كـتـاب ألموقع

في طفولتي: صلاة العقرب لم تحمني من لدغتها!// لطيف پــولا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 في طفولتي: صلاة العقرب لم تحمني من لدغتها!

لطيف پــولا

 

كل الكائنات الحية لها وسائلها الخاصة بها للدفاع عن نفسها ,وحينما  تخذلها الوسائل المادية تـلتجيء الى الحيلة والخداع والتمويه او الهرب من اجل النجاة .ولما تنتفي كل هذه الوسائل تصبح فريسةً القدر المحتم. لكن الانسان ابتكر أسلوبا آخر  لحماية نفسه وهو العلاج الروحي, اذ ابتكر الدعاء والصلاة والسحر والشعوذة من اجل الحماية والعلاج.

ثمة دعاء وصلاة لربط افواه الحيوانات المفترسة يعتقد انها  تصبح عاجزة عن الافتراس بعد قراءة دعاء او صلاة اُبتكرت لهذا الغرض, واحيانا لإخراج الجني او الشيطان اللذان يسببان الامراض كما كان يُـعتقد. ولما كانت بيوتنا الشرقية, في القرى خاصة, تشاركنا السكن والعيش فيها بالاضافة الى الحيوانات والطيور كالابقار والاغنام والحمير والكلاب والقطط والدجاج والحمام, الحشرات ايضا كالافاعي والعقارب والبعوض والقمل والبرغوث. ولعدم وجود الادوية والعلاج الطبي ابتكر الإنسان صلاةً ودعاءا لحماية اهل البيت من لسع الافاعي ولدغات العقارب. في اوائل الخمسينيات من القرن العشرين كانت المرحومة والدتي على وشك ان تسافر الى بغداد فاوصتنا ان نصلي قبل النوم صلاةً تحمينا من العقارب. وهذه هي الصلاة كما حفظتها وانا في الثامنة  من عمري:

(آس آرندوس پَـرططوس قرياقوس شاول شليحا ببيثا رابا بني أورشلِم. مارن ثيله گيبيهين سوستح صيره بدرتيهين مار ساو ومار باو ومار طاو طلاثا أخنواثا صيرَي كمّـا دعاقروِ وخوّاثا عاقروا سامانيثا ناطرا شويثي وإشوا شويّـاثا دخاذرواني.)

     وكنا ننام على تخوت خشبية فوق السطح وبيتنا كان نظيفاً بفضل والدتي. اما الفراش كنا نضعه انا والمرحوم اخي يوسف في الغرفة في الطابق الثاني (كوچكى) حسب أوامر الوالدة التي أوكلت الينا فرش الفراش على الأسرة فوق السطح مساءا ثم نقله الى الغرفة صباحا وكذلك تحضير الشاي صباحا مساءا. سافرت والدتي الى بغداد. بعد الغروب ناداني اخي يوسف, الذي كان يكبرني, لكي نفرش الفراش. صعدنا الى الغرفة (كوچكى) وبدأ يُحمِّلني, وضع الدوشك (المطرح) ثم  وضع اللحاف ايضا, ثم المخدة وجاجما ووو! ثم صرخت بأعلى صوتي: آخ لا ادري ماذا لدغني!! القيت بالحمل الذي على ظهري واحسست بان جمرة أحرقت قلبي. ولما كنت قد تعرضتُ على لدغات النحل والدبابير أدركتُ أن هذه اللدغة تختلف عن سابقاتها, انها جمرة نار!!.. نزلت مُسرعا من الدرج وانا اصرخ.. وفي فناء الدار تقدمت المرحومة اختي حليمة وراحت تتلمسني لترى مكان اللدغة, ولأن الجو كان مظلما لم تشاهد العقرب الذي كان يدور حول عنقي بعد ان لدغتني في ذراعي الأيسر. مسكت اختي حليمة العقرب بيدها فلدغتها هي الاخرى براحة يدها اليمنى.. وبدأ الصراخ والتمَّ حولنا الأهل والجيران كان ثمة شماس مشعوذ يعالج هذه القضايا بطريقته.. ذهب اليه عمي مسرعا لكنه رفض ان يأتي لأنه كان يسكر!!. فقرر الجميع ان يصلوا وقالوا لي: صلي يا بني لم يعد لك سوى الله!. وانا انظر من حولي والجميع يصلون أحسست من خوفي أن قشعريرة الموت بدأت تدبُّ في جسمي. ورحت اصلي بسرعة فائقة. آبانا الذي ....انهيها بثواني!! , ثم السلام عليك يا مريم.. واعيد واكرر واعيد واكرر.. ولعشرات المرات ..ومن شدة  تعبي وارهاقي ورعبي غلبني النوم. استيقظتُ فجرا ورحت اتلمس ذراعي. وانظر الى اختي حليمة وهي غارقة في النوم وتتنفس بشكل طبيعي! .عرفت ساعتها انني لست ميتا!, وأدركتُ أن صلاة العقرب لم ولن تنال من العقارب ابدا, رغم ان الصلاة تأمر العقرب ان تحرس سريري وسبعة اسرَّةٍ اخرى من حولي.. فاعتمد جسدي على نفسه في المقاومة ربما كانت لي مناعة مكتسبة إذ كنت قد سمعت من جدتي ان جدي لدغته العقارب ولسبع مرات. او لأنني اكتسبت مناعة بعد تعرضي للدغات النحل والزنابير لعدة مرات وانا طفل تمرس على شن معارك ضد الزنابير لأخراج خلاياها فكانت هي الاخرى تستميت مدافعة عن نفسها بلدغنا في اماكن كثيرة من جسمنا.. وربَّ مضرة نافعة...