اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أول طريق بين السياسة والدين// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل نعمان

 

عرض صفحة الكاتب

أول طريق بين السياسة والدين

عادل نعمان

كاتب واعلامي مصري

 

حين يلتقيان ويجتمعان، فإن السياسة تحمل الدين إلى حيث تريد وتصبو، وإذا اقتسما تكون السياسة قد تنازلت بعض الوقت، والأصل فى الأشياء أن سلطان السياسة يزع ويزجر ما لا يزعه ويزجره أى دين، وسيف الحاكم أمضى وأنجز، وكلاهما يلتحف بلحاف الآخر، وينسجان خيوطا ناعمة وثيرة، فيرتاحان ويحتميان كتفاً بكتف، ويحفظ كل منهما الجميل للآخر، إلا أن للسياسة الهيمنة والسيطرة، تسحب الغطاء إذا أرادت، وتفك الخيوط متى شاءت، وتميل بكتفها متى رأت الانفراد، وتضعه فى قوالبها تنقله حيث تريد، فتراه قد تأثر بها وتجاوب معها، وذهب معها ما شاءت إرادتها، وسلك معها ما وسعته دروبها، وما استطاع إلى ذلك سبيلا، حتى أصبح الدين «أى دين» يحمل طعما ولونا ومذاقا مختلفا عن نفس الدين فى مكان وموقع سياسى آخر. وكان البدوى أول من أحاط الدين بأسواره، وطبع عليه عزلته ووحدته وقسوته وشراسته، هو أول ناقل له، فصدره للدنيا على شكله وهيئته ومراده منه، واتخذه سبيلا لرفع أحواله المعيشية، ومنقذا ومخرجا من العزلة، وسبيلا يتذوق به طعم الحياة الرغدة الحديثة، ويتدثر من الثياب، ويتطيب من الطيب بما لم يألفه أو يعرفه من قبل، فأصبحنا فى حيرة بين سماحة الدين الذى نزل، وبين ما يجب أن يكون عليه، وبين ما طبع عليه البدوى من طبائع وصفات ليست منه، وإنما تخدم مصالحه وتطلعاته، وثورته على عزلته وفقره واحتياجه، وهو ما كان يجب أن يكون، ولا كان مقصودا هذا السبيل، ولا كان هذا طريقه، فطريق الله ليس كطريق البشر، وقالوا إن الناقل يؤثر فى المنقول، فإما أن يعتنى به وينقله لصاحبه على هيئته وشكله دون تغيير أو تبديل، وإما ينقله مضافا إليه أو مرفوعا عليه أو منسوخا منه، على مراده ووسيلته فى النقل، وهى أمانة إما يتلاعب فيها الناقل أو يأمن عليها، ولم يكن البدوى فيما اعتقد على قسوته وخشونته وشظف عيشه وهو ابن قبيلته، إلا وقد غير وبدل فيه وجعله قوة يستند إليها، تعينه على شظف العيش وقسوة المعيشة، فكان مؤيدا ومساندا له، وثورته على الجوع والحرمان، فقد كانت حياة البداوة قاسية يحيون حياة الرعى، ويتنقلون للبحث عن الماء والمرعى، وكان القتال بين القبائل أمرا ميسورا، وتولد عن البداوة غزو القبائل المجاورة، فكان البدوى مستعدا دوما للقتال والمبارزة، فوجد العربى فيما استند إليه من فقهاء السياسة، من الغزو والقتل والسبى والغنائم، ما يتلاءم مع هواه وهدفه ومنتهاه فارتاح إليه وركن عنده، وأزعم لو كانوا قد حاولوا معه بطريق آخر غير الحرب والقتال والغنائم لما استجاب أو لبى، حتى لو كان الهدف هو إعلاء كلمة الله، وهى المطلب والمراد دون غنائم أو أسلاب، فانخرط فى جند المجاهدين لغزو البلاد، والاستيلاء على أموالهم، وسبى النساء، وفرض الجزية على ما تبقى، وكانت المحصلة والغنائم يقبضها فى يده بعد كل غزوة من الغزوات، قبل أن يجف عرقه، وكم كانت وفيرة ومجزية، ومن نتاجها كانت توزع العطايا على المدينة، ومن كثرتها كانوا يكيلون المال كيلا بلا عدد أو حساب، ولما يقولون مات فلان وعنده من القصور والضياع ما كان يسير بجوارها بخيوله المسومة أياما، ويكيلون أمواله كيلا، ويفرزون الجوارى والإماء على اللون، وعلى اسم البلاد الموطوءة من كثرة أعدادهن، فاعلم أنها من غنائم الحرب وعطايا الخلفاء، كل عطية من العطايا تزيد وتنقص حسب مكانته وقرابته من قريش، وكل إقطاعية تقتطع من صاحبها لصالحه ويتوارثها أبناؤه وأحفاده من بعده، ولم تكن فى أغلبها إلا كذلك.

 

ولما نقول أبعدوا السياسة عن الدين، ليس لنا من هدف سوى أن يحمل الدين نفسه، ولا تحمله السياسة وحكامها، كما حملته البداوة أول مرة، فيركن إليها ويأنس لها، فلا يصبح الدين فى تونس غير ذات الدين فى مصر، وما فى السعودية على غير الغير، ونحتار أيهم هو ديننا الصحيح؟ لو بعدا وافترقا لكان الدين واحدا لا خلاف حوله، وعاد إلى أصله الذى به ابتعث، وهو أنقى وأفضل.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

"المصري اليوم" القاهرية

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.