اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قصّة: ألطاحونة المائية// ترجمة: يعقوب أفرام مصور

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

من التراث الشعبي الإنكليزي

قصّة: ألطاحونة المائية

ترجمة: يعقوب أفرام مصور

 

     يندفع الماء وينصبّ على خزان الطاحونة، والعجلة الكبيرة تدور، وصوت الطحّان يدوّي، وفي أثناء العمل يرتفع صوت الطحّان مغنّيًا بعذوبة هذه الأغنية:

تعلّم لتعمل بأقصى الحيويّة

إشتغل ما دام النهار

فالطاحون لن يطحنَ بالماء الذي اجتازه.

     فقال (جاك) الصغير، نجل الطحّان، مستفهمًا والدَه : " لماذا؟ "، إذ هو يروم معرفة سبب كل شيء. أجابه والدُه، وهو يؤرجح كيسَ قمحٍ بذراعه القويّة كما لو كان الكيس أخفَّ من ريشة: " لأن الماء لا يعود بعدُ أبدًا."

     خرج (جاك) من مبنى الطاحونة، ونظر إلى الجدول حيث رغوة تيّار الطاحونة، ولاحظ طرطشتَه وفقاعاته تحت الجسر، وأثناء مروره بالمساكن، ثم جريانَه وئيدًا بين الضفاف الخُضر عِبر المروج إلى أن تلاشى في النهر الأزرق البعيد.

     وأخذ دولاب الطاحون يقرقع ويعيد: " لا يعود، لا يعود أبدًا." عاد (جاك) إلى الطاحون، حزين الطلعة، متسائلاً: " لِمَ لا يعود أبدًا ؟" فقال الطحّان : " بنيَّ، إنه أحد قوانين الله، فالوقت والتيّار لا ينتظران أحدًا. لكن لا يهمّ، لو أننا نمسك الدقائق وهي تمضي سراعًا، وهيّأنا للماء أن يعمل في أوان جريانه. هلمّ، هاتِ يدك، وأعِنّي لنقل هذه الأكياس!"

     كان (جاك) مستعدًا تمام الإستعداد للمساعدة. لم يُحب شيئًا بمقدار محبته العمل في الطاحونة. فكان قد تعلّم كل الأشياء الواجب عملها، من تزويد حجَرَي الرحى الثقيلين بالحنطة، إلى ملء الأكياس بالطحين الأبيض، إذ سرعان ما غدا منشغلاً كأبيه، وصار صوت الرجل والغلام يرتفعان مع قعقعة العجلة الكبيرة حينما ينشدان أغنية الطاحونة:" تعلّم لتعمل بأقصى الحيويّة ـ إشتغل ما دام النهار ـ فالطاحون لن يطحن بالماء الذي اجتازه ."

     لكن  صادف أن توقّف الدولاب عن القرقعة، وانقطع الطحّان عن الغناء، إذ خلال أسابيع طويلة لم تسقط  قطرة مطر واحدة، وطفق الجدول المائي في التضاؤل شيئًا فشيئًا حتى لم يبقَ فيه شيء غيرَ خيطٍ من الماء، وهذا المقدار كان عاجزٍا عن تشغيل الرحى. بعد أيام وردت رسالة من فلاّح

 

مزارع  كان قد أرسل إليه كمية كبيرة من القمح ليُطحَن، ونص الرسالة "إن لم يتسنَّ للطحّان أن يُسلّم للفلاّح المزارع وجبتَه الأولى من الطحين حالاً، فعلى المزارع أن ينقل كميتَه من الحنطة إلى الطاحونة الجديدة البخاريّة في المدينة". فتأوّه الطحّان الحزين، قائلاً:" إذا فعل الفلاّح المزارع ذلك، فسأهلك. لأنني سأغدو بلا عمل عند هطول المطر، وأكون قد أنفقتُ مالي كلَّه." لذا عزم الطحّان على الذهاب إلى المزرعة التي تنأى عنه عشرة أميال، ليترجّى المزارع أن يُمهِلَه أسبوعًا آخَر لتسلُّمِه الطحين، وبذا يكون قد منحَه فرصةً أخرى.

     لاحظ (جاك) أباه ماضيًا في سيره على طريق مُغبِر تحت أشعة الشمس الساطعة. ثم نظر حواليه بأسى، وإلى الزهور في الحديقة العطشى، والحشيش المحروق في الرياض الذابلة على حافة الطريق، والأغصان العارية من الأشجار، فرفع ناظريه إلى السماء الصافية، وقال:" ألن تُمطر ثانية؟".

     في أقصى الناحية الغربية، إستطاع رؤية بُقعة دكناء على امتداد لون زرقة البحر، وهَمهَم:" ما هو ذاك؟"، فارِكًا عينَيه ليُحسنَ النظر. رُوَيدًا رويدًا، إزدادت البقعة سعةً وسوادًا، وبدت تقترب، وأضحى الهواء وخمًا وحارًا. لكنّ مُحَيّا (جاك) لاح عليه البِشر، وقلبه طفح بالبهجة، فهتف مغتبطًا: أعتقد كونها سحابة جالبة الغيث ! فكانت كذلك. قبل أن تنصرم ساعة، إختفت زرقة السماء وراء الغيوم الداكنة الكثيفة، وبدأ الرعد يقرقع، وأخذ الغيث يهطل مدرارًا على الأرض الظمأى، مُشكِّلاً بذلك سيولاً لم يسبق أن إنهمر مثيلها.

     سرعان ما أخذت قطرات الماء من الساقية تتساقط على خزّان الطاحون، ثم تحوّلت إلى سيلان رفيق مبهج يتضاعف صوتها كل لحظة. فكان (جاك) يلاحظ بين حين وآخر دولاب الطاحونة لتبدأ الدورات ببطءٍ شديد أوّل وهلة، ثم أسرع فأسرع مع مرور الدقائق، وهي تقعقع جادّةً أكثر فأكثر :" لا يعود، لا يعود، لا يعود أبدًا". فصرخ قائلاً :" لا يعود القهقرى مطلقًا"، لكنه سيعمل قبل أن يمضي، وهرع إلى الطاحونة.

     لم يكن من اليسير على صبي تشغيل الطاحون، لكن (جاك) كان عارفًا ما يفعل بالضبط، وبذل أقصى جهدَه. وحين تحوّل سيلان الماء الرفيق من الساقية ليغدو هديرًا متواصلاً، صار حجرا الرحى الثقيلان يطحنان حنطة الفلاّح المزارع، وجلجلة المكا ئن وسُحب غبار الدقيق المتطاير دلائل تُنبئ أن عطلة الطاحونة ـ التي طال أمدها ـ قد انصرمت.

      عندما أرخى المساء سدولَه، كان الطحّان يعاني من الوحل في سيره إلى البيت وقد تبلل،  لكنه كان في غاية السرور. إذ إن الفلاّح المزارع قد وعده بالإنتظار أسبوعًا لتسلّمِ طحينه، وإن الغيث قد هطل الآن مدرارًا، وكل شيء سيكون حسنًا. فها هو قد ابتسم الآن بعد سماعه هدير الماء في قناة الطاحون، إذ قال في صمته : سأُسرع في تشغيلك يا صديقي!

     لكنه وقف منذهلاً حين وعى صوتًا مألوفًا لديه، وقال :" ماذا...حتمًا إنها الآن تشتغل !" ، قال ذلك وهو يهرع نحو باب الطاحونة المفتوح. في الداخل تمامًا، كان (جاك) مغبرًّا بالدقيق المتطاير كطحّان حقيقي، وهو يملأ كيسًا بالطحين، ويُغنّي بأعلى صوته : " تعلّم لتعمل بأقصى الحيوية ـ إعمل ما دام النهار ـ فالطاحون لن يطحن بالماء الذي جاوزَه."

     قال الطحّان الفارح، وهو يذرف عبرات الغبطة، ويبتهل إلى الرب : " باركْه!"

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.