اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

العزلة والغربة محنة عقل المسلم// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل نعمان

 

عرض صفحة الكاتب 

العزلة والغربة محنة عقل المسلم

عادل نعمان

كاتب واعلامي مصري

 

لن نستطيع أن ننعزل عن الحضارة الإنسانية، أو نمنع الأبناء من التواصل او السير برفقتها، أو نُقصى أو نفصل بينهم وبين الفضاء الخارجى، أو نوصد الأبواب ونراقب ما تحمله الرياح ونسمح بعبور ما يوافق هوانا ومرادنا، ونصد غيرها.. تاريخ المنع والإقصاء والرقابة قد مضى إلى حال سبيله واندثر وانقضى، الكل أصبح يعيش فى صالة ضيقة، نسمع ما يدور فى الغرف المغلقة، وتخترق عيوننا الأحداث والوقائع البعيدة قبل القريبة وكأنها على أطرافنا تجرى، وتمر الرياح حرة بما تحمله فوق رؤوسنا، تمطر أينما شاءت ما نحب منها أو نكره، ونرضى عنها أو نرفض.. كل الأبواب والنوافذ أصبحت مفتوحة على البحرى، ولن يصدها مانع أو قانون أو جدران أو أديان أو سجان أو أسلاك شائكة.. أصبحنا جميعا أسرى هذه الحضارة وخلف أسوارها نحيا ونموت.

 

الحضارة الإنسانية أصبحت كتلة واحدة، قوامها سكان الكرة الأرضية كلهم، تتحرك فى اتجاه واحد، وتتجاوز فى سرعتها الأيديولوجيات والأعراق والحدود والأديان. الناس يتجولون فى بيت واحد بلا جدران أو أبواب، يتسابقون ويعبرون الزمان والمكان والمجال والمناطق والقبائل والجماعات، ويتجاوزون فرشة الأديان حتى لو غطت الكرة الأرضية كلها، وتتخطى غير عابئة كل الحدود والفواصل والقواطع والمفارق، وأصبح الإنسان رقمًا محسوبًا ومعدودًا فى طابور طويل يبدأ من بلد وينتهى عند غيره، لن يخرج أحد إلا إذا خرج من التاريخ، ولن يعيش فيها منعزلا وحيدا داخل قفص حديدى فى دولته وإلا خرج الاثنان من طابورها الطويل وجلسا معا على باب المتنطعين والكسالى وأرباب السوابق.

 

هل نعترف نحن المسلمين أننا فى محنة؟.. نعم، نحن فى محن وأزمات.. «العزلة» وفقدان الشعور والإحساس الإنسانى العام، قصور التقييم العقلانى، وإهمال الدراسة العلمية، وضيق الفهم الصحيح الواعى لمستجدات الحياة وما تحمله الرياح من تغيير حتمى، وعدم القدرة على التعامل الذكى مع المختلفين معهم فكريا وعقائديا دون رفض أو استعلاء أو استقواء، غربة الزمان والمكان والهروب من الواقع إلى الماضى وكأنه الملجأ والملاذ، ولن يعود الماضى ولن يجدى هذا الاستدعاء، فليس هو الأفضل وليس هو الحل، ها نحن نتوق إلى هجرة بلادنا إلى بلاد الحرية والمساواة والعدل، فإذا عبرناها ندعو عليهم بتشتيت شملهم وتدمير أوطانهم. ونقرر على الناس منهج الحرية «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!»، ثم نربى أولادنا على مبادئ الهجر والكره والتمييز والعنصرية والإقصاء. ونشجع المرأة على اللحاق بركب الحضارة والعلم والعمل، ثم نطمس معالمها وأفكارها خلف قضبان من الجهل والتخلف والنقاب، ونختمها بمباركة التحرش الشرعى ونكاح طفولتها البريئة. ونحفز الناس على التكافل والتآخى كالبنيان المرصوص، ونغلق الحدود عن المهاجرين والنازحين وتستقبلهم دول الغرب الكافر وتفتح لهم الأبواب وتشبعهم بعد جوع وتؤمّنهم من خوف. وندعو الناس إلى ستر بعضهم بعضا حتى يسترنا الله يوم القيامة ونفضح خلق الله على عين كل التجار والوشاة والنمامين والفجرة والشامتين، وساء أولئك رفيقا، وغير هذا الكثير.. أليست هذه بضاعتنا وآثارنا شامخة باثقة؟!.

 

لن نقدر على الانفصال أو التوحد أو الانشطار أو الخروج من هذا الطابور، العالم واحد والعلم واحد والكون واحد، غُلفوا جميعا برباط مغلق وموصد ومطبق، هذا هو موعدنا مع الإنسان العالمى الشامل، والعقل الجمعى والفكر الحر، هذا هو «الانصهار العام»، لا سلطان لفكر على فكر، ولا استقواء لدين على دين، ولا حيز كامل لرأى على حساب الرأى الآخر، ولا حقيقة واحدة فريدة فى نوعها متميزة على غيرها، ولا حد ولا حاجز لرياح التغيير العالمية.. لقد آن الأوان أن يخرج عقل المسلم من حيزه المحلى المحدود إلى حيز العقل الإنسانى الحر، وأن يتحرر من سجنه الذى فرض عليه، يتفاعل ويتجاوب ويتبادل المعارف دون انعزالية أو استعلاء، يتقصى الحقيقة ويبحث عن فرص النجاح دون تصيد الأخطاء، ويساير المنهج العلمى، ويتنازل عن الخرافات والأباطيل والبدع والحكايات، ويرفض هذه الصحوة الإسلامية المزيفة وهذا التجديد السطحى الذى خرب البلاد والعباد، ويستنهض الهمم والجهود للعمل والإبداع، ولا يستتبع هذا الاستنهاض الخوف من مظاهر الانحلال كما يراها، فمنها ما هو مسموح فى بلاد كمنهج حياة ونمط إجتماعى مقبول، ومنها ما هو مستهجن فى بلاد أخرى.. لكن كيف نحمى أولادنا من تبعات هذا الهاجس سواء المسموح منه أو المستهجن؟.. هذا موضوع آخر، يبدأ من التعليم الجيد والثقافة الواعية، والدراسة العلمية لهذه الظواهر، والحوار العقلانى المحايد، وتنتهى عند مواثيق الشرف والبناء السياسى والقانونى الجاد تحت عنوان تربية النشء تربية سليمة واعية قادرة على الحكم والفرز والاختيار، لن نستطيع أن نوقف عجلة التاريخ، ماضون إلى مجتمع واحد فى غرفة واحدة، العزلة فيها والغربة ضياع وفشل ووحدة.. افتحوا الأبواب واعتمدوا على وعى وتربية الشعب إن كنتم صادقين فى توعيته وتربيته وتعليمه كما يجب.

 

الدولة المدنية هى الحل

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.