كـتـاب ألموقع

سوريا.. فلسفة ورقص ونكات// محمد عارف

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: محمد عارف

تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 29 آب/أغسطس 2018 19:41

كتب بواسطة: محمد عارف

الزيارات: 1943

محمد عارف

عرض صفحة الكاتب

سوريا.. فلسفة ورقص ونكات

محمد عارف

ما إن تحرّرت مدينة حمص من الجماعات المسلحة، سأل حمصي ضابطاً بوزارة الداخلية: «بدي أترشح لرئاسة الجمهورية؟». قال الضابط «أنت مجنون شي!». أجاب الحمصي «هو شرط يعني؟». بعدها فَتَح الحمصي معمل ثلج سمّاه «معمل حمص للمياه اليابسة»، وفحصه طبيب وزارة الصحة وقال له «عندك سرطان بالمخ». صرخ الحمصي «الله أكبر من وين أجاني المخ»! وفي أول زيارة لخطيبته قدّمت له شاياً بكيس «لبتون» قال «أيوا بلشنا حجابات». وحيّرتني «حجابات» سوريا منذ غطس «الربيع العربي» فيها بالدماء.

«كيف سيعود السوريون إلى حياتهم؟». نقل ذلك مراسل «الجارديان» في دمشق عن نقيب منشق في الجيش السوري، تساءل، عما إذا بقيت حياة يمكن العودة إليها. «وَضَعَ النقيب، كفه على فمه، وأغلق عينيه، وهو يقول: «لا يجدر بالبشر مشاهدة هذا». كَومُ جثث على الرصيف، وفي وسط الشارع جثتا رجلين، أحدهما مستلق على ظهره، يرتدي قميصاً أحمر داكناً وسروالاً أبيض، منفرج الذراعين والساقين، ووجهه المنتفخ أزرق مرمَّد، وفمه مفتوح، ورأسه مطروحة على كومة نفايات. وإلى جانبه رجل منكفئ على وجهه، وبركة دماء كبيرة جافة تغطي المساحة بينهما، ودراجة سوداء. عندما اقترب النقيب لإلقاء نظرة هبّت غمامة كثيفة من الذباب. وعلى بعد أمتار قليلة سيارة تاكسي صفراء عاطلة وسط الشارع، نافذتها الأمامية مثقبة بآثار 18 طلقة، وفي داخلها جثتا رجل وامرأة تحت غطاء كثيف من الذباب. ويبدو من وضعيهما أن الرجل حاول حمايتها، وحاولت المرأة الاختباء تحته. وفي المقعد الخلفي جثة طفل.

ونحو نصف مليون جثة، وستة ملايين نازح خارج سوريا حوّلت علماء البلد، الذين لم يبدلوا تبديلا، إلى فلاسفة. عماد فوزي شعيبي أستاذ الإبستيمولوجيا في جامعة دمشق، والمختص أصلاً بالهندسة الإلكترونية، قدّم«قراءة لانمطية باستخدام منهج مبتكر» في ندوة مستقبل التغيير في الوطن العربي في بيروت. وانقسم المساهمون في الندوة ما بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له، لكنهم اتفقوا جميعاً على رفض أطروحة «شعيبي» التي تعتبر سوريا المتشظية كحالة مختبرية لعمل قوانين فيزياء الفوضى.

كانت تلك «لحظة الكوانتوم العربية» حسب متابعتي ندوة بيروت، حيث استعان «شعيبي» بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، وفيه أيُّ تغير يحدث تلقائياً في نظام فيزيائي لابد أن يصحبه ازدياد في مقدار «إنتروبيته»، أي مقدار الفوضى العارمة التي تحدث فيه. وتحدث «شعيبي» عن «تأرجح موازين القوى الإقليمية والدولية، والقوى المتشظية الداخلية وامتداداتها الخارجية، ودوافعها الميكروية، كالحقد، والانتقام، والدافعية الاستشهادية، واللاوعي الجمعي العريق لدى فئات ترى الخلافة خلاصاً يستدعي القتال حتى الموت».

ولم أتوقع أن تتداخل في سوريا الفلسفة والعلم والشعر، كما في صفحة «شعيبي» نفسه في «فيسبوك»، حيث يشارك عشرات من متابعيه في دردشته الفلسفية عن الموت والأحلام والحب، و«العقل الأساس» و«العقل المُكوَّن»، و«إشكالية تجديد الفكر الديني». وشِعرُ «شعيبي» حسيٌّ جميل: «هلاّ أتكئ على صوتك فترفعني موجته كما لم يفعل سلطان الزمن في ملكوت الطرب، يهديني صوتك إلفة الحب، ألمسه فيغريني مخمّله بعُري البراءة كما الوليد».

وعلى مشارف الموت السورية تداخلت الفلسفة والرقص في احتفال خريجي قسم الرقص في «المعهد العالي للفنون المسرحية» باليوم العالمي للمسرح. لوحات راقصة مغامِرة «كلما ألقوا أجسادهم هناك في فراغ الخشبة، يدفعون ضريبة قاسية، مِزَقاً من أرواحهم، وهم يردّون بعريهم بشاعة العادات والأفكار المجتمعية، التي تعدّهم خارجين عن الأعراف، وبلا هداية، لكنهم كانوا متمردين إبداعياً». ذكر ذلك مدرس المعهد «جواد ديوب» في مقالة بصحيفة «تشرين» السورية عن «الصدمة التي تجعل الناس يتغيّرون، ويقبلون ما لم يكن مقبولاً أو ممكناً بالنسبة لهم لمجرد جهلهم به».

محمد عارف

• < السابق
• التالي >