كـتـاب ألموقع

عيد الطعام العربي// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عيد الطعام العربي

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

الطعام عيدٌ تُعيدُ لنا مباهجه وملذاته «نوال نصر الله»، عالمة أنثربولوجيا الطعام العراقية، و«ساره السيد» المختصة المصرية بالكيمياء الحيوية، ورئيسة حركة «الطعام البطيء» في القاهرة. وهدية العيد كتاب «كنز الموائد في تنويع الفوائد» الذي صدر في 700 صفحة، وتضمن 820 وصفة طعام و94 صورة منمنمات عربية بديعة. نشرت الكتاب دار «بريل» الهولندية المختصة منذ القرن السابع عشر بإصدار عيون التراث العربي، وحققته وترجمته إلى الإنجليزية «نصر الله»، وكشفت أن مؤلفه مصري، وتاريخه يعود إلى القرن الرابع عشر ميلادي، آنذاك ورثت مصر الفاطمية تراث الحضارتين الغاربتين، العباسية في بغداد، والأندلسية في إسبانيا.

 

وفي العيد نحتار ماذا نختار من 150 وصفة لطبخ اللحوم والدجاج وفراخ الحمام والعصافير. وسأختار«الفستقية»، وفيها «تقطع اللحم مع غمرة ماء ويؤخذ زفره ويُغلى، فإذا نضج نصف نضاجة يلقى فيه كبب لطاف مدقوقة بجميع أطراف الطيب، مع دارسيني ومصطكا، وملح ونعنع، وإذا نضج وصُفي من مرقه قليلاً، يُزاد له المرق ويُغلى اللحم بالدهن والأبازير، ويُدقُ الفستق ويُخّثر به، ويطبخ، ويصلح طعمه بماء الليمون، ويرش عليه قليل من ماء الورد».

 

و39 وصفة «بيض وعجج»، بينها «عجة بعصافير»، حيث «تؤخذ عصافير فتنظفها وتقليها بزيت مالح حتى تحمّر، ثم تؤخذ عشر بيضات، فاضربها بشيء من فلفل وكزبرة رطبة مقطعة، ثمّ صبها على العصافير واقلها حتى تنضج». والعيد 87 وصفة حلوى، و«الحلوى تهضم الأكل»، حسب المصريين القدماء، وأسماؤها شهية، مثل «خدود الأغاني»، و«أصابع زينب»، و«المكشوفة» و«حلوى الورد».. لكن شروحها طويلة، لهذا اخترتُ «حلوى العذارى»، وهي ساحرة وصغيرة وبسيطة كالعذارى: «دقيق وسكر وسمن يُسحُق الجميع ويُعرك جيداً، ويُعمل كالنهود بغير ماء، ويُخبز في الطبق في الفرن».

 

و«كنز الموائد في تنويع الفوائد» موسوعة أنثربولوجية عن الطعام العربي أهدتها «نصر الله» إلى «حركة الطعام البطيء» المصرية، وهذه مأثرة تعاون البحث العلمي العربي والمجتمعات المحلية. فالحركة التي تملك فروعاً في القاهرة والإسكندرية والفيوم وسيوة، جزء من حركة جماهيرية عالمية في 150 بلداً، انطلقت من إيطاليا عام 1986 رداً على مآكل سريعة غزت العالم، مثل «ماكدونالد»، ودجاج «كي إف سي». وتدافع الحركة عن الثروات الوطنية للطعام وتراثه المحلي. يوضح ذلك بحث «سلوى السيد» المنشور بالإنجليزية «أين طعام بلدي»، والذي يتناول «حقوق الناس في الطعام الصحي، والغذاء الجيد، والنظيف».

و«سلوى السيد» ساحرة في تبسيط وعرض أعقد المواضيع العلمية. محاضرتها بالإنجليزية عن علم «محاكاة الطبيعة» (biomimicry) استهلتها بالحديث عن القاهرة المكتظة بنحو 20 مليون نسمة، ونحو 7 ملايين سيارة، يتكيفُ معها نهر النيل والطيور والأسماك. وتذكر كيف حاكى «عباس بن فرناس» و«دافنشي» الطيور في تصميم آلات طيارة، ويحاكي العلماء المعاصرون «خنافس الصحراء» التي تنشر أجنحتها لتجميع الماء، في تطوير نباتات تتكيف مع الجفاف، والمياه المالحة. ويحاكي العلماء خلجان المرجان في صنع إسمنت جديد بالغ المتانة.

وتفتح الشهية والذهن «سلوى السيد» في برنامج TED التلفزيوني، وفيه تتحدث بالعربية عن 60 نوعاً من الخبز («العيش» بالمصري)، بينها «البتاو»، وهو رقائق كبيرة ناشفة، و«العيش الشمسي» الذي يتخمّرُ ويطبخ على الشمس، وتُطبخُ عليها أيضاً أسماك «الفسيخ»، و«الكشك» الذي يعده الصعايدة من لبن الجاموس، ومنه يستخلصون «الزبدة الشعبية» حيث يوضع لبن الجاموس داخل قرب مصنوعة من جلد الماعز، تضربها النساء بأكفهن لساعات، حتى تتولد الزبدة الذهبية. وتستعيد «سلوى السيد» ذكريات عن جدتها الإيطالية، التي كانت تقتني 50 قفص طماطم، تركنها في مطبخ المنزل، وتشاركها في عصرها، وتعبئة الصلصة في قنان مغلقة لاستخدامها يوماً بيوم. والطماطم روح الطعام الإيطالي. والطماطم عيد الطعام. وحافظوا علي كوكبنا الأرضي، فهو الكوكب الوحيد الذي تنمو فيه الطماطم!!