كـتـاب ألموقع

رواية ((جاسم وجوليا)) للأديب زيد الشهيد جولة الذاكرة// حميد الحريـزي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

رواية ((جاسم وجوليا))* للأديب زيد الشهيد

جولة الذاكرة بين نيران الجحيم ونسائم الجنـــــــــة

حميد الحريــزي

 

العنوان دلالة المتــن

عنوان الرواية ومنذ النظرة الأولى يؤشر للمتلقي انه أمام بيئتين وحضارتين  مختلفتين، فجاسم ابن البيئة العراقية الشرقية الريفية بكل صفاتها ومواصفاتها، وطريقة حياتها من حيث العرف الاجتماعي السائد والمشبع بروح الجهل والتخلف  والحرمان، والمقهور والمقبور بسوط سلطات قمعية استبدادية لعشرات القرون منذ  ما قبل التاريخ ولحين التاريخ...

في حين تدل ((جوليا)) إلى حضارة الغرب وما يمثله من حرية في التفكير  والعقيدة، وضمان للحرية الشخصية، وتقدم علمي، وسيادة القانون في دولة تضمن الحريات الخاصة والعامة، فلا رابط بينهما سوى حرف الجيم مفتتح اسميهما،  ودالة كونهما من الجنس البشري، وهذا المعنى ما سوف نجده في متن الرواية  وفصولها المتعددة  ...

حاكم يعشق الحروب وشعب ضيعته الدروب!!!

تحكي الرواية قصة شاب مهاجر يعيش في لندن عاصمة الضباب والحب  والجمال، يشده الحنين إلي وطنه، ويحفزه الوفاء لرؤية والدته التي أنهكها المرض ومعاناتها المرعبة من جور السلطات على زوجها ((شلال)) المناضل الذي قتل  في جبال كردستان حيث  كان ضمن فصائل الأنصار المقاتلة ضد النظام،  وأولادها ،((جاسم)) و((سالم)) المقيم في ألمانيا هربا من بطش النظام وقمعه  الذي لا يرحم ...

((جاسم)) يغيب في احد زنازين الديكتاتور متهما كغيره من العراقيين المتواجدين  في الغرب، فالنظام المأزوم والمحارب من قبل الأنظمة الغربية، اخذ يشك بأغلب  أبناء شعبه وخصوصا من المثقفين والمتعلمين من المهاجرين متهما إياهم  بالتجسس لصالح الدول الغربية العدوة المتآمرة على النظام ((الثوري))، وقائده المظفر حيث أصبحت الشهادة العلمية مثيرة للشبهات بالنسبة للنظام، الذي لا يأمن الا بالجهلة وأشباه الجهلة، وقطيع يأتمر بأمر الراعي وعصاه السحرية، التي  يتكئ عليها كرسيه ويهش بها غنمه...

يتعرض ((جاسم)) لشتى أنواع التعذيب والاهانة والتجويع والإذلال من قبل جلاديه  في معتقله مطالبته بالاعتراف بتهمة التجسس لصالح دولة أجنبية وصلاته  بالمعارضة العراقية ((العميلة)) في الخارج...

لم يستطع الخلاص من السجن الا بعد إن اشتد القصف على بغداد وأخذت  أجهزته القمعية بالتفكك، وبدافع من صحوة ضمير يبادر العريف ((برهان))   باستغفال ضباط السجن ومراتبه وفتح الأبواب للسجناء وإعطائهم فرصة للهرب، فليس مستبعدا أن يدمر السجن بمن فيه من قبل الطائرات المعادية في أية لحظة،  وان بقاءهم كضباط ومراتب في هذا المكان الخطير مرهون بوجود هؤلاء السجناء، حيث  ارتبطت حرية الجلاد بحرية الضحية...

وهكذا كان، إذ استأجر ((جاسم)) سيارة أجرة إلي ((كراج العلاوي)) لتقله إلي مدينته الجنوبية، ولكنه يلاحظ الاستنفار الكبير لقوات الأمن ونصبها السيطرات   في الطرقات وتقاطعاتها للتدقيق في هويات الناس، مما يدل إن انكشاف أمر هروبهم قد بلغ السلطات العليا فاستنفرت قواتها لإلقاء القبض عليهم، ترجل من السيارة راكبا بلما للعبور إلي الضفة الأخرى تحاشيا للوقوع في قبضة السلطات، ولكن قطعان الزيتوني المستنفرة أخذت تضيق عليه الخناق كلما اقترب من  ((كراج العلاوي))، بالإضافة إلي انه أدرك إن رقابتهم ستكون مشددة على  ركاب السيارات المتجهة نحو الجنوب لذلك فليس من صالحه السفر في الوقت الحاضر ...فقرر إن يلتجأ إلي مكان يؤبه حتى تنسحب المفارز، فاستطاع أن يقفز إلي داخل ((المتحف العراقي)) ويختبأ بين أغصان شجرة الزيتون في حديقة المتحف وهنا يعرج  بنا الكاتب إلي دلالات جديدة  ومنها:-

شجرة الزيتون \

 لتكون مظلة حماية للسجين الهارب ((جاسم)) وهنا عودة إلي موروث شعبي وديني حيث تعتبر شجرة الزيتون شجرة مباركة ذكرت في القرآن الكريم، ورمزا  للسلام والمحبة لكي يؤمن من خوف ويستظل بالسكينة وحماية المبارك، حاله  حال الطيور الذي أحس خشخشتها بين أغصان الشجرة  وهو يراقب حركة أزلام  السلطة وهي تمسح الشوارع في الخارج وتدقق داخل سياج المتحف علها تعثر على صيدها وتطبق عليه بمخالبه القذرة، مكرسين كل وحشيتهم وقواهم للإجهاز على ابن الشعب ((عدو)) الداخل، تاركين الأرض والسماء تحت رحمة العدو الخارجي الذي زلزل الأرض تحت إقدامهم وأصبح على قاب قوسين أو أدنى من   قطع رؤوسهم وهدم قصورهم..

ثانيا \ المتحـــف

اختار الكاتب أن يكون المتحف، إي تراث العراقيين عبر مختلف عصوره الموغلة في القدم ليكون مخبأه للخلاص من أيدي الجلادين، هذه التماثيل واللقى والكتابات  التي تحمل تاريخ الشعب لآلاف من سنين خلت، منذ سومر وأشور، مستعرضا   من خلال تجواله حروبهم وصراعاتهم، ودورية نشوء وازدهار ومن ثم خراب  وانهيار ممالك لتحل محلها أخرى، يصرح ويلمح الكاتب عبر ملاحظات بطله  للتاريخ الموغل في القدم من البطش والقتل والقهر للإنسان البسيط العادي  وسيلة الحاكم الطاغية للسيطرة والهيمنة لتلبية ملذاته وبذخه وامتلاكه السهول والأنهار والهضاب والحيوانات والرقاب، منذ جلجامش وآشور بانيبال وانكيدو وألهتهم  صاحبة الغرائز والميالة للبطش والتدمير لا يرضيها إلا إشباع رغباتها وغرائزها  ونزواتها... هي ومن يمثلونها من الكهان، اللذين وضعوا كل خيرات الأرض  تحت سيطرتهم فامتلكوا الضياع والقلاع، وصادروا كد وجهد الإنسان الكادح – الم يخلق الإنسان من طين ودم الإله ليشقى ويكدح من اجلها -، استباحوا أجساد  النساء تحت ذريعة البغي المقدس وزواج الإلهة النزقة الشبقة دوما، يبدأ موظفوا  المتحف وحراسه يتملصون من الدوام تحت رهبة القصف واقتراب دبابات المحتلين من قلب العاصمة، تكسرت التماثيل وتمرغت هيبة الملوك في وحل الهزيمة لتقف  عاجزة لا تدفع عن نفسها ضررا فتهاوت تحت أصوات الانفجارات، ثم أسرت  ومثل بها من قبل رعاع الناس الذين هبوا كالجراد الأصفر يحطم ويأكل كل ما يقع   في طريقها هنا يريد الكاتب إن يقول على لسان بطله الهارب بان لا سلطان  الماضي ولا سلطان الحاضر يمكن أن يؤمن له حياة حرة كريمة آمنة، أما هذه  الرعاع فهي كالهوام والحشرات تقبع ساكنة تحت أغطية القمع والقهر للطغاة، في حين تظهر كل همجيتها ورعونتها ولا معقوليتها فور رفع هذا الغطاء لتهب زرافات  وقطعان لتدمر وتنهب كل مؤسسات الدولة التي لا تربطهم بها سوى رابطة الخوف والقمع، وتقتل وتلاحق رموزها، وما إن تفرغ من هذا الجنون الهستيري حتى تبدأ تتقاتل فيما بينها في قتال دموي فينهب ويسلب  بعضها بعضا...

المرأة ضحية الحاكم الغاشم والمجتمع الظالم

المرأة \ نرى وضعها في العالم الأول وقد تحققت لها اغلب حقوقها ومنها وفي مقدمتها الحرية الشخصية، فهي حرة الروح والجسد مثالها ((جوليا)) مقارنة بنظيرتها العراقية، حيث تقهر وتعهر وتستعبد الحرة العفيفة الشريفة من قبل سلطة الدولة والمجتمع ،في حين يقطع رأسها النظام القمعي الحكومي والعرفي والديني كعقاب لعمل دفعت إليه دفعا  شارك فيه الحاكم الغاشم والمجتمع الظالم .مثالها ((أم راجحة)) وابنتها ((راجحة)) التي رمي رأسها المقطوع من قبل وحوش الديكتاتور وحسب توجيهاته في حملته الإيمانية بتهمة ممارسة البغاء ((خرجت المرأة الخمسينية بوجه اصفر كالليمونة، وعينين ذابلتين وشفتين زرقاوين، وعباءة موحلة ومرقعة تستقبل الطارق ولم يكن الطارق واحدا بل ثلاثة انزلوا كيسا أبيض من سيارة بيك اب عند قدميها، بعدها ركبوا السيارة وانطلقوا)) ص222.

حال ((أم راجحة)) حال اغلب النساء العراقيات المحرومات من الحرية والعيش الكريم، الأرامل والمطلقات وفاقدات الأبناء والأزواج والأحباب في حروب قذرة هوجاء لا تنتهي، أخيارهم في السجون والمنافي والمعتقلات، وأشرارهم يد السلطة  المجرمة وأدواتها القمعية من الجلادين والمخبرين والقتلة المأجورين.

المثقف الواعي هو الحائر المغترب المطارد المنبوذ

يجري ((جاسم)) حورا مستحضرا أهل العقل والعلم والحكمة في الماضي  والحاضر، فهم ضحايا دائما، فيظهر (( طه باقر)) عالم الآثار لجاسم مرشدا  ودالا ومشيدا بجهود علماء الغرب المضنية للكشف عن تاريخنا وتراثنا، وخوفهم على ضياع وخرابه، يستعرض مدراء المتحف ومنقييه وهم يذرفون دموع الأسى على  سجل حضارات تمزقه اكف الجهلة، تحت نظر وسمع من جاؤوا تحت ذريعة  التحرير والتنوير...

لهم النعيم ولنا الجحيم

((مددنا لهم كفا تمتلئ عسلا، بصقوا على العسل وبتروا الكف، ثم استداروا لخانقهم يقبلون يده، ويركعون ليمسحوا جبهتهم بتراب قدميه.... فلا فائدة من شعب تريد أن تشعره بوجوده ليكون رأسا فيرفض مندفعا بكل أسلحة العناد ليبقى ذيلا)) ص117.

 بهذه  العقلية يحاول المستعمر أن يظهر بمظهر المحرر، وحامل جرار الذهب والمن والسلوى لشعوب البلدان المستعمرة لكن شعوب هذه البلدان ناكرة للجميل، شعوب تعشق مستعبديها وتقدس طغاتها ومضطهديها، تهرب من النعيم إلي الجحيم إنها شعوب لا تستحق الحرية  ولا  تأنس الحضارة والتنوير...

 نعم فالحرامي والوقائع والحقائق يوهم الشعوب بحسن نواياه، خصوصا وإنها ترزح  أما تحت نير محتل أخر أو تحت حكم طاغية يسومها العذاب، ولكن المؤلم حقا  إن يرى بعض مثقفي وأبناء هذه الشعوب ما يراه المحتل والمستعمر، غير مدركين  إنهم  بين  نيران الحاكم  المستبد  وبين  سندان  وجشع  وهمجية المحتل، فحالهم  كالهارب من كلب مسعور ليحتمي بعرين أسد جائع، فلا حرية ولا أمان ولا رفاه  للإنسان العراقي البسيط لا في زمن كلكامش ولا حمو رابي ولا في زمن الأتراك  ولا الفرس ولا انكليز ولا البعثيين الصدامين ولا في زمن الأمريكان ((المحررين))

هذا ما تثبته  الوقائع والحقائق الناصعة على الأرض...

نعم إنهم تمكنوا من نزع رداء الجهل والتخلف، وكسر صولجان طغيان السلطان  والكهان في بلدانهم، وامنوا لمواطنيهم الأمن والأمان ومستوى مرض من العيش الكريم، ولكنهم عملوا على إدامة هذا النعيم بنهب ثروات وقتل حياة الشعوب  المستعمرة وليس بالتقسيم العادل للثروة في بلدانهم، فهيمنت سلطات وطبقات الاستغلال على كراسي الحكم ومصادر الثروة عبر لعبة الديمقراطية المزيفة، تبهرنا  نحن أبناء الشرق الواقع تحت طغيان طغاة جبابرة....

ف ((جوليا)) وعائلتها وأجدادها من جند المستعمر لأهم ولا غم لهم سوى الحب  والمتعة فهم من علية القوم ومن وسط الطبقة الحاكمة، التي بنت حضارتها  ومفاخر عمرانها بعرق ودماء عمال وكادحي هذه  البلدان...

إن الإنسان في الغرب يعيش في نعيم الجنان في ظل أنظمته الاستعمارية الرأسمالية، بفعل ما نعيشه من جحيم تحت هيمنة أنظمتنا التي هي بالنتيجة صنيعة عالم ((النعيم))  وإحدى  خدمه  ومديمة رخائه.

مسح شامل للمكان، وحسابا للزمان واختيارا للشخصيات

ببراعته المعهودة تمكن الكاتب أن  يحمل كامرته عبر حروف قلمه لتصور لنا  مختلف شوارع  وحارات وحاضر العراق بغداد معالمها وساحاتها وشوارعها في الكرخ والرصافة وحياة ناسها ك أبو ستار بائع البيض المقلي بالدهن الحر، وأم راجحة التي قطع رأسها أزلام النظام بدعوى ممارستها للبغاء، رغم انه الهارب   ولكنه الراصد المراقب لما يجري كما يراه بطله ((جاسم)) أثناء سفره، واصفا  شوارع وساحات ومباني مدينة ((ليدز)) البريطانية أثناء تجواله مع حبيبته ((جوليا))، والسماوة مدينته الغافية على نهر الفرات، بستان مصيوي، وبستان آل ضويف وغيرها من الأسواق والحارات، و((فارما" الهندي، وحسين سلطان بائع الأعشاب وهاب شاكر ، و ((شهيد  بشيشي الخياط))....

كما انه وضع أمام القاريء سجلا وافيا لأبرز المنقبين من الأجانب ممن كانت لهم  انجازات كبيرة في اكتشاف العديد من الآثار الهامة والتي لا تقدر بثمن من بقايا  حضارات العراق القديمة كالألماني ((كولدوي))، و((ماكس ملوان)) ، و((اندريه باروت))، و ((السير جارلس ليوناردوولي)) ، ومشروع الروائية الشهيرة ((اجاثا كريستي)) في الكتابة عن  معاناة الإنسان العراقي في سجون الديكتاتور....

وهنا يريد أن يوصل الكاتب رسالة هامة للمتلقي بان هذا التراث الخالد إنما هو ملك الإنسانية جمعاء شرقها وغربها، إن هذا التراث سجل حي لحضارة العراق  وشعبه ولا علاقة له بالأنظمة الباقي منها ومن رحل، تخريبه والتفريط به جريمة  وطنية وإنسانية كبرى.

أسلوب سردي امتلك موسيقى الشعر وجمالية النثر 

يتميز الأديب زيد الشهيد بامتلاكه كنز لغوي لا ينضب وحس شاعري في  اختيار مفرداته ووضعها في مكانها ومعناها المناسب، بحيث يشعر القاريء بان المفردة  فرحة بما هي عليه لأنها في المكان والمحل والمعنى الأكمل والأدق والشامل، مما يجعلها تفيض بالمعنى الذي يمتع القاريء ويغني النص، ولو إننا أردنا أن نعيد  صياغة عبارة أو جملة لما عثرنا أجمل وأفضل وأكمل مما هو كائن، وهذه صفة لا يمتلكها إلا كاتب متمرس يمتلك أسرار جمال أداته اللغوية خصوصا وان لغتنا  العربية تكشف عن قدرتها المذهلة في التصوير والتعبير تمنحها بأريحية كبيرة  لمن  يمتلك  مفاتيح  أبواب رياضها الغنية  بالمعنى...

كما إن الكاتب امسك بقوة وتعامل بمهنية وحرفية عالية بخيوط الحبكة السردية،  فأنتج نسيجا متماسكا منسجما، فامتلك بلاغة القول وكفاءة إيصال المعنى، مما  يسعد القاريء ويأخذ بيده نحو مكامن الجمال والإبداع  دون ملل...

ولكن القاريء بعد إكماله قراءة الرواية لا ترتسم في مخيلته صورة شخصيات  الرواية بما فيها صورة ((جاسم))  ولا (( طه باقر))  و ((العريف برهان)) ولا حتى  لوالده ((شلال))، فشخصياته تمر على القاريء اسماءا وسلوك وليست إشكالا  هيئات وطبائع وحركات يتمثلها القاريء في مخيلته فيكسبها ذلك المزيد من  الواقعية والحيوية والتميز  وربما الفرادة...

 وهنا لا يسعني الإشارة إلا إلي هفوة واحدة حيث يصف صورة الجندي جد ((جوليا)) والذي ذكر أنها بالأبيض والأسود ولكنه حين يصفه ملونا ((كان  شابا وسيما ببدله كاكية قميصها بجيبين عريضين وأزرار ذهبية وبنطلون تشد ساقيه أشرطة كتانية خضراء..)) ص116.

أما من الجانب الفكري\ أرى إن هناك انبهارا بالحضارة الغربية الاستعمارية يولد  عند القاريء إن البطل ومن ورائه المؤلف وكأنه يصدق بأن الدافع في استعمار   مثل بلداننا إنما هو بدافع التحضر والتحرر وانتشال هذه الشعوب من براثن الفقر والجهل والقهر...

كما أن هناك انحيازا لفكرة خاطئة كما نرى، تحاول بعض الايدولوجيات ترسيخها  في أذهان الناس بأن الإنسان مجبول على الشر والقتل ولا فائدة من محاولات  إصلاحه ليسير في طريق الحب السلام

 ((إن الإنسان أيها الملك جبل على الشر، وروح القتل لديه متجذرة في أعماقه، دوافع السرقة، والعبث، والاستحواذ، والتشهير لا تزول من النفس البشرية أبدا))  ص124. تعاد  نفس  الفكرة في  ص 159.

وهذا رأي ينفيه علم النفس وعلم الاجتماع، والإنسان يولد صفحة بيضاء يرسم  المجتمع والبيئة التي يعيش في كنفها عليها خطوطه وألوانه، فالسلوك منتج بيئي  اجتماعي بالدرجة الأولى وليست صفة وراثية تخزنها جيناته كما تخزن لون عينيه  وشعره  وبشرته.....

ف ((شلال)) و ((جاسم))  و((سالم))  و((طه باقر)) وغيرهم الكثير وهم   عراقيون  وبشر،  وكذلك السراق  والقتلة  وأزلام  السلطة عراقيون وبشر أيضا، ففي الوقت الذي تمكنت ظروف القهر الاجتماعي والسلطوي إن تجرف قيم السلام  والمحبة من أدمغتهم، فقد عجزت عن اختراق أدمغة وتخريب سلوكيات الفئة  الأولى مما جعلها ترفع  لواء مقاومة التعسف والظلم  والقهر وتقديم التضحيات  على طريق الحرية والكرامة الإنسانية...

في الختام نقول إن الكاتب تمكن من إيصال رسالته الإبداعية بقدرة وكفاءة  تستحق التقدير، ولا غرابة إن يوحد الحب بين روح ((جاسم)) ابن السماوة و((جوليا)) ابنة لندن، فالإنسان أخ الإنسان بغض النظر عن القوميات والأعراق والأديان.

*رواية ((جاسم وجوليا)) 259 صفحة ط1 2016، دار امل الجديدة سورية - دمشق، لمؤلفها الأديب زيد الشهيد.