اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

خطوط العراقي تُرى ولا تُقرؤ// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

خطوط العراقي تُرى ولا تُقرؤ

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«حامِلُ الهوى تَعِبُ، يستخفّه الطَرَبُ. إن بكى يحق له، ليس ما به لَعِبُ». شعر «أبونواس» يستخفُ الخطاطَ «غني العاني» فيبدعه بالخطّ الفارسي الذهبي على ورق كالقماش صنعه بنفسه من الرز الصيني. وفي منزل «العاني» بحي الفنانين «مونمارت» وسط باريس تختلط بوهيمية طراز عيش الفنانين الفرنسيين، وصوفية الخطاطين العراقيين الذين يقتعدون الأرض، ويحتضنون رقعة الخط. وجدران منزله مغطاة بلوحات الخط، بما في ذلك غرفة نومه، وآلاف منها مكدسة في الرفوف والدواليب، وفوق المناضد والكراسي.

 

وكما في العصور الحجرية يخطُّ «العاني» على رقع يصنعها من الخشب، وأوراق الأشجار، وعظام وجلود الحيوانات. وقد علّمه وهو في عمر 12 عاماً صنع الورق والحبر، وقصب الخط مُجلِّدُ الكتب المشهور ببغداد «جواد الحيدري»، بتوصية ممّن علّمه وأجازه في الخط «هاشم البغدادي» شيخ الخطاطين العراقيين والعرب منتصف القرن الماضي، وسليل أساطين الخط العربي في العصر العباسي «ابن مقله» و«ابن البواب» و«المستعصمي».

 

و«العاني» العربي الوحيد الحاصل على جائزة «اليونيسكو» في الخط. وعنوان هذا المقال مستقى من عبارة «خطُّ العاني ينبغي أن لا يُقرأَ» كتبها في سجل معرضه بباريس الفيلسوف الفرنسي «رولاند بارت». و«بارت» فيلسوف الدلالات والرموز «السيميولوجيا» نَقّبَ عميقاً في العلاقة بين الكلمة المكتوبة والكلام، ودّرَسَها في جامعات عالمية عدة، بينها «جامعة الإسكندرية» بمصر. وخطوط «العاني» كلام بحد ذاته ولذاته. فالخط مستوى محدد، وبالأحرى غير محدد، من فكره ووعيه ومشاعره، تختلط، بل تتذاوب، فتعيد رسم نفسها بأنامله، وتتزخرف كما تشاء في أشكال وأنساق تبدع أنواع الخط العربي، من الرقعة، والنسخ، والثلث، إلى الكوفي، والديواني، والريحاني، ومشتقاتها، وخطوط ابتدعها بنفسه، وتنتظر أسماءها كخط «ملحمة جلجامش» التي تطالعنا لوحة منها في رواق منزله.

 

وخطّ «العاني» نصوصا من عيون التراث العربي والأقوال المأثورة في لوحات وكتب مطبوعة بالفرنسية. ومثل «زرياب» الذي نقل في العصر العباسي فنون التصميم من بغداد إلى أوروبا، جاء «العاني» إلى باريس في سبعينيات القرن الماضي بالخط العربي، الذي أصبح من اهتمامات الفرنسيين على مستويات أكاديمية وشعبية. تروي قصة ذلك بالفرنسية الكاتبة «مادلين غويرين» في برنامج أنتجته «إذاعة الشرق» بباريس، عنوانه «ألقاءٌ بين الشرق والغرب؟». ويتلو فيه «العاني» أشعاره بالعربية، ويعزف على البيانو الموسيقار الفرنسي «فردريك بريبولين». و«مادلين» رفيقة عمر «العاني» تعرّفت عليه عندما كانت تلميذة في «معهد اللغات الشرقية» بجامعة «السوربون» حيث كان يُدرِّس الخطَّ العربي.

 

و«العاني» دكتور في القانون من «السوربون»، وفي التراث العربي خطاطون علماء وفقهاء ووزراء، وحتى خلفاء، لكنهم في الخط ثلاثة أنماط، الخطّاطُ الذي يتقن الخط بيده، والأستاذ في الخط الذي يخط بيده وبعقله، والخطاط الفنان الذي يخط بيده وعقله وقلبه، وهذا هو «العاني»، يخالف مقاييس الحروف في غلاف يومياته عن احتلال مدينة مولده، فيمُطُّ حرف الألف في كلمة «بغداد» فيصبحُ سيفاً. وتلتحم في خطه كلمات قصيدة «الشريف الرضي» فنراها ولا نستطيع قراءتها «يا ظبية البان ترعى في خمائله، لِيَهنَكِ اليومَ إنّ القلبَ مرعاكِ. أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ، فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ».

 

ويبلغ «العاني» الذروة المعمارية في خطّ معلقة عنترة ابن شداد، حيث يُماهي غَضَبَ عنترة عندما عيّروه بسواد بشرته، فتتسامق أبيات المعلقة عمارة شاهقة مقلوبة على رأسها، قاعدتها الشطر الأول من القصيدة.

 

«هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدّمِ، أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ.

يَا دار عبلة بالجواء تكلمي، وعِمِي صباحاً دار عبلة واسلمي».

 

ولو كانت حيّة المهندسة المعمارية «زهاء حديد»، والتي تأثرت بالخط العربي، حسب أبرز أساتذتها، لألهمتها المعلقة بخط «العاني» تصميم عمارة لم يشهد العالم مثيلاً لها.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.