كـتـاب ألموقع

كيف تُواجَه الحياة؟// يعقوب أفرام منصور

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

كيف تُواجَه الحياة؟

يعقوب أفرام منصور

أربيل

 

      سُئل أحدهم: كيف تواجِه الحياة؟ فأجاب: بالشجاعة والثبات. وسُئل آخَر السؤال عينه، فأجاب: بالصبر والإحتمال. وسُئل غيرُه السؤال نفسه: فأجاب بالعقل والتبصّر. وسُئل رابع، فقال: بالأمانة والصدق.

     والحقيقة إن مواجهة الحياة في صعابها ورزاياها ومعاكساتها القدّرية وأكدارها ومواقفها المُحرِجة أو المثبّطة، تكون بكل الوسائل والعلاجات التي وردت في الأجوبة المتباينة، الآنف ذكرها،، مجتمعة أو منفردة، تبعَا للأحوال ومتطلّباتها، ولا ريب في أنّ كلاً من المسؤولين الأربعة قد أجاب عن السؤال منطلقًا، من منظوره الخاص، إلى النقطة الأهم في الموضوع.

     وإذا كانت الشجاعة طليعة اساليب المواجهة الحياتيةـ وقد تكون الشجاعة في هذه الحالة أمضى من الشجاعة المطلوبة في سوح القتال وفي مواجهة الحتف، وخصوصًا إذا كانت من أجل الحفاظ على المبادئ والعقيدة والكرامة ـ فللثبات الراسخ والصمود البطولي دورهما البارز في قهر الصعاب والمظالم، ودحر الشدائد والمُلمّات  مهما طالت واشتدّت. قال الشاعر المهجري ألياس فرحات:

حياةُ مشَقّاتٍ ولكن لبُعدِها       عن الذُلِّ تحلو للأبيِّ وتَعذُبُ

فليس كالجُبن والتخاذُل والإنهيار النفسي من جالبٍ لسوء المغبّة في مجالات الحياة المكتَنَفة بالمشاق والأهوال وتعليل الجُبن والتخاذل واليأس، لدى كثيرين من أحياء هذا القرن، هو ضعف أو انعدام الإيمان بالله أو بقدرته أو رحمته أو إرادته، وعدم الإعتقاد بطاقات الفرد الذاتية، فهؤلاء يُمسون كمن يرى ذاته محاصَرًا ضمن أسوار عالية ذات أبواب مُحكمة الغلق دونَه، يعجز عن الخروج من أحدها.

     وإذا قيل في الأمثال: بقاء الحال من المُحال، فالصبر هنا خير مِعوان لمواجهة أيّ مُلِمّة أو غُمّة، فقيل في ذلك: دواء الدهر: ألصبر عليه. والمتنبّي هو القائل:

صبرتُ وكان الصبرُ منّي سجيّةً       وذلك أنّ الله أثنى على الصبرِ

وقال أبو تمّام:

كل الحادثاتِ وإنْ تناهتْ        فموصولٌ بها فَرَجٌ قريبُ

وقال نَهشل بن ضَمرة:

صبرنا له حتي يبوخَ وإنّما        تُفَرَّجُ أيامُ الكريهةِ بالصبرِ

     أما العفل والتبصّر، فقد قيل فيهما: العقل وزير ناصِح. وقيل أيضًا: من كانت فيه خُصلةٌ أرجَحُ من عقله، فبالحري أن تكون سبب حَتفِهِ  وقال بعض العلماء: كل شيء إذا كثُر رخص، إلاّ العقل، فإنه إذا كثُر غلا.

      أما الصدق والأمانة، فقد أوصى بهما الحُكماء والمُجرِّبون في التغلّب على العُسر والشدّة والضغط والضَنَك؛ نظير هذه الواقعة في مطلع القرن المنصرم من حياة عامل في مطعم: إستغنى عنه يومًا صاحب المطعم، فهام على وجهه باحثًا عن مورد رزق، وفي جيبه ديناران فقط. ثم عزم أن يعمل بائعًا متجوّلاً يبيع الملابس النسائية. فصادفَ أنّ جاريةً إبتاعت منه ثوبًا، تـقاضى منها ضعفَ ثمنه. لكنّه باتَ ليلته مؤرّقًا بتأنيب الضمير. ولمّا حبّب مولى الجارية أن تبتاع لها ثوبًا آخَرَ، وقصدته في اليوم التالي للتزوّد بثانٍ، أبى البائع أن يتسلّم ثمنّه، مُفيدًا إنه قد قبض منها البارحة ضعفَ ثمن الثوب الأول. فلمّا وقف سيّدها على جليّة الأمر، جعله ناظرًا على جميع مشتريات قصره الباذخ، فأصاب ـ بفضل أمانته وصدقه ـ  ثراءًا عظيمًا، وعاش عيشًا رغيدًا مرفّهًا!

     غير أنّ كثيرين في أيامنا، نأت عنهم القناعة والصدق والأمانة والرضا بالمقسوم، فهؤلاء قيل فيهم:

واقنعْ بما أُوتيتًهُ، تَنَلِ المُنى          وإذا دهتْكَ مُلِمّةٌ، قتَصبَّرِ

وإذا سَخَطتَ لِضَرِّ حالكَ مرّةً        ورأيت نفسَكَ قد عَدَتْ، فتبَضَّرِ