اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عمر عبدالرحمن والمحطة المجهولة// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عمر عبدالرحمن والمحطة المجهولة

عادل نعمان

كاتب وإعلامي مصري

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

مات عمر عبدالرحمن، مؤسس الجماعة الإسلامية ومفتى تنظيم الجهاد، مات الرجل الغامض فى بلاد الغربة وحيداً مريضاً داخل أسوار سجن بونتر بولاية كارولينا الشمالية، إحدى الولايات الأمريكية. يخرج الشيخ الضرير تحت سمع وبصر السلطات المصرية إلى السعودية لأداء فريضة الحج، ثم تمنعه من العودة، يتجه إلى السودان ومنها إلى أمريكا ليقود الجهاد الأفغانى ضد الاتحاد السوفيتى الملحد الكافر تحت عباءة حكومة نجيب الله فى كابول. عمر عبدالرحمن وأسامة بن لادن وعبدالله عزام يقودون معاً حرباً دينية، ومن خلفهم الأنظمة العربية والمجاهدون المسلمون لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وليس لصالح الإسلام حتى أسقطوه، ثم ماذا جنينا من وراء سقوطه سوى سقوطنا نحن جميعاً فى وحل الإرهاب والتطرف والفوضى، والهيمنة الأمريكية، من يومها حتى تاريخنا هذا. فى رحلة الشيخ محطة مجهولة، غير محطاته المعلومة من الجمالية دقهلية إلى القاهرة والفيوم والصعيد وسجنه فى الحقبة الناصرية لمدة عام، ثم محاكمته بتهمة التحريض على قتل الرئيس السادات، واتهامه بقيادة تنظيم إرهابى، ثم تبرئته من التهمتين. المحطة المجهولة تبدأ من مطار الخرطوم عاصمة السودان 1991 إلى بيت بضاحية بروكلين بنيويورك معقل التيارت الإسلامية، وأرضها الخصبة. لم يكن وصوله عفوياً، ولم تجلبه أمريكا لتعليم المسلمين أصول دينهم كما تشير تأشيرة الدخول، لكن بوصوله تفتح المكاتب الإغاثية فى أنحاء البلاد، وتتحول الزكوات والصدقات إلى المجاهدين، ويشحن المقاتلون العرب من المسلمين إلى مجزرة الجهاد فى أفغانستان للذبح، كانت هذه هى المحطة المجهولة فى حياة الرجل الذى لا يغيب لحظة عن عيون المخابرات الأمريكية.

 

قابلت الشيخ مرتين؛ الأولى فى مدينة ديربورن، من مدن ولاية ميتشجان قلعة صناعة السيارات، وتجمعات المسلمين، تتجول فى مدينة ديربورن وكأنك تتجول فى العواصم العربية فى وقت واحد، المطاعم بأكلاتها المصرية والشامية واليمنية، المحلات تبيع المنتجات العربية على شدو أم كلثوم وفيروز، محطات البنزين يعلو فيها صوت القرآن، واجهات المحلات لا تخلو من الصحف العربية التى مر عليها يومان أو ثلاثة، اللهجات العربية تحيط بك من كل جانب، وفى القليل تسمع اللغة الإنجليزية التى لا يجيدها كثير من عرب هذه المدينة. المؤتمر المنعقد فى إحدى قاعات الفندق يدور حول الاقتصاد فى الإسلام، وعلى هامش المؤتمر كانت الدعوة الصارخة من الشيخ لمساعدة المجاهدين فى أفغانستان بالزكوات والصدقات، وكان الرجل مؤثراً وباكياً وهو يدعو لجهاد الكفر والكافرين، ويرثى لحال يتامى الشهداء، ويزف لنا حسن استقبالهم فى الفردوس الأعلى بروائح المسك والعنبر تنثرها عليهم بكارى الحور العين. كم كان الشيخ مقنعاً إلى الحد الذى كانت التبرعات تتدفق عليه من أرجاء الولايات ومنه إلى المجاهدين فى أفغانستان مروراً بالبنوك فى باكستان، الرابح الرئيسى فى دمار أفغانستان. فى نقاشى معه حول الاقتصاد الإسلامى كان حوارنا منفرداً فلم يكن بوسعى أن أقول له أمام الحضور إن الإسلام دين وليس دولة، ولم يكن النبى زعيماً أو مصلحاً سياسياً أو اقتصادياً بل كان رسولاً جاء يقيم ديناً بين الإنسان وربه. وإن القواعد العامة فى العلاقات التى وضعها هى ضوابط لقيم التعامل على عمومها، دون تفاصيل وبها لا يبنى الاقتصاد. وكان اللقاء الثانى به فى بيته بضاحية بروكلين حول عدم جواز بيع المجهول أو المعدوم، فلا تباع الشقق إلا إذا كانت قائمة، ولا يباع الزرع فى الأرض إلا أن يشتد عوده ويبدو صلاحه، وهى فتوى لا تبنى اقتصاداً، وكنا بصدد عمل مشروع يعتمد على هذا الأمر فى كثير. وافترقنا كل إلى حال سبيله وأتصور أنه قد اقتنع بالمشروع وبالفكرة، على أى الأحوال فعن اللقاء الأول كان مصادفة، أما الثانى فكان مرتباً من مساهمين طالبوا منى إقناعه أولاً..

 

الشيخ ربما كان مدفوعاً دفعاً لتبنى رأى غيره على أنه الأصلح للمسلمين، خدعوه كثيراً، والأغلب الأعم أن السياسة قد غلبتهم، وتصوروها مطية لإقامة الدولة الإسلامية ودولة الخلافة، يركبونها حتى إذا اشتد عودهم طوعوها وأجبروها على السير فى اتجاههم، لكن السياسة تمتطى كل هؤلاء، فهى سياسة الخداع، فكيف للدين أن يسايرها؟ ولهذا وجب الفصل بينهما فهما ضدان لا يلتقيان، وربما استعجلوا الأمر وتصوروا أنهم قادرون يوماً أن يسوقوها إلى مرادهم، لكن الواقع أن السياسة تدفع الجميع فى طريقها.

 

عمر عبدالرحمن كان يوماً تحت سلطان المخابرات الأمريكية، يجند لهم المقاتلين من أنحاء العالم براتب شهرى، ويجمع التبرعات التى لا تجد لها مجالاً للصرف من جيوب أصحاب الزكاة والصدقات هناك، ويدفع بكل هؤلاء إلى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حرب بالوكالة يدفع فيها المسلمون أموالهم وأرواحهم لصالح هيمنة أمريكا على العالم، وإزاحة الاتحاد السوفيتى من طريقها تحت لواء دولة الكفر والإلحاد التى يتبناها هؤلاء المضللون من التيارات الإسلامية وما زالوا يدفعون.

 

حين أنهى الشيخ مهمته على أكمل وجه قررت المخابرات الأمريكية التخلص منه، وإخفاء معالم الجريمة، وطمس وكتم حقائقها. فى عام 1995 تم حبسه مدى الحياة لاتهامه بالتحريض على تفجير المركز التجارى بأوكلاهوما 1993 ومات فيه ستة أمريكيين، وكان دليلهم حديثاً مسجلاً عابراً للرجل مع أحد أصدقائه، ولقد حصل على البراءة فى مصر على الأقوى منها والأوضح فى فتواها، يموت الشيخ وحيداً فى سجنه، قبلها يقتل عبدالله عزام، الزعيم الروحى للجهاد الأفغانى، بيد مجاهدين من فصيلته، ويترك أسامة بن لادن إلى موعد معلوم القتل، بمساعدة صحبة طريقه. يموتون جميعاً بأسرارهم، ويظل الجهاد الأفغانى حبيس أدراج مخابرات هذه الدول، من أرسل منهم التبرعات، ومن شحن منهم المجاهدين إلى المحرقة للخلاص منهم. والشيخ يلحق بهم ومعه سره، هل كان يعمل لحساب المخابرات الأمريكية أو لم يكن يعمل؟ سر مات معه. فربما تكون عميلاً وأنت لا تدرى!!!.

 

"الوطن" المصرية

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.