اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

نهاية عصر الطبيعة؟// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد عارف

 

عرض صفحة الكاتب

نهاية عصر الطبيعة؟

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

6 فبراير 2019

 

«إذا حلّت كارثة بكوكبنا الأرضي، وأُعطيتَ فرصة البقاء مع عشرة حيوانات، فمن تختار؟».. سألتُ «ديفيد أتنبورو» صانع أشهر المسلسلات التلفزيونية عن الطبيعة، فأجاب «أختارُ الدجاجة، والكلب، والطائر الطنّان، وسمك السلمون، والعندليب، والنحل، والطاووس، والحصان، والفراشة، والغوريلا». ولا يمثل تسلسل ذكرها أفضلية، بالنسبة لمن يُعتبرُ أكثر سكان الأرض معرفة بالحيوانات، والتعايش معها، بل هذا ما خطر في ذهنه عند لقائنا في «متحف التاريخ الطبيعي» في لندن عام 1992، حيث عُرضت متحجرات تماسيح، وسحليات، ولبائن، كانت تعيش في الإمارات العربية المتحدة في عصور جيولوجية غابرة، كانت أرض الإمارات خلالها مغطاة بالأحراش والغابات. ويستقصي «أتنبورو» مملكة الحيوان، من الحشرات، والأسماك، والطيور، والزواحف والملامح المشتركة لحياتها في جميع أنحاء العالم، وفلسفته في ذلك بسيطة كالطبيعة نفسها «يجدر بالناس أن يشعروا بأن عالَم الطبيعة مهم، وثمين، وجميل، ورائع، ومتعة، وسرور».

 

وشاهد «أتنبورو» أماكن وكائنات على كوكبنا الأرضي أكثر من أي إنسان آخر، وفي جواب على سؤالي عام 1992 عمّا إذا كان يعتقد أن العالم استنفد نفسه، ولم يبق فيه ما يستحق الرؤية، أكدّ أن الأرض لا تزال تخفي القسم الأعظم من أسرار ثلاثة مليارات سنة من عمر الطبيعة، وقال إنه يمقت وجهات نظر تعلن نهاية الطبيعة. وخلال ثلاثة عقود الماضية، لم يتوقف عن إنتاج كتب ومسلسلات تلفزيونية حول الطبيعة والحيوان، وواصل ذلك حتى في عمر الثمانينات. والآن يتمنى، وهو في الـ92 من عمره «لو أن العالم أكبر مرتين مما هو، وأن يكون نصفه غير مستكشف بعد». وأعلن في «المنتدى الاقتصادي العالمي» في «دافوس» الشهر الماضي نهاية «عصر الحداثة» الذي دام أكثر من مائة عام، تعايش خلالها الإنسان والطبيعة، ويمثل هو حرفياً آخر أجيالها، وحلّ الآن «عصر البشر» الذي قد يهدد الحضارة الإنسانية. ولا يشك «أتنبورو» في أن المناخ يتغير، ونقطة الجدال الوحيدة، ما دور البشر في ذلك، ومع أنه يعتقد بأن التكاثر السكاني مسؤول عن الكارثة، فإنه يحافظ على تفاؤله بأن الإنسان أكثر حكمة وتدبيراً من أن يفرِّط بالحياة.

 

و«أتنبورو» عاشق الطبيعة، ليس في ما يعشق غريب أو قبيح، ويبهره مشهد ميلاد «الكنغر»، الحيوان الضخم الذي يولدُ دودة في الشكل والحجم، جنين أعمى وأحمر الجلد بدون أذنين، ما إن ينزلق لزجاً من رحم أمه حتى يبدأ يزحف بعزم السبّاح، يدير رأسه من جانب إلى آخر، متمَسِكاً بشعر أمه، ومهتدياً بحاسة الشمّ إلى ثديها مباشرة، حيث عشر سنتمترات تمثل فرصة البقاء الوحيدة له، حتى ينطبق فمه على حلمة الثدي التي تتضخم فوراً، ولا يُحرر فكيه منها إلاّ بعد شهر، عندما يكبر فمه بما يكفي للتمطّق بطعم الحليب.. آنذاك يستطيع أن يتطلع إلى العالم المحيط، وهو محمول في كيس أمه، ولن ينزل عنه قبل تسعة أشهر، نزولاً مؤقتاً للفرجة، إذ لا يُفطم عن الرضاعة إلاّ بعد 18 شهراً.

 

ويعتقد «أتنبورو» أن «العلوم كلها محاولة التوصل إلى تفاهم حول العلاقة مع عالَم الطبيعة، لماذا نحن هنا، وكيف نتلاءم معها، وما المسألة كلها؟». وفي واحدة من حلقات مسلسله العشر عن الطيور، تتابع الكاميرا النسرَ الأفريقي وهو يلاحق أُنثاه التي لا تسمح له بالتزاوج ما لم يبرهن أنه أقوى جناحاً منها، وبذلك تضمن اختيار أب قوي لنسلها. وعلى النسر الذكر المحافظة، خلال التحليق المُدوّخ، على موقعه خلفها مباشرة وأعلى منها قليلاً، حتى لحظة اقترابه منها، حيث تنقلب على ظهرها مندفعةً نحو الأسفل، فيلتصق بها، ويهوي الاثنان كتلة واحدة، تكاد يرتطم بالأرض، ثم ينفصل الاثنان معاودين التحليق معاً بأجنحة خفاقة.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.