كـتـاب ألموقع

حركات جيل 68 وتأثيراته// يعقوب أفرام منصور

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

حركات جيل 68 وتأثيراته

يعقوب أفرام منصور

 

      أعرب الأستاذ  المحاضر في جامعة هامبورغ الألمانية غيرنوت  روتر Gernot Rotter في مجلة (فكر وفن) الألمانية بعددها 88 لعام 2008 ، عن تردده، لأول وهلة ولفترة قصيرة، في الإستجابة لطلب البعض  أن يكتب مقالاً عن جيل 68 الثوري المعارض والمتمرّد، وعن علم الإستشراق الألماني.  بيدَ أن ذكرى  واقعة  تافهة،  عايشها في عام 2001 في الجامعة المذكورة، سوّغت له الإستجابة للطلبة بأن يكتب عن الموضوع. ففي نهاية إحدى محاضراته أجرى مع بعض طلبته حديثًا أفصح عن دهشته من عدم قيام الطلبة بإبداء إمتعاضهم جهرًا، من خلال العمل السياسي، من الحالة التي آلت إليها عملية التعليم الجامعي عمومًا، وكذلك من الوهن المالي الذي تئنّ من وطأته فروع الدراسات الخاصّة بقضايا الشرق. فردّت على دهشته تلك طالبة بنبرة ساخرة، بوصفه كونه أحد أجداد المعارضة غير البرلمانية! وبعد الحيرة التي دهته أول الأمر، لم يلبث كثيرًا حتى اعتبر ذلك الوصف الساخر إطراءً وليس ذمًا!

 

     وفي ما يأتي أعرض موجزًا لآراء الكاتب في هذا المجال: " إن كانت المسمّيات: "المعارضة البرلمانية"، "ثورة الطلاّب" ، "جيل 68 " ما عادت لدى طلبة اليوم الراهن غير كونها مصطلحات لا تزيد معرفتهم بها على ما سمعوه عنها من خلال الرواية فقط،، فإنها لدى جيل الشيوخ تُبرز وقائع ذلك الزمن الذي فيه رأوا تحريرًا من قيود إجتماعية وسياسيّة عتيقة، يعترضون عليها بشدّة، وربما راموا نسفها بعد أن ركن إليها المجتمع بلا إمعان نظر، أو بلا إختبار مدى صوابها، إذ في الأقل شاء المجتمع الستيني، على أقل تقدير، إمعان النظر في تلك القيود واختبار مدى صحتها. بهذا المغزى، إن ذكرى هذا الزمن تُعيد إلى أذهان الشيوخ ذكريات عصر أراد من وجهة نظرهم السياسية تجديد السياسة والمجتمع، وتسبّب في تدهور الأخلاق، وإشاعة الدمار والفوضى بحسب وجهة نظر الآخرين.

 

    "ولا ريب في أن هذه الفترة الزمنية" "الستينيات" المنصرمة قد أيقظت في فروع عديدة من العلوم الإنسانية المتعارف عليها في الجامعات (الفلسفة، ألإجتماع، القانون، ألتربية، التاريخ، ألإقتصاد، الثقافات) مقدارًا من الإهتمام بضرورة طرح مسائل جديدة على بساط البحث؛ ومن حقائق الأمور أيضًا بأن فروع الإستشراق لم تستطع أن تبتعد بشكل مباشر وطويل عن التحوّلات التي مرّت بها الفروع العلمية والمعرفية الأخرى، وسيوافق على هذا التقييم حتى الطلاّب الذين لم يتعاطفوا مع النزعات الثورية في ذلك الجيل الستيني، ولم يمتلكوا حتى رغبة الإطّلاع على مغزى ومرامي ذلك العصيان والتمرّد الثوريين. والمهم تبيانه أنّ عمق التأثير المباشر الذي خلّفه ذلك العصيان والتمرّد على الفروع العلمية والمعرفية قد توقّف،  وما برح متوقّفًا، أي بعد جيل من تلك الفترة الستينية من القرن الأخير المنسلخ. أجل، فد توقّف تأثيرها المباشر في خصائص السيرتين الإجتماعية والسياسية، وهي خصائص إتسمت بها حياة كل فرد من الأساتذة والباحثين. فالإنتماء الطبقي والبيئة الإجتماعية والتعليم  والمدرّسون المشرفون على التعليم، والأساتذة الجامعيون خصوصًا الذين علّموا النشء آنذاك قد أثّروا جميعًا بشكل أساسي في صياغة المواقف التي وقفتها الأطراف المتباينة حيال الثورة الطلاّبية في الأقطار الأوربية والأمريكية.

 

      "في أواخر عام 1967 شهدت الدراسات الشرقيةـ الإسلامية حادثة أثارت إهتمامًا كبيرًا في جامعة هامبورغ التي كانت تركّز على قضايا الأقطار العربية تحديدًا، والحادثة هي أنّ في أحد إحتفالات رئاسة الجامعة، تجمهر الأساتذة في رواقها، مرتدين رداء (روب) الأستاذية، ومغطّين أكتافهم بالفرو، ومطوّقين أعناقهم بقماشة دانتيل، تماشيًا مع تقاليد العهود الماضية، فتظاهر طلبة القانون ضد مظهر الأساتذة بذاك الزي، رافعين لافتة تحمل هذه الكلمات [ ما في جُبّة الأستاذية غير عفن آلاف السنين]. فأثارت تلك اللافتة إمتعاض أستاذ الدراسات الإسلامية آنئذٍ (برتولد شبولر) الذي صرخ في وجه المتظاهرين قائلاً: "معسكر الإعتقال هو مكانكم المناسب". فغدت هذه الواقعة في ألمانيا الإتحادية رمزًا لتمرّد الطلبة على الهيكل الجامعي المحافظ، وثورتهم على الأفكار النازيّة الدارجة بنحوٍ مستتر في الجامعات، لكن تداعيات هذه الواقعة تضاعفت بعد برهة قصيرة، حين اكتُشف أن الأستاذ (شبولر) كان في دولة النازيين عضوًا في فريق الصاعقة."

 

        إشتمل مقال الأستاذ (غيرنوت) على جانب مهم هو بواعث الثورة الطلاّبية في الغرب عام 1968، إذ أفاد أن عموم المعاهد والجامعات كانت أرضًا خصبة لإنبات عقول تفكّر تفكيرًا نقديًا، وتهتم بالمسائل السياسية. فلما أعلنت الحشود الطلاّبية المسيطرة على الشوارع في ألمانيا أن ثورتها هي تمرّدٌ على سوء الأحوال الإجتماعية في ألمانيا وأوربا، كما هي تمثّل أستنكارهم عملية الإستغلال من قِبل الدول الإستعمارية والقوى الإمبريالية في دوَل العالم الثالث، كما تؤكّد على معارضتهم للحرب الفيتنامية، وعلى مساندتهم لحركات التحرر، وعلى إحتجاجهم على نظام الشاه في إيران، وقيامهم بتحويل هذا الإحتجاج إلى نقاشات طفقت تتسرّب تدريجًا إلى قاعات البحث الخاصّة بالدراسات الشرقية أيضًا حين  كانت الدراسات الإسلامية عمومًا والدراسات المتخصصة بإيران تحديدًاـ حتى ذلك الحين ـ غير آبهة بما يدور حولها من تمرّد واحتجاج. والباعث على هذا الإهتمام هو أن أساتذتهم ظلوا متمسّكين باهتمامهم الأكبر بالإطّلاع والإحاطة بكل ما يتعلّق بفقه اللغة العربية، وبدراسة الحقب المبكرة من التاريخ العربي والإسلامي.

 

       أعقّب على ما أسلفتُ من آراء ومعلومات الأستاذ (غيرنوت) بقولي : والآن  بعد نصف قرن تمامًا من تاريخ (حركات 1968)، ها هي الشعوب تلاحظ تصاعد المساوئ والمثالب في تضاعيف الشعب الإيراني، كما ترى دمار وحرائق سوريا وليبيا وتونس واليمن وفلسطين والصومال، وماجرى في العراق خلال 14 عامًا، ، وهبوط مستوى الأخلاق،، وازدياد الفساد والجشع، وتفاقم التناحرات المخططة، وتهافت الرؤساء المتغطرسين على الكراسي المعبودة التي ‘عُهِد إليها تلبية شهوات ومشيئات المفسدين في الأرض وأعداء البشرية ..ألا يرى حسنو الإطّلاع، والذين يفوقونني سعةً وموهبةً وحكمةً في ميدان حسن التعليل والتقدير، أن أوضاع حياة كوكبنا غدت في مسيس الحاجة إلى ثورات طلاّبية جديدة وعاجلة وأفعل من سابقاتها،  منبّهةً شعوب القرن الحادي والعشرين إلى وجوب  أن (يكون الإنسان سيّد نفسه) وليس ان يكون مسودًا عليه، كي يقرّر مصيرَه السليم بنفسه؟ إذ لا يليق بالبشرية المهذّبة العارفة المتحضّرة أن تترك حبلها على الغارب، فتتيح الفرصة لأعداء العالم والإنسانية أن يقرّروا مصيرها الكارثي حتمًا. هكذا أبدى (أرشيبالد روبرتسن) البريطاني قبل سبعين عامًا، إذ قال (ألإنسان سيّد نفسه) في عام 1948 ـ أي بعد دروس أحداث ونتائج الحرب العالمية الثانية بثلاثة أعوام.