اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

كوارث الطبيعة بين حقائق العِلم وعقائد البشَر// يعقوب أفرام منصور

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يعقوب أفرام منصور

 

عرض صفحة الكاتب

كوارث الطبيعة بين حقائق العِلم وعقائد البشَر

يعقوب أفرام منصور

 

    مروّعة جدًا كانت كارثة (تسونامي)  التي أصابت جنوب شرقي آسيا، ودهمت 26 بلدًا من القارّة  يوم 26ـ 12ـ 2004، ودامت بضعة أيام، فأحدثت من الإغراق والإجتياح الزاحف المتصاعد، والتدمير والإنهيارات والوفيات مقدارًا من السِعة والأعداد ما عدّه العلماء حدثًا وحيدًا من نوعه خلال القرنين الأخيرين، وسيبقى أثره المفجِع الهائل في ذاكرة ومخيلة الشعوب أمدًا طويلاً، يماثل تقريبًا ما ترك طوفان نوح العارم من أثر في ذاكرة الشعوب، الذي وقع في (أوقبل) الألف الثامن ق.م كما ثبت ذلك علميًا في أواسط الثمانينيات من القرن المنصرم قبل انتهاء الحرب الباردة ( بجهود  فريقين علميين أمريكي وروسي  برفقة علماء محيطات من روسيا وبلغاريا وتركيا)، وعُلّل سببه بكونه ذوَبانًا جليديًا هائلًا غمر الأقاليم المتاخمة لحوض البحر الأسود من جميع أطرافه الشمالية والجنوبية وعلى مساحات شاسعة. أنظر كتاب (" طوفان نوح" في ضوءالإكتشافات العلمية الحديثة ـ الترجمة العربية من منشورات مجلة الفكر المسيحي البغداديىة وبيت الحكمةـ مطبعة النهار الجديدـ بغدادـ  2005).

 

        بعد تلك الكارثة الآسيوية الإستثنائية في هولها وسعتها ونوعها، تطارقت على ألواح ذاكرة الكثيرين  من البرايا أحداث كوارث  طبيعية لا تُنسى، حدثت إبان مطاوي آلاف السنين التي تعود بعضًا إلى كوارث طبيعية وقعت في أدوار ما قبل التاريخ، بدءًا من كارثة فيضان نوح الآنف ذكرها مرتين، والبراكبن العديدة التي اندلعت في أنحاء شبه جزيرة الأناضول(  تركيا الحالية)، وما تلاها من كوارث طبيعية في عهود من التاريخ المدوّن، وإلى أوائل القرن الحادي والعشرين، نظير كارثة (كنوسوس) التي وقعت في جزيرة (كريت) في بحر (إيجه) قرابة عام 1400 ق.م. التي نجمت عن زلازل عنيفة، عفت حضارتها الزاهرة التي بلغت أوجها في عهد الإمبراطورية الأكدية؛ فبركان(فيزوف) قرب ( نابولي) الإيطالية، المحفورة عميقًا في ذاكرة الشعوب، إذ طمرت حِمَمه في عام 79م مدينتَي بومبي وهركولانوم)، واندلع لاحقًا في عامَي 1906 و1944؛ ثم بركان (فوجي ياما) في اليابان ـ بلد الزلازل والإتهيارات؛ وزلزال (أغادير) المخرّب في المغرب المراكشي عام 1960 ؛  فزلازل تركيا المتوالية المدمّرة من عقود خلت وأزمان موغلة في القِدم، وبراكين إندونيسيا العديدة، فكارثة (المارتنيك) التي دوّى صداها المروّع بعد اندلاع بركانها في عام 1902، وبقي عالقًا في أذهان الكثيرين لقربه زمنيًا، ولهوله نسبيًا، ولخصوصيته، فقد كانت ضحاياه البشرية يونم 8 أيار 26 ألف نسمة بعد خمسة ثوانٍ فقط من انفجاره المرعب المدوّي والمؤدّي إلى تفحّم معظم الجثث، وتفجّر بعضها، وخلّف أرض الجزيرة بلقعًا مجرّدة من كل نبات بفعل النيران  الصاعقة المُذيبة كل شييء حِيالها، وذلك من شدّة ضغط الغاز المنحصر في أعماق طبقات الأرض، ممّا أدّى إلى التهابها المتفجّر من سقح الجبل.

 

عوامل وقوع الكوارث

       هذا هو التعليل العلمي لعوامل وقوع كارثة (المرتنيك) والكوارث المماثلة، إستنادًا إلى الدكتور (نيريس) أحد الناجين من كارثة، (المرتنيك) المروّعة، وكانت مجلة [ألضياء] للعلاّمة الشيخ إبراهيم اليازجي قد نشرت في 30ـ 6 ـ 1902 موجزًا لهذا التقرير العلمي التاريخي الذي علّل عوامل حدوث هذه الكارثة الطبيعية الفريدة الهائلة وهول الكوارث الطبيعية والفواجع المدمّرة المُهلكة التي تداهم البرايا بين آنٍ وآخر عبر مئات القرون.

      في هذا الصدد يُذكر أن أناسًا كثيرين في أيامنا يتساءلون، كما تساءل أسلافنا المؤمنون قبل قرون: ( أين هو الله من كل هذه الويلات المهلكات، والكوارث المُفجعات التي تلحق  البشر عباد الله، وجودًا وعمرانًا وحضارةً؟!) وبعد وقوع كارثة (تسونامي) الآسيوية، إنطلق هنا وهناك من أصقاع البسيطة هذا التساؤل من أصناف  وشرائح مختلفة من الملأ :[  أين الله  ـ سبحانه ـ من كل هذا الدمار الوسيع، والهلاك الجماعي الذي لحق الأحياء الذين غالبيتهم من الفقراء والمعدَمين والأبرياء والمهمّشين والقاصرين والمضطهَددين والمسحوقين، في حين لبث الألوف بل الملايين من عتاة المجرمين والجناة  والعدوانيين والفاسدين يسرحون ويمرحون ويقترفون الموبقات في أركان عديدة من الأرض، وهم في منأى عن قصاص العدل الإلاهي الذي يصبو إليه كثيرون من عباد الله؟!]

       وممّا نجم عن كارثة (تسونامي ) عام 2004 ، وتبيّن لاحقًا، هو أن محور دوران الأرض حول نفسها ـ المائل أصلاً ـ قد ازداد ميلانه بمقدار درجة تقريبًا؛ والمعلوم أن ميلان المحور المذكور هو الذي يسبب حصول الفصول المناخية الأربعة كل عام. ولا يُستبعد أن الزيادة  هذه قد ولّدت تأثيرًا مناخيًا طفيفًا.

        وقامت مواقع  إلكترونية عدّة باستجلاء آراء الزائرين في هذه المسألة من خلال الردود على هذا السؤال: هل توافق على أن الزلزال غضب ربّاني، كما يُشيع بعض الأصوليين من مختلف الديانات؟ فكانت الردود:  40,3  نعم، و 51,7  كلاّ  و 9,7 %  لا أدري.  أي أكثر من نصف المجيبين، نزّهوا الله عن مصائب البشر.  ومع ذلك كانت "نعم" قويّة أو غير هيّنة نسبيًا.

 

آراء وتعليقات بخصوص أحداث تمسّ الواقع

في هذا الصدد يقول الأب يوسف توما، رئيس تحرير مجلة (ألفكر المسيحي)، في عددها المزدوج لشهرَي كانون الثاني وشباط 2005 : ( من المحزن أن الذين إعترفوا بجهلهم هم ـ للأسف ـ أقلّيّة، وهذا يُثبت أن مشكلة العالم ليست في نقص العلماء، وإنما في إدّعاء الكثيرين أنهم يعرفون. وهذا شأن الناس في تديّنهم وتعاملهم مع المعطيات الغيبية، إذا ما مسّت الواقع، فالكلّ يُدلي بدلوه باعتماد الرأي والرأي الآخر، وهذا ممّا حوّل الديانات ـ في تعاملها الشعبي والأمّي ـ إلى ديانات قلق وخوف ووسواسيّة، أو مجرّد محاولات للتخلّص من مشاعر الذنب والنقص. فالسؤال هنا لم يَطرح:  كيف حدثت الكارثة، وإنما: أين الله منها؟ فجاءت الأجوبة متسارعة، ملفلفة،  وبعضهم أخذ يدردش ويتخرّص.)

 

      وفي 8ـ2ـ2005 طالعتُ في جريدة (ألزمان) البغدادية مقالاً للدكتور حسن حنفي (مفكّر مصري) تحت عنوان( ألعمل الإلاهي في جنوب شرقي آسيا)، فلم يرُقني العنوان لكونه يوحي في أول وهلة للقارئ بأن الكارثة الآسيوية كانت قصاصًا إلاهيًا لشعوب جنوب شرقي آسيا (!)، تطبيقًا للعدل الإلاهي، وكأن شعوب هذه المنطقة هم أكثر من بقية شعوب العالم رداءةً واستحقاقًا للعقاب الإلاهي !! ولمّا كنتُ مرجّحًا أن صيغة العنوان  الكبير للمقال ليست من قلم الكاتب، خاطبتُه برسالة في 12ـ 2ـ 2005 مبديًا رأيي أن الأنسب منه  كان سيغدو الإكتفاء بصيغة العنوان الصغير (ألكوارث الإنسانية مدعاة للتأمّل) وهو الذي وُضع فوق العنوان الكبير( ألعمل الإلاهي في جنوب شرقي آسيا)، خصوصًا وأن مضمون المقال ينطبق على مدلول العنوان الصغير وليس على العنوان الكبير.

 

  أسباب حدوث الكوارث الطبيعية

     إن تعليل هذه الكوارث الطبيعية، على اختلافها،  ينطوي على ثلاثة أبعاد، أولها بُعد إيماني، لاهوتي، غيبي،؛  وثانيها بُعد علمي ؛ وثالثها بُعد فلسفي. ويبدو أن التعليل العلمي هو الأكثر قبولاً لأنه قائم على حقائق علمية راسخة موثوقة جيولوجيًا وفيزيائيًا وكيميائيًا، وليس على أوهام وغيبيات واجتهادات نائية عن الواقع أو الآراء الفلسفية التي من شأنها التنوّع والتضارب وعدم الصمود أمام الحقائق التجريبية الملموسة، وتتنافى مع الكمال الإلاهي المطلق الذي من سماته البارزة: العدالة الإلاهية، وحبه للبشر؛ في حين أن تلك العدالة نفسها، يُعزِي إليها بعض الخلائق: ألإيذاء والإهلاك العشوائي على نطاق واسع وبشكل لا  يميّز بين الصالحين والطالحين، وبين الخيّرين والأشرار، وبين المساكين والمتجبّرين، حين يعدّون الكوارث قصاصًا وتطبيقًا للعدل الإلاهي! وكيف يكون تطبيق هذا العدل حين يكون نازلاً على مجموعة أو مجاميع تضمّ صالحين وطالحين في حين يستحيل أستثناء وعزل الصالحين من الطالحين والأشرار والأثمة ( وهم كثرة  دائمًا) مثلاً وافتراضًا؟!! فالعزل والإستثناء بين الفئتين (في أثناء الكوارث) مستحيل منذ البدء، ولم يحدث ولن يحدث.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.