كـتـاب ألموقع

السطر الأول و«المصرى اليوم»// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

السطر الأول و«المصرى اليوم»

عادل نعمان

مصر

 

كانت البداية، وكان السطر الأول فى صحيفة عريضة الثقة واسعة الانتشار، معها كانت بهجة ونشوة الفوز بمزاحمة الكبار، وحذر وعبء لتظل منتبها راصدا، تتناول ما تكتب بحكمة واقتدار، الوصول إلى «المصرى اليوم» شىء وأن تظل كاتبا على صفحاتها شىء آخر، بل عدة أشياء فى وقت واحد، امتحان واختبار، كشف هيئة، أو كشف حمل، أو قل ولادة تسبق المخاض. المصرى بيت لم أسكنه، ولم أتحمل فيه تكلفة بناء، ولم أشارك يوما فى ترتيبه أو فرشه أو إعداده، منتسب إليه بالكتابة فقط، إلا أنه وطنى الذى هاجرت منه يوم الولادة، أظل مهاجرا عنه ومرابطا على حدوده، لم أتجول فى شوارعه يوما، أو ألمس جدران بيوته، لكنى أهفو وأتوق إليه، وأخاف ويشتد القلق عليه حين يتعرض لوعكة أو محنة أو خطب أو ابتلاء. «المصرى اليوم» نكتب فيه كالقضاة، أحكامهم مغمضة العينين، من يبكى من الحكم كمن يضحك راضيا بالانتصار، الكل عندهم سواء، يخلد الكاتب للنوم كالقاضى العادل مرتاح الخاطر، حتى لو كان الحُكم شق الطفل نصفين، أو كان طبيبا نصح مريضه أن يشحن أمتعة الموت إلى القبر، الكاتب منا يكتب ويحكم ويغادر، ويتجشم ويتحمل عنه «المصرى اليوم» كل الصدمات والكدمات والصرخات، وطبول الحرب، ووقع الأقدام الثقيلة المنتظمة حين تدق الأرض، ويصد ويرد والكتاب نيام، يتحمل من يرفض ومن يقبل، من يأبى ومن يرضى، من يحجم ومن يقدم، من يتأخر ومن يتقدم، من يفهم ومن يستنكر، ولم أكن أعرف كم كان حجم ما تعانيه وما تقاسيه المصرى جراء ما نكتب وما نحكم، حتى كنت أرفض أحيانا إضافة كلمة أو تغيير عنوان أو حذف مقطع قد يسبب حرجا للبعض، ولا يجد المتصل مناصا من النشر مهما كان الحرج، وكان الحرج ليس سياسيا فقط، بل أراه الآن وكأنه يتجاوز فى كثير، لا أعرف الآن كيف تسلل إلى نفسى الرغبة فى الاعتذار لأبى، حين كنت أضغط عليه فى أمور كثيرة ويلبى مضطرا، وكنت يوما جزءا مما يعانيه، كم كانت نظراته رفيعة دقيقة محرجة خجلى، تخطب وداً لم أفهمه، ولم أكن رحيما به، عذرا أبى وعذرا «المصرى اليوم».

 

أتذكر الآن أول مقال لى فى «المصرى اليوم»، فى ظل حكم الإخوان وسطوتهم ونفوذهم، وتفشى ظاهرة الجلباب واللحى والنقاب فى شوارعنا، وانتشار جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بعشوائية مفرطة ومخيفة، وكان عنوان المقال صادما «زواج أطفالنا دستورى» بحكم دستور الإخوان والمادة الثانية، الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ثم مد تعريف مبادئ الشريعة فى المادة 219، وكأنه يخفى جريمة، حين باعد بين المادة وتعريفها، وهو «الشريعة تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية ومصادرها المعتبرة من مذاهب أهل السنة والجماعة»، ولم يعد مباحا زواج الأطفال بها فقط، بل تحت عباءة هذا التعريف أبيحت الأموال والأنفس، وتمددت جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تحجر وتمنع وتصد وترد حتى باليد، واعتمدت الجزية، وأبيح الجهاد، وكل ما هو معلوم وغير معلوم، ساعتها أشفقت على «المصرى اليوم»، فربما يدفع قيادات الإخوان دفعا إلى إغلاقها، أو التحرش بها أو بمالكها، فى اليوم التالى وجدت المقال بعرض صفحة الرأى كاملة، تأكدت ساعتها أن «المصرى اليوم» تحمل كفنها طوال الوقت، ولا ترضى بديلا عن حرية الرأى، والدولة المدنية بديلا للحكم، وكان طريقا سلكناه معا نكتب ونحكم ونحرج أصحاب الشأن ولا نبالى.

 

«المصرى اليوم» حلم كل الكتاب، واحة وارفة الظلال تكتب وتستظل بظلها مهما أرهقتها وأرهقت الغير، راحة وهدنة كل المتقاتلين، مساحة من العقل تمتد بطول أعدادها وعمرها، تحمل المتفق عليه والمسكوت عنه، والمتحاربين من كل الجيوش المتقاتلة دون إصابة واحدة، على صفحاتها تشاهد وتستمتع بالمصارعة الحرة على أصولها دون أوجاع، لا خصومة ولا نزاع بين الأقلام، كتبت مجموعة مقالات ردا على الدكتور أيمن الجندى، نشرتها «المصرى اليوم» فى الصفحة المقابلة لرأيه، ورد عليها فى نفس المكان فى اليوم التالى، قلت ما شئت وقال ما شاء، واحتفظت «المصرى اليوم» بذكائها المعهود وحيادها بين الفكرين والمدرستين، أما عن المسكوت عنه فى تاريخنا العربى الإسلامى، فقد تجولت فيه دون محاذير، نتصادم ونفتح صفحات فى تاريخنا، نقول فيه ما وسعنا القول، وندلى بدلو ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وتتبعنا الإرهاب منذ الخلاف الشيعى السنى فى مهده عند بوابة الفتنة الكبرى بين على ومعاوية، بل منذ نشأته الحقيقية بين الإخوة وأولاد العمومة والأحفاد، بنو هاشم جد النبى وعبد شمس جد معاوية مرورا بالفرق الإسلامية من الشيعة والمرجئة والخوارج والمعتزلة والأشاعرة حتى الوهابية والقاعدة والدواعش.. وكلها فرق خرجت من عباءة ورحم الإسلام السياسى، والذى كانت ولادته الطبيعية كما قال طه حسين من بداية الهجرة، لم يمنعنا أحد ولم يحرجنا يوما أحد، وكنا قساة أحيانا ومحرجين فى الكثير.

 

«المصرى اليوم» قلعة إذا مالت مال الثابت، وإذا اهتزت اهتزت الأقلام، وإذا ارتعشت ارتعشت الحرية، وإذا خافت خاف السايب والمربوط.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

"المصري اليوم" القاهرية