـ (ما بعد الحداثة), العديد من الفلاسفة والأدباء والفانيين. ففي الفلسفة كان سارتر في وجوديته, وروجيه غارودي ودعوته إلى التفتيتية  في كتابه (نداء إلى الأحياء), وهناك ميشال فوكو وجاك ديدرا وهبرماس وبشلار. وفي الفن كان السلفادور دالي في (الدادية) ممثلة في السريالية, كما كانت هناك المدرسة التكعيبية, وفي علم الاجتماع, كانت المدرسة الوضعية والبنيوية والدارونية الاجتماعية والفرويدية والنيو فوريدية... وغير ذلك الكثير من المدارس, بحيث لم يعد حتى بمقدور المتابع للحركة الفكرية والأدبية والفنية الركض وراءها والوقوف عند دلالاتها أو ممثليها. 

 

     إن كل ما طرحه دعاة هذه المدرسة أو التيار الليبرالي الجديد, راح يشير في الحقيقة إلى الموت والعدم والعبثية. فنهاية التاريخ لفوكو ياما كانت المشروع الفكر ي والسياسي لتأبيد النظام الرأسمالية في صيغتها الاحتكارية, وهي المرحلة التاريخية التي حملت حقيقة  في سياقها العام الأفكار الأساسية لما بعد الحداثة وهي : موت الفن, وموت النزعة الإنسانية, والعدمية, وعودة الميتافيزيقيا, والتفكيكية, والتشتت واللااستمرارية, والتذرير الاجتماعي والقومي. 

 

الحرية في التراث العربي الإسلامي.

     لقد ساد سجال وصراع عميقان في التراث العربي الإسلامي, ولم يزالا قائمين حتى عصرنا الحاضر بين كل من نادى بالأمس ولا زال ينادي اليوم بالجبرية أو القدرية, علماً أن مرجعية كلاهما هي القرآن الكريم. فالجبرية أخذوا بالآيات التي تقول بأن الإنسان مسير وليس مخيراً, كقوله تعالى: ( وما يصيبكم من شيء فمن عند الله). فالخير والشر كلاهما مقدر من عند الله, وما على الإنسان إلا الرضا والتسليم بقدره أو ما كتب له في لوح محفوظ. أما القدرية, وهم من قال بحرية الإرادة الإنسانية, وقد اعتمدوا في رأيهم على الآيات القرآنية أيضاً التي تقول بأن الإنسان مخير في أمره من عند الله كما تقول الآية الكريمة التالية على سبيل المثال لا الحصر: ( وهديناه النجدين), أي إن الله قد خير الإنسان في فعل الخير أو اشر بإرادته, وليس جبرياً.

 

     إن هذين الموقفين بالنسبة لمسألة الحرية في تراثنا ومعاصرتنا معاً توقف عليهما الكثير من الإشكالات النظرية والعملية. فإذا كانت الإشكالات النظرية والمعرفية للفكر القدري المنادي بحرية الإرادة قد بدأت إرهاصاتها الأولية تطرح نفسها بعد وفاة الرسول الكريم, وهذا ما يشير إليه ذاك التساؤل الذي راح يٌطرح على الخليفة علي بن أبي طالب, وهو أول من قال بحرية الإرادة قبل أن يقول بها المعتزلة, كما يقول أبن أبي حديد في نهج البلاغة –( نقلا عن تاريخ الإسلام – حسن إبراهيم حسن- ج1- ص73). عندما سأله أحد المقاتلين معه في صفين قائلاً : ( أكان ألْمَسِيرُ بقضاء الله وقدره؟.  فكان رد علي عليه : لعلك تظن قضاءً واجباً, وقدراً حتماً!. ولو كان الأمر كذلك لبطل الثواب والعقاب, وسقط الوعد والوعيد, ولما كانت تأتي من لله لائمة لمذنب, ولا محمدة لمحسن.... وهذا رأي إخوان الشياطين وعبدة الأوثان وشهود الزور وخصماء الرحمن وأهل العماء عن الصواب في الأمور ...إن الله أمر تخيراً, وانهي تحذيراً, ولم يكلف جبرا,ً ولا بعث الأنبياء عبثاً... ). إلا أن هذا الفكر أو التيار القدري راح فيما بعد يتبلور أكثر فأكثر في الحياة الفكري والسياسية للدولة العربية الإسلامية مع غيلان الدمشقي, وجعد بن درهم, ومعبد الجهني, والمعتزلة, إلى مدرسة فكرية  تواجه الحكم الأموي الذي حول الخلافة إلى ملك عضوض. ومع الخلفاء العباسيين (الأمين والمأمون والمعتصم والواثق) تحول الموقف القدري إلى موقف سياسي تتبناه الدولة ذاتها, ليأخذ بالانحدار فيما بعد شيئاً فشيئاً مع الخليفة العباسي (المتوكل), الذي أصدر فرمانا أنهى فيه دور الاشتغال بالعقل والتوجه نحو النقل, حيث تحول إلى موقف فكري وسياسي معاً تبناه الحنابلة والأشاعرة والماتريدية وما سمي بأهل الحديث.

 

      أما في عصرنا الحاضر فقد تجسد الفكر القدري لدى كل الكتاب والمفكرين والتنظيمات السياسية والثقافية الليبرالية واليسارية التي تتبنى الفكر العقلاني والعلماني رؤية ومنهجاً في حياتها العملية والفكرية.

 

     إذا كنا قد قدمنا في هذه العجالة مسيرة الفكر القدري في سياقه التاريخي, فسنشير أيضاً بالعجالة ذاتها إلى مسيرة الفكر الجبري, لنقول: إن بداياته النظرية والسياسة معاً كانت بعد وصول البيت الأموي إلى الخلافة وتحويلها إلى ملك عضوض, حيث اعتبر دعاة هذا الفكر أن ما يقوم به الأمويون هو أمر مفروض ومقرر من قبل الله, وما على الرعية إلا الخضوع لإرادة الله. وإن أول شخصية فكرية عبرت عن  هذا الموقف الجبري المساند للبيت الأموي هو (جهم بن صفوان), ثم راح يؤصل هذا الفكر نظرياً كفكر جبري يقف ضد إرادة الإنسان وحريته الفكرية منطلقاً في رؤيته هذه ومؤسساً لها من النص القرآني ذاته أولاً, ومن التأصيل الفقهي الشافعي وكل امتداداته الفقهية السنية ثانياً. ولكن مع وصول  (المتوكل – بداية العصر العباسي الثاني) إلى الخلافة, وإصداره الفرمان الذي أنهى به العمل بالعقل كما أشرنا قبل قليل, والفسح بالمجال واسعاً أمام الحنابلة بقيادة ابن حنبل أن يمارسوا دورهم في تجذير الفكر السلفي الجبري الإمتثالي, حيث راحت تشكل محاكم تفتيش بكل معنى الكلمة لكل من يقول بالرأي أو يخالف أهل الجماعة. ومع مجئ أبو حسن الأشعري, تمت عملية التأصيل الكلامي للفكر السلفي لأهل الحديث, ومع أبي حامد الغزالي صُبغ هذا الفكر بنزعته الصوفية وخاصة عند الاشاعرة. أما الحديث الذي اعتمده أهل الحديث أو ما سمي بأهل الجماعة فقد وضعت كتبه الستة منذ الفترة الزمنية التي بدأ فيها الحنابلة يسيطرون سياسياً على الدولة بعد أن أعطوا ذاك المد اللامحدود من قبل المتوكل. فما بين أعوام ( 256هـ حتى 303هـ), وضع كل من البخاري, ومسلم, وابن ماجة, وأبو داوود, والترمذي, والنسائي, كتب الحديث المعروفة لدى أهل الجماعة أو أهل الحديث. 

 

     إن أخطر ما مثله هذا الفكر في عصرنا الحديث هو ظهور الحركة الوهابية كحركة فكرية وسياسية قام بها محمد بن عبد الوهاب الذي اتكأ فكرياً على الفكر الحنبلي, وفكر طلاب مدرسته مثل ابن تيمية وابن قيم الجوزية. وهي المدرسة التي تمارس اليوم قهرها وجهلها واستبدادها على حياتنا ومستقبلنا, يساندها في همجيتها هذه كل القوى السلفية التكفيرية المدعومة مادياً وسياسياً من القوى الحاكمة الاستبدادية في عالمنا العربي.

 

كاتب وباحث من سورية

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.