كـتـاب ألموقع

التعصب الأعمى لا يجلب إلا الأذى// لطيف پولا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

لطيف پولا

 

عرض صفحة الكاتب

التعصب الأعمى لا يجلب إلا الأذى

لطيف پولا

 

التعصب هو المبالغة في حب وتمجيد فكر او عقيدة والمغلاة في التظاهر بحبه او المفاخرة الزائدة والفارغة التي لا تستند على الواقع ولا على اساس يعتمد على حقيقة علمية. والمتعصب كالجاهل ليس له بعد نظر سكران بما يؤمن به او بما يوحى له ان هذا الشيء هو وحده الصحيح ولا يقبل نقاش او الخض فيه ليصبح المتعصب كالمسحور والمغوف في حبه وقد سطر هذا الحب الوهمي بجنون على عقله أو قد يكون مُجبرا على عبادته أو ورثه بالولادة ولم يتسن له ان يرى غيره فنشأ يدور كالأعمى في فلكه يرضع من افرازاته وقيحه وسمومه, لصبح معبوده وكل من يمس من قريب او بعيد او يحاول النيل منه او ايجاد بديل له عنه او حتى النقاش او التشكك في قدسيته يعبتره مساسا بوجوده فتراه يستميت في الدفاع عن ذلك الصنم او الوهم الذي يعبده .ليتحول الى وحش كاسر يفترس اقرب الناس اليه. وبسبب هذا التعصب برر المتعصبون بالدين والقومية والعرق قتلهم للملايين من بني جنسهم. ونتيجة هذا التعصب كانت الحروب الدينية والقومية والعرقية كما  حصلت في معظم انحاء العالم. وكانت الوسيلة والحجة التي دفعت المستعمرين والغزاة لتحقيق اهدافهم الشريرة في اجتياح بلدان كثيرة من العالم. وما اكثرها من حروب دموية في التاريخ ومستمرة الى يومنا هذا.. رغم القتل والدمار وسرقة الاوطان والاعمال الدموية والوحشية, من الاغتصاب والسبى الى نهب الثروات واستعباد الشعوب, الا ان اصحاب هذه الحروب بسبب تعصبهم الاعمى اضفوا عليها القدسية اذ يعتبرونها مقدسة لأنها تترجم الى الواقع تلك الافكار السوداء التي تعشعش في اذهانهم. وتحصل مثل هذه النتائج العدوانية ليس عند الدول فحسب بل حتى على نطاق الاشخاص المتعصبين لأفكارهم السطحية وحتى بين ابناء الشعب الواحد وبين الاخوة الجهلة الذين لا يمتلكون رؤية علمية للنقاش ولا هدف انساني يخدم قضية علمية او مصلحة عامة من نقاشهم, بل يتحولون الى ذئاب مفترسة تتصارع فيما بينها من اجل الفريسة وقد يفترسوا بعضهم البعض دون التوصل الى الحقيقة او تسليط الضوء عليها لتغدو واضحة للجميع. لذلك  يتجنب الحكماء نقاش الجاهل والاحمق وقالوا: لا يؤمننك شرّ الجاهلِ قرابةٌ ولا جوار ولا اُلفٌ. وقد قال احيقار الحكيم, مستشار الملك سنحاريب وابنه اسرحدون,: يا بُني نقل احمال الحجارة مع الحكماء أولى من مجالسة الجهلاء, لكننا لازلنا نؤمن ان الانسان الطيب العاقل السوي الذي يتوق الى نور العلم والمعرفة للتخلص من جهله او المغرر به للسير في طريق الضلالة لغاية ما حالما يتلمس نور المعرفة طريقاً الى ذهنه يفتح له ابواب عقله ونوافذ قلبه ليرى الحقيقة كما هي فيتنور بنورها ويشكر مصدر هذا النور الذي ازال وحشة الظلام والجهل من دماغه الذي خُلق لاكتشاف الحقائق والاقتداء بنور المعرفة للوصول الى الحقيقة.

 

وبناء على طلب صديق اُجيب على سؤاله حول كلمة نوگا = الحفيد.. اذ حصل على هذه الكلمة البسيطة نقاش وجدال كادت تصرم حبل الاخوة والمودة بين بعض الاصدقاء لسبب او لآخر. يقول هذا الصديق ثمة اصدقاء واخوة لنا يدعون ان هذه الكلمة ليست من لغة بلدتنا الدارجة!!! (يظن ان لهجة بلدته هي لغة بسبب الجهل او المغالاة في التعصب).

ليس كل مالا تعرفه يا هذا, او تتجاهله لسبب او لآخر, هو غير الصحيح فتتعصب وتهمل الصحيح لتبقى في دهاليز الخطأ.

 

سأدلوا بدلوي من بئر عذب ترموه بحجارتكم.. بعد ان اطلعتُ على صفحتكم التي تتحدث عن مصطلحات وما هي بمصطلحات, عن أي مصطلحات تتحدثون؟! أهي مصطلحات علمية, فلسفية, اقتصادية, سياسية أم لاهوتية؟!. وهل هذه التي تتناولوها تسمى مصطلحات؟!. انما هي مجرد مفردات دارجة فيها الدخيل والمُصَّحف!!. اذا كنت تتناول مصطلحات ولا تعرف معنى كلمة نوگا وتقول ليست هذه الكلمة من لغتنا!!. حسناً بالعربي معناها حفيد وبالانكليزية Grandsom  ماذا يسمى الحفيد في لغتك هذه ؟؟!! اليس فيها كلمة حفيد؟ يا للعار!!

قبل كل شيء أقول: الذي لا يعترف بلغة اجداده لا تناقشوه ابداً..

ولتوضيح ذلك اقول ببساطة وبالمختصر المفيد: في العربية مثلا ثمة لغة فصيحة هي لغة الادب والفن والمعرفة والعلم والدين. وثمة لغة سوادية (عامية) متبعثرة على شكل لهجات مثل لهجة الموصل والعمارة ولهجة مصر والجزائر ولبنان الخ. لو اعتمد العرب او حتى الناطقين بالانكليزية في امريكا وبريطانيا واستراليا وكندا وكذلك الكردية والتركية واي لغة اخرى, لو اعتمدوا على اللهجات المحلية سوف لا يستطيعون التفاهم فيما بينهم بشكل سليم ولا يمكن الكتابة ونشر الادب والعلم والاخبار بكل اللهجات بل يجب ان تكون هنالك لغة هي لغة الام لغة كل الشعب. ومثال على ذلك في سنة 1972 ذهبتُ مع زملائي في محافظة واسط لمشاهدة فيلم مصري وأثناء عرض الفيلم قال احد الاصدقاء, وهو من منطقة العمارة: لماذا لم يترجموا الفيلم الى اللغة العربية؟!!. قلتُ له انه فيلم عربي؟!.  قال لي: أهذا فيلم عربي؟!. قلت له: طبعا انه فيلم مصري؟. قال متعجباً: لم افهم ولا كلمة منه!!! . وصديقي كان معذورا في ذلك لأنه لم يشاهد فيلم مصري من قبل. وحتى نحن في بغداد عندما بدأوا يعرضون افلام جزائرية باللهجة الجزائرية لم نفهمها لذلك بدأوا يضعون الترجمة العربية مع الفيلم!!. اما بالنسبة للهجة المصرية كنا في بغداد قد شاهدنا افلاما مصرية فتعودنا على لهجتهم, اما صاحبي لم تتعود اذنه على اللهجة المصرية ولم يفهم منها شيئاً!!. لما انتشرت الصحافة ومحطات الإذاعة والتلفزيون بدأوا يبثون وينشرون الادب والاخبار وكثير من الافلام باللغة العربية الفصحى ليفهما الجميع, وبمرور الايام تعود العراقي والمصري والخليجي والتونسي على لهجاتهم التي طعمت بالفصحى, لأن العربية الفصحى لغة القرآن تجمعهم جميعا وهي لفة العرب او الناطقين بها. ولكن بالنسبة لنا انها ماساة! لقد ضيعنا الخيط والعصفور!. السواد الاعظم من ابناء شعبنا لا يعرف يكتب او يقرأ او يفهم لغة اجداده الذين علموا البشرية الحضارة والكتابة والقراءة. وكانت اللغة التي تكلم بها يسوع المسيح والرسل ولغة كنيسة المشرق. ربما لا يعرف شيء عن حقيقة تاريخه وتراثه وسممت افكاره بسموم الفُرقة والمسميات المحلية وكثير منها مختلقة عن جهل او عن غاية ّ. لذلك فهو شبه مقفل ولم يفهم الا اللهجة التي يتكلم بها أبناء قريته!!, فيتصور ان كل تاريخه ووجوده هو في هذه القرية ولهجتها وهو يعتبرها لغة!!. لذلك بمجرد أن شمَّ رائحة داعش وهم لازالوا في حمام العليل ترك قريته وكل ماعنده وهرب تبرع بها مقدما!!.. ومن هذه السطحية تراه يتقزز اذا سمع لهجة بني قومه من قرية اخرى! حتى على شكل مفردات او كلمات او عبارات. ولا يتقبل ما هو صائب وعام وأصيل في لغة اجداده التي لا يعترف بها الافندي!!. مثلا اذا قلت له وانت تُحيِّه مساءا:

صلاة العصر.

 

واذا القيت عليه التحية بالعربية: صباح الخير, او بالانكليزية Good morning  او بالكردية: صبات بخير او باي لغة اخرى لا يزعل ولا يتقزز جنابه. ولكن اذا حييته بلغة اجداده ولغة الكنيسة ولغة المسيح ورسله يغضب ويقول هذه ليست لغتنا!!. كيف تناقشون امثال هؤلاء؟!. مشكلة الجاهل انه بعيد عن الدين والثقافة والعلم والادب والتاريخ والاصالة, مثلما هو بعيد عن الحقيقة, فهو متعصب لجهله لأنه لا يرى ابعد من موطيء قدمه. فهو في ظلام دامس لا يريد ان يتنور, كالخفاش الذي تعود وتتطبع على الليل ويخشى من النور. وهو عدو كل الناس, حتى عدو نفسه من حيث يدري او لا يدري. واللوم كل اللوم على الذين تركوا لغة الأجداد ولغة الانجيل ولغة المسيح والرسل, هذه اللغة التي كانت لغة العالم القديم بأسره حتى جعلها الفرس لغة امبراطوريتهم المترامية لأنها كانت كاللغة الانكليزية اليوم  لغة عالمية, نسيوا, او تناسوا, انها اللغة البليغة بل اكثر بلاغة من كل لغات العالم والتي طورها وهذبها الملافنة الكبار امثال مار نارساي ومار افرام ومار ماروثا ومار يعقوب وعشرات الكتاب والشعراء العظام. وقد كتبتُ في ذلك بحثا مطولا والقيت بها محاضرة. تلك اللغة العظيمة وارثة الحضارة ولسان المسيح والرسل اهملوها واوصلوها بترجماتهم لآدابها الى ما هي عليه اليوم من لهجات مشتتة مكسورة مليئة بالدخيل الركيك بسبب ترجمة الانجل والتراتيل والصلوات الى لغة مشوهة مليئة بالدخيل وبالركاكة لم يعد أمثال هؤلاء الاشخاص الجهلة الضالين يطيقون سماع كلام المسيح والرسل!!.

 

 

تصور يعتبر لهجة قريته لغة ينافس بها العربية والانكليزية!. وانا واثق انه لا يستطيع ان يكتب بها جملة مفيدة!!.. الشجرة التي تُقطع من جذورها لم تعد شجرة ولا تعود لأصلها ابداً, بل تصبح خشبةً يابسةً بمرور الزمن ليُصنع منها اشياءا  كثيرة اخرى وتحمل اسماءا مختلفة عديدة قد لا تُشرّف الشجرة الاصلية!!. فلا  تلم من يتنصل عن لغته وتاريخه وتراثه ولا تناقشه لانه مثل تلك الشجرة المقطوعة الجذور. فإذا كنت تجهل لغتك وتاريخك وأصلك او تتنصل عنهم لسبب او لآخر ولا تريد ان تتنور بمعرفتهم لماذا تحقد وتتبرم وتشمئز مما تجهله؟! ابق على جهلك ولا تناقش في مثل هذه المواضيع لأنك خال الوفاض, او مُجبر على ان تتبنى هذه المواقف العدائية للغتك وتاريخك ولبني قومك كالذي اصابته علة يجبر على اجتراع دواءِ مُرِّ مريرِ.. والحقيقة التي لا تعرفها او التي لا تريد ان تعرفها هي ان بلداتنا وقرانا يجمعها تاريخ واحد ومصير واحد ولغة واحدة وان تعددت اللهجات  فالقوش هي اخت شرفية وتللسقف وباقوفا وباطنايا وبغديدا وتلكيف واراذن وبرطلا وكرمليس وعينكاوة ودهوك واربيل ومنگيش واشيثا وسميل وباز وجيلو وتخوما وماردين وآزخ وأورمي و وووو الخ.. هل نسيت من اين قدم اجدادك؟؟!!! وباي لهجة كانوا يتحدثون؟؟ ان كنت تعرف وتتنصل فتلك مصيبة!! وان كنت لا تعرف فالمصيبة اعظم... واذا كان هذا تفكيرك تتصور ان ما تعرفه من مفردات امحلية  بحته هي كل شيء وتتنصل عن لغة اجدادك العظام أولى بك ان لا تتناول مثل هذه المواضيع وتنشرها لأنها تضر ولا تنفع, وانصح كل الاصدقاء ان يبحثوا عن مصادر تشفي غليلهم ولا تلوث عقولهم بطروحات ساذجة غير مُجدية تشجع على  الفُرقة والحقد والكراهية وتبعدهم عن انسانيتهم ووطنيتهم وعن بقية ابناء شعبهم وجيرانهم واخوتهم. تعصب الجهلاء كالزؤان الذي يدمر حقول القمح في وقت نريد فيه ان نزرع المحبة والسلام والاخوة والوحدة والمعرفة والثقافة والادب بين جميع ابناء شعبنا. كفانا ما اصابنا من دمار وتخريب وتشتت وفُرقة بسبب عدوانية المتعصبين.

 

يقول احدهم ليس لدينا اسماء للجهات الاربعة في اللغة (الكلدانية)!!.. واذكركم بما قلتُ اعلاه: ان الجاهلَ كالأعمى لا يحترم النور الذي ينور العقول ولا يعترف بالحقيقة ولا يريد ان يسمع بها!,  فكيف اذا كان جاهلا ويتقاضى ثمن جهله؟!.

 

الغرب, الشمال والجنوب.

فليسمعني ذلك الذي يقول هذه الكلمات ليست (كلدانية) وليس لنا كلمات للجهات الاربعة في اللغة الكلدانية! وهو يسيء الى كلدانيته بجهله، وهو بالتاكيد لا يعرف ان البابلية والاشورية لغة واحدة وما نسميه اليوم سريانية هي نفسها كلدانية, والسوادية (العامية) منها والتي نتحدث بها جميعا نسميها سورث او السوريث. فلا تلم المكفوف اذا تعثر لأن له بصيرة سترشده الى الطريق الصحيح كي لا يعثر ثانية, ولكن لا تحاول ان تنصح جاهلا احمق سقط, بل اتركه في حفرته حتى لو كانت مملوءة بالمياه الآسنة لأنه مُسيّـر وقبض ثمن سقطته. في كتبنا الكنسية, في كتاب الحضرة والكتاب المقدس والتراتيل, حتى التي كنا نرتلها في ايام السعانين عندما كنا اطفالا, وفي كتب الحكم والامثال والقصص المكتوبة بلغتنا الفصحى هي نفسها عند جميع ابناء شعبنا التي كتبت بها كتب طقس الكنيسة الشرقية بكل مسمياتها.. اجل كنيسة المشرق لغتها واحدة ولغة شعبها واحدة ايضا. اللهجات المحلية فيها من التعابير والمفردات الجيدة ولكن في نفس الوقت فيها الدخيل لان وطننا تعرض الى الغزو فحكمنا الفرس لمئات من السنين والمغول والرومان والمقدونيين والعثمانيين وغيرهم فأخنا من لغتهم مفردات كثيرة, وتأثرنا بلفظهم ايضا .وهذه مسالة طبيعية الغالب يقلد المغلوب. اليست اليوم لهجتنا مملوءة بمفردات عربية؟ لأنها لغة الدولة والثقافة والادب وندرسها في المدارس حتى اصبحت لغة الكثيرين ممن كانوا يتكلمون السريانية, علينا ان نقرأ كتب اجدادنا التي تعبوا عليها اياما وشهورا وسنينا ليس لتصبح فوق الرفوف العالية يكسوها الغبار بل لنقرأها. ونشجع اولادنا وبناتنا على قراءتها خاصة الذين لازالوا يعيشون في الوطن و لتعلمها بجدية في المدارس التي خصصت لهذا الامر .واقول بحق انني لا انتقص من لهجات بلداتنا وقرانا بل فيها الكثير من الكلمات الاصيلة ومن التعابير البلاغية.

 

7