كـتـاب ألموقع

بحث: الشاعر والكاتب والخطاط المبدع المرحوم القس اوراها شكوانا// لطيف پولا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

لطيف پولا

 عرض صفحة الكاتب

بحث: الشاعر والكاتب والخطاط المبدع

المرحوم القس اوراها شكوانا

لطيف پولا

 

القس اوراها شكوانا مع ابنه اسحق

المقدمة

قبل ان اكتب ما قرأته من مصادر تناولت سيرة وانجازات الخطاط, الكاتب والشاعر المبدع المرحوم القس أوراها شكوانا,أنقل بأمانة ,للتاريخ ,ما سمعته  حرفياً من إبنه المرحوم اسحق شكوانا وزوجته عن المرحوم والده القس اوراها.

كان المرحوم اسحق, ابن القس اوراها ,زوج خالتي ,وكانا يترددان الى بيتنا في القوش في اوائل الخمسينيات من القرن العشرين وفي بغداد في نهاية الخمسينيات واوائل الستينيات من القرن نفسه .ومن جملة ما سمعته من العم اسحق وهو يتحدث عن المرحوم ابيه قال مرةً أنَّ أباه القس أورها لم يكن فقط كاتبا و شاعرا وخطاطاً بل كان مُخترعا. ورغم صغر سنًي جذبني حديث المرحوم العم اسحق ورحت اصغي اليه. وتابع يقول أن من جملة ما اخترعه المرحوم القس اوراها كانت عربة (سيارة) وكان يذهب بها الى الموصل. فاندهشتُ من حديثه وسألته المرحومة والدتي كيف اخترع سيارة؟!. قال المرحوم العم اسحق: صدقيني كانت موجودة حتى بعد وفاته في إحدى غرف البيت. وراح المرحوم العم اسحق يصف تلك العربة قائلاً: كانت عبارة عن عربة خشبية لها عجلات وفيها دواليب وهذه الدواليب تنتهي بمقابض يديوية كان المرحوم والدي يجلس داخل العربة ويبدأ بتحريك هذه المقابض بحركة دائرية لتدور بدورها الدواليب. وحسب وصف العم اسحق لتلك السيارة فقد خال لي انها تشبه الى حد ما كرسي  المعوقين ذي عتلات لتنقل الحركة من المقابض اليدوية الى العجلات. ومن جملة ما سمعته ايضاً من العم اسحق في طفولتي أن والده كان رجلا صلباً جدا لا يتنازل عن مبادئه ولا يخشى في قول الحق لومة لائم. فتصادم مع رئيس الجاندرمة الجاويش احمد (سقلي) الذي اراد من القس اوراها ان يشهد زورا في قضية قتل احد الشباب الألقوشيين المدعو اسطيفو بَـرنو الذي قتله احد ازلام الجاويش. لكن المرحوم القس اوراها اصر على موقفه متهما الجاندرمة بارتكاب الجريمة ووقف معه بقوة ياقو ابن القس متي ريس ووجهاء القوش وجمع من الشباب. فانتقم رئيس الجندرمة جاويش احمد (سقلي) إذ قام بإغتيال شاب اخر وهو گوريال ريس. واصدر سقلي امرا باعتقال اسحق ابن القس اوراها شكوانا بتهمة الهروب من الجيش التركي رغم كونه شماساً معفي من العسكرية. لذلك اضطر اسحق شكوانا الى الهروب الى الجبل. اصدر الجاويش امرا باعتقال عمه دانيال شقيق القس اوراها واودعوه السجن ومات فيه. ثم القي القبض على شعيا شقيق القس الثاني واقتيد مكبلا الى الحرب وكان قد ناهز الخمسين من عمره. ويقول العم اسحق بقيت أنا هاربا مختفيا في الجبل وفي احد الأيام كنتُ مُستلقيا تحت شجرة في احدى الوهاد. ولما بدأت الشمس تلقي باشعتها على الشجرة التي كنت مستلقيا تحتها واذا بسائل يتقطر من فوق الشجرة على رأسي ووجهي, مسحته بيدي وجدته دبقاً, ذقته واذا هو بعسل نحل!. نظرتُ الى الاعلى واذا بخلية نحل عظيمة قد سكنت هذه الشجرة. يقول العم اسحق تمكنت من ارسال الخبر الى زوجتي ريجو. وكانت تأتيني خفية لجلب الطعام, فقلت لها اجلبي معك إناءا  كبيراً مع سكينة. وبعد وقت ليس بالطويل جاءت ريجو وتسلقت الشجرة وجعلت فيها شرخا من الخلية الى اسفل الشجرة وكانت حرارة الشمس تساعد في سيلان العسل من فوق الشجرة الى الإناء.

 

كان العم اسحق ايضا موهوبا في اعماله اليدوية إذ كان فنانا ورث شيئا من موهبة والده القس اورها .إذ كان يأقذ قضيب من الخشب وباستعمال السكين وخلال دقائق كان يحول الخشب الصامت الى صافورة.

لم تقتصر معاناة القس أوراها شكوانا على ما ذكرناه فحسب بل فقدَ شقيقه الاصغر بولس بعد ان اخذه الى أورميا للدراسة في مدرسة الرسالة الانگليكانية وقد تخرج فيما بعد طبيباً في انگلترا ثم دعي الى كندا وتوفي هنالك بحادث مؤسف سنة 1906 م  وعمره خمسة وثلاثون عاما. كانت المخاطر والمعاناة تحوم حول بيت المرحوم القس اوراها ولكنها لم تنل منه. فقد كان الجاويش سقلي قد دبر خطة لقتل يوسف بندق يوحانا والد كنته ثم قتل اخاها الياس يوسف بندق يوحانا ايضا .وكانت الملاحقات الاغتيالات والمجاعة والاوبئة هي الحالة السائدة في القوش التي كان يعيش فيها القس اوراها راسخا كجبلها لا يتزعزع ولم يتركها ولم تتوقف قصبته  الخط  والتخطيط والكتابه  والتاليف. سبق وان كتبتُ ملحمة شعرية  تتكون من (305) ثلثمائة وخمسة ابيات من الشعر باللغة السريانية تجسد تلك المرحلة التي ذاق فيها ابناء شعبنا الأمَرّين من مأساة الحرب العالمية الأولى ونير الاحتلال التركي ومجازره. غنيتُ تلك الملحة وسجلتها في كاسيت في البيت وعلى العود  لمدة ساعة  سنة 1984م . وقصائد الملحمة من ضمن مجموعتي الشعرية الاولى باللغة السريانية؛ اللايوثا عل خيي (رثاء على الحياة) الذي صدر سنة 2000م بغداد.

 

ذكرت المرحومة خالتي (ريجو) زوجة المرحوم العم اسحق أنها تزوجت العم اسحق في تلك الظروف وهي لازالت صغيرة بعد مقتل والدها ومن ثم ملاحقة اخيها الوحيد الياس وسجنه ثم قتله.ولما اُرسل حماها القس اوراها الى قپرص في أمور كنسية حاول إخاء كل كتبه ومخطوطاته ومؤلفاته, عمل على دفنها في حائط البيت ثم كساها بالحجارة والجص, وأوصى أولاده وكنته ان لا يخبروا احدا عن مكان  تواجد كتبه لأنه كان يخشى من ان تُحرق كما أحرقوا مئات المخطوطات الخرى من قبل بتهمة الكفر والهرطقة!. وكان المرحوم القس اوراها متعصبا للكنيسة الشرقية وتاريخها وكتبها وملافنتها العظام. كان يخشى بعد ارساله الى القپرص ان تطال ايديهم الى كتبه فتحرقها. وقالت المرحومة خالتي لم تمض على سفره الى القپرص الا ايام قليلة حتى أغار على بيتهم مجموعة من رجال الدين دخلوا الى البيت فاستقبلتهم خالتي, ليسألوها: أين وضع القس اوراها كتبه ومخطوطاته؟. قالت لا أعلم. راحوا يفتشون البيت ,ثم قالوا لها مهددين: يا ريجو اتعلمين اننا نشم رائحة النسطورية في بيتكم!, وبيتكم هذا سيبقى ملعوناً, واذا انجبت اولادا سيموتون جميعهم لأن هذه الكتب فيها هرطقة فيها الكفر نحن سنخرج ولكن ستندمين, اذا كذبتِ علينا الله من فوقنا يعرف ما في قلبك! اياك اياك ان تكذبي!!!. تقول خالتي امتلكني الرُعب. فقلت لهم: اخشى ان يضربني  ككا (تقصد حماها) اذا عرف انني أفشيت سرَّهُ. قالوا: يا مسكينة اتعرفين اين ذهب؟!  ذهب الى قپرص!! اذا عاد لن يعود الا بعد سنتين او ثلاث. فقالت لهم: الكتب في الجدار. نظروا جميعهم الى الجدار ولم يجدوا الا حجارة ومن فوقها جص. قالوا: أي جدار أتستهزئين بنا يا ريجو؟ .قالت كلا ولكنها مدفونة في الجدار. قالوا لها هاتي المعول!. جلبت لهم المعول وسألوها عن المكان الذي دُفنت فيه الكتب. أشرت بيدها الى المكان. ثم راحوا يحفرون, واذا بعشرات الكتب والمخطوطات النفيسة التي استغرق القس في تأليفها وخطها سنينا. قالوا لها اسجري التنور حالاً. تقول خالتي رحت اسجر التنور وانا ارتعد من الخوف, حملوا كل الكتب والمخطوطات والقوها في التنور. كانت معاناة هذا الجهبذ والخطاط والشاعر العظيم المرحوم القس اوراها كبيرة جدا ليس من الجاندرمة والجاويش سقلي فحسب بل من بني جلدته لأنه كان اصيلا وواعيا لما يجري من حوله من تشويه ومساومة على المباديء والايمان الارثذوكسي الاصيل والطقس الأصيل لكنيسته, ولو لم يكن يعلم بالمخاطر المحدقة, وقد احرقت امامه الكتب والمخطوطات الكثيرة من قبل ,لما لجأ الى دفن مخطوطاته في الحائط, ليس خوفا من الاتراك ولا من ميرا كور ولا من طهماسب ,بل من بني قومه.

 

من هو القس اوراها شكوانا ؟

انه القس اوراها شمعون (چونا) اوراها القس شمعون الشماس دانيال الشماس حذبشبا القس اسرائيل زورا (الحفيد) من بيث قاشا المعروفين ايضا باسم شكوانا. ولادته كانت سنة 1850م بدأ تعليمه منذ صغره في مدرسة مار ميخا التي كان مديرها انذاك الخطاط المشهور الشماس عيسى شعيا (بابي). انجبت القوش في تلك المرحلة في منتصف القرن التاسع عشر مواهب تجسدت بكهنة عظماء امتازوا بشدة الايمان وبالذكاء وقوة الشخصية والارادة. وقد عاصر المرحوم القس اوراها شكوانا كل من توما اودو, إرميا مقدسي, ابلحد بقالا, ايليا هومو واسرائيل اودو وهولاء الجهابذة جميعهم تركوا لنا مؤلفات كثيرة ولم يكن القس اوراها شكوانا اقل منهم الماما بلغته وبايمانه وفي التاليف والخط والشعر بل كان جهبذأ من بين هؤلاء الجهابذة بل ومتميزاً كرس كل حياته في خدمة الكنيسة وفي التخطيط والتاليف والوقوف الى جانب شعبه الصامد بوجه المستعمرين.

 

نشاطاته المبكرة: في سنة 1868م, في الثامنة عشر من عمره, اُرسل الى الأراذن ليعلم الصبيان وفي الاراذن بدأ يكتب الشعر ليرتله الطلبة. عاد الى القوش عام 1873م وأنجب ولدا واحدا وهو اسحق وابنتين. في عام 1882م سيم كاهنا على يد البطريرك ايليا عبو اليونان. بالاضافة الى واجبه الكنسي كان القس اوراها لا يتوقف عن التعليم والتأليف والكتابة والاستساخ وترميم الكتب والمخطوطات القديمة. اقدم مخطوطة له كانت (مزامير داود) خطَّها وهو في الخامسة والعشرين من عمره اي عام 1875م. واخر مخطوطة له كانت (عونياثا لمار جبرائيل مطران الموصل) وكان في السابعة والسبعين من عمره اي عام 1927م.

من اشهر تلامذته الذين تعلموا الخط على يده: الشماس والخطاط المشهور المرحوم پولس قاشا 2ـ الشماس يوسف ابونا 3 ـ الشماس متي حداد 4 ـ الشماس صادق كچو وآخرين.

 

جاء في كتاب الكهنوت في القوش ونقلا عن الذين عاصروا المرحوم القس اوراها انه كان متمسكا بتقاليد وتراث كنيسة المشرق الاصيلة ولم يستعمل طقس القداس المطبوع في الموصل بل ظل متمسكا بالنص القديم ولم يستحسن الممارسات الدخيلة كالوردية وغيرها كان رجلا شهما شجاعا لا يهاب التهديدات وموقفه في قضية اغتيال اسطيفو برنو خير دليل على ذلك فقد دفع ثمنا باهضاً لتلك المواقف. ضايقت عليه الجندرمة والجاويش سقلي. ساقوا اخوته للحرب ليموت احدهم في السجن وهو شقيقه دانيال. اما شقيقه الثاني شعيا الذي ناهز الخمسين من عمره زج في المعارك مع البريطانيين فوقع اسيرا. ولاحقوا ولده الوحيد  اسحق الذي ترك البيت وهرب الى الجبل.. رغم كل تلك  المضايقات والمعاناة لم  يتنازل عن مواقفه المبدأية.. فكانت اخر ضربة له حينما اُرسل الى قبرص لتُحرق في غيابه  كنوزه الثمينة التي اخفاها عنهم في  الحائط. وكانت اثمن ماعنده من  مؤلفات وكتب ومخطوطات أحرق كل سنين عمره في تاليفها وتخطيطها وترميمها. وقد تعرض هذا الجهبذ الصلب  للملاحقات وسجن عدة مرات ذاق خلالها العذاب وهو في هذا العمر الى ان انتقل الى رحمة الله سنة 1930م وهو في الثمانين من عمره الذي احرقه في خدمة شعبه في التعليم والتاليف والتخطيط وترميم الكتب القديمة. ودفن في كنيسة مار گورگيس في القوش.

 

من مؤلفاته :

 12ـ الرهبانية 507 فيها مقالات لعدة مؤلفين.

 

ولابد ان يكون لهذا الكاهن العظيم الذي كرس كل حياته في التاليف والتخطيط والاستنساخ واصلاح وترميم الكتب القديمة لابد وان يكون للمرحوم له مؤلفات وانجازات اخرى لم تفهرس لسبب او لاخر, سيما كما قلنا انه قد تعرض الى المضايقات وتعرضت  مكتبته وكتبه للحرق.

 

ومن المخطوطات القديمة التي قام بترميمها وتصليحها او اعادة استنساخها منها:

1 ـ الانجيل المقدس مكتبة تللسقف رقم 2 جدده سنة 1882م . 2ـ كتاب الحوذرة  مكتبة تللسقف رقم 2جدده سنة 1887م. 3ـ الانجل المقدس ل(عطايا) مكتبة القوش رقم 96 جدده وجلده سنة 1898م. 4ـ كشكول ب, مكتبة القوش رقم 103 جدده وجلده سنة 1922م .5 ـ گزّا, مكتبة مار ايشعياـ الموصل رقم  (4) 1906م.

ومن الجدير بالذكر ان القوش انجبت غدد كبير من الخطاطين  لذلك اطلق عليها مطبعتا دمدنحا (مطبعة الشرق) وعلى سبيل المثال زمنذ القرن السابع عشر وحتى مطلع القرن العشرين انجبت القوش من الخطاطين:

1ـ من بيت شكوانا 18 خطاطاً  2ـ بيت هومو 19 خطاطا .

ومن عوائل القوشية اخرى 25 خطاطا.. ليصبح مجموعهم 42 خطاطاً فقط في ثلاثة قرون الاخيرة.

المصدر : الكهنوت في القوش . القس هرمز صليوا صنا